العلامة المُجاهد الشيخ محمد سعيد البوطي

العلامة المُجاهد الشيخ محمد سعيد البوطي:

داعية كان يعمل في الستار الحديدي السوري للنظام البعثي الفاجر

وهو من أركان الصحوة الإسلامية في سورية والعالم الإسلامي

هو كبديع الزمان النورسي: حافظ على الإيمان في عصر الطغيان (*)

Fgfdh1028.jpg

كثيرون هم المُنَظِّرون والمُنتقدون للشيخ محمد سعيد البوطي خاصة، ولكل العلماء والدعاة العاملين الربانيين عامة.

هؤلاء الذين لا يعملون، ويجلسون في أبراج عاجِيَّة -كما كان يقول العلامة الشهيد البوطي رحمه الله، وينتقدون العاملين للإسلام؟!

أو الذين يُقيمون خارج سورية حيث الحرية والراحة، والغرف المُكيفة في بيوتهم، أو في مجالسهم الفارهة والفاخرة، أو في الفنادق والمُتَنَزَّهات والحدائق، في الهواء الطلق، أو على شطوط الأنهار البحار؟!

هؤلاء الإخوة المرتاحون والمُتنفسون الصُّعداء، والمنتقدون للعلماء والدعاة الصادقين العاملين للإسلام في سورية بأقوالهم وأفعالهم، هم لا يعرفون طبيعة نظامنا البعثي الحاكم الفاجر الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.

هذا النظام الوحشي الطائفي العنصري الحاقد الغادر الفاجر الفاسد حتى النخاع، المستبد الطاغي الذي لا يشبهه نظام في عصرنا الحاضر، لا في العالم العربي، ولا الإسلامي، ولا العالم كله؟؟!!

أقول: لا يوجد له شبيه في عصرنا الحاضر، ولا الغابر؛ إلا نظام الاتحاد

--------------------------------------------------------------------

(*) للأستاذ العراقي أديب محمد الدباغ كتاب: "سعيد النورسي: رجل الإيمان في محنة الكفر والطغيان".

1

السوفييتي السابق البائد، عدو الأديان والحريات.

هذا النظام الذي عشنا في ظله وذُقنا مرارة حكمه نحو نصف قرن من الزمان؛ فما رأينا أنحس ولا أنجس ولا أقذر ولا أوسخ ولا أخبث منه؟؟!!

هذا النظام "الحِلِس المِلِس النَّجِس" كما يقول إخواننا في الشام؟!

هذا النظام المُعادي لله ورسوله، ولكل عباده الصالحين؟!

هذا النظام البطَّاش الذي يرتعب منه الكبير والصغير، والمُقَمَّط في السرير، كما يقال في المثل العامي الشهير!!

هذا النظام الذي أسس حزب البعث العربي الاشتراكي، وجعله حاكما وسيفا مُصلَتًا على الشعب السوري المسكين؛ الذي حكمه بالحديد والنار بأجهزته وفروعه الأمنية المتعددة من: "أمن الدولة"، إلى "الأمن العسكري"، إلى الأمن السياسي"، و"الأمن الجوي"... .

هذا النظام بفروع مخابراته وأقبيتها التي تُشيب الوِلدان، وقد أذاقت الناس الويلات، ورأوا منها الويل والثبور وعظائم الأمور.

هذا النظام بقمعه وتعذيبه للناس، وتنكيله بهم، بأساليب وحشية تنسي محاكم التفتيش في إسبانيا، وسجن الباستيل في فرنسا.

إنه صاحب السجون الشهيرة في صحراء "تدمر"، و"المزة"، و"عدرا"، و"صيدنايا"، و"السجن المركزي" بحلب، وسجون المخابرات الخاصة!

إنه صاحب: نكبة و"مجازر حماة" سنة 1982م؛ التي راح ضَحِيَّتَها عشرات الآلاف من الأبرياء العُزْل، وصاحب "مجزرة تدمر" في صحراء حمص؛ والتي راح ضحيتها أكثر من ألف سجين أعزل، ومجزرة "المشارقة" بحلب يوم العيد والتي راح ضحيتها العشرات من الشُّبَّان العُزل، و و و؟!!

هذا النظام إنه صاحب فروع المخابرات الجهنمية ولا سيما "فرع فلسطين" وما أدراك ما فرع فلسطين؟!

