يوميات رحالة إلى العاصمة

عبدالاله أحمد بن الحسن عبقاري

الرحلة-1-

شاهت الوجوه، بعد أن وطئت قدما الفتى العاصمة الإدارية، كان الترقب يشوي الوجوه، فقد سبق في علم الظالم الأثيم أن مظلوما عشش الحيف في سويداء قلبه، لا بد أن ينتفض انتفاضة المكلوم، من حر هذا الزمن، وجور الأديان الجديدة، عُباد كثر: عبد الدرهم والدينار، وعبد الهوى والنفس، وتسربل الجاحد المتنطع بلواء الألمعية، ديني ديمقراطية والمعرفة أصل ردائي، وأردف متعقل منبوذ في زمان الغفلة وعَطَلة العقول: الذلقراطية، وشهق وزفر زفرة وغاب عن الأنظار فقد رمقته أعين لطالما تردت في أدران الخيانة وما تخفي الصدور كان أعظم؟.

هكذا غادرنا المعاقل والمساكن – أستغفر الله- قبور يحسبها الجاهل أضرحة أو ثبورا، إذا رأيتها حسبتها بقية مما ترك الاستخراب، يسمونه "استعمارا" ولم نر عمارة ولا تعميرا؟

وأردفت: ما لهذا توهم المتوهم، يرفع الوية الحضارة والتمدن والانفتاح، ويرمي بالسفاهة من هفت نفسه إلى العلياء.

كانت لفحات الحر والقر قد تسربت إلى تلك الوجوه الشابة وخطت عليها خطوطا مظلمة في زمن الإنصاف والمصالحة.. فقد ارتفعت هراوات الزمن الأغبر وهوت على رؤوس رجال ونساء التربية، بناة المجتمع، كانت الوجوه المتلهفة لتنفيذ الأمر الأعلى السماوي القدري المحتوم، تُحدِج وترمق رجال التربية بنظرة شزراء تتطاير منها أحقاد ذلك المعلم أو الفقيه الذي يحمل عصاه يدعو هذا أو ذاك  للخروج من غياهب الظلام الحالك، فيأبى ويتمنع كأنما يلقى في النار..

في هذا اليوم توجهت إلى العاصمة الإدارية، لا لأرى الوجوه الشاحبة المنادية بالكرامة والعدل والحرية، وقد لزمت هذا الخطاب ومع الأسف أسى، ينسي المرء في خضم التدافع مع ضنك العيش وجه عزيز لطالما أنست بقربه، وتنسمت عبق البراءة في محياه، أحلامنا وآمالنا وآلامنا، نسج من خيال حاكته عناكب الليل وما أوهن بيوتها؟

تتتايع النقم على رؤوس هؤلاء الشباب،فلا يملك الواحد منا إلا أن يرتد طرفه حسيرا من هذا الواقع المكلوم.

كانت أصوات خافتة قد بدأت تهمس في أذني عن سخف الحروف وحمق الكلمات، وتجَنِي الجمل والعبارات، لكن شمس الحقيقة ما فتئت ترسل خيوطها الألمعية،لآن نسائم عابرة قد فتحت آذانا صما وقلوبا غلفا،فتحررت من أسر الكلمات إلى جميل الخصال وحركة وفعل إلى تغيير .. ولا شيء غير التغيير !

أيها الموطن تجني على أكباد..على أفئدة رطبة،لما تتعجل زهرة الحياة الدنيا ؟!

وطني أضاقت أرضك بين مُشَرق ومُغَرب، ووسعت الثقلين، وضقت علي بما رحبت سهولك ووديانك؟

أيدركني ضيم ضيم وقد ربتت على كتفي ذات يوم، وحملتني رسالة الوطنية "حب الأوطان من الإيمان" فأخذتها شعلة وهاجة مضيئة ونثرتها في تلاميذ ما عادوا يتأخرون عن تلبية دعوة سماسرة البحر والبر، يحملون نعشا على الأكتاف، هديا وقربانا، لمحبتك يا وطني.. فلا يعدو أن يرميهم عبئا ثقيلا على شواطئ تمحق فيها الكرامة الإنسانية محقا" ولقد كرمنا بني آدم".

أيْ وطني ! حبك مجرى دمي، سكن فؤادي، وعشش في شغافه.

لمحت ثراك فعلمت أنه من لحم الأجداد، ووروده الفيحاء فعلمت أنها من سقي دمائهم الزكية الطاهرة.

وأنك لا تفتأ تطالبني بالدم واللحم جميعا، فأستبطئ الأجل وكلي سرور وحبور لنصرة قضيتك قضيي، أنت واحد الأمة  وأنا عقدت العزم مصدقا بخيريتها على نصرتها.

يحملني الشوق إلى اللقاء، وإن بعدت الشقة، وقل الزاد، فأطير بجناحي الرغبة والرجاء لأتخطى المسافات، فالعاصمة تعج بالضوضاء.. !

يتبع...

وسوم: العدد 820