الشيخ القائد المجاهد د. محمد ناصر إدريس: رئيس حزب ماشومي الإسلامي في أندونيسيا

gfffsgfh9961.jpg

(1908 – 1993م)

هو الشيخ القائد المجاهد د. محمد بن ناصر بن إدريس داتوسيتاريو العالم العلاَّمة، والداعية الكبير، والسياسي القدير، والمربي الفاضل.

المولد، والنشأة:

وُلد محمد ناصر إدريس يوم 16/7/1908م في بلدة (مانتجاو) بجزيرة سومطره بإندونيسيا .

وتربى في بيت صلاح وتقوى، فقد كان والده من كبار علماء المسلمين بإندونيسيا، فكان لهذا أثره على تنشئته النشأة الصالحة.

الدراسة، والتكوين:

درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس بلاده.

فقد جمع بين الدراستين الدينية والحكومية، فنال الإجازة من كلية التربية في (باندونج).

ثم نال درجة الدبلوم في التعليم، كما نال الدكتوراه الفخرية من الجامعة الإِسلامية في جوك في مدينة (جاكرتا) عاصمة أندونيسيا.

الوظائف، والمسؤوليات:

وقد تقلّد وظائف متعددة، فعمل في حقل التدريس، وفي مجال التربية في عهد الاستعمار الهولندي في مدينة (باندونج)

ثم عُيِّن مديراً لإدارة التربية في العاصمة الإندونيسية.

ثم أصبح رئيساً لفرع منظمة الشباب المسلم.

وفي عام 1945م طلب إليه الدكتور محمد حتى نائب رئيس الجمهورية بعد الاستقلال مساعدته في مكافحة الاستعمار، فشارك في المفاوضات التي أدت إلى استقلال أندونيسيا من الاحتلال الهولندي بعد الحرب العالمية الثانية.

ثم كان أحد أعضاء مجلس النواب.

كما شغل منصب وزير الإعلام لمدة أربع سنوات.

وفي عام 1946م أنشأ حزب (ماشومي)، وهو اختصار لمجلس شورى مسلمي إندونيسيا.

ثم أصبح رئيساً للوزراء ولكنه استقال بعد عدة أشهر بسبب الخلاف الحاد مع الرئيس سوكارنو.

اعتقل في عهد الرئيس سوكارنو لمدة 4 سنوات بسبب معارضته لسياسة سوكارنو حيث كان معارضاً نشيطاً له.

ثم أصبح عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

رئيس المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية في أندونيسيا.

منح جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 1980م.

له أكثر من 50 كتاباً في موضوعات فكرية ودينية مختلفة.

توفي محمد ناصر إدريس في جاكرتا عام 1993م.

جهوده، ومواقفه:

وفي هذه الفترة كان يوجد مشروع هولندي بأن تتكون إندونيسيا من عدة دول كونفدرالية، وقد رفض الدكتور محمد ناصر هذا المقترح وقدّم مشروع إندونيسيا الموحدة الذي وافق عليه 90% من أعضاء ماشومي، وفي سنة 1950 طُلب منه تشكيل الوزارة فأصبح رئيساً للوزراء، ولكنه اصطدم مع الرئيس سوكارنو، فاستقال من رئاسة الوزارة قبل أن يُكمل السنة. وبقي رئيساً لحزب ماشومي وعضواً في البرلمان إلى سنة 1958م.

إن الدكتور محمد ناصر علم من أعلام الإسلام المعاصرين، ومجاهد من مجاهديه، خاض المعارك الشرسة مع الخصوم في كل صعيد بما فيه حمل السلاح للتصدي للأعداء المستعمرين، وكان من رجال السياسة المحنكين.

تولى المناصب العليا في بلاده إندونيسيا، وبذل قصارى جهده ليأخذ الإسلام مكانه كنظام حكم لإندونيسيا كلها وقاوم من أجل ذلك كل المتصدين للإسلام من دعاة العلمانية والشيوعيين وعملاء الشرق والغرب على حد سواء.

ولقد كانت لكلمته الرائعة في البرلمان الإندونيسي التي كانت بعنوان (اختاروا إحدى السبيلين الإسلام أو اللادينية) أبلغ الأثر في نفوس النواب وجماهير الشعب الإندونيسي المسلم، وقد نشرت في مجلة (المسلمون) وصدرت فيما بعد بكتاب.

لقد خاض الدكتور محمد ناصر الميدان السياسي فكان المحنك الداهية، واشترك في المعارك فكان القائد الشجاع، وناظر الخصوم بالكلمة المسموعة والمقروءة فكان الفارس المجلّي في ميدان العلم والدعوة.

كما وقف في وجه الحملات المسعورة التي تولى كبرها دعاة النصرانية وأذناب الاستعمار وعملاء الشرق والغرب وأصدر مجلة بعنوان (الدفاع عن الإسلام)، وكان ينادي إلى الإسلام كمنطلق للتحرر والسيادة في الوقت الذي كان سوكارنو وأعوانه يدعون إلى القومية الأندونيسية كمنطلق للتحرير.

وقد تحالف سوكارنو مع الشيوعيين الممثلين في الحزب الشيوعي الإندونيسي، للوقوف ضد الدكتور محمد ناصر وحزب ماشومي الإسلامي، واستمر هذا الصراع حتى قام سوكارنو في عام 1961 م بحل حزب ماشومي، واعتقل زعماءه وفي مقدمتهم الدكتور محمد ناصر . ولكن مقاومة المسلمين لم تتوقف، واستمرت حتى جاء أكتوبر1965م وتمت الإطاحة بسوكارنو بانقلاب عسكري.

منهاجه الدعوي:

وقد أنشأ الدكتور محمد ناصر وإخوانه بعد خروجهم من السجن (المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية) للاهتمام بتربية الجماهير وتوجيه الشباب وإعداد الدعاة، وانتشرت فروعه في جميع أنحاء إندونيسيا، وانطلق الشباب المسلم يمارس الحياة الإسلامية العملية، ويتغذى بالفكر الإسلامي الصحيح، وينبري لتوجيه الجماهير، وإنشاء المراكز الإسلامية والمساجد، ونشر الكتاب الإسلامي، وتكوين الاتحادات الطلابية الإسلامية والنقابات المهنية للمهندسين والمزارعين والعمال وغيرهم، وإقامة الصلات مع الحركات الإِسلامية في العالم، لتبادل النصائح والخبرات والتجارب وإشاعة وحدة المفاهيم وتبادل الزيارات.

وفي سنة 1967 م تمّ اختياره نائباً لرئيـس المؤتمر الإسـلامي العالمي بباكستان.

ثناء المستشار عبد الله العقيل عليه:

gfffsgfh9962.jpg

كانت بداية معرفتي به من خلال ما كنت أقرأ له في مجلة (المسلمون) التي كان يصدرها د. سعيد رمضان ثم زرته في إندونيسيا وزارنا في الكويت .

لقد أحبه كل من عرفه، وتعلّق به كل من عمل معه لأدبه الفاضل، وتواضعه الجم وبساطته وحسن معشره.

وكان الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان هو الشغل الشاغل له بالليل والنهار، وبالسفر والترحال حيث جاب العالم العربي والإسـلامي مدافعاً عن مبادئ الإسلام، معالجاً لمشكـلات المسلمين، مشاركـاً في كل مؤتمر أو ندوة أو عمل فيه مصلحة للإسلام والمسلمين.

وفي أول زيارة لي إلى إندونيسيا في مارس 1965م لحضور المؤتمر الإِسلامي في باندونج حرصت على مقابلته، ولكن فوجئت بأنه في السجن مع قادة المجاهدين من حزب (ماشومي) الإِسلامي، حيث غدر بهم سوكارنو الذي باع نفسه للشيوعيين، وصـاروا يحكمون البلاد من خلاله، ويحـاربون الإسـلام ودعاته، ثم زرت إندونيسيا بعد ذلك أربع مرات والتقيت فيها جميعاً بالدكتور محمد ناصر رئيس المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية (ديوان الدعوة الإسلامية) بعموم إندونيسيا، وقد استفدت الكثير من عمله وخبـرته وتجاربه.

كما سعدنا بزيارته عام 1968 م للكويت، وشرفني بمنزلي وحضر الندوة الأسبوعية.

اهتماماته:

كان دولة الدكتور ناصر مهتماً غاية الاهتمام بقضية فلسطين، فقد قام برحلات مع بعض الدعاة العرب لمقابلة المسؤولين من قادة الدول لاستنهاض هممهم للدفاع عن فلسطين وذلك في أعقاب نكبة 1967 م.

كما كان يولي أمر الدعوة الإسلامية في إندونيسيا جل اهتمامه، ويواصل العمل في الليل والنهار، ويجول في مختلف المناطق وفق خطط مبرمجة ومناهج مدروسة ودعاة من إخوانه وتلامذته يعرفون واجبهم ويدركون مسؤوليتهم ويبذلون قصارى جهدهم.

كان التبشير النصراني على أشدّه وبخاصة بعد سقوط سوكارنو في أكتوبر سنة 1965 م، فقد ضاعفوا جهودهم، وأخذوا يقيمون الكنائس وينشرون ويوزّعون الإنجيل وينشئون المدارس التنصيرية وكانوا يطمعون في تنصير إندونيسيا كلها حتى عام 2000 للميلاد.

ورغم التسهيلات التي يجدها النصارى من أعوانهم في الداخل، والأموال الضخمة التي ينفقونها، والإمكانات المتوفرة لديهم، فإن جهود الدكتور محمد ناصر وإخوانه وتلامذته كانت تقف عقبة أمام نشاط هؤلاء المبشرين، وتحبط الكثير من مخططاتهم ومؤامراتهم الخبيثة، لأن الإِخلاص في العمل، والنية الصادقة، والأخذ بالأسباب وفق مقتضيات الشرع، كانت المفتاح لأعمال الخير التي أخذت تتسع دائرتها في جميع أنحاء إندونيسيا.

وأقبل الشعب الإندونيسي على الدعاة المسلمين ليعلّموه حقيقة الدين ويعرّفوه دوره في الحياة ورسالته في نشر دعوة الإِسلام والالتزام بتعاليمه، فانتشرت الصحوة الإِسلامية في أوساط الطلاب الجامعيين والثانويين، وسائر طبقات المثقفين، وقامت المؤسسات الطلابية والشبابية بدورها في حمل رسالة الإسلام ونشر دعوته بين الناس والذود عن حياضه والتصدي لأعدائه.

وكان للدكتور محمد ناصر الدور الكبير في توجيه هذه المؤسسات الشبابية للعمل بحكمة وبصيرة ووعي وإدراك لتنهض بمسؤوليتها على ضوء الكتاب والسنّة وما أجمع عليه سلف الأمة الذين أخذوا الإِسلام كنظام وتشريع وعقيدة وتوحيد وعلم وعمل وجهاد ودعوة وجيش وفكرة وعبادة صادقة لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له ملك السموات والأرض.

أقواله:

ومن أقوال الدكتور محمد ناصر: «إن الإسلام ليس فقط ديناً يقتصر فيه عمل المسلم على العبادة بالمعنى الضيّق، بل إن الإسلام هو طريق الحياة للفرد والمجتمع والدولة. والإسلام يقف ضد استبداد الإنسان بأخيه الإنسان، لذلك يتعيّن على المسلمين أن يجاهدوا من أجل الحصول على الاستقلال.

