مفاز المتقين

(إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأسا دهاقا، لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا، جزاء من ربك عطاء حساباً( النبأ 31-36

للمتقين الذين ابتعدوا عمّا حرم اللهُ تعالى في الآخرة جزاء كبير، إنه الفوز،

فما الفوز والمفاز؟

إنه جزاء من اتقى مخالفة أمر الله ، وهو النجاة والخلاص مما فيه أهل النار- كما قال القرطبي- ويقال للفلاة مفازة، تفاؤلا بالخلاص منها.

وماذا ينال الفائز في الآخرة يا أحبابي؟

  • "حدائقَ وأعنابا" الحدائق: جمع حديقة، وهي البستان المُسَوّرُ؛ يقال أحدق به: أحاطه. فالجنات تحيط بمقام المسلم في الفراديس وأمثالها.
  • (والأعناب): جمع عنب، وهي الكروم وأنواع الفواكه يندرج فيها كلُّ ما لذّ وطاب
  • ، "والكواعب الأتراب" فالكواعب جمع كاعب وهي الفتاة الناهد؛ وأثداء الفتاة ابنة السابعة عشرة إلى العشرين نافراتٌ إلى الأمام تدلُّ على فتوتهنَّ وشبابهنّ المتفجر، وقال الضحاك: هنَّ العذارى .
  • والأتراب: الأقران في السن. ذوات العمر الواحد، فلا يكبرنَ.
  • "وكأسا دهاقا": هي:
  • المملوءة ، قالها الحسن وابن عباس؛
  • المتتابعةُ، قالها سعد بن جبير وعكرمة ومجاهد: متتابعة، ، متلازمة، بعضُها وراء بعض والمتتابع كالمتداخل،يشربون متى شاءوا.
  • والصافية،قالها عكرمة أيضا وزيد بن أسلم: صافية؛والمراد بالكأس الخمر، فالتقدير: خمرا ذات دهاق( صفاء)،
  • المعصورة؛ قالها القشيري.
  • وفي الصحاح: وأدهقتُ الماء أفرغته إفراغا شديدا، فيشرب المرء ما شاء له أن يشرب .

هذا في الشراب ،أمّا الطعام الدهاقُ: فهو ليِّنُه ، وطيبُه ورقته، وكذلك كل شيء لين؛ ومنه حديث عمر: لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكنَّ الله عاب قوما فقال: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" يقال هذا للكافر والمنافق ، أما المؤمن فنسأل الله أن يكرمه في الدارين. فلا تُذهبُ طيباتُ الدنيا طيباتِ الآخرة.

5- الكلامُ الصادق واللفظ اللطيفُ:قال تعالى "لا يسمعون فيها" في الجنة "لغوا ولا كذابا" اللغو: الباطل، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح.فيسمع المسلم جمال الكلام وحلوه وصِدقَه، فليس في الجنة ما ينغِّص.

إنَّ أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو؛ بخلاف أهل الدنيا. "ولا كذابا" فلا يُكذبُ بعضهم بعضا، ولا يسمعون كذبا.

  • "جزاء من ربك" وهو الثوابُ الجزيل من رب العالمين ،
  • "عطاء حساباً" وهو العطاء الكثيرُ والهبة من خالق كريم .
  • قال قتادة: أحسبت فلانا: أكثرت له العطاء حتى قاله حسبي. وذاك دليل على كثرة ما يأخذ حتى يقول: اكتفيتُ.
  • وقال الكلبي: حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشرا.
  • وقال مجاهد: حسابا لما عملوا، فالحساب بمعنى العد. أي بقدر ما وجب له في وعد الرب، فإنه وعد للحسنة عشرا، ووعد لقوم بسبعمائة ضعف، وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مقدارا؛ كما قال تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر: 10].
  • وقرأ أبو هاشم "عطاء حَسَّابا" على وزن فَعّال ، فكفاهُ؛
  • قال الأصمعي: تقول العرب: حسَّبتُ الرجل بالتشديد: إذا أكرمته.
  • وقرأ ابن عباس. "حِسانا" بالنون. فهو العطاء الحسَنُ من الله تعالى.

هذا بعض ما علِمْنا للمتقين عند ربهم في رضوانه ونعيمه ، وظنُّنا في الله سبحانه وتعالى العفو والغفران ، وهو أكرمُ مما نظنُّ ،فسلوه ، إنه سبحانه يحب عباده ويغمُرُهم بعطائه الذي لا ينفد.

وسوم: العدد 892