الأستاذ المربي محمد عبدالحليم الشيخ

المستشار عبد الله العقيل

(1344 - 1407ه / 1925 - 1986م)

أخلاقه وصفاته

هو الأخ الوفي والصديق الصدوق والرجل النبيل، زميلي في الدراسة ورفيقي في طريق الدعوة ودرب الجهاد، سعدتُ بمعرفته في مصر سنة 1950م حيث كان طالبًا بكلية دار العلوم وكنت في كلية الشريعة، تربطني به رابطة الأخوة والعقيدة.

والأخ الكريم شعلة من الحماس والنشاط والحيوية والحركة، ينشر دعوة الإسلام ويجلّي محاسنه، ويتصدّى لدعوات التغريب وأحزاب الضلال والمذاهب المستوردة التي يروجها أعوان الاستعمار وتلامذته من المستغربين والإمّعات.

كان خطيبًا مفوّهًا، صادق اللهجة جيّاش العاطفة يأسر السامعين بحلو حديثه وإشراقة ديباجته، ويثير الجماهير بقوة خطبه، ويستولي على القلوب بسلاسة أسلوبه وحسن عرضه وصدقه وإخلاصه.

له نشاط كبير في اتحاد الطلبة وأدوار مؤثرة في حرب الإنكليز بقناة السويس، متعاونًا مع إخوانه مسؤولي اتحادات الطلبة في الكليات الأخرى بالجامعات المصرية.

هجرته من مصر

وبعد تخرّجه تعرّض للملاحقة من فرعون مصر، فهاجر بدينه إلى العراق حيث وفقه الله إلى تأسيس ركائز العمل الإسلامي وبخاصة في شمال العراق وفي مدينة كركوك بالذات التي أحبّه أبناؤها وتعلّق به تلامذتها وحظي بتقديره واحترامه شيوخها وأعيانها.

ولكن زبانية الطاغية ما تركوه، بل لاحقوه وأرغموا حكومة العراق لاعتقاله وزميله الأخ فؤاد مكاوي وإرسالهما لمصر، ففر إلى الكويت حيث عمل فيها في حقل التدريس والتوجيه والتفتيش، وكان الموجه العام للتربية الإسلامية في الكويت، وكان درّة العاملين في وزارة التربية الكويتية من حيث الكفاءة والخبرة والأداء والسلوك، ونال تقدير جميع المسؤولين في الوزارة لإتقانه في عمله وتفانيه في أداء واجبه دون كلل أو ملل لا يبتغي إلا وجه الله والدار الآخرة، وظهر ذلك واضحًا جليًّا في مساهمته بوضع مناهج التربية الإسلامية لجميع المراحل الدراسية مما ترك أطيب الأثر في ناشئة الكويت وشبابها من حيث الفهم الصحيح والأسلوب التربوي الحكيم.

نشاطه الدعوي

والأستاذ محمد عبد الحليم الشيخ رجل كريم النفس واليد، ودود عطوف، يحب الناس جميعًا، ويبذل قصارى جهده لإكرامهم وخدمتهم وتقديم العون لهم في كل المجالات دون النظر إلى جنسياتهم، وكان له اعتناء خاص بالطلبة الوافدين على الكويت من الأقطار الإسلامية حيث يبالغ في إكرامهم وقضاء حوائجهم، فقد كان ثالث ثلاثة من رجال الخير والبرِّ والإحسان والمعروف الذين عرفتهم ساحة العمل التعاوني لمساعدة الضعفاء والمحتاجين وأعني بهما الدكتور سعيد النجار والحاج رسلان الخالد اللذين كانا مضرب المثل في خدمة الناس ()، كما كان صوامًا قوامًا يحيي ليالي رمضان بالقيام في مسجد الملا عثمان الذي كان يعتمد عليه في المتابعة للتلاوة وإلقاء الدروس.

إن الأخ الحبيب محمد الشيخ من خيرة شباب الإخوان المسلمين الذين تربوا على منهاجهم والتحقوا بركب الدعوة منذ نعومة أظفارهم، فكان من الأمثلة الصادقة للدعاة المخلصين الصابرين على مشاق الطريق المجاهدين في سبيل الله حيثما كانوا وأينما وجدوا سواء أكانوا في مصر أم العراق أو الكويت أو غيرها، تمثلّهم هذه الطلائع الإسلامية التي تحثّ الخطى نحو الغد المشرق بإذن الله تعالى.

إن من ينظر إلى سيرة هذا الرجل المربي والأستاذ المعلم الفاضل والعامل الدؤوب في عمله، المخلص في دعوته، الملتزم بمبادئه المحب لإخوانه، يدرك الأثر الكبير الذي أحدثته الحركة الإسلامية المعاصرة في أرض الكنانة، بحيث خرّجتْ هذه النماذج الفذّة من الشباب المهاجر بدينه إلى الله ورسوله، فكانت هجرتهم من مصر خيرًا وبركة على البلاد التي هاجروا إليها واستقروا فيها فقد وضعوا لبنات العمل الدعوي الرشيد، ونشروا الفقه الإسلامي الأصيل، وأحسنوا تربية الأمة وبخاصة شبابها على الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وإقامة شريعته.

وهكذا كلما أراد الطغاة النيل من الدعاة ومحاربتهم والتضييق عليهم، فتح الله لهم من الأبواب ويسّر لهم من السبل وهيّأ لهم من الأسباب وأعطاهم من الهمّة والنشاط ما يذللون به الصعاب، ويقتحمون به الميادين ويعلون به راية الإسلام.

