خواطر وجدانية ...

رسالة إلى غائب

مساء الخير سيدي :

 ولستُ أدري عن ماهية الوقت لديك ، فلا علم لي عن شمسك ولا قمرك ، ليلك ونهارك!

طالما أن لا قيمة للوقت لديك ، حتما يختلف عالمك عن عالمي .. وكثيرا جدا,

بداية اشتقتُ إليك كثيرا رغم أنك لم تفارقني منذ رحلت ، تلك الأوقات التي يصعب على سواك أن يشغلها لاتزال خاوية إلاّ من أثير عطرك الذي يحكي ألف قصة وقصة دون أي ملل . متلهف أنت لمعرفة حال من تركتهم بعدك .. بمن وبأي شيء أبدأ ، عائلتك لا زالت متألمه لرحيلك لكنها تعايشت مع حياة خالية منك ! رغما عنها ، بالنهاية لاشيء باق على حاله . فقد اعتادت وجودك مدة طويلة ، واتكلت عليك كثيرا بأمور أنجزتها.. وأخرى رحلتَ قبل أن تنجزها , تركتها إِرثًا لمن بعدك ... ومَنْ هو بعدك عاجز عن حملِ إرثها / عن إنجازها ! غريبة هي حياتك .. والأغرب تفاصيلها تلك التي خضتُها لأكتشف خبايا ترهق الفكر .. فأي قدرة كنتَ تملك لتتحمّل ما كنت تعيشه .

آه يا أنت ... صرتُ أعيش كل يوم كما لو أنه آخر يوم من حياتي .. فقدتْ الأشياء قيمتها بنظري فما عادتْ تهمّني .. وتغيّرت اهتماماتي .. ازدادت عزلتي وانعزالي .. وقلّ حديثي وما عدتُ أبالي بما كان يهمني ،، فقد ضاقت دائرة مشاعري ، واتسعت إنسانيتي .. تغيّرت مفاهيمي .. كما لو أنها نضجت بعد كل ما لحق بها وأصابها من بعد رحيلك .

كل يوم أضع نفسي بمكانك .. فأنظر لمن حولي بعين الغائب الحاضر ، أعانق طفلي كما لو كان عناقي الأخير وأقبّل يد أبي وأمي .. وأدعو الله كثيرا أن يغفر لي .. وأتصدّق قدر ما أستطيع لعلّ صَدَقَتِي تطفئُ نارَ خطاياي ... ثم أنتظر !

***

مشاعر مبهمة :

ومن أكثر الأشياء غرابة أن ما أوجعني بالأمس ماعدتُ أبالي به اليوم..

كل تلك الذكريات التي تراكمت منذ زمن . والتي عشتها بوقت مضى.. بعضها جعلني أبتسم والآخر أسقط دموعي... أقف اليوم أمامها جميعاً بمشاعر مبهمة !

كل ما خسرته بغتة ما عادت تهتز له مشاعري.. ومن المريب أكثر أن الكثير جداً من الأشياء حولي ما عادت تدهشني رغم عتمتها/// قبحها الفاتن!

أنصتُ طوال الوقت لتفاهات مَن حولي تلك التي ظاهرها منطقيا منمّقا..! وأكتفي بهز رأسي رغم أني وغالبا ــ أثناء المحادثة ــ أنصت لشيء/شخص آخر بمكان آخر بعيداً عن الزيف الذي يحدثني بتلك اللحظة...

رغم كل ما أوجعنا جميعاً بأيام مضت.. وكل تلك التغيرات/التحديثات التي طرأت على شخصيتنا/سلوكنا/أفكارنا.. إلاّ أن ((اللامكترثين)) لنهاية العالم باقون وبقوة حولنا يخططون لعيش الأبدية ... متناسين أن لا شيء مقدر لنا امتلاكه للأبد بعالم فان .

***

اسمحْ لي أن أغضب!

ليتقزّم الخوفُ بأعماقي ، وكي لا آبه بفزّاعات الطيور ــ القيود ــ التي تفقدني صبري

دعني أغضب ، لأستعيد قدرتي في خلق الأشياء من حولي … لأبكي , أضحك ,أجرّب وأتشكّل مع مَن حولي : دعني أغضبْ !!! وأطلق صواعقي لتنفّس عن يأس ما عدتُ أطيق مواراته : دعني أغضب !!! لأريح روحا استهلكها العذاب حتى باتت تستعذبه .

دعني أغضبْ ... فلربما تصل روحي لسفوح طموحها، فتصبح قادرة على الصمود بوجه الريح التي تعصف بها عكس مسارها .

دعني ... أحدثْكَ عن الأحزان …. فقد قلتَ لي يوما أنها كلما اشتدت وطأتُها ، واستوطنت مكارهها بقلوبنا ، وأحسسنا بضعفنا وانهزامنا أمام الحياة ، كلما اقترب الفرج ،وبعدنا عن القنوط وأتانا الغوث وابتسم الأمل …هكذا هي الحياة تقسو أكثر  لتفرج أكثر ، وتفرحنا أكثر وأكثر  ... وأقسم أنها ستفرج . ولا تعجب ، فقسمي هذا صناعةُ أزلية ، يصعب إبدالها مهما اكفهر مابيننا وبين فسحةالحياة التي أراها دائما وضيئة رغم ظلمة الأكدار .

وسوم: العدد 880