لو استجاب الإنسان لنداء الله

الوقوف على أبواب الحقيقة موقف سليم ، وخطوة مباركة للإنسان إذا ما اكتنف حياتَه الوعيُ ، وقبول الإنسان بهذا المنطق دليل سلامة سريرته وصفاء قلبه ، رغم كل أثقال الحياة التي تزيد من معاناته . فالإنسان الذي وٌهِب سلامة القلب ، والإصرار على الأخذ بمعطيات هذه السلامة لهو الإنسان العاقل الذي يفكر في عواقب الأمور كلها ، حيث يجد فناء الملوك ، واستسلام القيادات العليا للموت ، ونهاية كل شيء إلى فناء مهما ملك من قوة ، ومهما تمتع من جبروت . بل إن الحياة  الدنيا برمتها تشير بيدها إلى زوالها المحتم في يوم لاريب فيه . وهنا أذعن العلماء العظام لعظمة الله سبحانه وتعالى ، وسجدوا في محاريب جلاله وقدرته . فماذا يخشى الإنسان في هذه الدنيا ، وممن يخاف مادام كل شيءٍ فانٍ وزائل لامحال . والإنسان الذي خُلقَ وهو لايملك أي شيء ، سيرحل عنها وهو لايملك أي شيء . وإنما يملك اختياره الدنيوي ، وقد أراده الله له للنجاة والفوز بالخلود الأبدي في أكناف رحمة الله سبحانه وتعالى . فالله عز وجل خلق الإنسان وأعده لنيل تلك المنزلة العالية لديه ، والله سبحانه ليس بحاجة لأي مخلوق ، وكل مخلوق هو بحاجة لله ــ رغم أنفه ــ شاء أم أبى . وهنا تتجلى الرحمة الإلهية بالإنسان ، فالله سبحانه يريد الإنسان للإنسان نفسه من خلال منهج قدسي نزل به وحيٌ ، وأُرسل به أنبياء .

نودي إنسان ما إلى مجافاة مظاهر الدنيا الزائفة والزائلة ، ودخول موئل الخلوة مع الله لفترة ــ ولو قصيرة ــ فلبَّى ودخل الخلوة واطمأن إلى هبات الله له في لياليها الجميلات ، ونهاراتها الرائعات ، وقيل له اخرج إلى دنياك لِمـا خلقك الله له . فخرج طائعا وعيناه وقلبه وذاته تريد التشبث بأستار تلك الخلوة ، وتراءت له حوادث الزمان وتقلبات الأيام ، فعلم أن الأنس بالله أغلى مافي هذه الدنيا ، فاضطر إلى الولج في مناكبها والخوض في بحارها وتكبد مشاقها ، ولكنه لم يعبأ لعسر وإن اشتد ، ولا لمصيبة مهما عظمت ،  ولا لخطب أضنى فحول الرجال ، فهو يعلم علم اليقين أن الشدائد تزول كما يزول كل شيء ، ولكن يبقى الأجمل والأنفع وهو ثواب الله للصابرين المحتسبين ، ولأوليائه الأوفياء من عباده .

فذلك الإنسان الذي نودي من قبل الله ، فلبَّى النداء ، واستجاب لدعوة أرحم الراحمين ، نال أنوار السعادة وهو يعانق قرآن رب العالمين آناء الليل وأطراف النهار ، ويكثر من الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين فيشعر بلمسات المحبة النبوية تمسح عن ذاته آثار الأحزان ، بل إن الله الذي أحبه أمر أهل الأرض والسماء أن يحبوه ، فهل أغنى منه على وجه الغبراء ؟! وهكذا يسمو الإنسان ، فلا تغرنكم المظاهر الدنيوية بكل ألوانها وأشكالها ومكان استيرادها ، أين فرعون وهامان وقارون ؟ وأين النمرود ؟ وأين أبو جهل وأبو لهب وسيد المنافقين ، وأين كسرى الفرس ؟ وقيصر الرومان ؟ وأين أقوام نوح وهود وصالح وغيرهم من الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، كلهم ذهبوا ، وكل مَن عليها فان : ( ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) . أنل لم أتكلم عن أهوال القبر ، ولا عن القيام من القبور ، ولا عن جهنم وشهيقها وزفيرها ، ولا عن الصراط المنصوب على ظهرها . فحنانيك بنفسك أيها الإنسان قبل فوات الأوان ، وقبل أن تُطوى صحائف الأعمال . فعش أيهـا الإنسان صادقا مع ربك ، ولا يخدعك الشيطان الرجيم ، ويجرك إلى مهاوي الخذلان والفساد  والبهرج الفتان ،