2

*هذا النظام الذي يقول رئيس نظامه السابق المقبور حافظ الأسد، ووزراء داخليته عن الشرطة الشرفاء القلة الذين لم يكونوا يرتشون، وطالبوا بزيادة رواتبهم؛ فجاءهم الجواب العجيب الغريب الصاعق:

"ألِأجْل حفنةٍ من المُوظفين الدروايش المُغَفَّلين الحمقى نزيد رواتب مئات الآلاف من عناصر الشرطة"؟؟!!

وكان شِعار بعض الموظفين في دولة البعث: "اِرشِ تَمْشِ".

وبعضهم الآخر يقول لك بكل صفاقة: "أعطنا رِزقتَنا"؛ يقصد رشوتنا؟؟!!

ولما تقول له: "ألست موظفا ولديك راتب"، يجيبك بصفاقة فاقعة: "إن راتبي لا يكفيني"، أو: "إن راتبي لا يكفيني ثمن خُبز لأسرتي"؟!.

*هذا النظام البائس الذي من أراد أي وظيفة ولو إماما أو خطيبا، ومن أراد فتح أي محل ولو لبيع الفلافل؛ فلا بد أن يحقق معه أكثر من جهة أمنية، وأن يكتب أسماء أسرته فردا فردا، أحياء وأمواتا وماذا يعملون، ثم يدرس ملفك، وبعدها يوافق على طلبك أولا؟؟!!

كما حصل معي سنة 2011م لما تقدمت إلى وظيفة إمام وخطيب في مدينة أعزاز؛ فحققت معي جهتان أمنيتان في منبج وأعزاز؟!

هذا النظام هو الوحيد في العالم الذي لا يدخل النفط في ميزانيته العامة، ولا يعرف أحد عنه شيئا غير الرؤوس الحاكمة الكبيرة؟!

ولما يسألون عن النفط وميزانيته يجيبون بتفلسف: "هو في أيدٍ أمينة"؟!

هذا النظام هو الوحيد الذي يقول قانونه 49 بإعدام كل من يتمي إلى "جماعة الإخوان المسلمين" السياسية المدنية؟!!

هذا النظام هو الوحيد الذي يبغض ويُشيطن الإخوان والدولة العثمانية فيعدها مستعمرة محتلة منذ عشرات السنين؟!

3

في ظل هذا النظام كان يتوجَّس الناس خيفة من أقرب الناس منهم؛ الأخ من أخيه، والابن من أبيه والعكس صحيح، والزوج من زوجه، والعكس؟!

هذا النظام هو الوحيد في الوطن العربي الذي يمنع الصلاة واللحية والصيام أحيانا، في أغلب قطع الجيش ومعسكراته وثكناته؛ مع أن البلد مسلم، وسكانه ذوو أغلبية مسلمة؟؟!!

هذا النظام هو الوحيد الذي يشعر أتباعه بالخوف من بعضهم خارج سورية؛ إذا رأى بعضهم بعضا من أن يتجسسوا عليهم؟؟!!

هذا النظام هو الوحيد الذي يشعر أتباعه بالخوف والهلع حين يذهبون إلى سفارات بلدهم في الخارج؟!

هذا البلد هو الوحيد الذي تكثر في ثكناته ومعسكراته من ضُبَّاطه خاصة الألفاظ الكفرية؛ من سَبٍّ لله ورسوله؛ كالتسبيح والذكر لدى المسلمين؛ فيسب أحدهم: رَبَّكَ، ودِينَكَ، ونبيَّكَ؟؟!!

بل يتفنن بعض الضباط فيه بالكفر؛ كما سمعت عن بعضهم قوله: "أنا أصغر ضابط عندي، أشرف مِن محمَّد"، أستغفر الله العظيم، وقاتله الله ما أجرأه على الكفر والفجور.

بل الكفر تسمعه في الشوارع والقرى دون أي رادع؛ فقد سمعت بعضهم يهتف في حلب في نحو منتصف الثمانينات في مسيرات الانتخابات للمقبور حافظ الأسد: "حَيّدُ وحيدو حافظ أسد بعد الله بنِعبَدُو"؟!

تسمع هذا الكفر الصريح المُقَزِّز ولا حسيب ولا رقيب، فضلا عن العقوبة الرادعة والزاجرة؟!

في حين لا يجرؤ الناس على سب أصغر مسؤول في الدولة؟َ!

