عبدالواحد الخميسي

clip_image002_292be.jpg

مات اليوم الذي قال عنه علماء شنقيط:

ماورث علمَنا في صنعاء مثل عبدالواحد الخميسي

مات أستاذي في النحو وأستاذ أساتذة اليمن وآخر من تكحلت عيناي برؤيته عندما ودعت صنعاء ..

مات رائد اللغة العربية واشتقاقاتها والعالم بألطاف معانيها ودلالاتها والسابح في بحورها ومحيطاتها المقتبس من أنوارها وإشراقاتها..

مات القمة الراسخة والجبهة الباذخة...

مات نابغة الأدب وعملاق الشعر وأستاذ أساتذة اللغة وبموته نفقد جبلا من جبال العلم، وركنا من أركان الأدب..

إلى آخر لحظات حياته وهو ينشر الخير ويعلم الناس الدين ..

كان بحرا لا ساحل له ونابغة لا مثيل له..

يالله ..

كيف عاش هذا العملاق ؟

وكيف مات؟

كيف خرّ هذا النجم سريعا بعد أن وصل ذروة الكمال والبزوغ والعبقرية ؟

كان رحمه الله واحدا من أبرز من أنجبتهم اليمن وما أظن أحدا دخل صنعاء يتعلم النحو إلا له عليه دين ..

عرف بنبوغه وعبقريته وحله لمشكلات النحو ومعضلات العربية وخفايا الأصول فأثنى العلماء ركبهم بين يديه وهم كبار وهو الصغير ..

يا كوكب السحر الذي أطل علينا ثم أفل سريعا ما أجمل لحظاتك التي عشتها ببريقك الذي جذب الأنظار، وصنع الآثار، وألهب الأفكار، وتضوع منه الأخيار..

ما أجمل إطلالتك التي اكتست بالحسن، وأشرقت بالجمال،

ما أجمل صوتك وهو يرشد إلى العلم، وينبه على الفهم..

ما أروع خطاك وأنت تقتفي المجتهدين المجددين، والعباقرة المرشدين، والفطاحلة المبدعين..

كل لحظة من لحظاتك كانت بعمر

وكل يوم كان بدهر..

أواه ما أقسى رحيلك..

ما أوجعه على قلوبنا..

لكل عالمٍ سمتُـه الخاص به ، وميزاته الفريدة، وشمائله الطيبة ولهذا  العالم المبارك انطباع خاص في مخيلتي علم في تبحر، ووقارٌ يكسوه تواضع ، وهيبةٌ مشوبةٌ بأُنس ، واتزانٌ يخالطه انبساط ، ومُحيا تزينه أنوارُ الإيمان..

كان الشيخ الخميسي يتعامل مع اللغة كمادة فقهية ثرية وحية يستنبط منها وبها معان جميلة بعيدا عن الجمود المعهود عند أرباب اللغة الذين جعلوها مجرد نقولات ومتون وحدود، وكان المؤمل به في اليمن أن يجدد فيها ويمنحها وسما متميزا يكون هو ربانه، وفارس ميدانه وقد فعل ذلك فجاء أجله المحتوم..

يا كوكباً ما كان أقصرَ عمره وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ

وهلالَ أيام مضى لم يستدر بدراً ولم يُمهل لوقت سرار

عجل الخسوفُ عليهِ قبل أوانهِ فمحاه قبل مظَّنة ِ الإبدار

فكأنّ قلبيَ قبرهُ وكأنَّهُ في طيِّه سرٌّ من الأسرار

إن الكواكبَ في علوّ محلّها لتُرى صغاراً وهي غيرُ صغار

صنع أجمل الأثر ..

وهو الآن يرحل ..

لازلت أذكر نصائحك..

لازلت محتفظا بعبق عبيرك..

هذه وصاياك لي يوم أن غادرت صنعاء لازالت ترن في أذني

وكانَت في حياتِكَ لي عِظاتٌ

وَأنتَ اليومَ أوعَظُ منكَ حَيَّا

أخذ مساراً لم يحِـد عنه طيلة حياته  خدم أمته بعلمه ، وبمؤلفاته التي أخذت طابعَ التحقيق العلمي الرصين والاجتهاد الساطع والسهولة الماتعة، وعندما صودرت جامعة الإيمان أخذ مساراً علمياً يتناسب مع الظروف المحيطة به، فطُلب مدرسا في الكثير من جامعات صنعاء فلا هو انقطع عن التعليم، ولا هو تنازل عن مبادئه التي عاش لأجلها ، فكان حكيماً في بثِّ علمه، وبقي طوداً شامخاً في ثباته ، يظن من لا يعرف حقيقة حاله أنه معتزلٌ عما يدور حوله، أوغائبٌ عن شؤون أمته..وهو المجتهد الواقف على ثغرة من ثغور العلم والحق والدين..

كان بستانا للمعرفة وحقلا للعلم ومرجعية لأهل الفتوى ومستشارا لأهل الصلاح..

لقد وضعتُ يدي على قلبي عند سماعي خبر رحيله..

تساءلت ما الخبر؟

ما الذي يدور حولي؟

أهذا زمن الفواجع وموت المراجع؟

ماذا أقول في رثائه..هاهي كلماتي متعثرة وحروفي مكلومة..

لستُ بقادر أن أرثيه كما رثى ذلك الطالب شيخه..

في كل قلب تنــــبض الحـــسراتُ

ودماً تسيل بوجـــنتي العـــــبراتُ

وبأسطري تبكي الحروفُ بحرقة

وتنوحُ حيرى في فمي الكلماتُ

لا الشعر يسعفني لأرثيَ شيــخنا

كلا ولا الفصحى ولا الأبـــياتُ

فركبتُ بحر مشاعرٍ مكلـــومـــــة

بسفين أحـــــزاني ومــــا مَرساة

ويلوح طيفك باسما مـــتــــــوردا

ولنــــــوره تــــتـــنـــورُ المشكاة

تبكي دروسُ العلم فقدَكَ سيدي

و( النحو) والمحرابُ والآياتُ

ما مات من غرس العلوم بروضه

وسقتْ زهورَ رياضه القطراتُ

بتنا عطاشى العلمِ نرتشف الأسى

هل بعد فقدك كوثرٌ وفراتُ ؟

للعلم عشتَ فكنت نبراسَ الهدى

وإلى القلوب تغور منك عظاتُ

تمشي بكل تواضع وسكينة

وبك ارتقت فوق السُّها راياتُ

ولد رحمه الله رحمة واسعة  بالخميسين - حجة (عام1967م). نشأ في كنف والده الفقيه اللغوي المفسر عبد الله الخميسي مفتي ديار الخميسين وأخذ عليه كثيراً من العلوم الشرعية متوناً وشروحاً، كالآجرومية بشرحها، وألفية ابن مالك، ومتونا فقهية وأصولية فحفظها ونبغ فيها وأصبح لا يقارنه ولا يصل لمرتبته أحد بعد أبيه..

دخل جامعة الإيمان فأصبح معيدا فيها من أول وهلة فهو الطالب وهو الشيخ..

عرف بعبقريته ونبوغه وتوسعه وتبسيطه للعلوم الشرعية ..

من إنتاجات الشيخ العلمية: كتاب التسهيل في النحو والصرف، وكتاب التلخيص في النحو، وعلم البيان في التشبيه والمجاز والكناية، ومن أوجه الإعجاز البلاغي، ودروس في قواعد الإملاء ... وكثير من المقالات والبحوث العلمية وأخرج الله على يديه الكثير من طلاب العلم الشرعي في بقاع الأرض ..

وسوم: العدد 880