الشيخ العالم المجاهد محمَّد كامل القصَّاب

fdhdgh1015.jpg

 (1290هـ_ 1873م _1373 هـ _ 1954 م)

     هو محمد كامل بن أحمد بن عبد الله آغا القصاب.

  من العلماء العاملين، ومن زعماء الحركة الوطنية الاستقلالية في سوريا .

المولد، والنشأة:

ولد بحي العقيبة بدمشق عام 1290هــ_ 1873م، وأصل أسرته من حمص، استوطنت أسرته دمشق قبل قرنين، وعملت بالتجارة.

ونشأ يتيماً حيث توفي والده وهو في السابعة، فكفله جده لأمه المشهور بأبي علي كريم.

الدراسة، والتكوين:

  قرأ محمد كامل القصاب في الكتاتيب، وتعلم قراءة القرآن الكريم وحفظه وجوّده.

  ثم تلقى مبادئ العلوم العربية والفقهية عن شيوخ عصره، فلازم الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، حيث قرأ عليه الفقه حتى برع فيه، وسمع الحديث من المحدث الشيخ بدر الدين الحسني، وتضلع فيه، وأخذ عن الشيخ أمين الأرناؤوط.. وغيره علوم العربية بفروعها.

  ولما بلغ الخامسة والعشرين سافر إلى مصر والتحق بالجامع الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية، وخلال ذلك تلقى علم التفسير على الشيخ محمد عبده، كما تلقى على الشيخ محمد بخيت مفتي مصر وعلى أمثالهما.

 وبعد عودته من الأزهر رأى الدولة العثمانية تنهار، فأسس مع عبد الغني العريسي وتوفيق البساط وعارف الشهابي وغيرهم من رجالات العرب (جمعية العربية الفتاة) السرية.

  كان القصاب ذا عمل دؤوب، عُرف في حال صباه بالفتوة والمروءة والغيرة على أهل حيه، مما يذكر له بالحمد والثناء.

   كريم الأخلاق، ناضج الرأي براً بأصدقائه، لا يألو جهده فيما فيه صلاح أمته، دائم التفكير بها، يحب العلماء. وأبرز ما في صفاته نضاله في سبيل رفعة شأن أمته، وسعيه في مجال نشر العلم والثقافة، وناضل ضد الاتحاديين، فاضطر للتنقل بين مصر والحجاز بسبب مطاردتهم له..

  كان القصَّاب متعدِّد النشاطات؛ تعاون مع القسَّام، ورشيد رضا، ومحبِّ الدِّين الخطيب، وكلِّ العلماء الأعلام في زمنه، وكان بينهم تعاون وتنسيق في مجالات الدَّعوة والسِّياسة. وبعد قيام الثورة العربية انتقل إلى مصر وأسس (حزب الاتحاد السوري).

  وأسس فيها (اللجنة الوطنية العليا) للدفاع عن حقوق البلاد، حكم عليه الفرنسيون بالإعدام غيابياً بسبب تحريضه الناس وجمعهم للتوجه إلى ميسلون، فخرج إلى حيفا. 

  تنقل بين فلسطين ومصر يعمل للقضية الوطنية، وسافر إلى اليمن، وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922م لجمع كيان العرب، وفي سنة 1925م استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى مكة المكرمة وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، فأسس خلال سنة ونصف ثلاثين مدرسة في أنحاء مختلفة من الحجاز.

  وفي سنة 1937م، عاد محمد كامل القصاب إلى دمشق بعد صدور العفو العام، فأسس بطلب من أهل العلم (جمعية العلماء)، التي نالت تصريحاً رسمياً من وزارة الداخلية في 8 تشرين الثاني 1937، ومهمتها دفع ما تعرض له الإسلام من إلحاد وإفساد ومقاومة، وكانت تحت رئاسته، وقد بلغ عدد مؤسسيها واحداً وعشرين عضواً، ووضع لها دستوراً يبّين غايتها، ونظامها الداخلي المفصل، وطرق تمويلها، ونص الدستور على أن غاية الجمعية الاهتمام بشؤون المسلمين ومؤسساتهم الدينية، ورفع مستوى العلماء والمتعلمين، وجمع كلمتهم، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا دخل للجمعية بالشؤون السياسية.