ولله در الشاعر وليد الأعظمي القائل:

يُقاد للسجن إن سب المليك، و إن         سبَّ الإلَهَ فإن الناسَ أحرارُ؟!

4

*هذا النظام الذي فيه الفجور وبيع الخمور يجري علنا؟!

هذا النظام السفاح القاتل الذي قتل مئات الآلاف من السوريين، ومنهم الشيخ البوطي الذي قتله، ثم نفى قنله وتبرأ من قتله، ثم أصبح يتاجر بدمه، وراح يكيل الثناء عليه ويصفه بالإمام والشهيد البوطي، والعلامة البوطي؟! كما قتل فيما بعد - قبل نحو سنة- الشيخ محمد عدنان الأفيوني الدمشقي، وتبرأ من ذلك، ثم راح يتاجر بدمه؟!

في ظل هذا النظام المُجرم الإرهابي، كان الناس يقولون من خوفه: "إن للحيطان آذانًا" لمن يتكلم بصوت مُرتفع؛ خشية من أن يتجسس عليه أحد!

في ظل هذا النظام بقيت قلة قليلة قائمة بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وداعية إلى الخير بإذن ربها، دون خوف أو وجل.

ولا أتكلم هنا عن العلماء التقليديين الصامتين عن المنكرات، والذين لا يحركون ساكنا، والمستفيدين من مساعي الشيخ البوطي في الدعوة، ولا عن علماء السُّلطان المُنافقين السائرين في ركابه، والواقفين بأبوابه، والمسبحين بحمده، والمُسوغين لأفعاله وأقواله المخالفة للإسلام؛ كأحمد حسون، وبشيرعيد الباري، ومحمد عبد الستار السيد ...

في ظل هذا النظام الماجن الفاجر والسيِّئ جدا، وفي هذا الجو القاتم جدا كان يدعو الدكتور محمد سعيد البوطي رحمه الله، وثلة قليلة من إخوانه الدعاة المخلصين الصادقين؛ من "أولي بَقِيَّة".

ولم يكن الطريق أمامهم مفروشا بالورود والأزهار كما يُقال، وكما يُظَنُّ؛ بل كانوا يمشون في طريق ملؤه الأشواك، وفي حقل مزروع بالألغام.

وكما يقول المثل المعروف: "من يأكل العِصِيّ، ليس كمن يَعُدُّها، و"من كانت يده في النار ليس كمن كانت يده في الماء"، و"اللي ما داق المِغراية، ما بيعرف شُو الحكاية"، كما في المثل الشعبي الشامي.

5

الشيخ البوطي وقليل جدا من إخوانه ممن كان ينكر المنكرات القائمة في دروسه وخطبه؛ مِن منع الصلاة في الجيش، وعن الحجاب، ووجوب السماح للمسلمات الموظفات والطالبات بارتدائه في الجامعات والمدارس، ودوائر العمل الحكومية، وعن منع بعض الكتب الإسلامية كـ "رياض الصالحين"، و"إحياء علوم الدين"، وغيرهما.

كما توسَّط لمئات من العلماء والناس العاديين بالعودة إلى سورية مِمَّن سافر بعد أحداث الثمانينات وأزمة الحكومة والإخوان، فعادوا إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية السوية، وخرج بسببه مئات آخرون من مقابر سُجون الأسد.

وبسببه وسبب الشيخ أحمد كفتارو بقيت المعاهد الشرعية الخاصة التي قرر حافظ أسد إلغاءها؛ فأعيدت، وأنشئت معاهد الأسد لتحفيظ القرآن.

كان الشيخ البوطي يفعل ذلك قبل الثورة، وخلال نحو أربعين عاما!!

ثم بعد الثورة السورية، كان الوحيد الذي تكلم عن كل هذه الأمور مُجتمعة؛ من الزيادة في مساحة الحريات، والمطالبة بالمزيد من الإصلاحات، وعن حرمة قتل المتظاهرين السلميين، وعن مشكلة الحزب الواحد، وعن ضرورة إنشاء "قناة إسلامية"، وتلبية مطالب المتظاهرين، وأنكر سجود بعض جنود النظام لصورة بشار، واعترض على فصل المنقبات من وظائفهن، وعن مناهج المدارس الخاصة المنافية للإسلام، وعن بعض المسلسلات المخالفة للإسلام كمسلسل: "وما ملكت أيمانكم"، ... .