والإِسلام يؤمّن الأسس السليمة للدولة الحرة. إن المسلمين يتعيّن عليهم أن يديروا بلادهم بعد تحريرها على أساس القيم الإسلامية.

إن هذا الهدف لن يتحقق قط إذا لم يكن لدى المسلمين الشجاعة للجهاد من أجل الحرية. لذلك يتعيّن على المسلمين أن يعزّزوا جهادهم لنيل الاستقلال طبقاً للمُثل التي يدعو إليها الإسلام، وبتبنِّي أسلوب يقوم من خلاله بإعداد الكوادر من الشباب المسلم المتعلم» انتهى.

وفي مقابلة لمجلة الوعي الإسلامي الكويتية أجراها محررها الأستاذ محمد ياسر القضماني مع الدكتور محمد ناصر في منزله بإندونيسيا في 9 شعبان 1409هـ فبراير 198 م قال: «...أنا لا أخاف من المستقبل وليس هناك خطر، بل المستقبل للمسلمين بشرط الاستقامة، وبذل أقصى الجهد لتحقيقها في أنفسنا وفي مجتمعاتنا لنرى الغد المشرق.

ولمَّا سأله المحرر مَنْ مِنَ العلماء أو الرجال الذين تأثر بهم قال: الحاج المجاهد الشيخ محمد أمين الحسيني، والإمام الشهيد حسن البنا، والإمام حسن الهضيبي. هذا من خارج إندونيسيا ، أما من داخلها فهم: الشيخ أغوس سالم والشيخ أحمد سركتي » انتهى.

ولا يتسع المجال ولا تكفي الصفحات للحديث عن هذا العالم الجهبذ والمجاهد الصابر والداعية الحكيم الذي طبّقت شهرته الآفاق وعرفه القاصي والداني من رجال الفكر والدعوة والسياسة والجهاد.

بحوثه ومؤلفاته:

كانت له دراساته الدعوية وبحوثه الفكرية التي نشر بعضها باللغة العربية مثل:

  • فقه الدعوة.
  • اختاروا إحدى السبيلين.
  • الصوم.
  • المرأة المسلمة وحقوقها.
  • الحضارة الإسلامية.
  • البناء وسط الأنقاض.
  • التركيب الطبقي للمجتمع.
  • الثورة الإندونيسية.
  • قضية فلسطين.

10-هل يمكن فصل الدين عن السياسة؟

11-إسهام الإِسلام في السلم العالمي.

12-العلم والسلطة والمال أمانة.

13-ابذروا البذور.

14- الإسلام والنصرانية في إندونيسيا.

15- طوبى للغرباء.

16- اليد التي لم يتقبلها أحد.

17- الإيمان مصدر القوة الظاهرة والباطنة.

18- الخوف والاستعمار.

19- حينما لا يستجاب الدعاء.

20- الدين والأخلاق.

21- الدعوة والإنماء.

22- خطبة عيد الفطر.

23- مع الإِسلام نحو إندونيسيا المستقبلة.

24- تحت ظلال الرسالة.

25- زينوا الدنيا بأعمالكم وأضيئوا العصر بإيمانكم.

26- أحيوا روح المثالية والتضحية مرة أخرى.

27- الإسلام وحرية الفكر.

28- الإسلام كأساس للدولة.

29-الإسلام كإيديولوجية.

30- القلق الروحي في ديار الغرب.

31- المسجد والقرآن والانضباط.

32-الثقافة الإسلامية.. وغيرها.

كما كانت له محاضراته وبحوثه ومقالاته وهي أكثر من أن تحصر، فضلاً عن اضطلاعه بمسؤولية المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية الذي استطاع أن يجمع كل المسلمين على المنهج الواضح الأصيل، وأن يرسم خطط العمل الدعوي المبني على الدراسات الميدانية التي من خلالها تُصاغ البرامج، ويربى الدعاة على الأسلوب الأمثل لنشر الإسلام وتفنيد دعاوى خصومه وإزالة الشبهات والعقبات التي يثيرها أعداء الإِسلام.

هذا بالإضافة إلى عضويته في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمجلس الأعلى العالمي للمساجد بمكة المكرمة ومؤتمر العالم الإسلامي بباكستان.

وفاته:

وقد انتقل إلى رحمة الله يوم 15 شعبان 1413هـ/ الموافق 5 فبراير 1993م ودفن في مدينة جاكرتا.

رحم الله القائد المجاهد والعالم العامل والداعية الموفق الدكتور محمد ناصر وعوض الله المسلمين من ينهض بدوره ويؤدي مهمته من إخوانه وتلامذته في إندونيسيا المسلمة. والله الموفق لكل خير.

gfffsgfh9963.jpg

أصداء الرحيل:

كتب الشيخ عبد الله قادري الأهدل ( اليمن) يقول تحت عنوان:

(مع الداعية الإسلامي الدكتور محمد ناصر: رئيس الوزراء الثاني بعد الاستقلال):

   وتكررت زياراتي لإندونيسيا، وكان لقائي الأخير بالداعية الإسلامي والمحنك السياسي رئيس وزراء إندونيسيا بعد استقلالها من الاستعمار الهولندي وعملائه من أهل البلد هي في سنة: 1421هـ، وكانت هذه الزيارة هي الزيارة العاشرة لإندونيسيا، وتتابعت الزيارة لهذا البلد بعد ذلك، ولكن الدكتور فارق الحياة بعد اللقاء الأخير.

كنت أحرص في كل زيارة أن أجتمع بالدكتور محمد ناصر رحمه الله، وقد اجتمعت به أربع مرات في أربع رحلات:

المرة الأولى سنة 1400هـ.

المرة الثانية سنة 1410هـ.

المرة الثالثة سنة 1412هـ.

المرة الرابعة سنة 1413هـ.

رجل يستحق الحب والإكرام.

وفي كل زيارة من هذه الزيارات تمكنت من مقابلة الدكتور محمد ناصر، حرصا مني على المثوبة من جهة، لأني أحبه في الله وأزوره لذلك، وحرصا مني على أخذ ما أمكنني منه من المعلومات عن الإسلام والمسلمين في إندونيسيا، والرجل جدير بكلا الأمرين، فهو رجل مناضل في سبيل الحق وإقامة الحكومة الإندونيسية على أساس الإسلام، وابتلي بسبب ذلك، فترك الجاه والمنصب وأجبر على الإقامة في جاكرتا، وأصيب بأمراض حاول السفر للعلاج في الخارج فلم يؤذن له مع كبر سنه، ولكنه لا زال يوجه الشباب ويخدم الإسلام والمسلمين، وينذرهم بالخطر التنصيري والعلماني والماركسي الإلحادي، والفساد الخلقي، ويبين ذلك بالإحصاءات والأرقام، فهو يستحق الحب والإكرام والتقدير من المسلمين في إندونيسيا وخارجها، وسأكتب هنا ما تجمع عندي في الزيارات الأربع بحسب تواريخها والله المستعان.

الزيارة الأولى للدكتور محمد ناصر كانت وقت المحنة.

لم أكتب عن الدكتور محمد ناصر كثيراً في هذه الزيارة، لأن الأوضاع السياسية في إندونيسيا كانت صعبة جداً، إذ كان رجال الأمن يتابعوننا أينما ذهبنا-كما هي عادة أعداء الإسلام من العلمانيين وغيرهم-حتى إن بعضهم جاء إلى الفندق الذي نزلنا به، وأخذ يحقق مع زميلي: من أين أتيتم وماذا تريدون؟ وبمن تتصلون هنا؟ وهل تريدون إلقاء محاضرات وما موضوعاتها؟ وأي المدن تريدون زيارتها؟ وكنت عندئذٍ خارج الفندق.

استمرار النشاط الدعوي المستطاع على رغم المضايقات.

ولا شك أن الدكتور محمد ناصر كان مراقَبا، لذلك آثرت عدم الكتابة، وكان ممنوعاً من التحرك داخل إندونيسيا وخارجها، ولكني سمعت منه ما يدل على استمرار النشاط الدعوي برغم الحالة الأمنية، وقد أبدى الدكتور قلقه من النشاط النصراني في كل المجالات، ومحاولات النصارى الاستيلاء على المراكز الحساسة في الأمن والتعليم والاقتصاد والطب والجيش وغيرها، يساعدهم في ذلك عملاء علمانيون من أبناء المسلمين الذين ابتعثوا للدراسة في الخارج-في أوروبا وأمريكا-فحملوا مؤهلات وأسندت إليهم وظائف حساسة في الدولة، وهم يحاربون الإسلام علنا، أكثر من محاربة النصارى، وإن كان النصارى هم الموجهين والمحركين، ومن ذلك محاولة إلغاء المساجد في الجامعات، وحرمان أبناء المدارس الحكومية من الإجازة في رمضان، وقد كانوا يستفيدون من هذه الإجازة بالتعلم في المدارس الإسلامية والمساجد، حيث يتعلمون أمور دينهم التي لا يجدونها في المدارس الحكومية. هذا ما سجلته عن الدكتور محمد ناصر في الزيارة الأولى الأحد 10/6/1410هـ ـ7/1/ 1990م.

(تنبيه كان الدكتور يتكلم بلغة بلده، لأنه لا يجيد اللغة العربية، وبعض العاملين معه يترجم، ومعلوم ما يحصل في الترجمة من ركاكة أحياناً، والكلام كله للدكتور محمد ناصر، إلا ما أجعله بين قوسين، فهو تعليق مني)

وفي هذه الزيارة كتبت عنه معلومات تتعلق به، وأخرى تتعلق بالإسلام والمسلمين في إندونيسيا.

هو: محمد ناصر بن إدريس.

ولد في:17 يوليو، سنة 1908م في سومطرة.

الدراسة: ابتدائية ومتوسطة وثانوية، وليسانس في كلية التربية في باندونج، ونال دكتوراه فخرية في الجامعة الإسلامية في جوك جاكرتا.

الوظائف: التدريس في التربية في عهد الاستعمار الهولندي، في باندونج.

وعندما جاء الاستعمار الياباني قضى على كل المدارس الموجودة، لإقامة مدارس على منهج المدارس اليابانية.

ثم توظف في إدارة التربية في باندونج مديرا.

كفاح محمد ناصر قبل الاستقلال وبعده:

وقبل الاستقلال طلب منه الدكتور محمد حتى نائب رئيس الجمهورية أن ينتقل إلى جاكرتا للكفاح من أجل الاستقلال سنة 1945م. وبعد الاستقلال كوفئ المجاهد كما كوفئ سنمار:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار

ومن هذا الوقت دخل معترك النشاط السياسي.

وكان أحد أعضاء مجلس النواب.

وفي عام :1946م بعد الاستقلال عين وزيرا للإعلام، وأنشأ حزب ماشومي، وهو اختصار لـ(مجلس شورى مسلمي إندونيسيا)

وكانت فكرة إنشاء هذا المجلس قد بدأت في أول الحرب العالمية الثانية، لمواجهة الاستعمار من أجل الاستقلال لتوحيد المسلمين من الجمعية المحمدية ونهضة العلماء وغيرها، وكان المجلس يسمى: مجلس إسلام أعلى إندونيسيا (MIAI) أي المجلس الإسلامي الأعلى لإندونيسيا.

