الأستاذ الداعية المربي عادل محمد كنعان

(1925- 2018م)

clip_image002_1a61d.jpg

هو الداعية الإسلامي الكبير تعرض للتهميش والنسيان حتى إن شباب الحركة الإسلامية لا يعرفون عنه شيئاً ...

إنه علم من أعلام الدعوة، وأحد مؤسسي دار الأرقم في حلب ...والذي لا يعرفه الكثيرون أن الشيخ معاصر.

مولده، ونشأته:

clip_image004_bb53b.jpg

ولد عادل محمد كنعان في حلب عام 1925م ونشأ فيها في كنف والده محمد كنعان الذي كان يعمل شرطياً، ثم صار رئيساً للمخفر، وتنقل في بلاد كثيرة من جسر الشغور ومحنبل، وكانت العائلة تنتقل معه أحياناً، وكانت والدته من مدينة إدلب ومن أسرة تعمل في الزراعة والزيتون وكروم العنب .

دراسته، ومراحل تعليمه:

clip_image006_e50db.jpg

درس الصف الأول الابتدائي في مدرسة النجاة جانب جامع العثمانية ثم انتقل إلى إدلب، فبقي هناك عدة سنوات حصل خلالها على الشهادة الابتدائية عام 1938م في مدارس إدلب وريفه الجميل.

ثم درس الإعدادية والثانوية في مدينة حلب حيث درس في مدرسة الصناعة رغبة فيها لمدة سنة، وفي الصف الثاني أضرب الطلاب عن الدوام أكثر من نصف السنة، ثم زادت الإضرابات حتى أغلقت المدرسة، وتشرد الطلاب.

أراد عادل كنعان الدخول في مدرسة التجهيز الثاني، فرفض، فتوسط للإدارة بالشيخ حامد هلال، فقبل في الصف السابع، ثم تدرج في الدراسة حتى الصف التاسع ( الكفاءة)، وكان من أساتذته محمد العالم الذي اهتم به بعد حصوله على الدرجة التامة في مادة الرياضيات .

ثم انتقل إلى مدرسة التجهيز الأولى ( ثانوية المأمون)، فدرس الصف العاشر والحادي عشر علمي، ثم انتقل إلى البكالوريا الأدبي، وشارك في هذه المرحلة بنشاطات الإخوان المسلمين داخل الثانوية ..

وحصل على الشهادة الثانوية عام 1946/ 1947م.

ثم دخل كلية الحقوق، وتخرج فيها عام 1949م . 

كتب الأديب الأردني الراحل أحمد الجدع متحدثاً عن الشيخ الداعية عادل كنعان، فقال:

( دار الأرقم محطة بارزة في الدعوة الإسلامية، فقد لجأ رسول الله، ومن معه من المؤمنين، وهم لا يتجاوزن ثلاثين رجلاً إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي يتخفون فيها عن أعين المشركين، ويتدارسون أصول هذا الدين الجديد، ويُعَدّون إعداداً عميقاً لقيادة العالم .

كانت دار الأرقم هذه على الصفا، والصفا ليست جبلاً كما يتخيل الكثيرون، بل هي صخرة كبيرة لا تبعد كثيراً عن الكعبة المشرفة، ويستطيع الذاهب إليها من الكعبة أن يصلها في دقيقتين إن كان سريعاً وفي خمس إن لم يكن كذلك .

وهذا يعني أن الرسول عليه السلام اختار مكاناً محاطاً بالأعداء المتربصين به، وهو اختيار يقوم على نظرية معروفة من نظريات الأمن ممن خاف أعداءه !!

ومن هنا من دار الأرقم النبوية تخرج رجال الصفوة الذين قامت على أيديهم دعوة الإسلام والذين قادوا مسيرته حتى نشروا الإسلام في بلاد شاسعة شملت الدولتين العظيمتين في ذلك الوقت، فارس والروم .

وإلى الذين يستبعدون عودة الإسلام ونصره المؤزر قريباً في عالم اليوم نسوق لهم قول أحد الصحابة: " رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس، كل ذلك في خمس عشرة سنة " (1).

بل إن المسلمين غلبوا الفرس والروم في وقت واحد .

