معرفتي بشيخي العلامة الدكتور محمد سعيد البوطي

dfgfg1029.jpg

*أولا: في بيتنا لدى والدي رحمه الله تعالى:

أول ما عرفت شيخنا العلامة د. محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى، - وأنا في ميعة الصبا وريعان الشباب- كان في بيت والدي الشرطي محمد السيد؛ الذي كان يحب الشيخ البوطي حُبًّا جَمًّا، وكان يشتري ويقتني جُلَّ كُتبه، بمكتبته العامِرة بقرية "أبي كهف"، ثم في "منبج"، كاقتنائه لجل كتب أستاذنا المؤرخ الكبير د. شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى أيضا.

وكان من تلك الكتب "البوطية" النفيسة على ما أذكر كتب: "من الفكر والقلب"، و"فقه السيرة النبوية"، و"كبرى اليقينيات الكونية"، و"من روائع القرآن"، و"هذه مشكلاتهم"، و"الجهاد"، و"شخصيات استوقفتني"، ... .

*ثانيا: في "دار الأرقم" بمنبج:

ثم كان عن طريق كتبه الثلاثة الفذة "فقه السيرة النبوية"، و"من روائع القرآن"، و"كبرى اليقينيات الكونية".

فالأول درسناه في معهد وثانوية "دار الأرقم بن أبي الأرقم الشرعية" في مدينتي مدينة منبج؛ على يد أستاذنا العلامة الشيخ حمزة عبد الله الويسي حفظه الله ورعاه، في الصف الأول الثانوي على ما أظن.

والثاني: كان في دار الأرقم بمنبج أيضا، في مادة "علوم القرآن"، على الشيخ حمزة الويسي، أيضا.

أما الثالث: فكان في دار الأرقم، أيضا، على الشيخ حمزة وغيره أيضا على ما أظن، وفي "كلية الدعوة الإسلامية" بدمشق، كذلك؛ فدرسناه مرتين.

*ثالثا: في دمشق الفيحاء في الجامعة:

ثم عرفته عن قرب في المرحلة الجامعية بدمشق منذ عام 1987م؛ وكان ذلك في أماكن ومناسبات عدة؛ منها:

1

أ- في جامع السنجقدار: مقابل قلعة دمشق تقريبا، وخلف ساحة المرجة جنوبيَّها، وهو جامع قديم، وصغير نسبيا؛ لكنه يعبق برائحة القدم، البادية عليه من بنائه القديم، وزخرفته وتصاميمه القديمة.

حضرت في هذا الجامع المبارك على شيخنا البوطي بعض دروسه في تاريخ التشريع الإسلامي، وأواخرها في ذلك الوقت.

كما حضرت فيه بعض دروسه في شرحه البارع للكتاب العظيم والفذ كتاب "رياض الصالحين" للإمام الشهير والولي الخطير يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، رحم الله روحه، ونوَّر ضريحه، وهو الكتاب الجليل الذي كتب له القبول، وبركة سعة الانتشار الواسع في العالم الإسلامي.

وكان ذانك الدرسان يُقامان يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع بعد صلاتي المغرب والعشاء مباشرة.

ومما أذكره من تلك الدروس شرحه لحديث سيدنا خَبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه أنه قال -"فيما معناه"-: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرتدي بردة في ظل الكعبة، وكان المشركون قد عذبوه عذابا شديدا، حتى إنهم كانوا يكوون ظهره بالحديد المُحَمَّى- يقول خبَّاب- فما كان يُطفئ لهب النار وحرارتها إلا وَدَكُ ظَهْري "دِهْنُه"؟! فأتيته فقلت: يا رسول الله ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا؟ فقال: لقد كان الذين من قبلكم يعذبون فيُمشَطُونَ بأمشاط الحديد ...، فما يَصُدُّ أحَدَهم عن دينه، وليُتِمَّنَّ الله هذا الأمرَ حتى ترى الظعينة تخرج من الحيرة إلى صنعاء، لا تخشى إلا الله، والذئب على غنمها، ولكنكم تستعجِلون"، أو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ب- في "جامع تنكز": ثم انتقل الشيخ البُوطِي إلى "جامع تنكز" غربي سوق الحميدية و"القصر العدلي"، وقبل "محطة الحجاز"، وكان بناؤه واسعا وأبيض، وفي طابقين، بعد ما ضاق مسجد السنجقدار، وأمسى يغصُّ بمئات المُصلين والحُضور؛ حتى صاروا يُصلون في الخارج! فكنت أحضر فيه عنده يومي الاثنين والخميس بعد المغرب والعشاء دَرسَيه في شرح كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله تعالى.

*ومن تلك الدروس التي أذكرها شرحه لحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح الذي قال فيه: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه؛ فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي".

*ومما ذكرَه من المسائل حول شرح هذا الحديث:

مسألة أقوال العلماء واختلافهم في تمني الموت شهادة في سبيل الله، أو في الأراضي المقدسة كالموت في الحرمين الشريفين، وأتى بقول سيدنا سلمان رضي الله عنه لأحدهم وقد قال له أريد أن أدفن في الأرض المقدسة فأجابه قائلا رضي الله عنه: "إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا".