وفي عهد الاستعمار كان يوجد تجمعان: أحدهما وطني والآخر إسلامي، فأراد محمد ناصر أن يكون الحزبان متحدين على أساس الحكم الإسلامي، وكان يدور نقاش بين الحزبين حول ذلك، وكانت كنية محمد ناصر في هذا الحوار: (أبا مخلص).

وبعد الاستقلال أراد سوكارنو أن يكون حزبه هو الحزب الوحيد (وهو الحزب الوطني) والمسلمون كانوا يريدون قيام الحكومة على أساس الإسلام فقط.

وفي سنة 1956م أنشئ المجلس الاستشاري الأعلى (من الطرفين) للتباحث في الأمر وطال النقاش ولم يحصل اتفاق، ولم ينجح أحد من الطرفين، وكان سوكارنو يريد قيام الدولة على أساس البانتشاسيلا. وهي المبادئ الخمسة التي يترتب عليها الولاء والبراء عند العلمانيين وعليها قامت دولتهم بعد ذلك، وأجبرت كل المؤسسات الإسلامية على قبولها ، وتدريسها في عهد سوهارتو وقد ذكرت معناها في مكانها من المعلومات عن إندونيسيا في سلسلة ( في المشارق والمغارب )

كان وزيرا للإعلام ثم رئيسا لحزب ماشومي.

بقي محمد ناصر وزيرا للإعلام أربع سنوات، وفي هذه الفترة كان يوجد مجلس تنسيق بين الحكومة الإندونيسية والحكومة الهولندية يسمى: أوشي إندونيسيا-هولندا.

اقترحت هولندا أن تقوم في إندونيسيا عدة دول كونفدرالية، وتعترف هي بذلك، وكان قد أعلن قبل ذلك أن حكومة إندونيسيا موحدة، ولهذا رفض محمد ناصر عرض هولندا، وتنازل عن الوزارة، ووافق على اقتراح محمد حتى (نائب سوكارنو) ونشط محمد ناصر في تكوين حزب ماشومي وحصل على:90% من الحزب مؤيدين له.

ولم يكن سوكارنو يريد ما اقترحته هولندا ولكنه استسلم للواقع.

وقدم محمد ناصر مشروع إندونيسيا الموحدة للبرلمان ويعرف هذا المشروع بـ(موسي إنتجرال محمد ناصر) MOSI INTEGRAL MUMMAD NASIR.

ثم رئيسا للوزراء.

وطلب من محمد ناصر أن يكون وزارة، فأصبح رئيسا للوزارة سنة:1950م، وهو الرئيس الثاني لمجلس الوزراء بعد الاستقلال، وعندما كون الوزارة لم يدخل فيها الجبهة الوطنية فأصبحت حزبا معارضا، وكان سوكارنو-وهو رئيس الجمهورية-يؤيد الجبهة الوطنية، فكان يساعدها ويدعمها.

قال محمد ناصر: وفي حفلة المولد النبوي في القصر الجمهوري كان سوكارنو يريد إعلان إلغاء مجلس التنسيق، وحث الجبهة الوطنية على تأييده، وكان محمد ناصر يرى إعلان ذلك عن طريق البرلمان في شهر مايو في مفاوضات بين وزير خارجية إندونيسيا ووزير خارجية هولندا، ولكن سوكارنو أصر على موقفه، ولهذا أعلن محمد ناصر استقالته بعد الاحتفال، وكان ذلك في شهر مارس سنة:1951م وبقي رئيسا لحزب ماشومي.

وكان يدور نقاش في البرلمان، وفي المجلس التأسيسي للدولة.

زيارات محمد ناصر بعض الدول الإسلامية ورجال الدعوة فيها.

وبدأ محمد ناصر في الاتصال بالعالم الإسلامي، فزار باكستان ومصر وسوريا وإيران والعراق وزار الهند أيضا عام:1952م.

وكانت عنده رغبة أن يلتقي الأستاذ البنا، ولكنه لم يتمكن من ذلك لأنه توفي قبل أن يقوم بالزيارة للخارج ولم يره، ولكنه زار الإمام المودودي، والمستشار حسن الهضيبي، وبعد نقاش طويل دار بينه وبين كل منهما رأى أن فكرته متفقة مع فكرة الإخوان في مصر، والجماعة الإسلامية في باكستان.

معارضة محمد ناصر لسوكارنو لتعاونه مع الشيوعيين.

واحتدم النزاع واشتد النقاش مع سوكارنو عندما بدأ سوكارنو يتعاون مع الشيوعيين.

وكانت بعض فرق القوات المسلحة في بعض المناطق تعارض سوكارنو، واجتمع بهم محمد ناصر وحث القواد منهم على معارضة سوكارنو، ولكن محمد ناصر كان حريصا على عدم انفصال بعض المناطق عن إندونيسيا، وكانت أمريكا قد قدمت مساعدات لبعض القواد في منطقة لمبوك في إندونيسيا الشرقية ليقوموا بالانفصال.

واتصلت منطقة آتشيه بالحكومة التركية، ولم يتم اتفاق معها.

وكان الهدف من التنسيق مع القواد أن تكون مناطق إندونيسيا محافظات وليست دولا منفصلة.

وكان سوكارنو يضرب بالقنابل القوات المعارضة في سومطرة، وكان بعض الوزراء شيوعيين، ومنهم قائد القوات الجوية (سوريا دارما) واستمرت الحرب أربع سنوات وكان محمد ناصر مع المقاومين في الغابات.

الدكتور محمد ناصر في السجن.

وبعد عام 1961م ضعف الدكتور محمد ناصر أمام سوكارنو بسبب تعاون الدول الأجنبية مع سوكارنو، ومنها الاتحاد السوفييتي، واعتقل محمد ناصر وأدخل السجن، والمجاهدون في الغابات كانوا قائمين بالحركة ضد حكومة سوكارنو من قبل، ولكنهم تعاونوا مع محمد ناصر عندما انفصل عن الحكومة.

وكانت المقاومة في كل من آتشيه و سلاويس وجاوة الغربية، وتسمى دار الإسلام والجيش الإسلامي.

وكان محمد ناصر يظن أن القوات في جاوة مع الجيش الإسلامي المجاهد، ولكن الجيش في جاوة لم ينضم إليهم ما عدا أفراداً منهم، ولهذا ضعفت المقاومة.

حل سوكارنو حزب ماشومي الإسلامي.

وحلّ سوكارنو حزب ماشومي وجميع الأحزاب المعارضة، وانقلب عليه الذين كانوا يوالونه ويعاونونه ونجحوا في الانقلاب وتولي السلطة، وكانوا يسمون محمد ناصر وحزبه وهم في الغابة: حكومة الثورة في الجمهورية الإندونيسية.

وبعد العودة من الغابات استسلموا ماديا مضطرين، ولكن بعد أن جلسوا مع بعض المتعاونين معهم، ومنهم الأستاذ شفر الدين برواتا نيفارا (توفي قبل سنة من تاريخ هذا اللقاء مع محمد ناصر) اتفقوا على الاستمرار في العمل الإسلامي، ولم يتعاونوا مع سوهارتو عندما طلب منهم ذلك، لأنه يريد القضاء على زعماء المسلمين بأسلوب ماكر.

حزب التنمية الإسلامي وموقف سوكارنو منه.

   ونشأ حزب صغير أظهر أنه يريد تطبيق الإسلام وبعض أعضائه من الماشوميين وهم الذين كونوا هذا الحزب سنة:1968م بالاتفاق مع الدكتور محمد ناصر وتولي رئاسة الحزب محمد روم، وكان وزير الخارجية في السابق، ولكن الحكومة حظرت ذلك الحزب، وكان اسم الحزب PARTI MUSLIMIN INDONISIA وسمي بعد ذلك بالحزب الإنمائي.

وسمح له بعد أن غير اسمه وحذف منه كملة مسلمين وقَبِل مبدأ البانتشاسيلا، ولكنه حزب ضعيف لم ينجح إلى الآن.

ويوجد في الحزب الإنمائي أعضاء صالحون يعملون للإسلام، وقد صوتوا في البرلمان لمصلحة مشروع الأحوال الشخصية، وهددوا بالانسحاب إذا لم ينجح المشروع، وهو أحد الأحزاب الثلاثة المأذون لها رسميا بمزاولة النشاط السياسي.

والحزب الأول هو الحزب الحاكم (حزب جولكار) أي العمال، والحزب الثالث هو الحزب الديمقراطي ويتكون من النصارى وبعض المسلمين وكذلك الحزب الحاكم.

ويوجد من المسلمين المنتمين إلى تلك الأحزاب من يدافع عن الإسلام في البرلمان، ومعهم بعض العسكريين.

من ماشومي إلى المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية.

وأصبح حزب ماشومي المحلول رسمياً يعمل باسم المجلس الأعلى الإندونيسي لشؤون الدعوة الإسلامية.

وهو يعمل في مجالين: الدعوة، والتربية الإسلامية.

والمجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية لم يكن حزبا سياسيا – من الناحية الرسمية - ولكنه يوجه بعض أعضاء البرلمان ويؤثر فيهم كما هو الحال في مصر وغيرها من الدول العربية، كالأردن.

تقويم العالم الإسلامي.

قبل سنة: 1980م زار محمد ناصر المملكة العربية السعودية واتصل بزعماء المسلمين، لكنه بعد ذلك منعته الحكومة، وهو يرى أن الضغط على المسلمين موجود في كل مكان، ولكن يوجد أمل طيب كالوضع في الجزائر ( هذا الكلام كان قبل فوز المسلمين في الانتخابات التي أزعجت العلمانيين وبخاصة جنرالات الجيش الذين سحقوا الشعب بالدبابات، وترتب على ذلك ما ترتب من المحن على هذا الشعب المنكوب) وكذلك الأردن ومصر. ودول الخليج على صغرها بدأ أهل الخير فيها يزورون المسلمين ويهتمون بشؤون المسلمين.

ويعتبر محمد ناصر نائب رئيس المؤتمر الإسلامي في كراتشي.

ابتلاء المسلمين بالشر والخير وتوقف نجاحهم على قوة إيمانهم.

وسئل محمد ناصر عن الأخطاء التي يراها من العاملين للإسلام؟ فقال:

نحن في حالة ابتلاء بالخير والشر، الابتلاء بالشر نحمد الله أنا نجحنا فيه بإيماننا الذي نحارب به، كالاستعمار الذي حاربناه حتى تم الاستقلال، ولكن الاختبار بالخير يحصل فيه شيء من الفشل، كالاستقلال والوظائف، تجد المسلم الموظف الكبير يتعاون مع غير المسلمين، كما تعاون الموظفون المسلمون في الحكومة الإندونيسية مع الصينيين فيما فيه ضرر على المسلمين في إندونيسيا، وقد يكون ذلك موجوداً في غير إندونيسيا، ونحن في حال الشدة نتحد (أحياناً)، فإذا حصل خير أصابتنا الأنانية في المكاسب.

التنصير ونسيان المسلمين لمخاطره!