وعلى طريق دار الأرقم النبوية سار الشيخ عبد القادر السبسبي، فأسس دار الأرقم في حلب، وكان معه عدد من الرجال ساروا بهذه الدار سيرة الدار الأولى أو هم تحروا أن يسيروا سيرة الدار الأولى.

من هؤلاء الرجال ثلاثة عرفتهم: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري، والأستاذ عادل محمد كنعان ( أبو عمار ).

هؤلاء الرجال الحلبيين حققوا عن طريق دار الأرقم الحلبية إنجازات لا أكتب هذه المقالة لتفصيلها، إنما أنا أكتب هذه المقالة لأتحدث عن معرفتي بالأستاذ عادل محمد كنعان أحد مؤسسيها .

عرفت الأستاذ عادل كنعان في قطر عندما نقلت مدرساً إلى مدرسة قطر الإعدادية وكان الأستاذ عادل مديراً لها، وقد طالت إقامتي في هذه المدرسة عشرين عاماً، كان الأستاذ عادل مديراً لها أكثر من عشر سنوات، ثم نقل مفتشاً إدارياً .

كان الأستاذ عادل مديراً ناجحاً وأخاً عزيزاً، اختلطت ما بيننا علاقة الأخوة مع مسيرة التدريس، فكانت نموذجاً لما يمكن أن يكون ذلك منهجاً يسير عليه كل مدير مع مدرسيه حتى تنتهي العملية التربوية إلى مداها .

وكان أعظم ما أسداه الأخ الأستاذ عادل إليّ أن عرفني بأمير الشعر الإسلامي المعاصر عمر بهاء الدين الأميري.

كنت وأنا أكتب مقالات عن الشعراء الإسلاميين المعاصرين في مجلة المجتمع الكويتية في أوائل السبعينات من القرن العشرين قد كتبت مقالاً ضافياً عن عمر الأميري كشاعر من شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين، واطلع عليه الأستاذ عادل كنعان، فأخبرني أن الشاعر سوف يأتي إلى قطر أستاذاً زائراً في جامعتها وأنه على علاقة وثيقة به وسوف يعرفني به حال وصوله.

عندما حان وصول الشاعر ذهبت مع الأخ عادل إلى مطار الدوحة لاستقباله، فوجدت أيضاً في قاعة كبار الزوار رئيس جامعة قطر الأستاذ محمد إبراهيم كاظم في الانتظار، وكانت لحظة من لحظات حياتي الطيبة أن تعرفت على هذا الشاعر الكبير.

تعددت زيارات الشاعر الأميري لقطر، وتعددت لقاءاتي به مع الأستاذ عادل.

وقد عانى الأستاذ عادل من متاعب في القلب، فأجريت له عملية قلب مفتوح، وصادف ذلك وجود الأميري في الدوحة، فذهبنا سوياً لزيارته في مشفى حمد العام، وكانت مداعبات الأستاذ الأميري للأستاذ كنعان تسر الزائرين، ثم أتحفه بأبيات من الشعر بعنوان:" بالشفاء والعافية " بعضها صالح للنشر أثبته هنا، والبعض الآخر أُفَضِّلُ أن يُطوى، فلا ينشر:

"أبا العمار" والأيامُ تترى              ملونةً، فصبراً ثم صبرا

إذا ما كنت تألَمُ من جراحٍ        فذلك عارضٌ، وغداً ستبرا

ستحيا، بعدما عبستْ وغامتْ    ليالي الضُّر، عافيةً وبِشرا

وللإيمانِ والتسليم عُقبى          ومنذا منك بالتسليم أحرى

سيجزيك الإله رضاً ونعمى       ويحبو صبرك المحمود أجرا

ويجمع شملك الرحمنُ جمعاً       وتلقى من بنيك النُجبِ بِرّا

وأرخ هذه الأبيات في 4 رجب 1406 هـ، 13/3/1986م

بعد أن قدمت استقالتي من العمل في قطر أبطأت بنا الصلات، فهو عندما يسافر إلى الولايات المتحدة لزيارة أبنائه هناك يمر بعمان فيتصل بي فأراه، وعندما أذهب إلى قطر في زيارات متقطعة ومتباعدة أتصل به وأراه، ثم إن كل ذلك توقف وتقطعت بنا السبل.

