الشيخ الداعية الخطيب محمد عدنان فهمي السقا

fghdgjdgj964.jpg

  هو الشيخ العالم الزاهد الخطيب الشجاع محمد عدنان فهمي السقا من أبرز علماء حمص، وسورية.

امتاز فكره بالوسطية والاعتدال والبعد عن الاختلاف، وتقبل الأخرين.

المولد، والنشأة:

  وُلِدَ الشيخ الأديب الخطيب محمد عدنان فهمي السقا في حي القرابيص في حمص في وسط سورية عام 1942م.

  ونشأ في ظل أسرة مسلمة فقيرة، ولكنها محافظة على تعاليم دينها، وسنة رسولها، تحب العلم وتحترم العلماء، فتربى في حجر والده على محبة الناس، وفعل الخير.

  وتأثر في نشأته الأولى بامام مسجد القرابيص الذي كان يطيل القراءة في القرأن، فيبكي، ويبكي. 

   وحضر دروس الشيخ عبد الساتر فيصل وشرحه للبردة، واستفاد من القصص التي كان يذكرها.

الدراسة، والتكوين:

  وعندما بلغ سن التمييز تلقى مبادئ القراءة والحساب والخط في الكتاب على الشيخ طاهر الريس.

   ثم درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الهاشمية في حي القرابيص في حمص، وكان مديرها أستاذا فاضلا من أل المراد.

  ثم انتقل لإتمام المرحلة الابتدائية في مدرسة المعري، وكان مديرها ممدوح سحلول، وكان من أساتذته فيها عدنان عيون السود، وحصل على الشهادة الابتدائية بعد ٥ سنوات.

    ثم أرسله والده لتلقي العلوم الشرعية في الثانوية الشرعية في حمص، وكان مديرها الشيخ طيب الأتاسي، ولكنه لم يكمل دراسته فيها؛ لأن شهادتها غير معترف فيها، وهو يرغب بأن يكون طبيبا أو مهندسا. 

  

   انتقل الى التعليم الرسمي، فدرس في ثانوية عبد الحميد الزهراوي في حمص، فحصل على الثانوية العامة (الفرع العلمي)، وتأثر بأستاذ اللغة العربيه نور الدين شمسي باشا، واستفاد من مدرس التاريخ محمود طرشة،  وكان تقديره في الثانوية العامة ممتازا، وأصبح مؤهلاً لدخول كلية الطب، ولكنه آثر وأحبَّ أنْ يدخل كلية الشريعة بجامعة دمشق، لمحبته للعلم الشرعي، وتخرج منها عام 1966م.

  وكان من أساتذته فيها، الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حيث درس عليه تحفة الفقهاء للسمرقندي، والأستاذ عمر الحكيم ( درس عليه حاضر العالم الإسلامي )، والشيخ د. محمد أمين المصري ( الذي كان يحمل ٣ شهادات في الفلسفة والتربية والشريعة)، والشيخ د. مصطفى السباعي ( مؤسس كلية الشريعة وعميدها)، وحضر خطب مسجد الجامعة عند الشيخ عصام العطار ، وسعيد الطنطاوي، وحضر في مسجد حسن حبنكة بعض الخطب   والدروس النافعة....وغيرهم.

  ثم حصل الشيخ عدنان السقا على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة بنجاب بلاهور في الباكستان عام 1995م.

  وكان بالاضافة الى التعليم النظامي قد تتلمذ على عدد كبير من المشايخ والدعاة منهم:

- الشيخ محمد طيب الاتاسي مفتي حمص

    - الشيخ محمود جنيد.

    - الشيخ الحافظ عبد العزيز عيون السود.

 - الشيخ محمد سعيد البرهاني.

 - الشيخ العالم الرباني محمد الهاشمي.

- الشيخ عبد القادر عيسى: صاحب حقائق عن التصوف.

- الشيخ القاضي العلامة علي الطنطاوي. 

- الشيخ منتصر الكتاني ....وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى.

الوظائف، والمسؤوليات:

- مارس الشيخ عدنان السقا العمل الدعوي والتربوي والتعليمي في الثانويات العامة، والشرعية، والمعاهد الشرعية في عدد من مدن العالم الإسلامي.