وهناك خطورة شديدة ننساها، وهي شاملة لكل بلدان المسلمين، وهي خطورة التنصير، وهي تأتي من الكاثوليك (الفاتيكان) البروتستانت (سويسرا) وهيئات أمريكية وأسترالية بأشكال مختلفة: سياسية واجتماعية، وكلها ترمي إلى أن يستخدمون الضغوط الآنية كالفقر الذي يوزعون على أهله الأموال، والجهل الذي يساعدون أهله بإنشاء المدارس والمنح الدراسية.

الداعية الإسلامي السياسي المحنك رئيس وزراء إندونيسيا

بعد الاستقلال:

استيلاء النصارى على الوظائف الخطيرة في إندونيسيا.

قال الدكتور محمد ناصر: وفي إندونيسيا 20% من الوزراء مسيحيون: وزير الدفاع، والوزير المنسق للأمن والسياسة، والمالية، والتخطيط، ووزير التجارة المساعد، ولأول مرة يكون محافظ البنك الإندونيسي نصراني، وغيرهم من المتعاونين. والقضاة 40% مسيحيون.

والمجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة أكثر نشاطه في مواجهة التنصير في المناطق المنعزلة النائية التي ينشط بها المنصرون، ويوزعون الأموال، ونحن نأخذ تبرعات وتوزعها وإن كانت قليلة.

وللمجلس مكاتب في المناطق لا تقل عن 23 مكتبا، وخلال شهرين تأتي التقارير من تلك المكاتب.

المنصرون يبالغون في أعداد من يدخل في دينهم.

هل يتنصر المسلمون حقا، وما نسبتهم؟

قال الدكتور محمد ناصر: عندما توزع الهيئات النصرانية المساعدات تكتب أسماء الذين تقدم لهم المساعدات ويزعم المنصرون أنهم دخلوا في النصرانية، وكثير منهم في الحقيقة لم يتنصروا.

ومن الأمثلة قرية في جزيرة (منتاوي) بها من السكان ثلاثة آلاف من البدائيين مسلمين وغير مسلمين، ذكر النصارى أن سبعة آلاف من سكان القرية تنصروا، مع أن عددهم كلهم ثلاثة آلاف، والسبب في ذلك تكرر أسماء الذين يقدمون لهم المساعدات، كلما قدموا للشخص الواحد مساعدة حسبوه متنصرا جديدا؟

ومثال آخر في (كانن) ذكر النصارى أن 90% منهم تنصروا و(كانن) في جاوة الوسطى، ولكن بعد أن بني هناك مصلى ونشطت الدعوة، كانوا يأتون إلى المسجد يصلون وهذا دليل على عدم صحة كلامهم.

وكان السكان أولا يخافون من العمدة، وعندما بني المسجد وتكاثر وطلبوا من المجلس إنشاء روضة لتعليم أطفالهم.

ومعنى هذا أنه توجد مبالغة في دعوى كثرة المتنصرين، وإن كان التنصير موجودا، ولو قامت الدعوة بقوة في أوساط الذين يقال إنهم تنصروا لرجعوا إلى الإسلام.

والنشاط التنصيري يوجد في أوساط المثقفين بسبب إعطائهم منحا دراسية في أوروبا وأمريكا وبعضهم يتنصر، والمتنصرون من المثقفين المسلمين قليلون، وكانوا يربونهم من الصغر أو أيام الدراسة بسبب المنح.

وفي جوك جاكرتا بني مصلى عند المعبد البوذي وأسلم أكثر من في قرية (كيون بروجو) وأصبح المعبد فارغا، وتوجد لدى المجلس كتيبات مقارنة بين الإسلام والمسيحيين توزع على الوثنين.

وعندما تولى وزارة الدفاع نصراني، وحاول النصارى أن تكون بعض المناطق تابعة لهم، تنبه بعض قواد الجيش من المسلمين لما أراده النصارى ونبهوا بعضهم بعضا.

ونسبة النصارى في الجيش غير معروفة، ولكن نسبة المسلمين في الجيش تزداد.

وماذا يقترح محمد ناصر لمكافحة التنصير؟

توعية المسلمين وإيقاظهم في عامة الشعب، والمجلس الأعلى للدعوة يوزع نشرات بمعلومات كافية، فقد طبع ما لا يقل عن مائة ألف نشرة، ووزعت فتوى بعدم جواز حضور المسلمين أعياد الميلاد، مع أن الرئيس سوهارتو يحضر احتفالاتهم، وقد قبض البوليس على بعض الشباب عندما وقفوا ضد حضور الأعياد.

وعندما زار البابا إندونيسيا كتبنا كلمة ظاهرها الترحيب، وحقيقتها بيان خطورة التنصير على الشعب الإندونيسي.

الخطاب الموجه إلى البابا حول التنصير.

(هذا الخطاب الذي وجه إلى البابا ومعه وثيقة بالنشاط التنصيري في إندونيسيا نشر في كتيب باللغة العربية بعنوان: خطاب للبابا يوهانس باولوس الثاني من أجل إيقاف الاستغلال على الحاجات الإنسانية وهو بتوقيع:

الأستاذ محمد ناصر الشيخ الحاج مشكور.

الشيخ الحاج رسل عبد الواحد البروفيسور محمد رشيدي.

ونشره المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية 1410هـ – 1989م.

(وحيث إن الخطاب وما ألحق به وثيقة تبين استياء المسلمين مما يرتكبه النصارى بطرق خبيثة ماكرة يخالف الاتفاقات التي تتم بينهم وبين المسلمين، وتخالف قوانين البلاد فإن إثبات صورة له في هذا السِّفر من المعلومات مناسب، وقد أثبت صورة الخطاب وما ألحق به في المجلد الثاني من المعلومات المتعلقة بإندونيسيا، مع المقابلة التي أجريتها مع الدكتور محمد ناصر.)

ثم قال الدكتور محمد ناصر: رأس مال كفاح التنصير هو التوعية لتحريك الأمة وتحذيرها.

وللمجلس مجلة تسمى الدعوة، وهي شهرية وتهتم بموضوع التنصير، وللأستاذ محمد ناصر مقال شهري بعنوان توصيات المنبر.

وللمجلس نشاط في الجامعات يقوم أعضاؤه بالتوعية ويبنى المساجد في الحرم الجامعي، في جامعة إندونيسيا وفي جامعة لامبونغ، وفي جامعة بوغور، وباندونغ، وفي جوك جاكرتا، وسمارانج، وفادانج، وأجونغ باندونغ.

وتقام دورة ثلاثة أيام للتوعية والتثقيف، لأنها لا توجد في الجامعة إلا مادتان-عن الإسلام-في الأسبوع.

(لكن الاهتمام بالثقافة الإسلامية بدأ في الفترة الأخيرة في الجامعات الإندونيسية، وتوجد جامعات إسلامية حكومية في عدد من المدن الإندونيسية، إضافة إلى جامعات إسلامية أهلية)

قال الدكتور محمد ناصر: والمجلس يبذل جهوداً بحسب إمكاناته لإصلاح معيشة الشعب في طبقاته الدنيا، عن طريق إقامة جمعيات تعاونية في المساجد تجارية وزراعية وغيرها، وقد ساعد في ذلك بعض المسلمين في الكويت.

ونقطة الضعف عند المسلمين تكمن في ضعف المادة والمسيحيون يعرفون ذلك، وهم أقوياء ويستغلون قوتهم المادية والاقتصاد يه، ونحن لا توجد عندنا مؤسسات مماثلة.

ويرى الدكتور محمد ناصر أننا لا ينبغي أن نخصص رأس مال كبير لمكافحة التنصير، لأنه يحتاج إلى أيد أمينة وخبرة وكفاءات لاستثماره وتعريفه .(1)

ونحن عندنا جمعيات صغيرة وصلت إلى 162 جمعية يبذلون مالا قليلا بدون ربا، وهي ناجحة ولدينا مشروع قرية (طيبة) وتسمى مؤسسة السعادتين-أي الدين والدنيا-.

ويوجد معهد دار الفلاح في بوقور، وهو تابع للمجلس الأعلى للدعوة الإسلامية.

ويشرف المجلس على 162 داعية متفرغين يتبعون مركز جاكرتا، كما يوجد دعاة محليون في المناطق وهم كثير، ولو تمكنا من الإكثار من الدعاة المتفرغين في المناطق البعيدة لنجحنا في الدعوة.

ويقوم المجلس بطبع الكتب والنشرات والمجلات، ولديهم مطبعة قديمة تحتاج إلى إصلاح، والمجلس في حاجة إلى مطبعة حديثة.

وتوزع نشرات قبل صلاة الجمعة في مساجد إندونيسيا كلها.

ويقوم المجلس بإعداد الدعاة وتأهيلهم حتى يكونوا أكفاء.

وحصل المجلس على منح دراسية من الجامعات في المملكة العربية السعودية، وهو يطلب المزيد من هذه المنح لهذا الغرض.

دمعت عيناه خشية على فراغ موقعه بعد وفاته!

وعندما سألت الدكتور: كم بلغت من العمر؟

توقف، واغرورقت عيناه، وقال: إنه يخشى من حصول فراغ بعده، وقد بلغ إحدى وثمانين سنة من العمر.

وهنا قلت له: إنك قد أديت واجبك، وقد بارك الله في جهودك وشبابك ينتشر في كل مكان في إندونيسيا، كما شاهدت ذلك في جولاتي في مناطقها المختلفة، وسوف لا يضيع الله عملك وهو قادر أن يوجد من يخلفك فاطمئن والله مؤيد دينه وناصره.

وسألت الأستاذ عن صلته بالمسلمين في الخارج؟

فقال: نأمل أن تساعد رابطة العالم الإسلامي الدعوة في إندونيسيا، ولكنها اتجهت إلى إفريقيا والى الأقليات ونسيت الأكثريات، وقد صرح الدكتور عبد الله نصيف إنه الآن يوجه اهتمامه إلى إفريقيا، وللمجلس اتصال بالهيئة العالمية الإسلامية وبيت الزكاة في الكويت.

تحديات إمام العمل الإسلامي.

قال الدكتور محمد ناصر: واجه المجلس في مستهل إنشائه حطاما وركاما من مخلفات عهد سوكارنو البائد(معلوم أن سوكارنو فتح الباب على مصراعيه للشيوعيين الملحدين) وتحديات خطيرة من خصوم الإسلام وأعدائه، وخاصة أولئك الذي عاونوا سوكارنو وأيدوه وتعانوا معه، حيث أصبحوا بعد الإطاحة بطاغوتهم وانهيار حكمه ونظامه، وافتضاح خطل تعاليمه وانكشاف مباذله ومخازيه، يتخوفون من الإسلام الذي أصبح البديل المنطقي الوحيد، الذي سيحل محل البائدين ويرث الأرض ومن عليها.. ولكن العهد الجديد كان حربا على الإسلام، مثل القديم، وإن اختلفت الأساليب الماكرة.

فالشعب الذي غرر به سوكارنو وحواريوه وضللوه وسخروه لمآربه ومآربهم سنوات عديدة، أفاق ذات صباح يوم ضاح ليشهد بعينيه مأساة الثلاثين من سبتمبر سنة: 1965م وما اقترفت من وحشية وبهيمية وضراوة متناهية، أبرزت حقائق الشيوعية والتقدمية التي كان يروج لها سوكارنو وأعوانه.