أسأل دائماً عنه أولئك الذين يزورون قطر، فأطمئن عليه، مدّ الله في عمره وضاعف له حسناته.

وفي هذه الصورة يشارك في أول وقفة تضامنية لتأييد الثورة السورية، ويرتدي علم سورية الحرة في 8 فبراير 2013م .

وفاته:

clip_image009_848d3.jpg

توفي الأستاذ المربي المفضال الداعية الكريم عادل كنعان (أبو عمار) ظهر يوم الخميس في 5 من رجب 1439ه / الموافق 23 آذار 2018م عن عمر ناهز / 93 / عاماً.. قضاها في التعليم والتدريس والتربية والدعوة والجهاد .

أصداء الرحيل:

clip_image011_ed307.jpg

جماعة الإخوان المسلمين في سورية تنعى الداعية المربي عادل كنعان:

تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية الأخ الداعية المربي عادل محمد كنعان، الذي توفّاه الله تعالى ظهر الخميس الخامس من رجب/ 1439، في دار هجرته في قطر.

والفقيد “أبو عمار” أحد رواد وقيادات العمل الإسلامي في سورية بدءاً من الخمسينيات، ومن بقية جيل من المؤسسين لجمعية (دار الأرقم) في مدينته حلب، والتي كانت نواة جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط بشخصياتها ودعاتها ومنتسبيها؛ وإنما بفقهها وفكرها وأهدافها ووسائلها، والذي ما زال بعض الإخوان المسلمين متمسكين به أوفياء له.

ومن دار الأرقم في مرحلة ما قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، إلى مرحلة التأسيس والريادة، انتقل فقيدنا “أبو عمار” رائداً وقائداً ومعلماً، وظل وفياً لدعوته ولإخوانه أيضاً، إلى أن لقي ربه.

وعندما تأسست “ثانوية الغزالي” وتسلّم إداراتها الأخ الداعية محمد كنعان، قدّم الأنموذج الحي للمربي القدير، والإداري الحازم، والرجل الشفاف، والأنموذج الحي للداعية بحزمه وعزمه وألقه الفكري وحسن إداراته.

كان أبو عمار -رحمه الله تعالى- مع إدارته لثانوية الغزالي، عضواً نشطاً فاعلاً مؤثراً في إدارة الجماعة في مدينته حلب، وظل قائماً على ثغرته، حتى اضطر هذا الجيل من الأخيار إلى مغادرة موطنهم إلى أرض الله الواسعة.

وفي أرض الله الواسعة يظل الداعية داعية، والعامل عاملا، يؤسس ويبني، ويعمل ويقدّم. خمسة عقود ربما مرّت على مغادرة الأخ ( أبو عمار ) وطنه، ولكنك تستطيع أن تقول إن “أبو عمار ” لم يغادر وطنه، ولم يفارق دعوته ولا إخوانه، بل ظل متابعاً حريصاً قريباً.

كان من رفاقه المقربين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشاعر بهاء الدين الأميري، والذي نظم عدة قصائد خاصة أهداها لرفيق دربه.

رحم الله أخانا عادل محمد كنعان، وغفر ذنبه، وألحقه بالصالحين العاملين المجاهدين.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.

وأحرّ مشاعر العزاء لإخوان الأخ أبي عمار ومحبيه ولأسرته خاصة وأنجاله أجمعين.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

جماعة الإخوان المسلمين في سورية

المكتب الإعلامي

6 رجب 1439ه، الموافق 23 آذار 2018م

في وداع الراحلين:

وكتب الأستاذ زهير سالم يقول في نعيه:

"إنا لله وإنا إليه راجعون"

الأخ الداعية المربي عادل كنعان في ذمة الله

لقي وجه ربه ظهر الخميس الخامس من رجب / 1439، في دار هجرته في قطر، الأخ الداعية المربي عادل محمد كنعان.