  خطب في مساجد ريف حمص، ثم انتقل للخطابة في مسجد الباشات في مدينة حمص، وبقي فيه مدة طويلة.

  وحضر دروس الشيخ محمد علي الدرة التي كان يقيمها في نفس المسجد في إعراب القرأن.

- ثم انتقل إلى السعودية في الثمانين، وراح يخطيب ويدرّس، وصار إماما في مسجد الهدى في حيّ الأندلس بجدة قرابة عشرين عاماً.

   ثم عاد إلى سورية عام ٢٠٠٠م، فصار خطيبا وإماما ومدرّسا في جامع قباء بحمص، وفي جامع النوري الكبير بحمص، وكان خطيباً لسنوات في جامع العنابة، ومصطفى باشا، والخيرات، والباشات، وجامع عثمان ...وغيرها.

- عمل أستاذا لمادة الدعوة في معهد الفتح الإسلامي بدمشق قسم الدراسات التخصصية.

-   كما عمل مدرّسا في المعهد الشرعي والثانوية الشرعية بحمص.

- وكان يدرّس التربية الإسلامية، ومادة اللغة الإنكليزية، وعلم الأحياء..والرياضيات... وغيرها ببراعة في ثانويات مدينة حمص.

-   وهو عضو مجلس الإدارة في جمعية العلماء بحمص.

 - درّس الكثير من الكتب، منها: الرسالة القشيرية، ورسالة المسترشدين، ومدارج السالكين، والحكم العطائية، وكبرى اليقينيات الكونية، وشهداء الاسلام في عهد النبوة، وكان منهجه في تدريسها هو بيان الفوائد منها، والتنبيه على بعض القضايا التي قد تَرِدُ في مثل هذه الكتب ليجمع بين العلم والروح.

- أشرف على تأليف رسالة مقاصد الرسالة القشيرية، التي قام كاتباها الأستاذان طارق الأبيض، وأحمد مندو بتهذيب الرسالة القشيرية، واستخلاص فوائدها.

- كانت له رحلات دعوية وتربوية كثيرة، وألقى العديد من المحاضرات الدعوية في أمريكا، وأندونيسيا، وباكستان، وكندا، والإمارات، والسعودية، والكويت والمغرب، وتركيا ....وغيرها من دول العالم.

- وكان من الدعاة الذين يدعون إلى الله على بصيرة ونور، "بطريقة جميلة لبقة مهذبة، يمتاز بالاعتدال والوسطية، ويدعو إلى جمع الكلمة ووحدة الصف، وينتهج منهج الانفتاح على الجميع، وعنده قدرة على ربط الجمل وتوضيح المعاني، وتوصيل الفكرة للمستمع بشكل كبير جداً ومؤثّر.

-   وهو صاحب قلب محب يَظْهَرُ ذلك في دمعات عينه، وبسمات فمه، وتدفق كلماته، وهمسات التشجيع منه، ليكون بذلك أستاذاً في محبة المسلمين، بل أستاذاً مميَّزاً في فنِّ التواصل معهم.

- والشيخ عدنان إنسان رقيق بكل معنى الكلمة، غزير الدمعة، يتواصل مع الناس، ويزورهم في بيوتهم، ويحضر أفراحهم وأحزانهم، يجلس معهم على الأرض، ويأكل من طعامهم، ويتواضع للجميع من الكبار والصغار، يساعد الفقراء والمساكين، ويشفع لهم عند الناس، وله الكثير من الأعمال الخيّرة المباركة.

 - له فضل كبير في ترشيد الفكر الدعوي الإسلامي في مدينة حمص.

- وترك خطبا ودروسا ومقالات مخطوطة نرجو من ورثته تنسيقها وطبعها لتعم فائدتها.

- هدفه في الحياة:

 وكان هدف الشيخ في هذه الحياة أن يرضى الله عنه، وأن يرى رسالة الإسلام قد عمّت جميع بقاع الأرض، وأن يرى المسلمين جميعاً يداً واحدة على أعدائهم، وعلى قلب واحد.

وفاته:

   توفي الشيخ عدنان السقا في مدينة استانبول بتركيا في ٩ كانون الثاني عام ٢٠٢١م، إثر إصابته بداء العصر فيروس كورونا..ودفن هناك.

رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته. 