تضليل المسلمين بفتاوى علماء السوء.

قال الدكتور محمد ناصر: لقد كان سوكارنو يقول: إن الشيوعية والإسلام صنوان لا يتعارضان، فلم تتورع طائفة من الذين يحلو لهم أن يقال عنهم بأنهم شيوخ الإسلام وأئمة الدين، أن يقولوا معه ويؤيدوا هرطقته.

وعندما بشر ببدعه "الناسا كوم" (والكلمة منحوتة من ثلاث كلمات بالإندونيسية تعني القومية والدين والشيوعية) التي تقول بوجوب تعاون واندماج هذه الثلاث أيديولوجيات ليتحقق الرفاه والسعادة للشعب الإندونيسي، سبح المغفلون بحمد هذا "الناساكوم" تسبيحا، وأرادوا أن يشخصوا إمكان تحقيق هذا المبدأ، فاعتلى المنصة-في اجتماع شعبي عام-ثلاثة شخصيات من زعماء الأحزاب التي أريد لها أن تمثل كلا من القومية والإسلام والشيوعية، وتعانقوا عناق اللوعة والاشتياق، وكانت مهزلة سخيفة أن يبدو "حمل" الإسلام يعانقه "ضبع" القومية و"ذئب" الشيوعية، ولكن الحمل كان معتزا فخورا...

ولما أعلن سوكارنو المجابهة ضد ماليزيا البلد الجار والشعب الشقيق، بتلفيق مختلف التهم ضدها، جاراها أولئك المغفلون، بل أصدروا فتوى بتحريم الاستماع إلى إذاعة ماليزيا!.

وانساقت طوائف الشعب الساذجة، وراء الخدعة بفضل أمثال هؤلاء الزعماء الذين كانوا إما مأجورين أو مغفلين، فقد كانت جماهير الشعب تضع ثقتها فيهم بحكم عمائمهم وتزييهم بزي العلماء!

وانهالت ألقاب الشرف العلمية على سوكارنو من كل حدب وصوب، حتى أصبح يفتخر بتعديد شهادات الدكتوراه الفخرية التي أهديت إليه، وكاد أن يكون أحق بلقب: "الدكاترة سوكارنو!"

وتسابق زعماء هؤلاء المسلمين إلى إهدائه ألقاب الدكتوراه الفخرية، في الدعوة الإسلامية وفي التوحيد، بل لقبوه بأنه (ولي الأمر ضروري بالشوكة).

ثم أطيح أخيرا بطاغوت "الناساكوم" وتمت عملية رفع الستار عنه وعن مخازيه وأعمال تهريجه، في خضم المظاهرات الطلابية التي أطاحت به وبحكومته في سنة: 1966م (كما أطاحوا بالطاغوت الثاني في سنة 1998م)بعد إحباط الانقلاب السبتمبري في أكتوبر سنة:1965م وانجلت الحقيقة لكل ذي عينين، واتضح أن الشيوعية هي الشيوعية، وأن الشيوعيين شيوعيون، سواء أكانوا أعضاء رسميين في الحزب الشيوعي أم لم يكونوا أعضاء، وأن دعوة الشيوعيين للوحدة والاتحاد و(الجبهة القومية) ليست إلا وسيلة من وسائل تحقيق غايتهم القصوى، وهي السيطرة والتمكن (كما فعلوا في اليمن) وبعد ذلك كان القضاء التام على من سواهم، بالاختطاف والاغتيال، كما حدث لقادة الجيش في صبيحة يوم أول أكتوبر سنة: 1965م، كما اتضح أن الشيوعية إن هي إلا زندقة والحاد وكفر صراح.

وشدهت الجماهير الساذجة لهذه الحقائق المرة التي انكشفت بعد إحباط الانقلاب السبتمبري الفاشل، وأصيبت بالذهول، وتخبطت تخبط القطيع الذي يحاول أن يتلمس سبل الإفلات والنجاة من سطوة الذئاب الضارية، وهالها أن تشعر في النهاية بأنها كانت مخدرة من قبل زعمائها-أو من حسبتهم زعماءها-الروحيين، وراحت تتلمس وتبحث عن العقيدة الصحيحة التي تكفل لها الخلاص وتستطيع أن تكفر بها عن ماضيها وتطهرها من أدرانه.

رئيس الوزارة الثانية بعد الاستقلال

المنصرون يتصدون للعمل !

وكان من مستلزمات عمليات القمع وقطع دابر مدبري الانقلاب السبتمبري الفاشل، أن ألقي القبض على عشرات الألوف ممن ثبتت علاقتهم بالانقلاب، وأودعوا المعتقلات رهن التحقيق.

ولقد سمحت الحكومة للهيئات الدينية أن تقدم خدماتها الإرشادية إلى المعتقلين، رجاء إمكان إصلاحهم وإعادتهم إلى حظيرة الإيمان والعقيدة، فهرع المنصرون من مختلف الطوائف والنحل يباشرون نشاطهم مع هؤلاء البؤساء لا عن طريق الإغاثة الإنسانية والإرشاد، ولكن عن طريق استغلال بؤسهم ومحنتهم، فقد كان المبشرون يبدون لهم استعدادهم لإعالة ذويهم وإعاشة أسرهم، شرط أن يوقعوا على صك الاعتراف بانضمامهم إلى الكنيسة التي يبشر المبشرون بها، وهؤلاء البؤساء يعرفون جيدا تردي الأوضاع الاقتصادية آنذاك، وماذا يعني ذلك بالنسبة لذويهم، فقد كانوا من أصحاب الفضل في ذلك أيام تهريجهم مع سوكارنو، لذلك سارعوا في الاستعداد للتوقيع على الاعتراف، واثقين من أن في عملهم ذاك سلامة أسرهم من غوائل الجوع والمسغبة، وهكذا تدرج أسماؤهم تقارير التبشير وعدد الذين تنصر بالرضا والاقتناع.

وهو أسلوب متناه في الإسفاف والدناءة في ابتزاز العقائد، باستغلال البؤس والعوز والفاقة.

الوسائل التي اتخذها سوكارنو لإضعاف الإسلام.

والحق أن المبشرين قد مارسوا نشاطهم التبشيري-كما أسلفنا-منذ أيام سوكارنو، فقد كان سوكارنو يعلم أن الإسلام يعتبر قوة هائلة في البلاد، وأن المسلمين كانوا أصحاب السهم الوافر في حروب الاستقلال ومقاومة المستعمرين، منذ أن وطئت أقدام الاستعمار إندونيسيا، فكان يحاول إضعاف نفوذ الإسلام بشتى الطرق، من ذلك تشظية وحدة العمل الإسلامي بتفريقه إلى عدة أحزاب، ومن ذلك أيضا تنشيط العناصر المقاومة للإسلام الموتورة منه، فقرب إليه الشيوعيين رغم طعنتهم الغادرة للنضال التحرري الإندونيسي سنة: 1948م بثورتهم الرهيبة التي أشعلوها في جاوة الشرقية، ومكنهم من التسلل إلى مختلف المراكز الحساسة في جهاز الدولة.

وساند النشاط التبشيري بمختلف الوسائل حتى نال المبشرون من التسهيلات، ما لم يكونوا يحلمون به في أوج الاستعمار النصراني في إندونيسيا، فقد أصبح المبشرون يفدون إلى إندونيسيا من مختلف مراكز التبشير العالمية، ومن مختلف الملل والنحل، لا يسألهم سائل من أين جاءوا والى أي منطقة في إندونيسيا سيذهبون، وأقيمت الكنائس في المدن والقرى، أما في جاكرتا فكانت كنائسها المستجدة من حيث الكثرة والفخامة تفوق الحد والحصر، خاصة بالنسبة لوزارة الشؤون الدينية أيام سوكارنو، وكانوا يشيدون كنائسهم في الأحياء الإسلامية الصرفة بل تجرأوا على إقامة كنيسة لهم في آتشيه، المنطقة المعروفة بنقائها الإسلامي الصرف.

أهم أسباب تمكين النصارى في إندونيسيا.

أما كيف أمكنهم هذا، فالسبب يكمن في وجود هيئات تبشيرية عالمية ذات إمكانات مادية ضخمة، حيث تتلقى هبات مالية سخية من المؤسسات التجارية ومن شركات البترول التي تستغل بترول العالم الإسلامي، هذه الهيئات التبشيرية العالمية هي التي تمد التبشير في إندونيسيا.

واعترف سوكارنو بالهندوكية والبوذية والوثنيات، كأديان تقف على قدم المساواة مع الإسلام في إندونيسيا، إمعانا منه في إضعاف شأن الإسلام، وحرصا منه على تنحيته من مكان الصدارة والأولوية.

وبفضل جهود سوكارنو عاد للبوذية كيانها في إندونيسيا، وتجرأ البوذيون من مختلف أصقاع العالم على إقامة شعائر دينهم في معبد "بوروبودرو" بجاوة الوسطى، بعد أحقاب طويلة، كان هذا المعبد لا يعدو كونه تحفة من التحف من التحف تحت رعاية مصلحة الآثار والعاديات، وأصبح للبوذية والهندوكية ركن خاص في الإذاعة والتلفزيون.

وبعد سقوط سوكارنو تضاعف نشاط التبشير تضاعفا عظيما، فأصبح المبشرون لا يتورعون عن اقتحام حلقات الدروس الدينية في المساجد والمصليات، يوزعون مطبوعاتهم، ويرتادون بيوت المسلمين في غيبة الآباء، يبشرون النساء والأولاد، مما أثار ردود فعل عنيفة جدا، وأثار أزمات مستحكمة في سنوات 66 و 1967م.

وقد دعا الرئيس سوهارتو إلى عقد مؤتمر للأديان ضم زعماء المسلمين والنصارى والبوذيين، وناشد الأطراف المعنية بأن لا يمارسوا التبشير بين جماعات الطرف الآخر، ولكن المسيحيين اعتذروا وتذرعوا بحجة أن الإنجيل يأمرهم بإنقاذ الحملان الضالة، ودار حديث طويل في جلسات المؤتمر لم يسفر عن تخفيف النشاط المحموم للمبشرين.

أهداف ومخططات:

وجد المجلس نفسه أمام هذه الحقائق، وجابه تلك التحديات، وشرع يعمل، وهو لا يملك أكثر من الإيمان بأنه مدعو للاضطلاع بالمسؤولية الضخمة، وأنه مجند للقيام بواجب الإنقاذ، وكان معظم قادته وزعمائه حديثي عهد بالخروج من معتقلات سوكارنو، وقد صودرت أملاكهم أيام سوكارنو، حتى بيوتهم كانت مسكونة بأصفياء سوكارنو، ولكنهم بدؤوا العمل..

بدؤوا عملهم بعملية حصر للدعاة والوعاظ والمبلغين الذين نذروا أنفسهم للعمل الإسلامي، وبعملية حصر للميادين التي سيعملون فيها وطبيعة العمل الذي سيقومون به، والأساليب التي سيستعينون بها والوسائل التي سيستخدمونها.