بقية جيل من المؤسسين لجمعية ( دار الأرقم ) في مدينته حلب . دار الأرقم التي لا بد أن تذكر أبناء جيلنا بالأستاذ عبد القادر السبسبي المحامي، بعلمه وفقهه، ورؤيته وورعه ودينه، وقيامه على أمر الدعوة، على وطأة من الاستعمار، واضطراب المعالم. وإذا ذكرنا ( دار الأرقم ) بذكر بقية جيلها أخينا الراحل الحبيب ( أبو عمار ) فلا بدّ أن نذكر الداعية العامل صنو الأستاذ السبسي في إدارة دار الأرقم، الأستاذ (عادل دباس ) صاحب اليد والسبق في التمهيد لأرض الدعوة في حلب الشهباء.

كانت ( دار الأرقم ) في حلب نواة جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط بشخصياتها ودعاتها ومنتسبيها؛ وإنما بفقهها وفكرها وأهدافها ووسائلها، والذي ما زال بعض الإخوان المسلمين متمسكين به أوفياء له .

ومن دار الأرقم في مرحلة ما قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين إلى مرحلة التأسيس والريادة انتقل فقيدنا ( أبو عمار) رائداً وقائداً ومعلماً وظلّ وفيّاً لدعوته ولإخوانه أيضاً إلى أن لقي ربه. والوفاء لإخوان الدرب الطويل ملمح آخر في أخلاق الداعية، لا يدرك حقائقه إلا الكبار الكبار من الدعاة.

كان ( التعليم )، نشره وتعميمه، هدفاً استراتيجياً من أهداف جماعة الإخوان المسلمين .

ولذا فقد توجهت الجماعة إلى تأسيس العديد من المعاهد والمدارس وفتح معاهد التعليم الليلي ليتاح للعمال والبسطاء أن ينالوا نصيبهم من العلم.

يحدثني الأخ المحامي محمد عنجريني -رحمه الله تعالى- يقول: كنت عاملاً أمياً في مصنع الغزل والنسيج في حلب . ثم التحقت بمدارس الإخوان الليلية لتعليم الأميين، ثم أكملت حتى حزت على شهادة الحقوق . وصرت كما ترى

على هذا الأساس، وعلى قلة من الإمكانات المادية والمالية، تأسست في حلب ( ثانوية الغزالي ) شركة مساهمة، ساهمت في دعمها وتأسيسيها مساهمات الخيرين المحدودة، فمن كان يملك القدرة على تأسيس مدرسة في ذلك الزمان؟!

تأسست - ثانوية الغزالي - وتسلم إداراتها الأخ الداعية محمد كنعان، الذي نودعه اليوم بهذه الكلمات، فقدم الأنموذج الحي للمربي القدير، والإداري الحازم، والرجل الشفاف، الأنموذج الحي للداعية الذي، يختزن كل من قاربه، وتعرف عليه الكثير من الوقائع والأقاصيص عن حزمه وعزمه وألقه الفكري وحسن إداراته ..

كان أبو عمار -رحمه الله تعالى- مع إدارته لثانوية الغزالي . عضواً نشطاً فاعلاً مؤثراً في إدارة الجماعة في مدينته حلب، وظل قائماً على ثغرته، حتى اضطر هذا الجيل من الأخيار إلى مغادرة موطنهم إلى أرض الله الواسعة.

وفي أرض الله الواسعة يظل الداعية داعية . والعامل عاملاً، يؤسس، ويبني، ويعمل، ويقدم . كل الذين هجروا من أوطانهم ‘ مثل الأخ ( أبو عمار ) كانوا مثل الغيث حيث وقع نفع . كانوا مثل الطبيب الذي يداوي، ويواسي، ويبث الحياة.    فهل يحق لمريض أنقذه طبيبه من موت أو من موات أن يظل يلهج بما نسمع بعض الصغار يلهجون به اليوم ؟!!

خمسة عقود ربما مرت على مغادرة الأخ ( أبو عمار ) وطنه . ولكنك تستطيع أن تقول إن ( أبا عمار ) لم يغادر وطنه، ولم يفارق دعوته ولا إخوانه، بل ظل متابعاً حريصاً قريباً ..