*الحِرمان من العَشاء، والتضييق علينا في الدخول إلى "مجمع أبي النور" بسبب الدكتور البوطي؟!

ومن المواقف الطريفة المُضحكة والمُبكية أن بعض المسؤولين والإداريين في "جامع ومجمع أبي النور الإسلامي" الذين كنا ندرس، ونقيم فيه- كانوا لا يحبون الشيخ البوطي؛ فكانوا أحيانا ينتقمون منا بالتضييق علينا لدى رجوعنا بعد الساعة التاسعة ليلا؛ فيغلقون أبواب المسجد الخارجية؛ فلا يدخلوننا إلى مسكننا إلا بعد توسلات ورجاءات حارَّة؟!

كما كنا نُحرم من العَشاء الذي يفوت وقته، ويكون وقت درس شيخنا البوطي رحمه الله؛ بين المغرب والعشاء!

فكنا نتعشَّى في بعض مطاعم السوق؛ فنأكل شطيرة فلافل من عند "فَلافِلِيٍّ" على عرَبَة، أو ما تيسَّر مثلها، أو نجلبها إلى السكن معنا، أو نذهب إلى دكان صغير قريب من جامع أبي النور جَنُوبِيَّه، على طريق "جامع الشيخ محيي الدين بن عربي"، على الجانب الأيمن منه، بعد "مدرسة الصاحب" وهو "مُطَيعم" للفول والحمص والفلافل فنأكل عنده شطيرة، أو فَتَّة حمَّص ...، على حسابنا الخاصِّ، إن كان فاتحا لم يُغلق، وإلا فنذهب إلى الأبعد منه!

3

*الإدارة في "مجمع أبي النور" لا يحبذون حضور دروسه؟!

*وبهذه المناسبة أذكر فأقول: إن الطلاب الذين يدرسون في "كلية الدعوة الإسلامية- مجمع أبي النور"، قل منهم من يحضر دروس الشيخ البوطي؛ فقد كان أكثر الطلاب يخافون من الحضور عنده، بسبب أن المسؤولين في المجمع أكثرهم لا يرغبون في حضورنا دروس البوطي؛ فهو كان "كالعدو لهم"، ولا نعرف سببا ظاهر لذلك؟!

بل بلغ الحقد ببعض أساتذتنا في "كلية الدعوة" أن يقول عن الشيخ البوطي هو "بُوطي" بتفخيم الباء، والعياذ بالله تعالى، ولما شرح السبب تبين أنه يحقد عليه لأنه كان يدرس عنده في كلية الشريعة وقد أعطاه في مادته في "العقيدة الإسلامية" -على ما أظن- درجات قليلة؟!!

فكنت أحضر أنا العبد الفقير، وبضعة طلاب آخرين، من مئات من طلاب كليتنا، هذا في السنة الأولى، من الجامعة، لكنهم بحمد الله كثروا فيما بعد، وأصبحوا بالعشرات، وتجرؤوا بسببنا، بفضل الله تعالى.

لكن هذا المنع غير المُعلَن من حضور دروس البوطي كان غريبا، بل مناقضا لكلام شيخ المجمع مجمع أبي النور وهو العلامة الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله؛ فقد سمعته يقول مرة: "يا ابني في الطريق لا تعدد الشيخ"؛ أما في العلم فخذ عن مشايخ عديدين"!

والذي يبدو لي والله أعلم في سبب ذلك المنع من حضور دروس البوطي غير المعلن، وشبه المُعلن من خلال بعض الإشاعات، أن السبب هو البون الشاسع بين ما يطرحه الشيخ البوطي، وما يعطيه مشايخ مجمع أبي النور من علم ودروس أقرب ما تكون إلى الوعظ والأسلوب العامي، بخلاف دروس الشيخ البوطي المنهجية والفكرية وذات المستوى العالي والرفيع!

*سؤال الشيخ أسامة الخاني رحمه الله عن ذلك: وأذكر أني مرة مرة بادرت فسألت الشيخ والرجل الصالح المخلص الرباني الشيخ أسامة الخاني رحمه الله -حين سمعت بعض الطلاب يشيعون منع حضور دروس الدكتور البوطي- فقلت له بعد حضور درسه الذي كان يلقيه بعد صلاة المغرب يوم

الأربعاء: شيخي! سمعت أنكم لا تريدون أحدا يحضر عند الدكتور البوطي فهل هذا صحيح، ولماذا؟! فأجابني جوابا غريبا؛ فقال لي: نعم صحيح. أما السبب فهو إن كان ما يقوله البوطي موجودا عندنا فلماذا تذهبون إليه؟ وإن لم يكن موجودا عندنا فسنحاول أو نوجد لكم مثله عندنا؟!