وجدوا أن المبلغين والدعاة أكثرهم من "الهواة" ينقصهم الإعداد الفني، وتنقصهم المادة، وينقصهم التنسيق، ولكنهم رغم ذلك عملوا أو ظلوا يعملون ويمارسون واجبات الدعوة حتى في أحلك أيام طغيان سوكارنو.

ووجدوا أن ميدان العمل فسيح الأرجاء، متشعب المسالك، مترامي الفجاج:

فهناك: ضحايا الإلحاد والشيوعية ممن خوت ضمائرهم من القيم والعقائد الروحية.

وهناك: طلائع الجيل الصاعد من الشباب والطلبة، الذي فتح أعينه على لافتات سوكارنو الطويلة العريضة، وملأت آذانه الصيحات الغوغائية المنطلقة في هستيرية رعناء من حناجر سوكارنو وأتباعه، وعاش ردحا من الزمن في ظل قيم ومفاهيم وتقاليد ليس بينها وبين مجتمعه أي سبب أو رابطة.

وهناك: جماهير الشعب التي أبعد عنها زعماؤها الحقيقيون، وظلت سنوات عدة تجبر على تجرع التعاليم والمبادئ الإلحادية.

أما الأساليب التي سيستخدمونها في الدعوة والإرشاد، فسوف لن تقتصر على الطرق التقليدية، من خطب ومواعظ تلقى في حلقات الدروس الدينية المقصورة على رواد الجوامع والمساجد.

حقا إن الدعوة وعظٌ وإرشاد، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، ولكن كيف يكون هذا الوعظ وكيف يقدم هذا الإرشاد.

يقول الأستاذ محمد ناصر، الرئيس العام للمجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية.

قال: لحكمة إلهية سامية جاء ذكر الدعوة إلى الخير في سياق الآية الكريمة مقدما على ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} فأسلوب الدعوة الذي سينتهجه مجلس الدعوة يتجه أول ما يتجه إلى تكوين هذه "الأمة" التي تضطلع بالدعوة إلى الخير، بكل ما تنطوي عليه كلمة الخير من معنى، تقدم الدعوة بالكلمة الحسنة وبالأسوة الحسنة.

وهكذا أقيمت حلقات التدريب لجماعات الدعاة والمبلغين، وأعدت طائفة خاصة لمواجهة القسس والمطارنة إعدادا خاصا.

ويشترك في هذه الحلقات عادة مبلغون من مختلف أنحاء إندونيسيا يقيمون في جاكرتا مدة أيام التدريب. ( قلت: هذه هي الطريق الشرعية الصحيحة للدعوة إلى الله: إيجاد الرجال الذين يفقهون دين الله، ويطبقونه في أنفسهم، ويحملونه إلى الناس دعوة بالقدوة الحسنة والجهاد بكل أنواعه، وليس المهم البدء بمدرسة أو مسجد أو ملجأ، فإن هذه كلها لا تنفع إلا إذا وجد الرجال الذين يقيمونها ويقومون بأمرها، ولهذا لم يبن الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة إلا بعد أن نشر رسوله: مصعب الإسلام فيها، وأصبح القرآن يتلى في كل بيت من بيوت الأوس والخزرج )

إحياء رسالة المسجد.

وبما أن الجوامع والمصليات في إندونيسيا "أهلية" لا تتلقى إعانات من الحكومة، فقد عمل المجلس لكي يكون كل مسجد مركز ارتباط ورباط لجماعته، يتولون رعايته وينظمون شؤونه ويدفعون اشتراكات كهربائه، كما أقام رابطة تجمع المساجد والمصليات، مبتدئا بجاكرتا أولا، ثم نظم الدروس الدينية التي تلقى فيها وخاصة دروس الفجر، حيث رتب شؤون القائمين بها، كما قدم أسوة حسنة للجماعات بإسداء الرعاية الصحية مجانا للمبلغين وعائلاتهم، فوزع بطاقات خاصة بالمبلغين يقدمونها إلى العيادات الصحية أو الأطباء الذين تطوعوا لمساعدة المجلس في مهمته الإنسانية النبيلة، وعلى هذا الأساس يتلقى الداعية العلاج مجانا هو وأفراد عائلته المسجلة أسماؤهم على البطاقة.

والحديث عن الرعاية الصحية للدعاة والمبلغين يجرنا إلى الحديث عن تنظيم الرعاية الصحية العامة لإثبات حضور الإسلام في هذا الميدان الذي كاد المسيحيون ينفردون فيه.

فقد عمل المجلس على إنشاء عيادات طبية في المساجد والمصليات، تطوع للعمل فيها الأطباء المسلمون المنتمون سابقا إلى المنظمة الطلابية الإسلامية، يعملون فيها يوميا مناوبةً، ذلك لأن كل حي لا يخلو من وجود مسجد أو مسجدين، وبذلك يوفر موضوع تأمين المكان اللائق بالعيادة، ويضفي على المسجد دورا إنسانيا مستحدثا وهو تأمين العلاج البدني بجانب العلاج الروحي المعتاد الذي يتوفر في مبناه.

والمجلس يحاول أن يحصل على عدد من سيارات الكلينو موبيل التي يمكنه استخدامها لتقديم العلاج إلى سكان القرى والأصقاع النائية، تزود بطائفة من الأطباء والممرضين والممرضات والأدوية، كما تزود بالدعاة والمبلغين والكتب الدينية والنشرات والمطبوعات، فترتاد الأرياف في مواعيد منتظمة وتتمركز في أحد المساجد نهارا تقدم العلاج البدني، وليلا تقدم العلاج الروحي للسكان، بهذه الوسيلة يمكننا أن ننافس المؤسسات العلاجية التبشيرية بمستشفياتها الضخمة المقامة في المدن والعواصم، ولكن بطريقة أخف مؤونة وأجدى نفعا، تكفي القروي مؤونة الذهاب إلى المدن والارتماء في أحضان المؤسسات التبشيرية.

وبهذا الأسلوب استطاع المجلس أن ينظم عمل الدعوة على وتيرة خاصة، فخطباء المساجد تنشر أسماؤهم في صحيفة "أبادي" كل يوم خميس مع ذكر أسماء الجوامع التي سيخطبون فيها، وبذلك يتذكر كل خطيب موعده ومسجده، وحلقات الدروس الدينية تقدم غذاء دسما في مختلف موضوعات الساعة التي تهم المسلمين، على أيدي مدرسين مؤهلين لذلك.

الدعوة في أوساط المثقفين.

من نتائج ازدواجية التعليم التي كانت ولا تزال، منذ أيام الاستعمار حتى الآن، وجود طائفة من المسلمين معلوماتهم عن الإسلام ضئيلة ضحلة، ولكنهم حريصون على تنمية مداركهم ومعلوماتهم الدينية وعلى الحصول على الأجوبة الصائبة لكثير من مشاكل الحياة والعمل التي يواجهونها.

لأمثال هؤلاء تعقد حلقات خاصة بهم، يحاضر فيها طائفة من مثقفي الدعاة أصحاب المؤهلات الجامعية، وهذه الحلقات تقام أسبوعيا.

الدعوة في أوساط الطلبة والحرم الجامعي.

لطلبة الجامعات في إندونيسيا منظمة طلابية إسلامية تنظم حركاتهم ونشاطهم العلمي، وتقدم لهم الرعاية الروحية عن طريق قسم الدعوة والإرشاد فيها، والمجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية على علاقة وثيقة مع هذا القسم من المنظمة ومع المنظمة نفسها، فهو يمدها دائما بالكتب والمطبوعات الدينية باللغة الإندونيسية والإنجليزية، كما يقوم بتدريب الطلبة أنفسهم على أعمال الدعوة والتثقيف الديني.

ويختار المجلس يوم الخريجين، عندما يتسلم الطلبة شهاداتهم الجامعية في يومهم المشهود، ليهدي إليهم مجموعة من تفسير القرآن الكريم باللغة الإندونيسية والإنجليزية، ومن الكتب الإسلامية الموضوعية من نتاج مفكري الإسلام، أمثال المودودي وأبو الحسن الندوي وسيد قطب وغيرهم، ويمكننا أن ندرك عمق المغزى والأثر في مثل هذه المناسبات السعيدة بالنسبة للطلبة الخريجين وعائلاتهم، حين يتسلمون فيها تلك الكتب المهداة، من تذكيرهم بدورهم المنتظر كمسلمين في أوساط المجتمع الذي سيخدمون فيه.

والتربية الدينية في المدارس والجامعات والمعاهد العليا واجبة، وإن كانت غير ذات أثر في النجاح أو الرسوب، والحاجة إلى المدرسين القديرين المؤهلين في هذا المجال ملحة جدا، ويسهم المجلس في سدِّ ثغرة هذه الحاجة بالاستعانة بمدرسي المواد العلمية الهامة في تلك المعاهد والجامعات، من ذوي الاستعداد لتدريس الدين، فيقيم لهم المجلس حلقة تدريب خاصة لاستكمال الشؤون التقنية ويزودهم بالتوجيهات وبالكتب اللازمة.

وقيام هؤلاء المدرسين بتدريس الدين للطلبة، له أثر كبير في إقبال الطلبة، نظرا لمكانة هؤلاء المدرسين في المواد الدراسية الأساسية التي يدرسونها للطلبة، وقد يكون هذا الإقبال مدفوعا بعامل بغية استرضاء المدرس حتى يضفي عليهم الرعاية في تلك المواد، وقد يكون إقبالا صادقا.

ومما يذكر بهذا الصدد أنه يوجد في كل الجامعات الحكومية والأهلية بإندونيسيا مساجد مقامة في الحرم الجامعي، تؤدى فيها الفرائض الدينية، كما تلقى بها الدروس والمحاضرات الدينية العامة، وهذه المساجد يقيمها الطلبة أنفسهم، ويتولون إدارتها ورعايتها، كما أن المدارس تستخدم بعض قاعاتها لأداء صلاة الجمعة.

الخدمات المقدمة لمعتقلي الشيوعيين

يقوم المجلس بتقديم الدعوة إلى معتقلي الشيوعيين وإرشادهم إلى واجباتهم الدينية، فيبعث إلى المعتقلات بعدد من المبلغين والدعاة، كما يقدم لهم ثياب الصلاة (الأزر) والمصاحف، وقد بلغ من تأثر بعض المعتقلين أن طلبوا إلى المجلس أن يتعهد أسرته بالرعاية الدينية، فقد حرمت من ذلك بسبب نشاطه الشيوعي السابق، وقد أهدى المعتقلون الشيوعيون رسما زيتيا كبيرا للمسجد الحرام وهو غاص بالمصلين، رمزا لامتنانهم.

وقد صدر قرار بإقامة معتقل خاص بأقطاب الشيوعيين في جزيرة (بورو) المنعزلة، ويضم زهاء بضعة آلاف معتقل، والجزيرة تقع في أقصى مناطق إندونيسيا الشرقية بالقرب من إيريان الغربية، وللمجلس نشاط ضخم في خدمة هؤلاء المعتقلين، غير أن وسائله لا تكاد تذكر بجانب ما يستخدمه المبشرون من معدات ووسائل، ولكن المجلس يقوم بواجباته في حدود طاقاته وإمكاناته، والا فسيغدو نزلاء المعتقل فريسة التبشير.