صورة ثانوية الغزالي في مخيلة الطفل الصغير زهير ضبابية غائمة . ومن ضمنها صورة غرفة الإدارة والمدير ( أبو عمار ) يخلل أصابعه في شعر الطفل الصغير المرافق لزيارة قد تطول بين الكبار . يتحدثون ويتناقشون ..ولكن صورة الأخ ( أبو عمار ) في العقود الثلاثة الأخيرة تظل حاضرة حية واعية ..إلى أن فجعنا النعي بالأمس بخبر فقده ..

قلت الوفاء للدعوة، والوفاء للإخوان .. وعلى مدى عقود، يرن جرس الهاتف، فأسمع صوت الأخ أبي عمار، يأتي من بعيد قريباً دافئاً رخيماً متفقداً:    كيف أنت يا أبا الطيب ..ثم يردف مؤيداً لفكرة ، معمقاً لأخرى، مسدداً لثالثة، أو يقول لك: كنا في مجلس فذكرناك خذ سلم على أخيك فلان أو فلان ..

حين أفتقد اليوم أخانا ( أبو عمار ) أفتقد هذا الصوت إلى أن يأذن الله بلقاء . خلق سام أصيل ما عرفته إلا عند أخي أبي عمار وأخ كبير كريم ثان أسأل الله أن يرحم من فقدنا ويمتعنا بمن بقي ..

رحم الله أخانا عادل محمد كنعان، وغفر ذنبه ، وألحقه بالصالحين العاملين المجاهدين .اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ..

وأحر مشاعر العزاء لإخوان الأخ أبي عمار ومحبيه ولأسرته خاصة وأنجاله أجمعين.

وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

وكتبه زهير سالم : مدير مركز الشرق العربي .

لندن : 6 / رجب / 1439 - 23 / 3 / 2018

وكتب الأستاذ علي صدر الدين البيانوني:

( عظّم الله أجرنا جميعاً بوفاة أستاذنا وأخينا الكبير الداعية المربّي الأستاذ عادل كنعان (أبو عمار) رحمه الله.. فلقد كان أنموذجاً نادراً في الدعوة إلى الله على بصيرة.. ومثالاً حياً للداعية المتواضع الصابر الثابت على العهد..

اللهمّ آجرنا في مصيبتنا.. وعوّضنا خيراً.. اللهمّ تغمّده بواسع رحمتك.. وأسكنه فسيح جناته.. واجمعنا به في مستقرّ رحمتك.. مع الأنبياء والشهداء والصالحين.. وحسُن أولئك رفيقاً..

اللهمّ ألهمنا وإخوانه ومحبّيه وأسرته الكريمة الصبر وحسن العزاء.. اللهمّ لا تحرمنا أجره.. ولا تفتنا بعده.. واغفر لنا وله يا أرحم الراحمين.. اللهمّ إنه وفد عليك - وأنت أكرم الأكرمين - اللهمّ فاجعل قِراه منك الجنة.. اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه.. وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه برحمتك يا أرحم الراحمين.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

في وداع أخي الكبير الأستاذ عادل كنعان:

الثلاثاء 10 رجب 1439 - 27 مارس 2018م

كتب الدكتور عدنان زرزور يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله

جاءني الآن نعي أخي الكبير الفاضل الأستاذ عادل كنعان تغمده الله تعالى بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، عزائي لأهله وإخوانه وتلامذته، ولأهل قطر الكرام، وللسوريين المنكوبين وسائر بلاد الشام وبلاد العروبة والإسلام...

لقد كتبت عنه في أحد هوامش كتابي عن شيخنا (مصطفى السباعي) الذي مضى على طبعته الثانية الآن خمسة عشر عاماً- وكان قد أمدني ببعض المعلومات عن الشيخ - ما يلي:

