التاجر الصدوق عبد العزيز العلي المطوع

المستشار عبد الله العقيل

 (1328 - 1416ه / 1910 - 1996م)

 معرفتي به

عرفتُ الأخ الداعية والتاجر الصدوق عبد العزيز العلي المطوع (رحمه الله) عن طريق السماع في أواخر الأربعينيات الميلادية، من خلال الحاج عبد الله الخالد البدر، الذي كان مكتبه التجاري بجوار مكتب العم محمد سليمان العقيل وإخوانه بالبصرة، وكان الشيخ المطوع من التجار المحسنين في مجال العمل الخيري، والإسهام في خدمة الدعوة الإسلامية المعاصرة، والاتصال بالعلماء والدعاة في كل مكان، والتعاون معهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وتقديم العون لذوي الحاجات، ومساعدة الطلاب والدعاة العاملين بالحقل الإسلامي.

ولقد سرَّني ما قرأته في مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية سنة 1946م، حيث قام بالتبرع لمشروع الجريدة اليومية والمطبعة بمبلغ سخي جزاه الله خيرًا، وذلك أثناء زيارته لمصر والتقائه الإمام الشهيد حسن البنا، الذي يُكنُّ له كل الحب والتقدير ويراه مثال المسلم الصادق، والعالم العامل، والداعية القدوة والمجاهد الصابر والحكيم الموفق.

وكان اجتماعًا مباركًا، كان فيه (عهد وميثاق وأخوَّة، وتعاون واتفاق للعمل الجماعي، والجهاد المشترك) لرفعة شأن الإسلام والمسلمين والعمل فيما يرضي الله تعالى في الكويت والعالم العربي والإسلامي.

المراقب العام للإخوان بالكويت

وقد حضر الاجتماعات للهيئة التأسيسية التي ضمّت المراقبين العامين للإخوان المسلمين، الذي حضره الدكتور مصطفى السباعي - المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، والأستاذ محمد محمود الصواف - المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق، والأستاذ علي طالب الله - المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان، والأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة - المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، والأستاذ عبد العزيز العلي المطوع - المراقب العام للإخوان المسلمين في الكويت، وممثلون عن الإخوان المسلمين في فلسطين، والمغرب العربي، ولبنان، وجيبوتي وغيرها.

ومن الجدير بالذكر أن أول فرع للإخوان المسلمين خارج مصر كان فرع جيبوتي، حيث رغب بعض شباب جيبوتي في تكوين شعبة للإخوان المسلمين فيها، وذلك عام 1352ه/  1933م، كما جاء منشورًا في جريدة الإخوان المسلمين الصادرة يوم 22 صفر 1352ه الموافق 24/6/1933م، بالإضافة إلى ممثلين عن البلاد الإسلامية الأخرى الذين كانوا يشاركون الإخوان المسلمين بمصر، باعتبار أن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية عالمية لا تقيم وزنًا للحدود الجغرافية المصطنعة، وتعلو عندها راية الدين على راية الطين، وأخوَّة الإسلام على أخوَّة النسب، ورابطة العقيدة على رابطة القبيلة، لأن المسلمين جميعًا أمة واحدة، ربها واحد، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقِبلتها واحدة، { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (المؤمنون: 52).

كان الشيخ عبد العزيز ذا حركة دائبة، وأسفار متواصلة، دفعته إلى أن يقدم استقالته من قيادة الجماعة في الكويت، قدّمها في 1/10/1953م، وأبدى الأسباب التي حملته على تقديم استقالته، قال فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى بني وطني

وإخواني في جمعية الإرشاد الإسلامية

إخواني:

لقد شرفتموني بثقتكم، وغمرتموني بفضلكم، عضوًا في المجلس البلدي، ومراقبًا عامًا لجمعية الإرشاد... فعاهدت الله وعاهدتكم على أن أعمل الخير ما استطعت؛ وأن أحيا لبلادي، وفي بلادي، فتكون إقامتي أو أكثرها في الكويت العزيزة.

ولكن تطلعي إلى خدمة الكويت في نطاق أوسع، في مصر والبلاد العربية، جعل إقامتي الدائمة في الكويت متعذرة، لفتحي مكتبًا تجاريًا في القاهرة، وتعدد أعمالي في البلاد العربية... مما يجعلني أشعر بخجل شديد حيال ثقة إخواني وزملائي ورؤسائي.

وإني لأرجو أن يقيم لي إخواني المعذرة من أنفسهم، وأن يقبلوا تنازلي عن تجديد انتخابي، شاكرًا لهم نبيل شعورهم، وكريم عواطفهم.

إن كل عمل خيري في سبيل الوطن لهو عبادة مقدسة، وكل مؤسسة شعارها عمل الخير لإسعاد البلاد، هي مسجد يجب الخشوع والصلاة فيه، وإذا لم يسعدني الحظ بالصلاة في الصفوف الأولى، فإن الصلاة لا تسقط عني في الصفوف الخلفية، معتقدًا أن إخواني والذين قدمتهم بلادنا إلى الصفوف الأولى فيها أقدر مني على تحمل المسؤولية، وأدوم إقامة في الكويت.

