الكاتب المصري الساخر ‏محمود السعدني

fhnhffh903.jpg

محمود السعدني صحفي وكاتب مصري ساخر يعد من رواد الكتابة الساخرة في الصحافة ‏العربية، شارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر ‏وخارجها، ترأس تحرير مجلة صباح الخير المصرية في الستينات كما شارك في الحياة السياسية ‏في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسجن في عهد أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في ‏محاولة انقلابية.‏

أصدر وترأس تحرير (مجلة 23 يوليو) في منفاه في لندن، عاد إلى مصر من منفاه الاختياري ‏سنة 1982م بعد اغتيال السادات وأستقبله الرئيس مبارك، كانت له علاقات بعدد من الحكام ‏العرب مثل معمر القذافي وصدام حسين، اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة سنة 2006م ‏بسبب المرض.‏

ولد السعدني في منطقة الجيزة بالقاهرة الكبرى في 28 شباط عام 1928م. عمل السعدني في ‏بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع ‏محمد علي بالقاهرة عمل بعدها في مجلة (الكشكول) التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى ‏إغلاقها. ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة (المصري) لسان حال حزب الوفد وعمل ‏أيضاً في (دار الهلال) كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد ‏قليلة.‏

أيد السعدني ثورة يوليو/تموز عام 1952م، وعمل بعد الثورة في جريدة الجمهورية التي أصدرها ‏مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي. بعد ‏تولي السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني من ‏جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي.‏

عمل بعد ذلك في مجلة (روز اليوسف) الأسبوعية مديرًا للتحرير عندما كان إحسان عبد القدوس ‏رئيس التحرير وكانت روز اليوسف حينها مجلة خاصة تملكها فاطمة اليوسف والدة احسان.‏

أثناء زيارة صحفية قام بها السعدني إلى سورية قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أعضاء الحزب ‏الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها ‏لأنور السادات دون أن يعلم محتواها. وكان في الرسالة تهديدا لعبد الناصر، لذا تم إلقاء القبض ‏عليه وسجن ما يقارب العامين أفرج عنه بعدها فعاد ليعمل في روز اليوسف بعد أن أممت ثم ‏تولى رئاسة تحرير مجلة (صباح الخير).‏

انضم إلى التنظيم الطليعي، الذي كان مكلفاً برفع تقارير عن معارضي النظام، وكان له في تلك ‏الفترة نفوذ كبير.

عقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤولين ‏المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعه وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم. ‏انتهى الصراع باستقالة هؤلاء المسؤولين واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة ‏الانقلاب وكان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب وتمت ‏محاكمته أمام (محكمة الثورة) وأدين وسجن.‏

كما يقول محمود السعدني فإن القذافي حاول التوسط له عند السادات إلا أن السادات رفض ‏وساطته وقال (أن السعدني قد أطلق النكات علىّ وعلى أهل بيتي (زوجته جيهان السادات) ‏ويجب أن يتم تأديبه ولكني لن أفرط في عقابه).‏

بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني ولكن صدر قرار جمهوري بفصله من صباح ‏الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات. ‏بعد فترة قصير من المعاناة قرر السعدني مغادرة مصر والعمل في الخارج.‏

غادر السعدني مصر متوجهاً إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة السفير ‏وبأجر يقل عن راتب صحفي مبتدئ، والسبب في صعوبة حصوله على فرصة عمل هو خوف ‏أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات. قبل اندلاع الحرب الأهلية غادر ‏السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي والذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن ‏السعدني رفض ذلك خوفاً من اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين والذين سيرفضون ‏بالتأكيد هذا الوافد الجديد والذي سيعد تهديداً لتجارتهم الرائجة.‏

أثناء الحوار وبدون قصد سخر السعدني من جريدة القذافي الأثيرة (الفجر الجديد) ونعتها ‏بالـ(الفقر الجديد) عندما عرض عليه القذافي الكتابة بها وانتهى لقاءه معه بدون نتيجة ولم يبد ‏القذافي حماس كبير لإصدار مجلة (23 يوليو) التي اقترح السعدني إصدارها في لندن بل سخر ‏من فكرة إصدارها هناك كما لم يرق له إصدار مجلة ساخرة.‏

في عام 1976م وصل السعدني إلى أبو ظبي للعمل كمسؤول عن المسرح المدرسي في وزارة ‏التربية والتعليم في الإمارات، ويبدو أنه لم ترق له الفكرة، لذا قبل بالعرض الذي تقدم به عبيد ‏المزروعي وهو إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتية.‏

كان العرض مقامرة سياسية جازف بها عبيد المزروعي بخاصة وأن السعدني وضع شروطاً ‏مهنية قاسية أهمها عدم التدخل في عمله وهو الشرط الذي يبدو أنه تسبب بعد أقل من أربعة ‏أشهر بمصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية في ‏أبو ظبي وكانت إيران يومها تطالب بالإمارات كلها وتعتبرها من (ملحقيات إيران). لذا لم تغفر ‏سفارة إيران للسعدني رفعه شعار (جريدة الفجر جريدة العرب في الخليج العربي) وطالبت السفارة ‏الإيرانية صراحة حذف صفة (العربي) عن الخليج لأنه (خليج فارسي) كما يقولون.‏