(الأستاذ عادل كنعان، أحد رجال التربية الأفاضل، من مواليد مدينة حلب عام 1925م، تخرج في معهد الحقوق بدمشق عام 1949، وعُيِّن مدير ناحية في وزارة الداخلية لعدة سنوات، افتتح بعدها مدرسة خاصة باسم (ثانوية الغزالي) بحلب، وكان مديراً لها حتى عام 1966، ثم انتقل للعمل في الدوحة مديراً لمدرسة قطر الإعدادية، ثم مسؤولاً في التفتيش الإداري والمالي حتى أحيل على المعاش، وهو من الرعيل الأول الذي صحب الأستاذ السباعي، ولم ينقطع عن العمل في صفوف الدعوة الإسلامية من أيام (دار الأرقم ) بحلب، وهو كثير القراءة، واسع الاطلاع، وقد أفدت من ملاحظاته في بعض المراجعات والتصويبات، كما أفدت كذلك من ملاحظات الأخ الأستاذ هاني طايع الذي لم يبخل عليَّ بالمزيد من المراجع والدوريات... شكر الله للأخوين الكريمين، وجزاهما كل خير.

ثم مضى هاني (أبو ربيع) إلى ربه، منذ بضع سنوات، واليوم يمضي عادل (أبو عمار) رحم الله الأخوين الكريمين، وجزاهما عن العلم والدين، وعن عباده، أفضل الجزاء...

وأذكر أن الأخ أبا عمار اتصل بي في ضحى أحد الأيام- وكنت أسكن في فريج السودان بالدوحة- وقال: إني قادم إليك، وحضر وبيده نسخة من كتابي المشار إليه عن مصطفى السباعي، وقال لي: الآن فرغت من قراءة الكتاب... وأريد أن أقول لك: لو أنك لم تكتب طيلة حياتك إلا هذا الكتاب... لكفى... وكان -رحمه الله- شديد التأثر بما احتفظت به للأستاذ السباعي من حقه في كتابة التاريخ بوصفه أحد العظماء الذي عرفتهم سورية- وسائر البلاد العربية والإسلامية- في العصر الحديث.

ولكن أين سورية الآن؟ يا للحسرة التي تقطع نياط القلوب!

لقد مات الأخ أبو عمار وسورية قد مزقتها الجراح والآلام... ودم أطفالها ونسائها وشيوخها يسفك في كل يوم بأيدي عصابات الوحش والإجرام التي اجتمعت عليها من روسيا وإيران والعراق، ومن كل مكان، من صليبيين ومنافقين وفجّار وكذبة وحاقدين ومأجورين! ولا ريب في أن أسوأ هؤلاء وأكثرهم توحشاً هم المنافقون الحاقدون... أصحاب إسلام الضرار...

ويا للحسرة التي كانت تملأ قلب الأخ أبي عمار... لقد دفنت حلب بين يديه قبل موته... لم يشهد أبو عمار -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فقط دفن مدينته الماجدة العريقة حلب... بتاريخها الحافل وثقافتها الباهرة، وأعلامها الكبار... ولكنه شهد كذلك موت ضمير الإنسانية... أو ضمير الإنسان في الشرق والغرب.

ويا لعجائب المفارقات... لقد عاش أبو عمار طيلة حياته يربِّي الضمائر، ويفتح البصائر ، ويثري العقول، ولكنه لم يمت – حتى شهد موت الضمائر، وعمى البصائر ، وطمس العقول.

لقد عرفت المربي الفاضل الأستاذ عادل كنعان من أصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأخفضهم صوتاً، وأعفّهم لساناً، وأطولهم صمتًا، وأكثرهم – إن شاء الله تعالى – إنابةً وعبادة وتقوى.

وإذا كانت هذه الصفات ممَّا يعرفه أهله وإخوانه وسائر محبيه، فقد لا يعرف عنه كثير من الناس أنه كان من أكثر المثقفين قراءة واطلاعاً، فقد كان يقرأ بنهم، وبوعي وإفادة وحسن توظيف، ولا أذكر أن اسم كتاب طرق سمعه في بعض الجلسات العلمية إلا وقد قرأه أو اطلع عليه، أو وقف على فكرته العامة ومكانة مؤلّفه.

وقطر التي عاش في رحابها، وقام فيها على تربية الأجيال...أحبها وأحبته، ووفى لها ووفت له، مثله في ذلك مثل أخيه وزميله - وشيخه كما كان يدعوه- إمام الدعوة الإسلامية يوسف القرضاوي مدَّ الله في عمره، وأمتع به أمة الإسلام.