  وبسبب كثرة مراجعاتها على الحكومة، وانتقاداتها ومواقفها الشديدة، ضاقت بها الحكومة وضايقتها، فأغلقت أبوابها، كما هي عادة الحكومات المستبدة التي لا تقبل نصح المخلصين من أبناء أمتها.

  كان من أبرز أعمال الجمعية إنشاء المعهد العلمي الديني بدمشق، واختير له الأساتذة الأكفاء، ووضع له برنامج يجمع بين الثقافتين الدينية والعصرية.

  وأنشأ المدرسة الكاملية، وتسمى حيناً المدرسة العثمانية ، صارفاً عليها من ماله ووقته وتولى إدارتها ما يقارب من ربع قرن، وتخرج منها رجال بارزون وغدت مفخرة البلاد، وَقدَّرتها الدولة العثمانية كل التقدير؛ فقبلت من يحمل شهادتها في كليتي الطب والحقوق وغيرهما دون فحص أو اختبار ، وكان يَختار لها أساتذة من الاختصاصيين في شتى العلوم. واشتهر بحزمه وجده في إدارته) (تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري،محمد مطيع الحافظ، جـ 2، ص 658).

  وبلغت الكاملية مرتبة عالية بين المدارس، علَّم فيها أعلام من أهل الشام، كالدكتور عبد الرحمن الشهبندر والأستاذ خير الدين الزِّركلي، وتخرج منها جماعة من الأعلام منهم: الشيخ محمد بهجة البيطار والدكتور أحمد حمدي الخياط الأستاذ في كلية الطب وأحد الذين عرَّبوا المصطلحات الطبية ) (ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ، جـ 7 / ص 75) .

  وعندما سافر إلى الحجاز حيث ( استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى مكة سنة 1925م، وعهد إليه بمديرية المعارف، أسس خلال سنة ونصف ما يقرب من ثلاثين مدرسة في أنحاء مختلفة من الحجاز، وهناك أصيب بمرض الزحار وكاد أن يهلك، فسافر إلى فلسطين للتداوي، وشفي من مرضه بعد علاج طويل دام عشر سنوات ) (تاريخ علماء دمشق ،جـ 2 ، ص 660) .

  وفي حيفا، ( أنشأ لأهلها مدرسة تشبه مدرسته بدمشق، وتضاهي مدارس التبشير، وكان عمله فيها كعمله بمدرسة دمشق)(تاريخ علماء دمشق، ص659) .

  نلحظ مما سبق، أن القصاب أدرك من البداية أهمية مجالي التربية والتعليم في نهضة الأمم، فانصرف نحو تأسيس المدارس الريادية، التي ساهمت بتخريج ثلة من الطلاب، اعتمد عليهم في قيادة مسيرة النهضة في شتى مجالات الحياة.

  كما نلحظ أهمية دور العلماء في الإشراف على دور التربية، ووضع السياسات والمناهج التي تحكمها، ومن المعلوم بالضرورة ، أن أي خلل في هذا المجال سيؤدي ولا بد إلى كوارث مدمرة على جيل كامل، وما تَخلُّف أمتنا اليوم إلا بسبب تسلط الرويبضة على هذا الميدان الحساس، وابتعاد العلماء الربانيين مما أدى كما نشاهد إلى انحراف واضح لأجيال متعددة وتخلفها العلمي والديني على حد سواء.

  كما فكرت الجمعية بتأسيس عدة مدارس أولية ذات صفين في جميع أنحاء المدينة لمكافحة الأمية، ومدارس ابتدائية ذات خمسة صفوف يتأهل فيها الطالب للدخول في صفوف القسم الثانوي من المعهد وفي المدارس التجهيزية.

نشاطات متعددة:

وكان للقصاب نشاطات في الفترة التي قضاها في فلسطين منها:

أنه كان من الزعماء الذين يسعون لعقد مؤتمر شعبي لبحث مصالح البلاد العربية والدعوة إلى الاستقلال والوحدة، كان ذلك عام 1932م..

