الأستاذ حسيب حلوي - رحمه الله -

في الذاكرة : 

سعدنا به في جامعة حلب في السنة الرابعة في أواخر الستينيات فدرسنا عليه مادة النقد العربي ، كان أنيقا هادئا ، واسع الاطلاع والمعرفة ، متزنا ! تشعر في محاضراته بالارتياح لكثرة ماتجنيه من فوائد ، وقد احتفظت طويلا بالمذكرات التي قررها ،فعلى قفا كل صفحة كنا نسجل بيتا من الشعر برواية صحيحة ، أو رأيا أو موقفا لمستشرق لم نسمع به من قبل ، أو حديثا شريفا ، أو اسم كتاب ومؤلف ! 

ومن أحاديثه لنا حول ضياع بعض أبناء جلدتنا في الغرب ، أنه كان في زيارة ، وسئل عن الإسلام - وهو متمكن من لغة القوم - فقدمه لهم بأسلوب يتناسب مع تفكيرهم ، مصححا لهم تصورات خاطئة من خلال قراءات مغرضة ، أو تصرفات لبعض الوافدين إليهم !؟ فانبرى أحد الضائعين التائهين لينقض كلامه بأن الدين عادات قديمة موروثة لايأبه أحد بها ، فلا تصدقوا هذا الكلام !؟ فعلق بعد رواية الحادثة : لقد كان الملحدون ممن وفد إليهم من الشرق أشد علي بتكذيبه وسخريته من المستشرقين !؟ 

ومازلت أذكر مشهدا يعبر عن تواضعه واحترامه للحق ففي محاضرة له تطرق فيها إلى الموسيقا ، واختلف معه في تقريره أحد زملائنا ، ووعده بإحضار مراجع فقهية للبت في الموضوع ، فحين قرأها ، قال في جمع من الطلاب : نعم هذا هو الحق والقول الصحيح !  

سقى الله أيام حلب في الستينيات ، كانت ثانوياتها جامعات ، وجامعاتها أكاديميات على أرقى مستوى ! لو رحت تعدد أمثال حسيب حلوي فيها لأعجزك العد ؛ لما تركوه من آثار علمية وثقافية وتربويّة وأدبية لم يقوَ الإقصاء والتضييق على إطفاء جذوتها !!

وسوم: العدد 1124