نظرتنا تتغير مع مرور الأيام  لما حولنا من جهات لابد من التعامل معها ، و لأشياء نعايشها ، وأماكن نرتادها لسبب أو لآخر .  وأشخاص تربطنا بهم علاقات متنوعة ، ويبدو أن الإنسان طالما هو على قيد الحياة يقوم هو بعملية التغيير ، وربما يأتي التغيير من طرف آخر ، فقراراتنا الشخصية نغيرها حسب طبيعة ظروفها ، وأفكارنا الناتجة عن استنتاجاتنا قد نغيرها للأفضل بفعل تطور مالدينا من معرفة وخبرة ، وربما لتقويمها من خلال ما وقر في قلوبنا من مفاهيم ذكرناها آنفا ، وأخرى لم نذكرها ولا تغيب عن حياة الإنسان ذي العقل السليم .

والتغيير عملية ناتجة عن نُضْجٍ معرفي أو تفوق فكري  أو أي أمر آخر يقودنا إلى التغيير ، حيث تتضح الصورة لتكون جليَّةَ النتائج فيما لو كنا نسعى لشأن مـا في حياتنا . وربما نتخلّى عن أشياء ونتمسك بأخرى , نقترب من أشخاص ونبتعد عن سواهم . وهكذا هي سُنَّة التغيير في حياتنا كبشر . ولا عجب في ذلك ، فالحجر يتغيّر حين تعصف به عوامل الطبيعة فكيف بنا نحن ، معاناتنا من حال تجبرنا أحيانا إلى تغيير نمط معاملتنا معها ، والأيام مازالت وعاء لهذا التغيير الذي يلم بنا دائما أو غالبا ،  حقيقة هناك أيام نود لو باستطاعتنا محوها من حياتنا , وهناك أيام كم رجونا لو أنه تتوقف لنعيشها مدة أطول , ولكننا لا نملك الوقت وليس باستطاعتنا إيقافه هنا وتسريعه هناك . وكأنه لا خيار لنا سوى عيش الحياة كما هي والرضا بما قدره الله لنا , وبالصبر على مافيها من أحزان ، والاستمتاع على مافيها من أفراح ، هي الحياة كذلك تترك لنا ذكريات ترسم ابتسامة هنا .  وتُسقط دمعة هناك ، وغدها مجهول لايعلمه إلآ الله ، ولا يحيط بما قُدِّر فيه إلا هو سبحانه وتعالى ، أجل وهذه الحياة  نتشاءم من  صور ، و نتفاءل لرؤية صور أخرى تمنحنا شيئا من الطمأنينة  ، وعلى امتداد صفحة التغيير المديدة تبقى حقيقة واحدة واضحة جلية أمام أعيننا وهي الموت ، ودونه كل شيء مؤقت وله حدود ، مهما تبدل أو تغير ، فإن آمنَّا بذلك لانت أجنحتنا ، واكتسى رفيفها بالهدوء ، وعشنا الحقيقة التي ليس للإنسان أن يتخلى عما هي عليه .

تبقى للتغيير بعض الدوافع وبعض الأمنيات ، فلا بد من إحكام لعملية التغيير ، وإلا سيكون مصيرها الفشل والبوار  ، وتبقى مرارة الإخفاق شديدة على النفس التي كانت تعاني ، ثم ازدادت معاناتها بعد الإخفاق . لأن التغيير إن كان للفرد أو للأمة لابد له من وسائل وعزيمة وصبر ،  بل إن كان التغيير في الأمة فهو يعني الأخذ باستراتيجية واضحة ، ولها قواعد وأسس : ( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . حيث يكون التغيير ذا خطوات ثابتات ، وحيث يُستفاد من القوة الذاتية التي يملكها الفرد إن كان يخص ذاته هذا التغيير ، ومن القوة الذاتية للأمة إن كان التغيير يخص الأمة . وأمتنا تملك من القوى الذاتية للتغيير ما تملكه أي أمة من الأمم . إنها قيم سامية تستحث عزيمة الإنسان لكيلا تضيع عليه فرصة العمر ، وتستنهض  أيضا هِمَّـة الأمة التي آن لهــا أن تحدث هذا التغيير في عالم لايريد المتنفذون فيه  أن تتحقق  أمنيات الشعوب .

وسوم: العدد 989