أصداء الرحيل:

الائتلاف الوطني ينعى الشيخ “عدنان السقا”: كان لسان حق في نصرة الثورة السورية:

  نعى الائتلاف الوطني السوري الشيخ “محمد عدنان السقا”، بعد وفاته جراء فيروس كورونا في مدينة إسطنبول التركية، أمس السبت 9 كانون الثاني.

  وقال الائتلاف الوطني إن “الشيخ السقا عُرِف بمواقفه المبدئية ضد الظلم والاستبداد، وكان لسان حق في نصرة الثورة السورية ومطالب السوريين في الحرية والكرامة”، مضيفاً أنه “كان يدعو إلى جمع الكلمة ووحدة الصف، كما كان له فضل كبير في ترشيد الفكر الدعوي الإسلامي في مدينة حمص، وقد مارس العمل الدعوي والتربوي والتعليمي في العديد من المعاهد الشرعية في كثير من مدن العالم الإسلامي”.

  والشيخ “محمد عدنان السقا” من مواليد حمص عام 1942، وحائز على الماجستير في العلوم الإسلامية.

  رحيل الشيخ عدنان السقا بعد تاريخ طويل من مقارعة نظام الأسد.

   مجالسه الطيبة، وتعامله اللطيف، وتواضعه المتزن، وحديثه اللين، واهتمامه بقضايا بلده، حتى ولو أُبعد عنها مرغماً، هذا أبرز ما اتصف به العلامة السوري الشيخ عدنان السقا، الذي افتقده السوريون، أمس السبت في أحد مشافي إسطنبول التركية إثر اصابته بفايروس كورونا، قبل 10 أيام، والتي نقل على إثرها إلى المشفى. 

   ونعى المجلس الإسلامي السوري، أحد أبرز مؤسسيه الشيخ عدنان السقا، عبر بيان تعزية، أصدره أمس، لمواقفه الثابتة في وجه الطغاة والظالمين، وقال البيان: 

   "ننعي إلى الأمة الإسلامية فضيلة العالم الداعية المربي، الشيخ عدنان السقا رحمه الله، كان من كبار علماء حمص الربانيين الذين ربوا أجيالاً، وصدعوا بالحق وله مواقف مشهودة في وجه الطغاة الظالمين".

   كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر وفاة الشيخ السوري الذي نال شعبية واسعة في عموم سوريا ومدنية حمص خاصة، ولإحساسه بالمسؤولية ودوره الفعال في المجتمع ومواقفه المشرفة إلى جانب المظلومين والمضطهدين من أبناء جلدته. 

   وقال الباحث السوري عباس شريفة عبر تغريدة نشرها في تويتر: "جالست الكثير من الدعاة فلم أجد أكثر سماحة ولا فكاهة ولا لطفا واستيعابا ولا شجاعة من الشيخ المربي عدنان السقا، رحم الله شيخنا ومربينا والعزاء الخالص لأهله وتلامذته والأمة الإسلامية بفقد هذا الرجل الثائر الحر وإنا لله وإنا إليه راجعون".

من هو الشيخ عدنان السقا؟

  ولد السقا في مدينة حمص السورية عام 1942، ودرس في مدارس المدينة وحمل شهادة الثانوية العامة الفرع العلمي، الذي خوله دخول كلية الطب، إلا أن محبة العلم الشرعي، دفعته إلى دراسة الشريعة في جامعة دمشق التي تخرج منها في عام 1966م.

   وحصل على الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة بنجاب بلاهور في الباكستان عام 1995.

   ويمتاز السقا بالاعتدال والوسطية، ويدعو إلى جمع الكلمة ووحدة الصف، وينتهج منهج الانفتاح على الجميع، وعنده قدرة على ربط الجمل وتوضيح المعاني وإيصال الفكرة للمستمع بشكل كبير جداً ومؤثّر، مما خوله لإلقاء المحاضرات الدعوية في عدد من بلدان العالم، حيث ألقى العديد من المحاضرات الدعوية في أمريكا وأندونيسيا وباكستان وكندا والإمارات والسعودية والكويت والمغرب وتركيا.