لقد اتّحدتْ رغبة السلطات المحلية الغاشمة للأنظمة الديكتاتورية في العالم الإسلامي مع رغبة القوى الخارجية المعادية للإسلام على تصفية الحركات الإسلامية أينما كانت. ففي سنة 1948م ضُربت حركة الإخوان المسلمين بتوجيه من بريطانيا وسنة 1954م ضُربت الحركة الإسلامية بتوجيه من أمريكا وفي عام 1965م ضُربت الحركة بتوجيه من روسيا التي رفضت أن تمد طاغية مصر بالسلاح إلا بعد تنفيذه هذا الأمر، ومع كل هذا باءت مخططات الأعداء بالفشل وظلّ الدعاة إلى الله يتحركون بالإسلام في كل مكان من بلاد الله الواسعة.

فكلما ضاق عليهم الأمر في مكان هاجروا بدينهم إلى غيره وظلّوا على الحق ثابتين، وبدين الله معتصمين وعلى ربهم متوكلين.

إن محنة الدعوة الإسلامية لم تنته بعد، وإن الصراع بين الإسلام والكفر سيستمر طالما ثمة طواغيت يحكمون بغير ما أنزل الله ويدينون بالولاء لأعداء الله في الشرق أو الغرب على حد سواء.

وإن الحركة الإسلامية التي كان من ثمارها أمثال الأستاذ المربي محمد عبدالحليم الشيخ لا زالت ولودًا يخرج من رحمها هذا الموكب المتدفق من شباب الصحوة الإسلامية المباركة، الذين يضيئون الدنيا بنور الإسلام ويقدّمون الخير للناس جميعًا مما أطار صواب الحاقدين من الأعداء الصليبيين والصهيونيين والزنادقة الملحدين والأذناب المنافقين والعملاء المأجورين فانتصبوا لحرب الإسلام ودعاته بكل شراسة.

ولا ريب أن المستقبل لهذا الدين، أحبّ الأقزام أم كرهوا، رضوا أو سخطوا، ولن ينفعهم أسيادهم الطغاة، فالإسلام قادم بإذن الله لأنه دين الحق، والمسلمون هم أمل الدنيا كلها لإنقاذها مما هي متردية فيه من الضلال، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين.

ولئن كان المخاض صعبًا والتضحيات جسامًا والثمن غاليًا فإن العاقبة مضمونة والفوز متحقق بإذن الله، لأن الدعوة إلى الله هي مهمة الأنبياء ومن سار على نهجهم من العلماء والدعاة في كل عصر ومصر.

وإن أعداء الله مهما خططوا ودبّروا وكادوا ومكروا فتدبير الله أقوى من تدبيرهم وقوة الله أعظم من قوتهم، والمسلمون هم الفائزون إذا التزموا منهج الله وأطاعوا رسوله وأخذوا بالأسباب المستطاعة ونصروا الله إذ الأمر كله لله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21).

من أقواله

ومن أقوال أستاذنا الداعية المربي محمد عبد الحليم الشيخ:

- «... لا يختلف العقلاء في أن الدين حاجة إنسانية وله أثره الكبير في حياة الأفراد والجماعات وتهذيب النفوس وتقويم الأخلاق وتعديل السلوك وتنظيم علاقات المجتمع على أسس ربانية تكفل دوام التقدم والتطور والازدهار. والدين كذلك حاجة نفسية فطر عليها الإنسان فلو خلينا بين الإنسان وفطرته وأزلنا الحواجز والعقبات من طريق طاقاته الخيرية، فلن نجد هناك ما يرضي طموحه الروحي والعقلي إلا الإيمان، لأنه طريق الحق والخير والجمال والاستقامة ومن هنا كان الحرص على تكريس الجهود لتكوين جيل مؤمن قادر على تغيير واقعنا وإنقاذ أمتنا، يستمد من إيمانه العميق قوة تعينه على خوض معترك الحياة في ثقة وشموخ واعتزاز ويستلهم أمجاد الماضي ليشيد على شواهقها أمجاد حاضر عزيز ومستقبل مشرق سعيد» انتهى.

وفاته

وقد اختاره الله إلى جواره بمدينة الكويت حيث توفي وهو في سيارته التي يقودها إذ كان متوقفًا عند الإشارة الحمراء ولما أضيئت الإشارة الخضراء كان قد فارق الحياة ورأسه على مقود سيارته وذلك سنة 1986م.

وقد نعته وزارة التربية الكويتية بكلمة نُشرت في عدة صحف أثنت فيها على جهوده بالوزارة ودوره في البرامج والمناهج وتربية الأجيال.

كما نعاه الإخوان المسلمون في أنحاء العالم، وبخاصة تلامذته في مصر والكويت والعراق، وعلى الأخص طلابه في ثانوية كركوك التي قضى فيها فترة من الزمن مدرسًا ومربيًا تخرّج على يديه جيل من أبناء الحركة الإسلامية في العراق من التركمان والعرب والأكراد على حد سواء، أولئك الذين أحبوه غاية الحب وتعلقوا به وتأثروا بأخلاقه وسيرته ولا زالوا أوفياء له ولدعوته.

رحم الله أخانا الحبيب (أبا أحمد) وأسكنه فسيح جناته، وألحقنا به مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وسوم: العدد 913