خواطر فؤاد البنا 817

يتساءل كثيرون عن سبب عدم ارتفاع الأصوات حتى بالصياح والعويل من قبل الأمة، رغم تضاعف الجروح والأوجاع في السنوات الأخيرة في سوريا واليمن والعراق ومصر وليبيا وسيدة الأوجاع فلسطين. ويبدو أن السبب هو أن الخلايا الحية في الأمة كلها تتعرض للاستئصال بطرق مختلفة فلم يعد يوجد من يتألم، فإن الإحساس ثمرة للحياة، ولن نشعر بأوصالنا التي تُمزّق ما لم نكن أحياء، ولن نحيا حتى نستجيب للنداء الإلهي: *{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.* وبالطبع هي الاستجابة العملية الشاملة، لا الاستجابة العاطفية المنقوصة.


يعيش عرب هذا العصر كالأسود من حيث الانفراد بعيدا عن بعضهم، بينما يعيش اليهود في قطعان متوحدة كالذئاب، ومن المعلوم أن الأسود أقوى من الذئاب، غير أن الوحدة تتفوق على القوة المنفردة!


إن أعداء الإصلاح معه في أمْر مَريج؛ حيث يتهمونه بأنه ترك اليمن وفرّ إلى فنادق الرياض والدوحة واسطنبول، وفي ذات الوقت هو من يحكم البلد وكوادره تزخر بها ألوية الجيش ومؤسسات الأمن، وحينما يحدث تراجع في جبهة ما يكون هو السبب. إنه من يحرض ضد الحوثي ويظهر الحرب بصورة طائفية ولو توقف عن المقاومة المسلحة والمواجهة الإعلامية لانتهت الحرب، وهو ذاته الذي يتآمر مع الحوثيين تارة ويحاورهم تارة أخرى. إنه  مسكين لا يفهم في السياسة ويتعامل معها بروح الفقيه والداعية وقد استُغفل مرارا من جهات عديدة، وهو ذاته شيطان السياسة الذي يتفجر براجماتية ويتلاعب بالجميع. لم يكن للإصلاح أي دور في ثورة فبراير تارة وتارة أخرى هو الذي استغل حضور شبابه الكثيف في الساحات للتحكم بالثورة، وهو نفسه من ركب الثورة وصادرها لصالحه، وهكذا فإن هؤلاء في أمْر مريج، وربما أن أحد أسباب هذا الخلط عدم وجود إعلام يفضح تناقضاتهم وتهافتهم، ثم إنهم لم يعملوا بنصيحة أحد فطاحلة الكذب التي تقول: إذا كنتَ كَذوباً فكُن ذَكوراً!


يَحمل بعضُ الإسلاميين عللَ مجتمعاتهم ذات التفكير الأحادي، ولذلك فإن هؤلاء لا يؤمنون بالتعدد إلا إذا كان متعلقاً بالزواج، حيث تجدهم ينكحون ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، وفي ما عدا ذلك فإنهم يسحبون مفهوم الوحدانية المتصلة بالعقيدة إلى كل شيئ، حيث يتبنّون الحزب الواحد والصوت الواحد والمزاج الواحد والاتجاه الواحد، ويريدون قَولَبة كل شيئ وإدخال الجميع تحت سقف التيار الواحد!


إن الحَقْنَ المتطرف للفرد بالحِسّ الاجتماعي يجعله حيواناً اجتماعياً مستَأنَساً، بمعنى أنه يعتنق ثقافة القطيع، ويميل إلى تفضيل العيش في زرائب العبودية على العيش حراً بعيداً عن القطيع، وفي الطرف الآخر فإن تقوية البُعد الفردي بعيداً عن قيم التعايش ومفردات الائتلاف؛ يجعل الفرد متوحشاً كالأسد، حيث يؤدي التفرُّد إلى بروز المخالب والأنياب، مما يغريه بالتوحُّش والافتراس!

*ولا شكّ بأن الحَلّ هو التوسط والاعتدال، حيث ينبغي للفردية أن تُبرِز المواهب والقدرات المميزة، بينما يؤدي الوعي الجَمعي إلى تقوية أواصر الائتلاف مع الآخرين، وإلى توظيف الكفايات ضمن المنظومة الاجتماعية بطريقة مبصرة.

وسوم: العدد 817