ما موقفه من الثورة السورية؟

  رفض السقا أن يكون أحد مشايخ السلطة في سوريا الذين وقفوا إلى جانب بشار الأسد، ضد الشعب السوري بل كان أحد أبرز مؤيدي الحراك الشعبي السوري المطالب بحريته من قبضة الأسد، مما اضطره للخروج من البلاد خشية بطش الأسد وآلته الاجرامية التي لم تبقي حجراً على حجر. ولم تكن هذه الهجرة الأولى للسقا إنما كانت له هجرة سابقة نتيجة موقفه المناهض للأسد الأب خلال ثمانينيات القرن الفائت، ووقوفه إلى جانب الشعب السوري الذي كان يتعرض للإبادة آنذاك.

   وكان من أبزر مواقف الشيخ عدنان السقا، بيان علماء حمص الذي قام بإصداره عبر اجتماع لعلماء حمص في منزله 9 من نيسان / أبريل 2011، مع توسع رقعة الاحتجاجات في سوريا، وبدء بطش الأسد ضد شعبه.

  ويعتبر هذا البيان الرسمي الأول الذي تصدره مؤسسة دينية يتناول الأوضاع التي تدور في البلاد حينها، وانطلاقاً من إحساسهم بالمسؤولية والأخلاقية الملقاة على عاتقهم ودورهم الريادي في المجتمع، قدموا 15 مطلباً:

 أولها اعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، ونبذ العنف والطائفية والتمسك بوحدة الأمة.

  ورفع حالة الطوارئ، وكف يد الأجهزة الأمنية عن الاحتكاك بالناس وإهانتهم واستفزازهم، وفتح الآفاق أمام الإعلام الحرّ والشفاف والمنضبط بإطار القيم، واعتبار التظاهر السلمي حقًا مشروعًا للمواطنين.

   ومحاسبة المتسببين بإراقة الدماء، وتم قراءة البيان من قبل خطباء الجمعة في حمص في "جمعة الصمود".

   ولم يتراجع السقا عن موقفه بعد خروجه من الأراضي السورية خشية وصول مخابرات النظام إليه، حيث قال في إحدى خطبه خارج البلاد عام 2012: "إن ما يحدث اليوم ليس بحاجة إلى شرح وليس بحاجة إلى عبارات، فإن كل قطرة دم تراق هناك على الثرى الطاهر لهي أصدق من كل التعبيرات وهي أثبت في ميزان الحق من كل العبارات والأدبيات، فالذي يحدث لا يحتاج إلى شرح وملخصه صراع بين حق وباطل، بين حق يستند إلى الله والله هو الحق، وبين باطل يعتمد على زمجرة السلاح والوحشية".

   يبدو أن السقا حمل مسؤولية ما يجري في بلاده على عاتقه وحاول توظيف ما يجري في سوريا في أغلب مجالسه وخطبه ومحاضراته التي يقيمها في تركيا، وبقي ثابتاً على موقفه مع المظلومين أمام الله وأبناء بلده، المضطهدين من قبل حكومة نظام الأٍسد، حتى توفاه الله عن عمر ناهز 79 عاماً.

  وهكذا يودع السوريون السقا بحزن شديد بسبب جهوده المبذولة في حقن الدماء ووقوفه إلى جانبهم في وجه الإجرام الأسدي، ومواقفه الصارمة تجاه ما يحدث في بلاده، على عكس ما انتهجه مشايخ السلطة الذين دعموا الظالمين والمجرمين، في سوريا ضد الشعب السوري.

الشّيخ عدنان السّقّا؛ رحيلٌ ليسَ كأيّ رحيل:

  وكتب الشيخ والباحث الفلسطيني محمد خير موسى يقول عن الشيخ عدنان السقا:

   بفقده لم تفقد حمص شيخها الأبرز فحسب، بل فقدت المؤسّسة الدّينيّة في سوريا ركنًا متينًا من أركانها ورمزًا من أكثر رموزها الفاعلة.

  في حمص التي يضرب بها المثل بلطف أهلها وجمال أرواحهم وطيب معشرهم ولد الشّيخ عدنان السّقا عام 1942م، وكان شعلةً في الذّكاء والتفوّق وحصّل مجموعًا في الثّانويّة العامّة يؤهّله دخول كليّة الطّب البشري غير أنّ شيخه اقترح عليه أن يدرس في كليّة الشريعة في جامعة دمشق، وهو فهمٌ عميقٌ يقوم على توجيه أهل التميّز العلميّ لدراسة العلوم الشرعيّة.