وأكرر شكري لكم جميعًا على ثقتكم الغالية، وأعاهد الله على الجهاد مع كل مصلح يريد الخير لوطننا العربي الصغير (الكويت)، ولوطننا العربي الكبير، وفقكم الله لخير الأمة.

1/10/1953م

عبد العزيز العلي المطوع

ولكن إخوانه في الكويت، أصروا على بقائه في منصبه مراقبًا عامًا، لما عرفوا فيه من شمائل لا توجد في سواه، فأذعن لإصرارهم، وخيرًا فعل.

زيارات متبادلة

وحين ذهبت للدراسة الجامعية بمصر، التقيته أوائل الخمسينيات، ثم تكررت بعد ذلك لقاءاتي بالشيخ المطوع مرات ومرات في مصر، والعراق، وبلاد الشام، والسعودية، وباكستان، والكويت، التي استقر مقامي بها من 1959م إلى 1986م، حيث توثّقت صلتي به، وكانت الزيارات المتبادلة بيننا في المنازل والمكاتب، وكان (رحمه الله) يحضر ندوة الجمعة الأسبوعية ويشارك في أحاديثها وحواراتها ومحاضراتها ودروسها، وكانت آخر ندوة شارك فيها بحضور الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) حيث كانا فارسي الحلبة، واستفدنا وإخواننا الحضور فائدة كبيرة منهما (رحمهما الله تعالى).

والأخ الكبير عبد العزيز المطوع له نظرات عميقة، وتأملات فاحصة، وتوجيهات صائبة، وآراء سديدة، استقاها من قراءاته وتجاربه في الحياة وتوفيق الله له، وكان (رحمه الله) شغوفًا بالقراءة، والتأمل في آيات الله (عز وجل)، والتدبر في القرآن الكريم، الذي كانت له فيه وقفات، فسَّر فيها بعض السور والآيات، وبخاصة ما له علاقة بالعلوم العصرية، وآخر الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم.

كما كان له اهتمام بالغ في رفع المستوى التعليمي لشباب المسلمين، وتشجيعهم على الدراسات العليا، ودعم الجهاد الإسلامي في كل مكان، ونشر

 الدعوة الإسلامية الصحيحة بين القبائل العربية، التي تأثر بعضها بأفكار غريبة، وكان من المحبين للعلماء والدعاة، يحرص على تكريمهم والاحتفاء بهم، كما كان يخالط الحكام، ويقدِّم لهم النصح، باعتبارهم ولاة أمور المسلمين، الواجب نصحهم كما جاء في الحديث النبوي «الدين النصيحة»، قلنا لمن؟، قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وهو رجل رقيق الحاشية، طيب المعشر، خفيف الروح، بشوش الوجه، مرهف الشعور، بالغ التأثر بالمواقف الإنسانية، تغلبه الدموع حين يتحدث عن أحوال المسلمين ومآسيهم، والمصائب التي حلّت بهم، نتيجة ابتعادهم عن دينهم، وهجرهم لكتاب ربهم وسُنَّة نبيهم (صلى الله عليه وسلم).

وكان يبذل قصارى جهده للتخفيف عنهم وتقديم العون المستطاع لهم، فقد كان كريمًا معطاءً، ينظر للمسلمين نظرة واحدة، فلا يفرّق في عطائه بين شخص وآخر، فكلهم عنده سواء، مهما كانت جنسيتهم، وإن كان يُؤْثر صاحب الدين، وحامل الدعوة، وطالب العلم، والمجاهد في سبيل الله، ويقدّمهم على غيرهم؛ لأن لهم الأولوية في العطاء، كما كان بارًا بأقاربه وذوي رحمه وأصهاره وأنسبائه، ولم يكن يتردد في دعم كل مشروع خيري يُعرض عليه إذا اطمأن لأحقيته ووثق بالقائمين عليه، واقتنع بأهميته وضرورته، وكانت له صلات وثيقة بالعلماء والدعاة والمصلحين وكبار الزعماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي يزورهم ويزورونه، ويراسلهم ويراسلونه، ويتشاور معهم ويتشاورون معه، وكان يعرف لهم قدرهم ويكرمهم، ويُنزلهم منازلهم ويحيطهم بالإجلال والإكبار والتقدير، ويقدِّمهم للمسؤولين بكل التجلَّة والاحترام والتوقير.

وقد زار الكثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، وحضر الكثير من المؤتمرات الإسلامية، وشارك في العديد من المشاريع لبناء المساجد، وإقامة المدارس، والمستشفيات، والمعاهد، ودور العلم، وكفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وقد وفّقه الله لشراء عدد من الكنائس في البلاد الأوروبية لتحويلها إلى مساجد بالتعاون مع الشيخ عبدالله العلي المحمود من إمارة الشارقة.

