خواطر فؤاد البنا 857

انقضى عام من أعمارنا بما حملته أيامه من أفراح وأتراح، وبما اجترحته أيدينا من إنجازات أو إخفاقات، وبما حققته مجتمعاتنا من تقدم أو تأخر، وتقف في الباب سنة شمسية جديدة تنتظر منا أن نضع في تربة أيامها بذور العزم والأمل وأن نسقيها بعَرَق الدَّأب والعمل؛ حتى نستطيع مغادرة الانكسارات التي تعجّ بها حياتنا إلى الانتصارات التي تشتاق لها قلوبنا كما تشتاق الأجسام العليلة للعافية. اللهم أعنّا على ملئ أيامنا بالأعمال التي ترفع رأس أمتنا إلى ذرى المجد وقمم السؤدد. وبارك الله أيامكم أحبتي جميعاً.

***********************************

يخبرنا تَتَالي الأيام وتتابُع السنوات أن أمتنا قد أضاعت بوصلتَها وتنكّبت طريقها، وأنها قد بَطرت معيشتَها ولم تشكر من أعطاها كل تلك الآلاء، وتُعلمنا بأن كثيرا من المسلمين قد عميت عليهم الأنباء وتشابهت عليهم البقر، وأنهم بذلك قد حق عليهم قولُ من لا يُردّ بأسُه، وسيظل إعصار الذل يعصف بهم، ما لم تتبدّل تصوراتهم الشاذة وتتغير تصرفاتهم المنحرفة، فلِمَ لا نتعلم ونحن في مفترق عامين كيف نَفِرّ من الله إليه؟!

***********************************

يشهد كثير من المسلمين انقلابات هائلة في دواخلهم، وتسببت ثورة الجوانح في ظهور هذا الانقلاب المشهود في مجتمعاتهم، وعلى سبيل المثال تجد هؤلاء يحرصون على (النعومة) في أقوالهم وفي ثيابهم لكنهم يميلون إلى (الخشونة) في أفعالهم وممارساتهم السلوكية. وتراهم (يتشددون) في عوائدهم و(يتراخون) في عقائدهم. ولا يزالون (يثورون) كالبراكين من أجل ذواتهم و(يَهمدون) كالموتى إذا تعلّق الأمر بأمتهم!

***********************************

قال: كم أمسى الأحرار قليلين في أمتنا، فقلت: كم يحتاج المُربّون الأحرار من الأفكار المبتكرة والقيم الراقية والأعمال الدائبة؛ حتى يتكاثر الأحرار الذين صاروا مثل الكبريت الأحمر في مجتمعاتهم، وكم يحتاجون من جهاد غير ذات الشوكة حتى تتسع دائرة الطائفة القائمة بالحق في أمتنا الإسلامية، بعد أن غلبت عليها الغثائية وتسببت عيوبُها في تغلب الأعداء عليها!

***********************************

مهما ضيَّق علينا الأعداء الخناق وسلبوا منا بعض أسباب الحركة، ومهما أحكمت النوائب علينا الحصار؛ فسنظل بعون الله نتنفّس نسيم الأمل ونستنشق أريج الرجاء.

بارك الرحمن جمعتكم.

***********************************

لا يكفّ المرء القصير عن اجتراح التقصير، فقصيرُ الإرادة قريبٌ من جاذبية التراب، حيث الغرائز التي تعشق الشهوات، والنزوات التي تجري وراء الرغائب. إن حقائق الواقع تؤكد بأن المرء يمكن أن يطول ويتعملق بامتلاكه لعزيمة الترقي وترفّعه عن الدنايا، لكن ذلك لا يتحقق إلا  بالمجاهدة الدائمة للنفس الأمّارة بالسوء والمكابدة الدائبة للرغائب غير المشروعة.

***********************************

إن المحافظة على حياة النفس مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث ينبغي على المرء أن يحافظ على حياته بكل السبل المشروعة، من غذاء وكساء ودواء، بجانب وقايتها من الأخطار اليقينية والمحتملة، ولكن ليحذر من المبالغة في ذلك؛ لأن نفسه ستصبح حينئذ حيّةً تسعى، فتلدغ الضعفاء حتى تستلب مقومات حياتهم، لاعتقادها العليل بأن بقاءها مرهون بسلب بعض حقوق الآخرين؛ وحينما يصبح هذا الأمر ظاهرا في أي مجتمع تكون شريعة الغاب قد تسيّدت في ذلك المجتمع!

***********************************

وسوم: العدد 857