  منذ بدايات شبابه كان الشّيخ عدنان يحمل “كاريزما” جاذبة لمن حوله، وله من مؤهلات التأثير ما لا يتوفّر للكثيرين من دارسي العلوم الشرعيّة، وتنامت هذه الكاريزما بعد أن سقاها خلقًا رفيعًا، وتواضعًا طبعيًّا لا تكلّف فيه، ورقّة في القلب مهيمنة، وشفافية في الرّوح تنعكسُ من باطنه على ظاهره، وطلاقةً في اللّسان بلا تقعّر، وحجّةً في الحوار بغير إرادة الإفحام، وسخاءً في العَبرةِ دون اعتصار العين.

  كان معافىً تمامًا من آفة التّعصّب للانتماء، وكان أوسع من شرنقة التيّار والتوجّه.

   والشّيخ عدنان السّقّا صوفيّ النّشأة، صوفيّ القلب والرّوح، صوفيُّ السّلوك، وهو صوفيٌّ بعيدٌ عن الشّطح، فكان عنوان تصوّفه تزكية القلب وإرواء الرّوح بالذّكر، وصقلُ النّفس بالحبّ، معتمدًا على الدّليل الشّرعيّ مبتعدًا عن المبالغة.

  والأهمّ من ذلك كلّه أنّه كان معافىً تمامًا من آفة التّعصّب للانتماء، وكان أوسع من شرنقة التيّار والتوجّه، فكان عقليّةً تجميعيّةً فذّةً، تتجاوز جمع الصفوف بالتّنظير القوليّ إلى انتهاج السّلوك العمليّ في تحقيق ذلك.

  ومن الأمثلة العمليّة على ذلك أنّه وهو الرّمز الدّعوي الكبير المنتمي للمشرب الصّوفيّ، والدّاعية الذي تؤمُّ الجماهير مسجده ومجالسه؛ إلّا أنّه كان يحرص على حضور الدّروس العلميّة للشّيخ إسماعيل المجذوب، وهو من رموز العلماء في حمص الأقرب إلى الفكرة السّلفيّة، وكان بينهما حبٌّ يتجاوز مجاملات أبناء المدارس المختلفة.

  وهذا السّلوك لا يصدرُ إلّا على عقليّة تطمح إلى تجميع الصّفوف، وتتعالى على الانتماءات الضّيقة، وهو دروسٌ لطلّاب كلا التّوجهين أعمق وأبلغ من كثيرٍ من المحاضرات التي تُلقى عن وحدة الصّف وجمع الكلمة، وهو ينمّ عن نفسٍ كبيرةٍ فلا يفعل ذلك إلّا الكبار نفوسًا الكبار عقولًا الكبار طموحًا الكبار رسالةً.

  كان الشّيخ عدنان السّقّا من أبرز الذين ألقَوا خطبًا ناريّةً تحرّض الشّارع على رفض هذا التّعديل الدّستوريّ

  اندلعت معركة الدّستور عام 1973م إثر محاولة حافظ الأسد حذف مادةٍ رئيسة من دستور عام 1950م، وهي المادّة الثّالثة ونصّها:

” المادة الثالثة:

١- دين رئيس الجمهورية الإسلام.

٢- الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.

  وكان روّاد هذه المعركة العلماء في عدد من المدن السوريّة، وقد تنوّع حراكهم فيها بين إصدار البيانات والخطب المنبريّة وقيادة المظاهرات.

  وفي حمص كان الشّيخ عدنان السّقّا من أبرز الذين ألقَوا خطبًا ناريّةً تحرّض الشّارع على رفض هذا التّعديل الدّستوريّ إلى جانب العديد من خطباء حمص آنذاك ومنهم؛ الشّيخ محمّد علي مشعل، والشّيخ محمود سويد، والشّيخ وصفي المسدّي، والشّيخ ممدوح جنيد، والشّيخ عبد الغفّار الدّروبي.

   كما تقدّم الشّيخ عدنان السّقّا مع ثلّة من هؤلاء العلماء المظاهرات في حمص المطالبة برفض هذه التّعديلات التي كانوا يرون فيها اعتداء على الهويّة الإسلاميّة لسوريا وشعبها.