ج- خطبة الجمعة وصلاتها ودرس التفسير أو الفتاوى في "جامع الرفاعي" بحي "ركن الدين":

وهو الجامع الذي يقع في "حي ركن الدين - ساحة شمدين" على هضبة ومرتفع نصعد إليه؛ فنذهب من مجمع أبي النور، ونتجه شمالا فنمر من جانب منزل الشيخ د. محمد سعيد البوطي، وأحيانا نصادفه ذاهبا إلى هذا المسجد ليخطب الجمعة فيه، ثم ننعطف يسارا إلى جهة الغرب، لنصعد إلى هذا الجامع المتوسط، ذي الطابقين، أو الثلاثة.

كنت أحضر في هذا الجامع المبارك "خطبة الجمعة" للشيخ البوطي، غالب العام الدراسي؛ فلا أتخلف عن حضور الخطبة فيه، إلا أن يكون الشيخ مسافرا، أو أكون في العطلة الصيفية؛ فأكون إماما وخطيبا ومعلما للقرآن في أحد المساجد السورية؛ في ريف حلب أو الرقة، طيلة المرحلة الجامعية، وقبلها سنتان من المرحلة الثانوية.

كما كان الشيخ البوطي يلقي في هذا الجامع نفسه بعد صلاة الجمعة مباشرة درسا في التفسير متسلسلا لثلاثة جُمَع، ويخصص درسا رابعا في الشهر لأسئلة الناس واستفتاءاتهم المختلفة المكتوبة في أوراق.

*من المواضيع التي أذكرها من تلك الخطب:

كلامه عن المغريات والفتن في هذا الزمان التي يتعرض لها الشباب المسلمون ليصدوهم عن دينهم بمختلف الوسائل والسبل الشيطانية، بالنساء، والإعلام الفاسق ...، وذكَّر الشباب بالتمسك بتقوى الله وعظم الأجر والثواب الذي ينتظرهم، وبالاقتداء بسيدنا يوسف الصديق عليه السلام الذي قالت له امرأة العزيز (هَيتَ لك؛ فقال: معاذَ الله).

5

*نماذج مما أذكره من تلك الدروس:

حَدْبُ الشيخ البوطي على الشباب، وشفقته عليه، وحِرصه على هِدايتهم:

مما أذكره أن بعض الحاضرين سأله عن المذي وهل يجوز أن يصلي الشاب المسلم به؟

فقال الشيخ البوطي رحمه الله: هو نجس لا تجوز الصلاة به، لكن إذا كان الشاب مبتلى بكثرته، وتعذر عليه التطهر منه، وكان سيحُول بينه وبين الصلاة فليأخذ بالقول الضعيف بطهارته، وليُصَلِّ، (والله غفور رحيم)، و(لا يُكلف الله نفسا إلا وسعها).

ذكر الشيخ البوطي مرة عند قول الله تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون* وإذا مروا بهم يتغامزون*) فذكر أن منهم من يمنعون الناس العساكرَ من الصلاة، أو يَسخَرُون من المُصلِّين منهم؟!

يقصد منع النظام السوري الجُنود في كثير من ثُكْناتهم العسكرية من أداء فريضة الصلاة من ضُبَّاطهم ومسؤوليهم، وهم مُسلمون، وفي بَلَد مُسلِم؟!

*تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله:

سأله أحدهم عن "تفسير الظلال" فقال رحمه الله: هو تفسير جيد بل رائع، ولا سيما في أسلوبه الأدبي، لكن ليس لأنه لأستاذ سيد قطب فهو معصوم، ولا أخطاء فيه. ثم تكلم عن مسألة إنكار سيد قطب لحديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه من أخطائه رحمه الله.

*تحذيره من قراءة كتب د. مصطفى محمود رحمه الله:

وسئل مرة عن كتب د. مصطفى محمود فحذر من قراءاتها؛ لأن فيها أخطاء شرعية وعقدية، وهو ليس عالما، بل طبيبا.

*ومن فتاواه: تحريمه إعطاء الزكاة المفروضة للمدارس الشرعية التي فيها طلاب أغنياء لسببين: الأول: عدم جواز إعطاء الزكاة للغني، والثاني:

6

يُشترط في الزكاة التمليك، والقائمون على هذه المدارس لا يُمَلِّكون الطلاب تلك الزكوات والأموال؛ بل يجعلون أنفسهم وُكلاء عليهم، وهُم بالغون.

*ومن فتاواه كذلك:

تحريمه التصرف بأموال الجمعيات الخيرية بغير ما وُضعت له؛ بالسفر إلى دول بأموال تلك الجمعيات، والنزول بالفنادق، ... .

*سؤال عن حزب البعث العربي الاشتراكي:

وسأله سائل عن حكم الانتساب إلى حزب البعث فقال: يا أخي! اجعل الكتاب والسنة ميزانكَ، ثم انتسب إلى أيِّ حِزب شِئتَ.

*زلزال أغادير:

*وذكرَ مرة قُدرة الله تعالى في التدمير فذكر "زلزال أغادير" في المغرب، وأنه دمَّر الأبنية الشاهقة في المدينة ومنها فُندقها الذي لم يبق منه سوى لوحة اسمه التي أمست على وجه الأرض، بعدما كانت في الأعلى؟!