آثار طيبة

لقد ترك الأخ عبد العزيز المطوع الآثار الطيّبة في كل من مصر، والعراق، وبلاد الشام، والجزيرة، والخليج، فضلًا عن الكويت، وكانت له صولات وجولات تكشف عن نفاسة معدنه، وعمق تجربته، وقوة إيمانه، وسماحة نفسه، وجزالة عطائه، فقد كان سخيًا في وجوه الخير لا يتردد أبدًا، وتنفق يمينه ما لا تعلم شماله، وهو أول من أرسى أساس العمل الإسلامي المنظم في الكويت، فقد استقبل الدعاة المسلمين ودعم نشاطهم، وأنشأ مكتبة إسلامية كبيرة، كما أسس جمعية الإرشاد الإسلامي بالكويت أوائل الخمسينيات بالتعاون مع إخوانه وتلامذته ومحبيه من رجال وشباب الكويت الصالحين، وبذل من وقته وجهده وماله ما يعرفه وما لا يعرفه القريب والبعيد، وكان لا يتأخر عن أي مؤتمر، أو ندوة، أو لقاء فيه خير للإسلام والمسلمين.

جهوده الدعوية في الكويت

ولقد أجرى الله على يديه الخير الكثير في الكويت وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، فكان محبوبًا من الزعماء المسلمين، والدعاة، والعلماء، والقادة والحكام الصالحين، الذين كانوا يُجلّونه ويحترمونه ويستجيبون لشفاعته.

وإن مجلة (الإرشاد الإسلامية) وجمعية (الإرشاد الإسلامية)، ومدرسة (الإرشاد الإسلامية)، ومكتبة (الإرشاد الإسلامية)، كلها شواهد ناطقة، وآثار واضحة على جهوده الخيّرة، وعطائه السخي، وجهاده الدؤوب، وإن معظم الشباب المسلم بالكويت، هم من آثار تلك الجهود المباركة التي شاركه فيها إخوانه: خالد الجسّار، ومحمد العدساني، ويوسف الرفاعي، وعبد الله الكليب، ومحمد بودي، وخالد الرويشد، وغيرهم، ولقد كان ساعده الأيمن وعضده الذي شدّ أزره ووقف إلى جانبه، وسار على منهجه هو شقيقه الأخ الكريم عبد الله العلي المطوع - بارك الله في عمره([1])  الذي سلك الطريق نفسه، وبخاصة بعد أن عرَّفه على الإمام الشهيد حسن البنا في موسم الحج عام 1946م، حيث التقياه، وتوثّقت الصلة معه، وظلت قائمة إلى أن استشهد الإمام البنا في 12 فبراير 1949م برصاص الغدر في أكبر شوارع القاهرة، بيد العملاء والمأجورين، وجلاوزة الطغاة.

يقول الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات - صاحب مجلة «الرسالة» في عددها المرقم «966» والصادر في 7/1/1952م:

«الإخوان المسلمون هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ، عقيدة الإسلام الخالص، وعقلية المسلم الحق، إنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة، ولا الدنيا على أنها سوق منفصلة، وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق، وأن السوق عمارة المسجد، وكان للإخوان في الإرشاد لسان، وفي الاقتصاد يد، وفي الجهاد سلاح، وفي السياسة رأي، فلهم في كل بلد من البلدان العربية أتباع، وفي كل من الأقطار الإسلامية أشياع، وما يقظة الوعي العام في مصر والسودان، وفي العراق وسورية، وفي اليمن والحجاز، وفي الجزائر ومراكش، إلا شعاع من هذه الروح، سيكون له بعد حين نبأ» انتهى.

لقد صار الأخَوَان الشقيقان عبد العزيز وعبد الله المطوع يتباريان ويتنافسان في عمل الخير ونصرة الإسلام والمسلمين دون كلل أو ملل، بل طمعًا في مرضاة الله تعالى وطلبًا لمثوبته وأداءً للواجب الملقى على عاتقيهما نحو الإسلام والمسلمين.

وأشهد الله الذي لا إله غيره، إنني وجدتُ فيهما النماذج الصادقة لترجمة الإسلام قولًا وعملًا، وبذلًا وسخاءً، ورجولةً وثباتًا، فلم يغْترا بزخارف الدنيا، ولم يزدهم المال والثراء إلا تواضعًا لله ولعباد الله وزيادة في البذل والعطاء في سبيل الله والمستضعفين في الأرض من المسلمين.

ذلكم هم الأخ الكبير والتاجر الصدوق والداعية المسلم عبد العزيز العلي المطوع، وتلك نبذة يسيرة عن سيرته عرضتها من خلال معرفة قريبة، وتجارب شخصية، عسى الله (عز وجل) أن يجعلها في ميزان الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وفاته

ولقد توفي (رحمه الله) يوم الأحد في التاسع عشر من ذي القعدة 1416ه الموافق 7/4/1996م بعد مرض عضال طال أمده.

نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويغفر لنا وله، ويرزقنا وإياه الفوز بالجنَّة، والنجاة من النار، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.

وسوم: العدد 862