   ومع بداية أحداث الثمانينات والصّراع بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا واستفحال الظلم؛ كان الشّيخ عدنان السّقّا لسانًا ناطقًا بالحقّ معلنًا رفضه للظّلم، فلاحقه نظام حافظ الأسد وضيّق عليه ممّا اضطرّه للهجرة من سوريا فانتقل إلى جدّة ليعيش فيها داعيًا ومدرّسًا ومربيًّا إلى أواسط التّسعينات فعاد إلى حمص مع موجة عودة شريحة من العلماء المبعدين؛ فالتفّ النّاس حوله من جديد وغدا الاسم الأبرز والداعية الأشهر والمربّي الأكثر تلاميذًا في مدينة الحجارة السّود.

   وعندما انطلقت الثّورة في سوريا في آذار من عام 2011م كان الشّيخ عدنان السّقّا هو الأسرع مبادرةً في علماء سوريا

   عقب انطلاق الرّبيع العربي في تونس ومصر سارع الشّيخ عدنان السّقّا إلى جمع عددٍ من دعاة مدينة حمص ومنهم الشّيخ محمود الدّالاتي، والشّيخ سهل جنيد، وشكّل معهم فريقًا لتدارس الواقع وسيناريوهات المستقبل، واقترح عليهم أن يقوموا بزيارةٍ إلى مؤسّسات النّظام المدنيّة والأمنيّة بهدف إقناعهم بضرورة الإصلاح قبل وصول قطار الرّبيع العربي إلى محطّته السّوريّة، وفعلًا تمّ ذلك غير أنّهم جوبهوا من تلكم المؤسّسات ـ لا سيما رؤساء الأجهزة الأمنيّة ـ بنبرةٍ استعلائيّةٍ تدلّ على رفض النّصح والإصلاح مبرّرين ذلك بأنّ “سوريا غير” وأنّ “سوريا بلد مقاوم والشّعب ملتفّ حول قيادته المُقاوِمة”

   فكان الشّيخ عدنان السّقّا في هذا الموقف مثالًا للعالم بعيد النّظر، السّاعي إلى الإصلاح، المهتمّ بشأن وطنه، الحادب على شعبه.

   وعندما انطلقت الثّورة في سوريا في آذار من عام 2011م كان الشّيخ عدنان السّقّا هو الأسرع مبادرةً في علماء سوريا بطريقة مؤسّسية منظّمة حيثُ عقد اجتماعًا لعددٍ من علماء ودعاة وخطباء حمص في بيته يوم الخميس في السّابع من شهر نيسان “إبريل” من ذلك العام أي بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من اندلاع الثّورة واختار أن يكون توقيت الاجتماع بعد منتصف الليل حتّى لا يتسنّى لأجهزة الأمن تطويق الفكرة أو إجهاضها.

   صاغ الشّيخ عدنان السّقا بيانًا باسم جمعيّة علماء حمص، وصياغته تدلّ على وعي سياسيّ عميق، وأصالةٍ في الموقف، ورجولةٍ في الطّرح، ورقيّ في الخطاب.

   فالبيان توجّه إلى الرّئيس بشّار الأسد بستّة عشر مطلبًا كان أولها على الإطلاق “اعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص” كما طالبه بـ “نبذ العنف والطّائفيّة والتّمسّك بوحدة الأمّة” وكذلك نصّ البيان على ضرورة “رفع حالة الطّوارئ” و”كفّ يد الأجهزة الأمنيّة عن الاحتكاك بالنّاس وإهانتهم واستفزازهم” وغير ذلك من المطالبات التي تجسّد مطالب الجماهير بالحريّة والكرامة وصولًا إلى المطالبة بتعديل المادّة الثّامنة من الدّستور التي تنصّ على أنّ حزب البعث هو قائد الدّولة والمجتمع.

   بالإضافة إلى ما تضمّنه البيان من وعيٍ عميق فإنّه يتضمّن جرأة غير مسبوقة وإقدامًا نادرًا مثيلُه لا سيما أن التّوقيع عليه سيكون بالأسماء الصريحة.