*عدم جواز تفضيل النبي محمد موازنا بينه وبين بقية الأنبياء:

سألته مرة هل يجوز الموازنة بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام وبين بقية الأنبياء فيظهر نقصا لهم، أو يشعر بذلك؛ مثل قول الشيخ عبد الرحيم البرعي رحمه الله تعالى في نونيته الشهيرة:

وإنْ ذَكرُوا نَجِيَّ الطور فاذكُر               نجيَّ العَرْشِ مُفتقِرًا ؛ لِتَغْنَى

فإن يكُ   دِرعُ   داود   لَبًوسًا               يَكونُ مِنِ التِباس البَأسِ حِصنا

فدرعُ مُحَمَّدِ   القرآنُ ،   لمَّا               تلا: (و اللهُ يعصمك) اطمأنّا

و مُوسى   خرَّ   مَغشِيًّا   عليه               و أحمد لم يكن لِيزيغَ   ذِهنا

وأهلكَ قومَه في الأرض نوحٌ                 بدعوة (لا تذر أحدا) فأفنى

و دعوةُ أحمد رب اهد قومي               فهم لا يعلمون   كما   علِمنا

7

فقال: لا يجوز ذلك، ونوح عليه السلام إنما دعا على قومه بعدما أوحى الله إليه: (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن).

*موقفه يوم وفاة والده، وتعزية حافظ الأسد به:

أذكر أننا في يوم وفاة والده "الشيخ مُلَّا رمضان"رحمه الله، في "جامع العثمان؛ الجامع الكويتي" وكان والده في التابوت مُسجَّى أمامنا؛ فألقى الشيخ محمد سعيد البوطي كلمة مقتضبة قال فيها:

رحم الله والدي الذي كان يقدر العلم وأهله، وكان أهم شيء لديه حتى أنه قال لي مرة: لو كنت أعلم وسيلة تقربك إلى الله أكثر من العلم الشرعي لجعلتك تسلكها، ولو أن أجعلك زَبَّالًا تكنس القمامة!

وإني أشكر الرئيس حافظ الأسد الذي أرسل لي تعزية بوالدي، وأسأل الله تعالى أن يلهمه للعمل لمثل هذا الموقف، وأشار إلى جنازة والده.

*من أقوله وأدعيته وعباراته التي حفظتها:

"ذكر الجفا في موطن الصفا من الجفا":

قال هذه الكلمة في إحدى الكلمات له بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، بعد كلمة للشيخ عبد الرؤوف أبو طوق رحمه الله، كان قد ألقى كلمة قال فيها: "هؤلاء القوم -يقصد الوهابية السلفية- يقولون عن المولد مولد سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام: "بدعة، لهم الوَجْعَة"؟!

فقال الشيخ البوطي بعدها معلقا على كلامه: يا أخي دعنا من ذكر هؤلاء القوم؛ فذكر الجفا في موطن الصفا من الجفا".

*كان يسمى عصرنا هذا: "عصر التيارات والأهواء".

*قال مرة عن مجلة "الناقد" الخبيثة العَلْمانِيَّة:

وهي مجلة أظنها ليبية مسمومة تطعن في الإسلام ونبِيِّ الله محمد عليه الصلاة والسلام والوحي، وقد رأيتُ فيها مقالة بعنوان: "أوهام الغيبيات"؟! قال عنها الشيخ البوطي: "مجلد الناقد مجلة تنقد الحق، وتُزخرف الباطل".

*وسمعته في أحد دروسه مرة يقول في معرض الرد على بعض الشبهات وبعض أعداء الإسلام:

"أيها الإخوة! لو أردنا أن نتتبع خصوم الإسلام للرد عليهم في شبهاتهم وأفكارهم، فلن ننتهي، وخير وسيلة للرد عليهم أن نحصنا أنفسنا بالعلوم والثقافة الإسلامية؛ فيكون لدينا وقاية ذاتية للشبهات.

*حبه وتعظيمه لله تعالى:

ما كان يذكر الله تعالى إلا بالتعظيم؛ فيقول عنه غالبا: "الباري عزوجل يقول"، أو يقول الله تعالى ... .

وكثيرا ما كان يروي هذه القصة عن حب الله تعالى؛ وهي:

أن رجلا كانت لديه أمة عابدة صالحة؛ فسمعها يوما تدعو في قيامها لليل بقولها: "اللهم إني أسألك بِحُبِّكَ لي أن تُعطِيَني كذا"؟! فقال لها: ويحكِ ماذا تقولين؟! وكيف عرفتِ أنه يُحِبُّكِ؟! فقالت له: يا سَيِّدِي! لولا حُبُّه لي لَمَا أيقظَني في هذه الساعة المُبارَكة!

*وسمعته مرة يقول معلقا على قول الشاعر في حبيبته:

لي   لذة   بتذللي ، و خضوعي         و يطيب بين يديكِ سَفْكُ دُموعي

يقول: لو عرف هذا الشاعر المسكين حب الله تعالى لقال:

لي لذة   بتذللي ، و خضوعي         و يطيب بين يديكَ سَفْكُ دُموعي

لقال: "بين يديكَ" لا "بينَ يديكِ"؟!

