دوغان يرحل في الشهر الفضيل

الملتقى السابع كان وداعه الأخير

أحمد دوغان

د. محمد جمال طحان

[email protected]

رحل ليلة الجمعة الأديب أحمد دوغان عن عالمنا مخلّفاً عشرات الكتب في الشعر والقصة والدراسات النقدية ومعاجم الأعلام. اشتهر أديبنا بالتخصص في الأدب النسوي، فكتب عنه الكثير. كان آخر مشاركة له في الملتقى السابع للقصة القصيرة جداً الذي أقيم في منتصف الشهر الماضي في البهو الصيفي لمديرية الثقافة بحلب، وهو عضو مؤسس في لجنة الملتقى، وكان قد أعد كتابين عن الملتقيات السابقة ونشرهما في دار الثريا التي أنشأها.

في الحفل الختامي للملتقى همس في أذني الشاعر محمود علي السعيد بأن دوغان يبكي ورغب إليّ أن أتحدّث إليه. دنوت منه مربتاً على كتفه وأنا أبتسم وسألته: كيف حالك أبا قدور؟ فقال: الحمد لله. وكأنني لمحت حزناً شفيفاً في عينيه وكأنه علم بأن حفل الختام هذا سيكون آخر حفل يشارك فيه بملتقى القصة القصيرة جداً الذي غدا ملتقى أليفاً لنا، نجتمع من خلاله بالكثير من الأدباء العرب. في الثامن من تموز قبل عامين كان فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب قد كرّم الأديب الراحل وذلك من خلال احتفال أقيم في مقر فرع الاتحاد تقديرا لجهوده المميزة في إغناء الحركة الفكرية والأدبية بحلب. وكما وصفه مازن بغدادي في حوار معه هو أديب يهوى المتاعب.

ولد الشاعر "أحمد دوغان" في قرية "فافين" شمال "حلب" عام 1946 م وانتقل مع أهله إلى مدينة "حلب" وهو في الخامسة من عمره، وبعد أن أتم تحصيله الثانوي عام 1967 تخرج في معهد إعداد المدرسين بحلب فرع اللغة العربية وآدابها عام 1970، وبدأ رحلة التعليم مع بداية عام 1971 وبقي يمارس هذه المهنة المقدسة ويكابد مشاقها طوال عشرين سنة ونيف، وقد ذهب بإعارة إلى الجزائر الشقيقة عام 1977 وأمضى فيها سبعة أعوام.  وهو شاعر وناقد دؤوب، يتابع لما يستجد في الأدب. وقد  استنزفت أعماله الأدبية وقته وجهده وعمره حتى أنهكت قواه، ومع ذلك فهو يجد متعته الكبيرة في هذا التعب الجميل وهذا ما يجعلنا نصفه بأنه أديب يهوى المتاعب. في حواره مع بغدادي يقول: «أنا بالأصل تتلمذت شعرياً أما الدراسة والنقد والأجناس الأدبية الأخرى هي رديف للشعر، وتبقى نقطة مهمة توصلت إليها منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهي لماذا الصوت النسوي في الأدب العربي الحديث؟ فمن منا لا تعجبه زقزقة عصفور أو هديل حمام فكيف إذا كانت إلى جانبك الأنثى لا بد أن تتأثر بها ولا بد أن تتأثر هي بك، وليس الشديد بالذي يكبت عواطفه وإنما الشديد الذي يستطيع أن يوازن بين نفسه عاطفةً وبين عقله فكراً، والمرأة الأديبة شدتني في وسط السبعينيات عندما حضرت أمسية شعرية في دار الكتب الوطنية بـ"حلب" بمناسبة حرب تشرين فألقى الشعراء قصائد غزلية وألقت الشاعرات قصائد وطنية وأثار ذلك انتباهي وبدأ اهتمامي، وأول لقاء كان مع الشاعرة الراحلة "هيام نويلاتي" وأذكر تماماً أنها أهدتني مجموعة شعرية بعنوان "القضية ."رحل شاعرنا مخلفاً أكثر من ثلاثين كتاباً في الشعر والدراسة والنقد، بالإضافة إلى خمس مجموعات شعرية جاهزة للنشر منها "نهر من الحب"، وكان آخر إصداراته:"إجازة في غرفة"  والأدباء في الكاريكاتير العربي. و أما في الدراسة والنقد فقد صدر له مؤخراً (من أدباء "حلب" في القرنين التاسع عشر والعشرين "الراحلون") وهناك خمسة كتب جاهزة للنشر عسى أن يهتم بها أبناؤه، منها "المرأة والأدب في الخليج وجزيرة العرب" و"في الأدب التونسي الحديث" و"المسرح الجزائري"».  وهو عضو جمعية الشعرفي اتحاد الكتاب العرب.

من مؤلفاته:

1-ساهر يرعى النجوم- شعر- مكتبة الثقافة- حلب 1972.

2-الخروج من كهف الرماد- ديوان مشترك- المكتبة العربية- حلب 1974.

3-الحرية الشعرية المعاصرة في حلب- المطبعة العربية- حلب 1975.

4-سيمفونية تشرين- شعر- دار مجلة الثقافة- دمشق 1975.

5-مقالات عن أدبنا المعاصر- المطبعة العربية- حلب 1977.

6-الولادة الجديدة والصحو- بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب- المطبعة العربية- حلب 1979.

7-الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر- منشورات مجلة"آمال" وزارة الثقافة- الجزائر 1982.

8-أنا الشهيد وهذه حكايتي- قصص شعرية للفتيان- جريدة الشعب- الجزائر 1982.

9-الصرصور والنملة- قصة للأطفال- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1982.

10-الوشم وسر الذاكرة- شعر- بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب- دار مجلة الثقافة- دمشق 1985.

11-الريح أنا- شعر- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1986.

12-شخصيات من الأدب الجزائري المعاصر- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1989.

13-المرايا في مواجهة الذاكرة- شعر- دمشق 1994- اتحاد الكتاب العرب.

وغيرها كثير. في ديوانه "غنائيات عصرية" يواسي الشاعر: مصطفى أحمد النجار صديقه الشاعر أحمد دوغان فيقف معه في محنته يحثه على تخطيها والتغريد من جديد للوطن : "مهما كواك الجرح والشجن/ مهما يدر في جسمك الوهن/ إنّ التجارب تنجلي أفقا تثري الذي تنتابه المحن/ غرد ـ إذاً ـ ألحانها حبقاً بقصيدة يزهو بها الوطن .

من قصيدة للشاعر أحمد دوغان عنوانها مثقل بالهوى نقتطف المقطع الآتي:

في ضلوع الورود شبابك ينمو ..

وغيث الغمام يجوب فضاء الدموع

رؤى الحلم في ملكوت الشرايين

والصدر يتلو هديل اليمام ..

ويرنو إلى من يغني الشغاف

وثلج اليقين

يذيب ضباب السنين

وفي الذات رفيف الأماني ..

ويبقى كتاب اليدين طهوراً

وفيه صلاة .. هي الصبح ..

..أشعة نور تباغت كل جناح .. وروح

ترود ابتسام الوجود ..

وتسكن في لوحة من بهاء