صلة الأرحام باب من أبواب الجنة

تتنوع القيم الاجتماعية في حياة الناس ، وتأخذ الأخلاق الفاضلة  مكان الصدارة بعد إيمان بالله وعمل صالح بمقتضى هذا الإيمان . ولعل صلة الأرحام  لها مكانتها المرموقة في هذا المجال . وتبدأ صلة الأرحام من دائرة الأسرة  ، ثم مايليها من أعمام وعمات وأخوال وخالات ، ثم فروع هذه الأصول ، وصلة الأرحام عبادة فرضها الله على عباده ، وهي سُنَّةٌ نبوية حثَّ على القيام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .  وعدم الأخذ بها يعتبره الإسلام من الإفساد ، فهو مخالفة لأمر الله سبحانه ، وله العقوبة يوم القيامة . يقول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) . وفي آية أخرى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) . فمن الإفساد بين الناس  هجر الأرحام ، وعدم رعايتهم ــ إن كانوا في حاجة ــ وفي صلتهم تتجلى معاني الألفة والرحمة واجتماع القلوب ، إن مَن يصل رحمه يشعر بالسعادة ، وتغمره الطمأنينة ،  ويعض عمله هذا على الله عزَّ  فيُثيبه عليه . ففي الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( (إِنَّ أعمالَ بني آدمَ تُعْرَضُ علَى اللهِ تعالى عَشِيَّةَ كُلِّ خميسٍ ليْلَةَ الجمعَةِ، فلا يُقْبَلُ عملُ قاطِعِ رحِمِ) . وهذا هو الخسران المبين ، بل إن الخسارة العظمى أن قاطع الرحم محروم من دخول الجنة . يقول عليه الصلاة والسلام : (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ) . ولقد حذَّر النبيُّ 

صلى الله عليه وسلم  الأمة من عقوبة قاطع الرحم التي تنزل به في الدنيا والآخرة ففي الحديث : ( ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يَدَّخرُ لهُ في الآخرةِ من البَغي وقطيعةِ الرَّحمِ) . بل إنَّ العقوبة

تشمل رفاق قاطع الرحم الذين ربما يشجعونه على ذلك ، أو لاينصحونه ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لَا تنزلُ الرَّحْمَةَ عَلَى قومٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رحِم) . 

إن صلة الأرحام من الأعمال السامية ، وهي من قائمة الأخلاق العالية ذات الأهمية في حياة الأُسر وحياة المجتمع بشكل عام ، وهي دليل على تَمَكُّنِ الإيمان بالله في نفس المسلم والمسلمة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ) ... إنه الهَدْيُ النبوي للأمة ، تتألق فيه محاسن الأخلاق ، لتثمر أطايب الثمرات اليانعات في المودة والتكافل الاجتماعي ، وبالتالي تُنبذ بعيدا مساوئ الأخلاق ، وتتلاشى عوامل الإفساد في المجتمع . وفي ذلك تأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو يضع أمام أبناء المجتمع عامة ، وأمام مربي الأجيال بصورة خاصة قيمة هذه المزايا ، ومكانة هذه السجايا في إسعاد الناس ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلام) .  ونعود إلى هذه المزية المتفردة  بأهميتها في حياة الناس ألا وهي صلة الرحم ، لِمــا فيها من خير للفرد وللمجتمع ، من خلال سرد بعض الأحاديث الشريفة ، هذه الأحاديث التي تحيي مجد الأمة ، وتعيد لها مكانتها بين الأمم  ، ففي قراءتها ثواب ، وفي الأخذ بمضامينها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتِّباع سديد لتعاليم الإسلام ... ففيها بشائر من نبيِّنا صلى الله عليه وسلم :

*(ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها) .

*( مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). 

* ( إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ)

* ( من اتقى ربه ووصل رحمه نُسِىءَ في أجله وَثَرى ماله وأَحَبَّه أهلُهُ). 

* قالَ اللَّهُ: أَنا الرَّحمنُ وَهيَ الرَّحمُ، شَقَقتُ لَها اسمًا منَ اسمي، من وصلَها وصلتُهُ، ومن قطعَها بتتُّهُ). 

* (إِنَّ الصَّدَقَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ يَزِيدُ اللَّهُ بِهِمَا فِي الْعُمْرِ وَيَدْفَعُ بِهِمَا مَيْتَةَ السُّوءِ).

* (أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ).

* (أفضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ) .

* (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: "فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ")

* (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ).

وفي الختام إضاءة لِمَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد :

إِنَّ اللَّهَ يوصِيكم بِأُمَّهَاتِكُمْ ثُمَّ يوصِيكم بِأُمَّهَاتِكُمْ ثُمَّ يوصِيكم بِآبَائِكُمْ ثُمَّ يوصِيكم بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، أرحامكم أرحامكم.

وسوم: العدد 991