*ما سمعت أحدا يتحدث عن الحب الإلهي بهُيَام كما سمعت الشيخ سعيدا البوطي، ولا عرفت أحد يتحدث عن العبودية لله تعالى، و"محراب العبودية"، كما سمعت البوطي رحمه الله.

*وسمعته يقول مرة: "الجِذْع الأعظم لِلحُب هو حُبُّ الله عزَّوجلَّ".

9

*وسمعته يقول مرة:

خير وسيلة لشكر الله تعالى، أن تربط النعم بالمُنعم عزوجل.

*حبه وتعظيمه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ما كان الشيخ البوطي رحمه الله يذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بالتعظيم والتوقير والسيادة، والصلاة والسلام عليه، وكم كان يذكره بالمحبة والشوق إليه، وكل من قرأ فقه السيرة النبوية له يعرف ذلك، ولا سيما ما كتبه في الدفاع عنه ونصرته، في باب هجرته عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، وتعليقه على حب أبي بكر وآل بيته والصحابة عموما في سبيل محبته.

وكذلك في باب زيارة قبر النبي ومسجده صلى الله عليه وآله وسلم في معرض رده على ابن تيمية رحمه الله في عدم جواز شد الرحل لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام استقلالا، وإنما الزيارة إلى مسجده، ورده عليه ردا علميا، وبيان شذوذه عن العلماء في هذه المسألة التي أخطأ فيها ابن تيمية وخالف فيها جماهير العلماء.

*ومن هذا الباب حبه لإقامة المولد النبوي الشريف، وحضوره لمجالس المولد والاحتفال والاحتفاء بمولد سيدنا رسول الله في كل عام.

*رأيه في المولد النبوي وحكمه:

كان يرى أنه جائز، وأنه من فعل الخير المندوب إليه شرعا، وأنه داخل ضمن قول الله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم ترحمون*).

*رأيه في مدعي السلفية الوهابيين الذين يحرمون المولد والتوسل، وينكرون على الناس حبهم الشديد لرسول ...:

قال عنهم مرة في أحد احتفالات المولد: دعنا من ذكر هؤلاء أخي فقلوبهم لا تعرف الخشوع، وأعينهم لا تعرف الدموع.

10

*حبه لآل بيت رسول الله الأطهار عليهم السلام وتعظيمه لهم:

كان يجلهم ويذكرهم بالإجلال والتوقير، وقد سمعته مرة ذكرهم في جامع الرفاعي، وأنشد هائما بحبهم قول الشيخ البوصيري من همزيته رحمه الله:

آلَ بيت النبي طبتم فطاب الـ             ـمدح لي فيكمو وطاب الرثاءُ

أنا حسان مدحكم   فإذا   نُحْـ             ـتُ   عليكمْ ؛   فإنني الخَنْسَاءُ

سُدتُمُ الناسَ   بِالتُّقَى و سِوَاكُم             سَوَّدَتْهُ   الصفراءُ   و البَيضاءُ

*حبه للصحابة الكرام وتوقيرهم ودفاعه عنهم:

كذلك كان رحمه الله، كان يجل الصحابة الكرام عامة، والخلفاء الراشدين الأربعة خاصة، ومن يقرأ ملحقه بكتابه "فقه السيرة النبوية" الذي سماه: "موجز لتاريخ الخلافة الراشدة" يجد ذلك جليا واضحا.

*ومرة سمعته في أحد دروسه يُدافع عن سيدنا عثمان فيقول: كيف يحق لنا أن نتكلم عن سيدنا عثمان وقد زوجه سيدنا رسول الله بنتيه، وقال له: لو كان لنا ثالثة لزوجناكها"، وقال فيه بعد تصدقه العظيم في غزوة ذات العسرة "تبوك" قال: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه".

وقال في الطاعن في سيدنا عثمان أيضا: "من يتكلم في سيدنا عثمان فليشمَّ رائحة كفه، وليقطع لسانه".

*من علامات شِدَّة إخلاص وتقوى ووَرَع الشيخ البوطي:

قلَّمَا حضرتُ درسا للشيخ البوطي أو خطبة جمعة، أو صليت وراءه صلاة جهرية، إلا وبكى أو أبكى الحاضرين؟!

*سمعتُه مرَّة يقول: يا إخوة لا تؤاخذوني في بعض الأحيان، أحْتَدُّ في الإجابة عن بعض أسئلتكم؛ فأنفعل، فأرجو أن تسامحوني.

11

*فصاحة لسانه وعذوبة بيانه:

وما رأيت أفصح من الشيخ محمد سعيد البوطي في كتاباته ودروسه ومحاضراته؛ فقد اجتمعت له الفصاحة وجمال الأسلوب، وعذوبته وجزالته نُطقا وكتابة، وقَلَّمَا تجتمعان لشخص.