تعاقد محمود السعدني مع منير عامر من مجلة (صباح الخير) القاهرية، ليتولى وظيفة سكرتير ‏التحرير وليدخل إلى صحافة الإمارات مدرسة صحافية مصرية جديدة هي (مدرسة روز ‏اليوسف) بكل ما تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية والابتعاد قدر الإمكان عن ‏التأثير المباشر للحاكم وصانع القرار.‏

بعد ضغوط إيرانية على حكومة الإمارات أضطر السعدني إلى مغادرة أبو ظبي إلى الكويت ‏حيث عمل في جريدة السياسة الكويتية مع الصحفي أحمد الجار الله ولكن تلك الضغوط لاحقته ‏هناك أيضاً فغادر إلى العراق ليواجه ضغوط من نوع جديد، وهي ممارسات الموظفين العراقيين ‏المسؤولين في مكتب مصر بالمخابرات العراقية الذين مارسوا ضغوطاً كبيرة عليه لإخضاعه ‏فكان قراره بعد لقاء مع نائب الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدام حسن بمغادرة العراق إلى ‏لندن.‏

بتمويل غير معلن من حاكم الشارقة الحالي تمكن السعدني بالاشتراك مع محمود نور الدين ‏‏(ضابط المخابرات المصري المنشق على السادات) والكاتب الصحفي فهمي حسين (مدير ‏تحرير روز اليوسف الأسبق ورئيس تحرير وكالة الأنباء الفلسطينية) وفنان الكاريكاتير صلاح ‏الليثي وآخرين من إصدار مجلة (23 يوليو) في لندن (وكانت أول مجلة عربية تصدر هناك) ‏والتي حققت نجاحاً كبيراً في العالم العربي وكانت تهرب إلى مصر سراً. التزمت المجلة بالخط ‏الناصري وكان السعدني يتوقع أن تلقى المجلة دعماً من الأنظمة العربية الرسمية إلا أن ذلك لم ‏يحدث وحوصرت المجلة مالياً من أنظمة دول ترفع شعارات عروبية في الظاهر مثل العراق ‏وليبيا وسورية، وعلى حد تعبير السعدني (كان يجب عليّ أن ارفع أي شعار إلا 23 يوليو ‏لأحظى بالدعم).‏

انهارت 23 يوليو وتوقفت عن الصدور، وعاد السعدني وحيداً يجتر أحزانه في لندن إلى أن ‏اغتيل أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 تشرين الأول عام 1981م.‏

عاد السعدني إلى مصر بعد اغتيال السادات بفترة وأستقبله الرئيس حسني مبارك في القصر ‏الجمهوري بمصر الجديدة ليطوي بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام في مصر.‏

تعتبر (مذكرات السعدني) من أروع ما كتب في أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي، وقد كتبها ‏في سلسلة من الكتب (من نهاية الستينات وحتى منتصف التسعينات) وحملت عناوين:‏

  • الولد الشقي ج1: قصة طفولته وصباه في الجيزة. ‏
  • الولد الشقي ج2: قصة بداياته مع الصحافة. ‏
  • الولد الشقي في السجن: صور متنوعة عن شخصيات عرفها في السجن. ‏
  • الولد الشقي في المنفى: قصة منفاه بالكامل. ‏
  • الطريق إلى زمش (وكلمة زمش اختصار من ثلاثة حروف للتعبير العامي المصري ‏‏(زي مانت شايف) بمعنى (كما ترى): ذكرياته عن الفترات التي قضاها في السجون في ‏عهدي عبد الناصر والسادات. ‏

السعدني حكاء عظيم ويمتاز بخفة ظلة كما أن تجربته في الحياة ثرية للغاية وله العديد من ‏الكتب التي تناولت مواضيع متنوعة منها:‏

  • مسافر على الرصيف: صور متنوعة عن بعض الشخصيات الأدبية والفنية التي عرفها. ‏
  • ملاعيب الولد الشقي: مذكرات ساخرة. ‏
  • السعلوكي في بلاد الإفريكي: رحلات إلى إفريقيا. ‏
  • الموكوس في بلد الفلوس: رحلة إلى لندن. ‏
  • وداعاً للطواجن: مجموعة مقالات ساخرة. ‏
  • رحلات أبن عطوطه: رحلات متنوعة. ‏
  • أمريكا يا ويكا: رحلة إلى أمريكا. ‏
  • مصر من تاني: مجموعة مقالات عن تاريخ مصر. ‏
  • عزبة بنايوتي: مسرحية. ‏
  • قهوة كتكوت: رواية. ‏
  • تمام يا فندم: مجموعة من المقالات المجمعة في كتاب. ‏

وكانت وفاة محمود السعدني يوم الثلاثاء 4 أيار عام 2010م عن عمر يناهز 82 عاماً إثر ‏أزمة قلبية حادة.‏

وسوم: العدد 903