  كما كان عضو اللجنة العليا لصندوق الأمة عام 1932م.

وكان من ضمن وفد اللجنة العربية العليا إلى بغداد والرياض عام 1936م.

  وكان برفقة المفتي الحاج أمين الحسيني في الزيارة الرسمية إلى الحجاز عام 1937م، لمقابلة الملك عبد العزيز وتوضيح قضية فلسطين لحجاج بيت الله الحرام) (القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، بيان نويهض الحوت، ص 359 و ص 877).

  كما كان للجمعية مواقف عظيمة إيجابية مؤثرة منها:

إلغاء قانون الطوائف الذي وضعه الفرنسيون، وفي 10 شباط 1939 أرسلت الجمعية احتجاجاً شديد اللهجة بشأن قانون الطوائف المذكور إلى رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي، والوزراء، والمفوض السامي، والمندوب السامي، وجمعية الأمم المتحدة، ولجنة الانتداب، ووزير الخارجية الفرنسي.

وجاء في آخر الاحتجاج:

  (وجمعية العلماء تحمل الحكومة تبعة ما ينتج عن بقاء هذا القانون من أثر هياج المسلمين في سبيل دينهم وغيرتهم على أحكام عقائدهم). 

 وقد أثر هذا الاحتجاج في الأوساط السياسية، فسقطت حكومة (جميل مردم) بسبب توقيعه على القانون. وكثرت مراجعات الجمعية على الحكومة، وانتقاداتها لها ومواقفها الشديدة فضاقت بها وضايقتها فأغلقت أبوابها.

  كان كامل القصاب إلى جانب أعماله هذه تاجراً أسس شركة تجارية في مصر تمارس تجارة (المواد الغذائية)، جريئاً في المضاربة بأمواله، وله عقارات في حيفا استولى عليها اليهود.

- يقول عنه الشيخ الطنطاوي:

 ( من أركان التعليم والإرشاد في الشام ، وإن في سيرته فصلاً كاملاً من تاريخ الشام الحديث:

  تاريخها العلمي ، وتاريخها السياسي ) رجال من التاريخ ، ص 167.

ترك من المؤلفات كتابين:

ـ ذكرى موقعة حطين (بالاشتراك).

ـ النقد والبيان في دفع أوهام خيزران (بالاشتراك).

مرضه، ووفاته:

أصابه مرض في المثانة في آخر عمره، فاستقال وفترت عزيمته وانزوى في بيته مدة طويلة، ثم شفي وما لبث أن ألم به عارض في رأسه لم يمهله سوى ثلاثين ساعة، فتوفي يوم السبت 23 جمادى الآخرة 1373هـ 1954م.

وصادف يوم وفاته اضطرابات زمن الشيشكلي، فصلى عليه بضعة أفراد في بيته، وتسللوا بنعشه بين الأزقة، ودفنوه في قبر والده بمقبرة الباب الصغير بجوار الصحابي الجليل بلال الحبشي. وكان قد أوصى أن تُشيَّع جنازته بما يوافق السنة، رحمه الله رحمةً واسعة.

الخاتمة:

لقد كان القصاب -رحمه الله- متعدد النشاطات ، وتعاون مع العديد من علماء عصره؛ أمثال القسام ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب ، واتضح كيف كان بينهم تنسيق وتعاون في مجالات الدعوة والسياسة والجهاد. كما اتصل بالساسة والحكام العرب في عصره ناصحاً ومحاولاً جمع كلمة العرب، ومحذراً من الاستعمار مبيناً ضرورة مقاومة الاحتلال ، وظهر جهده واضحاً في مقاومة طغيان الاتحاديين ومظالم جمال باشا فتعاون مع الحكم الفيصلي موضحاً خطر الارتماء في أحضان الانجليز والفرنسيين .

وساهم بدور فاعل في التحريض لمقاومة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وقيادة الناس في ميادين البذل والجهاد، كما ساهم بدور علمي بتأليف الكتب النافعة لتوضيح منهج السلف الصالح في ضرورة الالتزام بالكتاب والسنة، والتحذير من البدع والمنكرات والشركيات.

وسوم: العدد 1015