ومن يقرأ كُتبه جميعها، ويستمع دروسه ومحاضراته وخطبه يجد هذا واضحا بينا؛ فهو حين يتكلم في موضوع أو يشرح مسألة تجده يصوغها بأجمل عبارة، وأعذب أسلوب، وإذا كررها، أو زادها إيضاحا تجده يبهرك بإعادتها بقالب آخر، وبجملة وعبارة أخرى حتى تتجلى لك بأحلى بيان، وأعذب أسلوب وبيان، ولا يكررها بنفس العبارة والكلمات؟!

وحتى الكلمات الغريبة والحوشية التي يستعملها تجدك تفهمها من سياق استعماله لها، ومن الغرض الذي جيئت له.

*ومن الكلمات والعبارات الغريبة التي سمعتها منه لأول مرة:

1- أي استِخْذاءٍ هذا؟! أيُّ مأفُونٍ هذا؟!

2- "طُفَّ الصاع، طُفَّ الصاع، متى كان لابن السوداء فضل على ابن البيضاء يا أبا ذر؟!" قالها النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذرٍّ لمَّا عيَّر بلالًا بأُمِّه، رضي الله عنهم أجمعين.

3- هذا إنسان وضع عقله في حِذائه؟! "عن الشخص الذي يقول شبهة أو فكرة غريبة، ويُطلق عبارة على عواهنها، ولم يفكر في مضونها".

*جمال صوته ورقته: وكم كان صوته جميلا وهو يتلو القرآن بصوت خاشع مُخبت رخيم في الصلوات الجهرية فيَبكي ويُبكي المُصَلِّينَ خَلْفَه.

وإن أنس لا أنسى قراءته بضع آيات من سورة النمل؛ وهي قوله تعالى:

{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) }.

ولا يزال يرن في أذني صوته الخاشع الرخيم وهو يردد (أإله مع الله، بل هم قوم يعدلون*)، (أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون*) ... .

ولا أنس كذلك تلاوته لأواخر سورة المؤمنون، وهي آيات من قوله تعالى:

{ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)

رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(118) }.

*ومثل قراءته لأواخر سورة الزمر من قوله جل جلاله:

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)

14

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (75)}.

*تمسكه بالحق، وبعده عن هوى النفس وحظه الشخصي، وقبوله النصيحة:

*سمعته مرة يقول رحمه الله:

بعدما ألفت كتابي "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية" ألف الشيخ ناصر الألباني أو بعض جماعته كتابا سماه: "جهالات البوطي، التعصب المذهبي هو البدعة"، ولم أرد عليه؛ فقال لي بعض الإخوة: لماذا لا ترد عليه؟ فقلت له: أول مرة كان قصدي بيان الحق، وقد فعلت؛ أما هذه المرة فهو انتصار لنفسي، فلن أفعل؟!

*وحين سَمَّى كتابه: "أحسن الحديث: تأملات علمية وأدبية في كتاب الله" قيل له: هذا يوهم الإعجاب بكتابك؛ فكأنك تقول للناس: كتابي أحسن الحديث، مع أن قصد الشيخ البوطي بـ "أحسن الحديث" كتاب الله تعالى، لكنه غيره فورا إلى: "من روائع القرآن"؟!

*تراجعه عن الخطأ على الملأ:

وإن نسيت فلن أنسى موقفا رائعا للشيخ البوطي أخطأ فيه في مسألة مواريث، ثم تراجع عن خطأه وبكى، وقال: أين السائل؟ أخبروه أني أخطأت في توزيع القسمة، ظننت كذا وكذا بدل كذا، وأنا بشر أخطئ، وأستغفر الله من فتواي هذه، والصواب كذا؟!

*موقفه المتسامح مع خصومه؛ "بينه وبين جماعة الشيخ أحمد كفتارو":

*سأله أحدهم مرة في درس بجامع الرفاعي سؤالا مكتوبا قال فيه: هل تنصحني أن أدرس في "معهد أبي النور" عند الشيخ أحمد كفتارو؟ فقال: نعم يا أخي، توكَّل على الله.

15

قال الشيخ البوطي هذا، في حين كان بعض جماعة الشيخ كفتارو يمنعون الطلاب من دروسه، ويقول بعضهم: إنه جاف، وجامد؟! أو: كلامه ليس فيه روح؟؟!! مع أنه يعمل مُستخدما في مطعم بجامع أبي النور؟!

*وسمعت أحدهم مرة وقد رأى الدكتور البوطي يحمل بعض أمتعته من السوق؛ فقال ساخِرًا: المسكين، لم يرب مريدا واحدا يخدمه؟!

*ومن تَعَصُّب أحد تلاميذ الشيخ كفتارو قوله:

سبحان الله! أنا كم رأيت من مشايخ، فما رأيت مثل شيخنا؟؟!!

يقول المسكين هذا الكلام، وهو لا يحضر لغير الشيخ أحمد كفتارو، فكيف يعرف غيره من المشايخ!!

*من أدعيته التي حفظتها منه: *اللهم اكلأنا بعين عنايتك، وبأتم رعايتك، اللهم اكلأنا كلاءة الوليد في المهد.

*اللهم افتح علينا بمعرفة العلم، وسهل أخلاقنا بالحلم، وافتح علينا فتوح العارفين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحَزْن إذا ما شئت سهلا، سهل لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا.

*يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

*الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، على نعمه وآلائه كلها، ما علمنا منها وما لم نعلم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دِقَّها، وجِلَّها

*اللهم أنت خلقتنا وأنت تهدينا، وأنت تطعمنا وأنت تسقينا، وأنت تميتنا وأنت تحيينا، لا نهلك وأنت رجاؤنا.

*يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

*اللهم اجعل هذه البلدة آمنة مطمئنة، وسائرَ بلاد المسلمين.

*اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تُهِنَّا، وأرضنا وارضَ عنَّا.

16

*كان يفتتح دروسه غالبا بهذا الدعاء، وهو للحفظ والفهم؛ فيبدأ بقوله:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم يدعو قائلا:

"اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا بمعرفة العلم، وسهل أخلاقنا بالحلم، واجعلنا مِمَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه".

*من أدعيته الجامعة المانعة:

"اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم صل على عبدك ونبيك محمد في الأولين، وصل على عبدك ونبيك محمد في الأخرين، وصل على عبدك ونبيك محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، اللهم بلغ روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منا تحِيَّةً وسلاما، اللهم كما آمنا به ولم نرَهُ فلا تحرِمنا في الجنان رُؤيته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء، وبَرْدَ العيش بعد الموت ولذة الشوق إلى لقاءك يا رب العالمين، اللهم إذا حانت رحلتنا عن هذه الحياة الدنيا فكرِّه إلينا الدنيا بكل ما فيها وحبِّب إلينا لقاءك، وأملأ اللهم قُلوبَنا شوقا إليك حتى يُخفِّف اشتياقُنا إليك من بُرَحاء الموت، وآلامِه علينا يا ربَّ العالمين.

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، نسألك يا ربي رضاك والجنة ونعود بك من سخطك والنار، اللهم ما قضيت لنا من أمر فاجعل عاقبته رشدا بخفي لطفك ورحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا من لا يشغله سمع عن سمع يا من لا تغلطه كثرة المسائل يا من لا يتبرم بإلحاح عباده الملحين عليه، أنت أنيسنا في الوحشة، أنت أملنا عند اليأس، أنت عوضنا عن كل مصيبة، لا تُبعدنا عن جَنَى رحمتك، أذقنا برد إحسانك ولطفك، يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أعنا على ما قد أقمتنا فيه بما يرضيك يا رب العالمين، اللهم طهر بلدنا هذا مِن كل مَن يريد سوء بدينه أو دنياه يا ذا الجلال والإكرام.

يا ذا الجلال والإكرام ويا ذا الطول والإنعام أعد فرحة الأمن والطمأنينة ورغد العيش تدخلها إلى قلوب عبادك الذين أقمتهم فوق هذه الأرض المباركة بما شئت وكيف شئت يا رب العالمين، اللهم إن لم نكن أهلا لأن تستجيب دعاءنا فأنت أهلا لذلك وأنت ربنا القائل كلٌ يعمل على شاكلته شاكلتك الرحمة شاكلتك المغفرة شاكلتك الصفح يا ذا الجلال والإكرام اصفح اللهم عنا صفحك الجميل متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا وفقه اللهم إلى كل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرًا خده اللهم أخد عزيز مقتدر يا قيوم السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نتوسل إليك بعبادك الشعث الغبر لو أقسم عليك واحدا منهم لأبررت قسمه، نسألك يا ربي أن تستجيب الساعة دعاءنا، وأن تحقق رجاءنا، أعطِ يا ربي كل واحد منا الساعةَ سُؤله بما يرضيك، يا رب العالمين.
اللهم يا من لا تضيع عنده الودائع نحن عبادك استودعنا لديك دعاءنا ورجاءنا، ولا تخيبنا في أمالنا وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه أجمعين آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين".

*موقع "نسيم الشام" من أدعية فضيلة الشيخ الشهيد البوطي، مشاركات الزوار: فاطمة حكيمة، 17/2/2014م.

*مناجاة قلب كسير:

"إلهي! سألوني عن وُجودكَ؛ فقلتُ لهم: متى عرفتم أنفُسَكُم رأيتُمُوهُ، ولَولَا ضَلَالُكُم عن كَينُونتكم لَمَا افْتَقَدْتُموه.

إنَّ الذي ينظر إلى العالَم ذاهِلًا مِن وراء مِنظار، جديرٌ به أن يفتقِدَ مِنظارَهُ ولا يَرَاه، ومهما أدارَ عَينيه فيما حولَه فإنه لن يعثُرَ عليه حتى يهتديَ إلى ذاته، ويَتَحَسَّسَ المِنطارَ القائمَ أمامَ عينيه.

18

وسألُوني عن أقدس سِرٍّ من أسراركَ؛ فقلتُ لهم: إنه القلبُ! يَخفقُ ويُحِسُّ ويَئِنُّ، في عالَم لا تطوله فيه يَدُ المالِ والمَتَاع، ولا الصَّنْعَة والخِداع، ولا الدنيا وزُخرُفها، أو المادَّةُ وقِيَمُها!