*سِجِلُّ البوطي الحافِل في خِدمة الإسلام والدعوة الإسلامية:

فالشيخ البوطي رحمه الله قضى نحو ستين سنة يخدم دين الله عزوجل، داعيا إلى الله تعالى، ومدافعا ومنافحا عن دينه الحنيف عبر المئات من محاضراته في "كلية الشريعة" نحو أربعة عقود، وفي كليات أخرى، وفي الآلاف من دروسه وخطبه في المساجد المختلفة في دمشق، في "مسجد حمو ليلى"، وفي "جامع الرفاعي" خطيبا ومدرسا للتفسير ومجيبا عن أسئلة الناس واستفتاءاتهم، وفي "جامع السنجقدار، و"جامع تنكز"، و"جامع الإيمان"

6

بحي المزرعة والذي استشهد وهو يدرس فيه، وفي "الجامع الأموي" خطيبا، وفي الاحتفالات المختلفة بذكرى المولد والهجرة والإسراء والمعراج، وفي حضور الندوات والمُلتقيات الفكرية المختلفة في الجزائر، وعمَّان، والإمارات، وفرنسا، وأمريكا ... .

وفي المئات من كتاباته ومقالاته في مجلات "التمدن الإسلامي"، و"حضارة الإسلام"، الدمشقيتين، و"مجلة العربي" الكويتية، ثم "مجلة الأمة القطرية"، ومجلة "طبيبك"، وأخير مجلة "نهج الإسلام" الدمشقية.

هذا عدا عن مناظراته للعلماء المسلمين كالشيخ ناصر الألباني، وغير المسلمين كمناظرته الشهيرة للدكتور طيب تيزيني.

هذا عدا مؤلفاته وكتبه ومصنفاته النفيسة التي جاوزت التسعين مؤلفا ورسالة؛ في الفقه المُوَازَن "المُقَارَن"، والأصول، والحضارة الإسلامية، والحضارة الإنسانية، والفكر عامة، والفكر الإسلامي خاصة، والفتاوى والاستفتاءات، والعقيدة الإسلامية، والفكر المعاصر، والسيرة النبوية وفقهها، والأدب والنقد، والتاريخ والتراجم، ... .

مزية الشيخ البوطي أنه ثبت قبل الثورة وبعدها على مواقفه من الدعوة إلى الله تعالى؛ فلم يخرج من سورية، مع الإغراءات والمكاسب الدنيوية التي جاءته، فرفضها، وآثر البقاء والعمل في سورية للإسلام، وعد ذلك جهادا في سبيل الله من أعظم الأعمال المُقربة إلى الله تعالى.

وكان بوسعه أن يخرج من سورية كما خرج المئات من العلماء والدعاة السوريين، وآثروا السلامة، وأنا أتكلم عمَّن خرج من سورية، ولم يكن مُضطرا للخروج، وإنما خرج للدنيا، وإيثارا للسلامة مع تمكنه من البقاء!

7

كما أني لا ألوم المشايخ الذين تكلموا على الشيخ البوطي وأنكروا عليه مسائل خالفوه فيها، أو بلغتهم فيها مشوهة أو مبتورة؛ كالشيخ محمد علي الصابوني، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد فتحي الحريري، رحمهم الله تعالى، والشيخ أبي الهدى اليعقوبي، حفظه الله تعالى، وغيرهم؛ فهم قاموا بواجبهم في إنكار المنكر، وبيان الحق، وتاريخهم حافل بالدعوة إلى الله تعالى، ونشر العلم، وتدريسه، ونصرة دينه.

لكني ألوم من يتكلم على الشيخ البوطي، ويلغ في عِرضه، ويأكل لحمه، وهو مُتَّكِئٌ على أريكته، ولم يفعل شيئا للإسلام، ولم يُقدِّم في سبيله شيئا؛ بل لم يعرف له أي خدمة له في نشر علم، أو دعوة إلى الله تعالى؟!!

وأصبح أكبر همه ومبلغ علمه، الطعن في الرجل، وتجريحه، ونهش لحمه، بالكلام في كل مجلس، وبالكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أقِلُّوا عليهِم ،   لا أبًا   لِأبيكُمُو

       مِنَ اللَّوْمِ، أوسُدُّوا المَكَانَ الَّذي سَدُّوا

وسوم: العدد 1028