الجندي المجهول الأستاذ عادل كنعان:

وكتب الشيخ حسن عبد الحميد خاطرة عن الداعية يقول فيها:

دار الأرقم محطة بارزة في الدعوة الإسلامية فمن دار الأرقم النبوية انطلق الصحابة الكرام ونشروا الإسلام وأقاموا العدل في مشارق الأرض ومغاربها.

ومن دار الأرقم في حلب انطلق الإخوة لنشر الدعوة على خطا الصحابة الكرام .. الله غايتهم والرسول قدوتهم والقرآن دستورهم والجهاد سبيلهم ..

ومن مؤسسيها الأخ الأستاذ عادل كنعان .. الصديق الصدوق والجندي المجهول الصابر المحتسب .. قائد يعمل بصمت وإخلاص وبجهد ونشاط .. حقق في هذه الدار انجازات تسطر بماء الذهب فقد كان وراء كل أنشطة الإخوان في حلب فهو العضو الإداري للجماعة في حلب وهو الذي رتب زيارة المرشد العام للإخوان الأستاذ حسن الهضيبي إلى حلب .. وأقام معسكر الفتوة للإخوة قرب موتور الزرقا بمدينة الباب وأشرف على إقامة معسكر الأطباء في أحد بساتين بزاعة.

افتتح ثانوية الغزالي الخاصة بحلب، وكان يديرها بحزم وقوة وكنت مدرسا للتربية الإسلامية فيها وحدث أن تهجم علي أحد طلابها فاستدعاه ووبخه وأعطاه قسطه وما دفعه من رسوم وطلب منه مغادرة المدرسة فورا وطرده .

نشاطه كبير وفيا ومحبا لدعوته وإخوانه قاد الدعوة برفقة الأميري والشيخ عبد الفتاح أبو غدة .. وناله مانال الدعاة من محنة وألم فصبر واحتسب. غادرنا إلى قطر، وعمل مديراً في مدارسها ثم موجهاً فيها أمد الله في عمره مع الصحة والعافية فقد تجاوز التسعين من العمر وخيركم من طال عمره وحسن عمله ومازال له نشاط اسلامي دعوي، ويتابع لقاءاته مع إخوانه، ويحضر المجالس العلمية مع الشيخ عدنان زرزور ويتابع الإنتاج العلمي للمفكرين الإسلاميين، ويجلس ستة أشهر الشتاء في قطر عند ابنته الدكتورة عائدة وولده محمد وستة أشهر الصيف عند ولديه في أمريكا .. ومازال في قمة نشاطه وحضوره وذاكرته، ويقدم الدعم والمشورة للمجاهدين ولا يبخل عليهم بمعونة أو نصح أو مشورة أو مال ..

الأخ الكريم ..المربي الفاضل.. القائد الصابر.. الوفي المخلص ..حفظك الله ورعاك وسدد على الحق خطاك، ودمت في رعاية الله.

رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 650

clip_image013_956c6.jpg

وكتب الشيخ مجد مكي يقول: رحم الله تعالى أستاذنا الحبيب المربي المفضال الداعية الكريم عادل كنعان ( أبو عمار) الذي توفي ظهر هذا اليوم الخميس 5 من رجب 1439 عن 93 عاماً.

clip_image015_13ff3.jpg

في زيارة للعلامة القرضاوي مع الأستاذ عادل كنعان على يمين الشيخ وأنا على يمينه والأخ منير السيوفي على يميني، ويظهر الأديب الحبيب حسان الطيان على يسار الشيخ حفظه الله

توفي الوالد /عادل محمد كنعان:

سوري ٩٣ عام والد كل من عمّار،  وطريف، ومحمد

الدفن بعد صلاة الجمعة في مقبرة مسيمير

العزاء للرجال بالمعمورة خلف مبنى أراميكس سابقاً.

رحم الله الشيخ الداعية المربي عادل محمد كنعان رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

مصادر الترجمة:

1-             عدنان كنعان – بقلم أحمد الجدع - رابطة أدباء الشام .

2-             صفحة الشيخ مجد مكي.

3-             صفحة الشيخ حسن عبد الحميد .

4-             كلمة د. عدنان زرزور .

وسوم: العدد 861