عُروشُ الدنيا وممالِكها، وبَطْشُها وسُلطانها، كُلُّ ذلِكَ أقَلُّ مِن أن يُقاوِمَ خَفْقَةً مِن خَفَقَات قلبِ مُحِبٍّ.

ونعيمُ الدنيا وأفراحُها، ولَهْوُها ولذائذُها، كل ذلك أقلُّ من أن يخلُقَ لَمْعَةَ فَرَحٍ في قلب حَزينٍ.

يمضي الناس في مُعالجة مادِّيَّاتهم وحضاراتهم، ويتسابقون إلى دنياهم ومَلَذَّاتهم، وتبقى تلكَ القُلوبُ الخَفَّاقَة فوقَ ذلكَ كُلِّه، لا تُطَوِّرُها يَدُ الحضارة، ولا تُغيِّرُها آثارُ المَدَنِيَّة؛ فهل في أسرار ما صَنَعَه الخالِقُ شَيءٌ أقْدَسُ وأعجَبُ مِن القلب"؟!

*"فيس بوك؛ وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، مناجاة قلب كسير: بقلم العلامة الشهيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، رحمه الله"، 22/8/2019م".

*ملاحظة: لم يكن الشيخ سعيد البوطي خلال مدة حُضوري عنده درسه وخُطَبه -"ما بين أواخر 1986-1990م"- يدعو للرئيس حافظ الأسد بالاسم؛ بل كان يدعو لِحُكَّام المسلمين عامَّة بما يُشبه قوله:

اللهم وفق حاكم هذا البلد ووليَّ أمره، وسائر ولاة المسلمين؛ بما فيه صلاح البلاد والعباد، وهَيِّئ لهم بِطانة صالحة.

رابعا: في دولة الإمارات المتحدة: في مجلة "طبيبك" الدمشقية:

وبعدما سافرت إلى دولة الإمارات المتحدة سنة 1992م، - وكنت في "رأس الخيمة"- تابعت للشيخ البوطي أول ما ذهبت إليها فتاوى وأجوبة لاستفسارات القراء في مجلة "طبيبك"؛ فكنت أشتريها خِصِّيصَى للزاوية التي يكتب فيها فتاواه وأجوبته عن أسئلة القراء.

19

ثم حضرت له محاضرتين: إحداهما في "جمعية الإصلاح والتوجه الاجتماعي" في دبي، والأخرى: في "المنتدى الإسلامي" في الشارقة.

*عبر وسائل الإعلام: سمعت وشاهدت له بفضل الله تعالى:

1- "مناظرته للدكتور طيب تيزيني" حول "هل القرآن الكريم تراث؟". عبر الإذاعة السورية، وأنا في الجامعة بدمشق في أواخر الثمانينات.

2- "دراسات قرآنية: تأملات في كتاب الله تعالى". عبر التلفاز السوري، ثم عبر الفضائية السورية، ثم في "قناة نور الشام الفضائية".

3- "شرح كبرى اليقينيات الكونية". بعض حلقات منه على "قناة اقرأ الفضائية".

4- "الإسلام في ميزان العلم". على "قناة الرسالة الفضائية"، بعض حلقات منه، من برنامج "الكلم الطيب".

5- "يُغالطونك إذ يقولون". حلقات منه عبر "قناة الشارقة الفضائية.

6- "فقه السيرة النبوية". في "قناة اقرأ الفضائية"، حلقات منه.

7- "مع البوطي". الذي أجراه معه الإعلامي موسى العمر، أكثر حلقاته، وقد عُرض على "قناة شام الفضائية" في 30 حلقة، إحدى الرمضانات.

*من كتبه التي قرأتها أو تصفحتها: 1- كتابه الرائع: "من روائع القرآن".

2- كتابه الرائع والفذ "فقه السيرة النبوية".

3- كتابه المهم والفريد "كبرى اليقينيات الكونية". درستُه مرتين.

4- كتابه الرائع وذو الأسلوب الأدبي المشرق "من الفكر والقلب".

5- "هذا والدي"، وقد قرأته 3 مرات، بفضل الله تعالى.

6- "من أسرار المنهج الرباني". 7- "إلى كل فتاة تؤمن بالله".

20

8- باطن الإثم".                   9- "الإسلام ومشكلات الشباب".

10- "الجهاد كيف نفهمه، وكيف نمارسه؟".

11- "هذه مشكلاتهم".           12- "وهذه مشكلاتنا".

13- "السلفية مرحلة زمنية مباركة، لا مذهب إسلامي".

14- "مختارات من أجمل الشعر في مدح سيدنا رسول الله".

15- "يغالطونك إذ يقولون".   16- "حوار حول مشكلات حضارية".

17- "منهج العودة إلى الإسلام".   18- "شخصيات استوقفتني".

19- "المرأة بين طغيان النظام الغربي، ولطائف التشريع الرباني".

20- "مموزين؛ قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء".

21- "محاضرات في الفقه المقارن".

22- "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية".

23- "الإسلام ملاذ المجتمعات الإنسانية: لماذا، وكيف؟".

وسوم: العدد 1029