   وهذا البيان الذي صاغه الشّيخ عدنان السّقّا ووقّع عليه في بيته هو وثيقةٌ للتّاريخ تدلّ على أنّ الشّيخ الذي بلغ السّبعين من عمره آنذاك كانت الثّورة تتدفّق في عروقه والمبادرة تتوثّب في سلوكه، جامعًا بين جرأة الشباب وإقدامهم وحصافة الشّيوخ وعمق الحكمة في رأيهم.

   وبعد فترة وجيزة اضطرّ الشّيخ السّقّا لمغادرة سوريا بغية تجديد إقامته في السّعوديّة، وفور مغادرته عمّمت الأجهزة الأمنيّة اسمه على المنافذ الحدوديّة بوصفه مطلوبًا للاعتقال في خطوة تهدف لمنعه من العودة مما اضطرّه للانتقال إلى إسطنبول ليكون عنوانًا فاعلًا في بناء المؤسسات العلمائيّة والشرعيّة المحسوبة على الثّورة، ويمارس نشاطه الدّعويّ في مخيّمات اللاجئين وتجمّعات السّوريين المهجّرين.

   كان الشّيخ السقّا شخصيّة تحملُ عقلًا مؤسّسيًّا، تعلي من شأن العمل الجماعي، منفتحة على التيّارات كلّها، يغلب الآخرين بلطفه الغامر، ويقاتلهم بالحبّ فيهزمهم في معركة ينتصر فيها الجميع.

   تفقد المؤسّسة الدّينيّة السّوريّة بفقده أحد أهمّ عنوانيها التّجميعيّة، وشخصيّاتها التّوافقيّة، ورجالاتها المبادرين، ورموزها المؤثّرين، مما يجعل الخسارة كبيرةً، ويؤكّد أنّ رحيله ليسَ كأيّ رحيل.

ياراحلون !! :

    وكتب الشاعر يحيى بشير حاج يحيى قصيدة ( في وداع الداعية الشيخ عدنان السقا - رحمه الله تعالى -)، يقول فيها:

ياراحلاً إثرٓ أحبابٍ لنا سبقوا  مِنّا عليك سلامٌٰ طيّبٌ عٓبِقُ! 

ماكنتٓ تخشى الردى، بل كنتٓ ترمُقُه ولم يٓفُتْكٓ- هُِديتٓ - الفوزُ والسبقُ! 

هذي عيونُ دمشقٓ الحزنِ باكيةٌ على رجال لها وٓفّوْا، وقد صدٓقوا

تبارك اللهُ كم في شامنا عٓلٓمٍ لم يٓقوٓ  حجباً لهم  ظُلمٌ ولا رٓهٓقُ  

تبكي عليهم حُشاشاتٌ  مؤٓرّقٓةٌ كما بكت حٓزٓناً في دوحها الوُرقُ 

عدنانُ هجرتُك الأولى غدتْ مثٓلاً  رمزاً لِمن صبروا، بالله قد وثِقوا 

شاقتكٓ حِمصٌ  وقد حٓنّتْ  لفتيتها وزادُهم في نٓواها الشوقُ والأرٓقُ 

مهاجراً يبتغي مٓرضاةٓ خالقِه لايرتضي جٓورٓ مٓن جاروا ومٓن حٓنِقوا 

كنتٓ الٓملاذٓ لمن ناءت مواطِنُهم وقد أضرّ بهم مِن بُعدها قٓلقُ 

وكان قلبُك واحاتٍ تُظٓلّلُهم وكان هٓمُّكٓ  مِمّا  نابٓهم  ولٓقوُا !

جيلٌ  تٓرٓبّى وفي الإسلام محضنُه -  فكيف يرضى خُضوعاً للأُ لى فسقوا ؟! 

ياراحلون وهذا القلبُ منزلُهم  مُستٓلهٓمُ  ذِكرُهم، منهاجُهم حٓقُّ  

موتُ الكرام غدا فٓتقاً  يؤرّ قُنا لكنْ إخانا على درب الهدى، الرتْقُ 

فرايةُ السُّنّة الغٓرّاءِ باقيةٌ  وبدرُها  في سماء الشام يأتٓلِقُ !

المصادر:

١- موقع رابطة علماء الشام.

٢- صفحة يحيى بشير حاج يحيى على الفيسبوك. 

٣- موقع رابطة العلماء السوريين. 

٤- الموسوعة التاريخية الحرة. 

٥- موقع السورية نت.

٦- مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 964