الخدمات الصحية

للهيئات التبشيرية بإندونيسيا جهود ضخمة في الخدمات الصحية، فقد أقامت عددا من المستشفيات الضخمة في مختلف أصقاع إندونيسيا، وفي جاكرتا نفسها يوجد مستشفى سانت كارلوس الكاثوليكي ومستشفى "تشي كيني" التابع للبروتستانت، والمستشفيان مزودان بطائفة من نطس الأطباء الممرضين لمختلف الأمراض، كما يوجد بهما أحدث الأجهزة الطبية الدقيقة.

ويرى المجلس أن إنشاء مثل هذه المستشفيات فوق طاقة المسلمين، ثم إنها تكلف كثيرا في سبيل صيانتها، وقد بدأت جمعية المحمدية في إنشاء مستشفى إسلامي بجاكرتا، ولا تزال تواصل جهودها في ذلك وقد كلفت أموالا طائلة.

وقد حاولت طائفة المعمدانيين (البابتيست) إنشاء مستشفى لها في مدينة بوكيت تينقي عاصمة سومطرا الغربية، وسو مطرا الغربية تعتبر من معاقل الإسلام في إندونيسيا بل من مراكز الإشعاع الإسلامي في جنوب شرق آسيا.

ولقد لقي مشروع البابتيست معارضة قوية من السكان، ولكن الأصابع الخفية استطاعت أن تحمي المشروع فتم إنشاء المستشفى ملحقا بثكنة حامية المقاطعة.

ورأى المجلس أنه من اللازم الإسراع بإنشاء مؤسسة صحية منافسة، فأنشئ مركز صحي باسم (مستشفى ابن سينا) كنواة لمستشفى حقيقي، والمجلس بسبيل الاكتتاب وجمع التبرعات لهذا المشروع.

وقد أنشئ لهذه الغاية مؤسسة خاصة باسم (مؤسسة مستشفى ابن سينا الإسلامي) دعامتاها هي (المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية) بجاكرتا ومؤسسة المستشفى الإسلامي بجاكرتا.

ومشروع المؤسسة سينفذ على قطعة أرض مساحتها هكتاران، تقع في وسط المدينة وفي منطقة تمتاز بجمال الطبيعة الجبلية، وقيمة هذه الأرض ستة ملايين روبية (حوالي ستة آلاف دينار كويتي أو ليبي).

أما تفاصيل المبنى فسيضم في المرحلة الأولى إعداد صالات للمركز الصحي وللمستشفى، ويضم عيادة طبية ومستشفى ولادة، ومعملا ومركزا لرعاية صحة الأم والطفل، وصيدلية وصالات للعلاج، ومركز أشعة وصالة جراحة ومصلى، وتقدر تكاليف هذه المرحلة بمبلغ خمسين مليون روبية (حاولي 50 ألف دينار كويتي أو ليبي).

وفي يوم 5 سبتمبر 1971م أقيم احتفال بمدينة بوكيت تينقي لإرساء حجر الأساس في مشروع مبنى مستشفى الرئيس ابن سينا الإسلامي، قام بوضع حجر الأساس الأستاذ محمد ناصر الذي حضر خصيصاً لذلك من جاكرتا.

وقد قدرت اللجنة تكاليف المشروع في مرحلتين زهاء 160 مليون روبية (حوالي 160 ألف دينار كويتي أو ليبي).

خدمات مستوصف ابن سينا الحالي.

لقد قدم مستوصف ابن سينا الإسلامي خلال عام واحد منذ إنشائه الخدمات التالية:

-تولت عيادته علاج 3000 مريض شهريا.

-أما الحوامل اللاتي ترددن على مركز رعاية صحة الأم والطفل التابع له، فقد بلغ عددهن 1000 حامل شهريا.

-باشر مستشفى الولادة التابع له 30 عملية توليد شهريا.

-قام بتقديم العلاج وبإجراء عمليات جراحية بسيطة.

-تأمين الأدوية عن طريق صيدليته.

خدمات الأشعة.

وقد قدم (المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية) إلى المستشفى في أول إنشائه سيارة إسعاف فولكس واجن، تبرع بها محسنون من إندونيسيا ومن الخارج.

المساعدات الصحية التي تلقاها المجلس.

وقد تلقى المجلس في مجال نشاط خدماته الصحية معونات قيمة من إندونيسيا ومن الخارج، فمن إندونيسيا ما نشاهده من تطوع عدد من الأطباء المسلمين، لإسداء الخدمات الطبية في العيادات والمستوصفات التي أسسها المجلس، سواء في جاكرتا أو خارج جاكرتا.

ومنها تبرعات بعض مصانع الأدوية بالأدوية والعقاقير الطبية.

كما تلقى من الهلال الأحمر الكويتي ومن وزارة الصحة الكويتية كمية ضخمة من الأدوية وسيارتي إسعاف، استخدمت واحدة لمستشفى السيدة خديجة (رضي الله عنها) والأخرى للخدمات الصحية بمدينة جاكرتا، جزى الله هؤلاء المحسنين أحسن الجزاء وأجزله.

مجال الخدمات التربوية والتعليمية:

لا يزال التعليم في إندونيسيا على ازدواجيته الموروثة من أيام الاستعمار مع بعض محاولات الإصلاح الطفيفة، والازدواجية تعني وجود نوعين من التعليم: علماني محض، وديني محض، وقد قررت الحكومة إدخال مادة الدين في مناهجها الدراسية منذ المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، كما أن وزارة الشؤون الدينية أنشأت معاهد إسلامية متوسطة وثانوية وعددا من الجامعات الإسلامية على غرار الأزهر.

والمجلس يحاول تصعيد مستوى التعليم الإسلامي في المدارس، ونشر اللغة العربية في إندونيسيا، ويسلك لذلك طريقين:

الأولى: إصلاح المناهج التعليمية في المعاهد الإسلامية الحرة، ومعظم مدارس المسلمين في إندونيسيا حرة غير حكومية.

والثانية: ابتعاث الطلبة إلى البلاد العربية لإتمام الدراسة الجامعية هناك.

وقد تلقى المجلس عددا من المنح الدراسية من جامعة المدينة المنورة وعددا من وزارة المعارف السعودية ومن وزارة التربية الكويتية، ومن كليات الدراسات الإسلامية في بغداد، وقد ابتعث حتى الآن عشرات الطلبة والطالبات إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الملك فيصل الإسلامية بالرياض، والى جامعة الكويت ومعاهدها الثانوية، والى كليات الدراسات الإسلامية في بغداد.

كما تلقى المجلس من وزارة التربية الكويتية مجموعة قيمة من الكتب الدراسية المنهجية، وزعها على المعاهد والمدارس الإسلامية، كما سبق أن تلقى عشرات الصناديق من كتب تعليم اللغة العربية للبنات من السادة الأساتذة المؤلفين عن طريق الأستاذ السيد محسن باروم، كما تلقى من رابطة العالم الإسلامي آلة كاتبة كهربائية.

هذه المساعدات القيمة مهدت للمجلس سبل تقديم المعونات القيمة إلى المعنيين بإنهاض التعليم الديني في إندونيسيا، والى التمهيد لإنشاء اتحاد المعاهد الإسلامية بها الهادف إلى توحيد المناهج والتنسيق بين المعاهد الإسلامية، وقد انعقد أول مؤتمر للاتحاد في مدينة قرسيك بجاوة الشرقية في أواخر أغسطس الماضي سنة:1971م كان من بين موضوعات البحث فيه موضوع إنهاض تعليم اللغة العربية والتعليم الديني بوجه عام (وقد اقتبس المجلس منهج وزارة التربية الكويتية في تعليم اللغة العربية والتربية الدينية، وأصدر كتيبا بالمنهج وزعه على المعاهد).

معهد دار الفلاح الزراعي في بوغور.

من بين المؤسسات التي يستعين بها المجلس لأداء الدعوة الإسلامية، معهد "دار الفلاح" الزراعي، ويقع في إحدى ضواحي مدينة "بوقور" على بعد 70 كليو مترا من جاكرتا.

ويلتحق التلميذ بهذا المعهد فور إتمامه المرحلة الابتدائية، فيدرس به مدة أربع سنوات، يتلقى خلالها مختلف علوم الزراعة وتربية المواشي وتربية أسماك المياه العذبة ومزرعة للدواجن والألبان.

والمعهد مقام على قطعة أرض مساحتها 37 هكتارا (92.5 فدانا) تبرع بها للمعهد أحد الغيورين على الإسلام، وتشتمل الأرض على وهاد وهضاب وسهول، ويخترقها نهير دفاق، مما وفر للمعهد إعداد الفصول الميدانية للدراسات التطبيقية، وأنشئ فيها مباني المعهد ومساكن الطلبة والمسجد الجامع، وحظائر الدواجن والمشاتل وأحواض الأسماك.

ويتوخى المعهد في إعداد الطالب إعدادا مهنيا مبنيا على الاستقلال الذاتي والنظام والانضباط، وتوطين النفس على العودة إلى القرية بعد إتمام الدراسة لخدمة المجتمع فيها، وليس على الرغبة في التوظف أو مواصلة الدراسة والهجرة إلى المدن.

ومن أمثلة التربية النفسية في المعهد، نجد اللافتات الموجهة تصاغ بأسلوب يبعث الإحساس الذاتي بواجب الطاعة والانضباط، فبدلا من أن تكتب عبارة (ممنوع غسل الثياب في الحمام) تكتب (الشخص المهذب لا يغسل ثيابه في الحمام) وبدلا من كتابة (ممنوع إتلاف زهور الحديقة) تكتب عبارة (الإنسان المهذب يرعى نباتات حديقته) وهكذا، وبدلا من كتابة (أدّوا الفريضة) تكتب عبارة (من منّا الذي لم يصلِّ بعد؟).

ويتولى التدريس بالمعهد مدرسون من خريجي المعهد العالي للعلوم الزراعية في "بوقور" الشهير بمستواه العالمي العلمي.

ويقوم المجلس بالإشراف والتوجيه والرعاية لهذا المعهد.

نشر الكتاب الإسلامي في إندونيسيا.

من أهم الأهداف التي يعمل لها المجلس هو نشر الكتاب الإسلامي في إندونيسيا، سواء باللغة العربية أو الإندونيسية أو الإنجليزية، والكتب العربية بصفة خاصة مر بها عهد طويل والإندونيسيون محرومون منها، بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم قيام حرب الاستقلال بعد ذلك، ثم الظروف الاقتصادية العصيبة التي أصابت البلاد بعد الاستقلال.

وقد اضطلع المجلس بترجمة الكتب الإسلامية من العربية والإنجليزية إلى اللغة الإندونيسية، وأنشأ مؤسسة للطباعة والنشر والتوزيع أسمها (سينار هدايا) وقد أصدرت حتى الآن عددا من كتب الشهيد سيد قطب وعبد القادر عودة والمودودي وأبو الحسن الندوي مترجمة إلى الإندونيسية، كما تنشر الكتب المؤلفة أصلا بالإندونيسية.

وقد تلقى المجلس دعما كبيرا جدا من المحسنين في إندونيسيا وفي العالم الإسلامي في هذا السبيل، فقد تلقى من وزارة الأوقاف الكويتية ومن الإخوة المحسنين الكويتيين مئات الصناديق من الكتب الإسلامية القيمة، سدت الكثير من حاجة مكتبات الجامعات والمؤسسات العلمية والقراء الإندونيسيين، كما تبرع بعض كبار المحسنين في الكويت بنفقات طباعة عشرات الآلاف من نسخ (الفرقان في تفسير معاني القرآن) بالإندونيسية، مكنت المجلس من إمداد المجامع والمعاهد العلمية والجامعات والمؤسسات التعليمية وقسم الرعاية الروحية للقوات المسلحة الإندونيسية، بهذا التفسير.

من الواجب أن نسجل هنا أن هدايا الكتب التي تلقاها المجلس من العالم الإسلامي، من الكويت وقطر وغيرها، قد غمرت إندونيسيا من أقصاها إلى أقصاها، بالمصاحف وكتب التفاسير والأحاديث المتنوعة، وأهم ما أصدرته مطابع الشرق العربي في الآونة الأخيرة من الكتب ومن إنتاج إحياء التراث الإسلامي، وكان لها وقع الصيب الهاطل على التربة الخصبة العطشى.

وهناك مساعدات أخرى تلقاها المجلس من وزير الإعلام السعودي السابق معالي الشيخ جميل الحجيلان، وهي عبارة عن جهاز عرض سينما وآلة تصوير سينمائية ومولد كهربائي، يمكن من عرض الأفلام السينمائية في الأماكن التي لا توجد فيها كهرباء، كما أمدّ-حفظه الله-المجلس بعدد من الأفلام التسجيلية وآلة تسجيل ومسجلات غنائية وغيرها، كما قدم السيد عبد الله باروم رجل الأعمال السعودي بضعة أفلام سينمائية إسلامية، وقد تمكن المجلس بهذه المعدات الحديثة من تقديم الدعوة الإسلامية إلى مختلف الأصقاع النائية من إندونيسيا.

والمجلس يضرع إلى الله أن يثيب كل شخص أسهم في هذا المضمار، لقاء كل نفس أفادت هداية من إحسانهم، وإزاء كل روح اهتدت إلى سبيل ربها بسبب جميلهم العظيم، أجزل الله المثوبة وأتمها.

مشروعات ومنجزات.

تلك هي خلاصة وجيزة لمشروعات "المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية".

وما تم إنجازه منها:

-إعداد مبلغين ودعاة مؤهلين للعمل، وتخصيص فئات منهم لمختلف طبقات المجتمع، وتزويدهم بما يسهل لهم مهامهم المتشعبة، وإسداء الرعاية الصحية لهم ولذويهم.

-تأمين الكتاب الإسلامي والعربي وتسهيل سبل اقتنائه للقراء.

-نشر الكتب المترجمة إلى الإندونيسية من نتاج مفكري العالم الإسلامي، ولا يزال يسعى لترجمة نتاج مفكري المسلمين الإندونيسيين إلى اللغة العربية وغيرها...

-السعي لابتعاث الطلبة الإندونيسيين للدراسة بالخارج، بما يتلقاه من منح دراسية من المملكة العربية السعودية والكويت والعراق والباكستان وغيرها...

-النهوض بمستوى التعليم الديني في المعاهد والمدارس وخاصة تعليم اللغة العربية.

-تنشيط وتنظيم المبادرات الشعبية الإسلامية في الخدمات الصحية، ولا يزال يسعى للحصول على سيارات الكلينو موبيل، لاستخدامها في تقديم الخدمات الصحية للمناطق النائية عن المدن، كما يوالي جهده لإنجاز مشروع مستشفى ابن سينا الإسلامي في سومطرا الوسطى بالاكتتاب له داخل البلاد وخارجها.

- تدعيم مختلف العلاقات بين إندونيسيا والعالم الإسلامي.

ولا يزال أمامه الكثير والكثير من المشروعات الهامة.

والمجلس لا يقتصر بجهوده على إندونيسيا وحدها، بل يولي اهتمامه للجارات المتاخمة لإندونيسيا.

مستقبل الإسلام والعمل الإسلامي في إندونيسيا.

قال الدكتور محمد ناصر: بقيت كلمة لا بد أن تقال أو سؤال لا بد من الإجابة عليه، ذلك عن مستقبل الإسلام والعمل الإسلامي في إندونيسيا.

إن موقع إندونيسيا الجغرافي يضعها بين قارتي آسيا وأستراليا، ووسط أقطار تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، فهناك في الشمال بلاد الفلبين الكاثوليكية، ويتم فيها إعداد القسس والمبشرين المخصصين للعمل في إندونيسيا، وفيها محطة إذاعة تبث إذاعة التبشير باللغة العربية المنطلقة من الحبشة.

ثم الصين الشعبية، وهي معقل من معاقل الشيوعية والبوذية، وقد سبق أن أسهمت في إعداد الانقلاب السبتمبري الشيوعي في إندونيسيا.

ثم أقطار الهند الصينية وسيام، وهي أقطار عريقة في البوذية، وأصبحت الآن محط الصراع العنيف الشيوعي للتسلل جنوب شرق آسيا، كما أن هناك أيضا بورما والهند.

أما في جنوب إندونيسيا فهناك أستراليا البلد "الأبيض" الرخي.

كل هذه الأقطار ترى في إندونيسيا، البلد النامي المهيض، الذي انتصر على الاستعمار بعد صراع عنيف، كان وقوده الأغلبية المسلمة من بين سكانه البالغ عددهم 120 مليون نسمة، بلدا تحرص على معالجته معالجة تتسق مع أديانها أو مع أيديولوجياتها.

وهذا الوضع يجعل من إندونيسيا، إما مركز إشعاع إسلامي ينجح في أن يغمر بالنور الإلهي الوهاج جاراتها تلك، وإما أن يجعلها هدفا ومرمى يسدد-من كل حدب وصوب-رماة مهرة في تسديد الأهداف.

لقد اكتشفت مؤامرات عدة ضد إندونيسيا، منها المؤامرة الشيوعية الكبرى التي قمعت سنة: 1965 م.

ولا تزال الآن تسعى جاهدة لمقاومة مؤامرات أخرى غيرها.

والتبشير له نشاط عملاق في هذا البلد، يكفي للتعرف عليه أن نعلم أنه له في منطقة إيريان الغربية أسطولا جويا مكونا من طائرات الـ(تشينا) وطائرات الهيلوكبتر، يتنقل عليها رجاله لارتياد المناطق النائية في أعماق الجزيرة، على قمم الجبال وسفوحها ووهادها.

والذي يقول: إنه يستبعد اتجاه التبشير لتنصير المسلمين، إما مغفل مغرق في الغفلة والسطحية، وإما مُغرض يتغامز مع المتآمرين.

هذا مجرد نموذج لا يجوز أن يرهب أو يخيف، ولكنه يجب أن يمكننا من إدراك طبيعة المواجهة التي يكابدها العمل الإسلامي بإندونيسيا، وإدراك التحديات التي توجه نحو الإسلام والمسلمين فيها.

والمجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة في تصديه للاضطلاع بواجبه الإسلامي واثق كل الثقة من قوله تعالى:

{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين}.

( كان غالب هذه المعلومات مما أدلى به الدكتور محمد ناصر في مقابلات المتكررة له في منزله ، وبعضها من كتيبات ومنشورات سلمني إياها بيده، مع العلم أنه كان بين حين وآخر يبعث لي ببعض المعلومات عن طريق الطالب الإندونيسي ك الأخ عبد الواحد بن علوي في الرياض ، وهو من أعضاء المجلس الأعلى للدعوة .)

مؤلفات الدكتور محمد ناصر

كثير من الدعاة إلى الله الذين شغلوا أنفسهم بنشر الإسلام بين المسلمين وغيرهم، وبالدفاع عن هذا الدين، تكون كتاباتهم – غالبا – متعلقة بحركتهم الدعوية، وبث الروح الإسلامية في نفوس أتباعهم، وتبصيرهم بمناهج الدعوة وأساليبها ووسائلها، وتوضيح مسئولياتهم عن إيصال مبادئ الإسلام وفرائضه ومحاسنه، إلى الأمة، ولا يجد هؤلاء الدعاة الوقت الكافي للكتابة والتأليف، والدكتور محمد ناصر من هذا النوع .

وقد أطلعني الإخوة المسئولون في مكتب المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية عند زيارتي لهم في جاكرتا يوم الجمعة 18/5/1421هـ – 18/8/2000م على بعض كتب الدكتور محمد ناصر التي لم أكن أعلم بها من قبل، إذ لم يذكرها لي رحمه الله في لقاءاتي المتكررة له:

1- كتاب فقه الدعوة.

2- مجموع الرسائل في مجلدين، ويقول الإخوة في المكتب: إن له رسائل أخرى قد يصل الكتاب بها إلى ثلاثة مجلدات ( ويبدو أنه شبيه برسائل الأستاذ البنا في مجال الدعوة ) وكلاهما باللغة الإندونيسية.

ولعل الإخوة في المكتب من تلاميذ الدكتور يترجمون الكتابين إلى اللغة العربية، ليستفيد شباب الجماعات الإسلامية العرب من تجارب الداعية الإندونيسي الكبير، رحمه الله

وقليل من الدعاة الحركيين المجاهدين من يتمكن من تأليف كتب علمية كثيرة، كالمجاهد الداعية الفقيه العالم الرباني شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله .

وفاة الدكتور محمد ناصر:

ولقد انتقل الدكتور محمد ناصر إلى جوار ربه بعد أشهر من اجتماعي به في آخر زيارة قابلته فيها في نفس السنة التي كان اجتماعي به فيها هو الاجتماع الرابع، إذ وافته المنية في 1413هـ – 1993م بعد أن عانى من الأمراض التي أقعدته في منزله ، وكان مع شد تلك الأمراض يتصلب ويصبر ويصابر، موجها طلابه وأتباعه، حاضا لهم على مواصلة المسيرة في الطريق القويم الذي قادهم فيه إلى رضا الله ، مستقبلا ضيوفه الذين يزورونه من خارج إندونيسيا ، برغم محاولة أسرته وتلاميذه ثنيه عن ذلك لعلمهم بحالته الصحية التي تصعب معها حركته .

وكانت وفاته رحمه الله في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم السبت الخامس عشر من شهر شعبان من السنة الهجرية المذكورة – السادس من شهر فبراير من السنة الميلادية السابقة.

وقد كتبت مقالة آنذاك في جريدة (المسلمون) السعودية تعزية لأسرته وأهل بلده وللمسلمين عامة.

وكان عمره خمسة وثمانين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ووفق طلابه وأتباعه لمواصلة الدعوة إلى الله مخلصين له متبعين سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مجتمعين على كلمة الحق ليدحروا عدو الله وعدو عباده المؤمنين الذي لا يفتأ ساعيا في التفريق بينهم لتكون عاقبتهم الفشل، أعاذنا الله منه. والله الموفق .

وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه .

مصادر الترجمة:

  • الموسوعة التاريخية الحرة.
  • الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين بمصر.
  • موقع د. عبد الله قادري الأهدل ( اليمن).
  • من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة: عبد الله العقيل، دار البشير.
  • مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 996