الخاطرة ٢٧٧ : النبي يوسف وعصر الأهرامات الجزء ٧

خواطر من الكون المجاور 

من يتابع سلسلة مقالاتي (النبي يوسف وعصر الأهرامات) من بدايتها وبنية نقية بعيدة عن أي نوع من أنواع التعصب ، سيجد أنها تبحث في مضمون الموضوع وليس في تفاصيل شكلها الظاهري ، فرؤية مضمون هذا الموضوع والإحساس به هو الذي سيساعدنا في تنمية الإحساس الإنساني في داخلنا وسيجعله فوق كل الإنتماءات ، وهو الذي  سيقوم في توحيد معالم وأحداث هذا العصر بما يتعلق من حوله وما قبله وما بعده لنحصل في النهاية على رؤية واضحة تساعدنا في فهم المخطط الإلهي الذي رسمه الله عز وجل في التطور الروحي والمادي للإنسانية بأكملها . فتطور الإنسانية يسير ضمن مخطط إلهي وليس عشوائيا يحدث عن طريق الصدفة  ، ولهذا يجب على كل شعب أن يكتب تاريخ شعبه بمنظار الحقيقة وليس بمنظار تعصب قومي أو ديني هدفه أن يجعل من شعبه وكأنه هو الذي صنع أرقى حضارة في تاريخ البشرية وأنه لولا حضارته لما استطاعت الإنسانية أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام . فكتابة التاريخ في الحقيقة هدفها الفصل بين أعمال أتباع روح الخير الذين ساهموا في ظهور الحضارة وتطور المعارف الإنسانية نحو الأمام ، وبين أعمال أتباع روح السوء الذين ساهموا في الإنحطاط ليعيدوا الإنسانية إلى الوراء . فالهدف الحقيقي لكتابة تاريخ الشعوب هو  توضيح دور كل شعب في تطوير الإنسانية في تلك المرحلة التي حمل فيها هذا الشعب نور الله ليساهم في تكوين حضارة عريقة لعبت دور محدد في مرحلة من مراحل المخطط الإلهي . وكذلك يجب أن يكون هدف كتابة التاريخ بحيث يتم فيه أيضا توضيح حقيقة أسباب الإنحطاط التي مرت بها بلادهم ، وكذلك أن يكون هدفها توضيح دور حضارات الشعوب الأخرى وتعاونها مع بعضها البعض في مواصلة المخطط الإلهي في تطور الإنسانية المادي والروحي . فبهذه النوعية من كتابة التاريخ يعلم الطالب في المدرسة منذ صغره أن الله هو إله شعوب العالم أجمع وليس إله شعبه فقط .فقط بهذه النوعية من كتابة التاريخ تسمح للطالب أن ينظر إلى الإنسانية كوحدة متكاملة فيأخذ حسنات شعبه وحسنات الشعوب الأخرى ليتحول إلى إنسان كامل صالحا للعودة إلى الجنة .

 إذا تمعنا جيدا في طريقة كتابة تاريخ مصر القديمة كما هي موجودة اليوم في كتب التاريخ التي تُدرس في مصر ، للأسف سنجد أنها مكتوبة بنوع من التعصب القومي حيث جعل أحداث هذا التاريخ عبارة عن أحداث عشوائية ، لا توضح مضمون تطور الأحداث فيها ، فتبدو وكأن هذه الأحداث قد حصلت جميعها بالصدفة وأنه لا وجود لأي تدخل إلهي يوضح لنا مكانة بلاد مصر في المخطط الإلهي رغم أن الله قد أرسل إلى هذه البلاد ثلاثة أنبياء (إبراهيم ، يوسف ، موسى ) عليهم الصلاة والسلام . وهذا هو في الحقيقة السبب الذي دفعني في البحث في أحداث مصر القديمة ونشرها في مؤلفاتي . فنوعية أبحاثي تتعلق بهذا النوع من الأبحاث التي تحاول أن تكشف المخطط الإلهي من خلال تفسير التعبير الروحي في الأشياء والأحداث ، أما الأمور المادية البحتة فهي لا تهمني على الإطلاق ، فأصل كل شيء بالنسبة لي هو الروح وبدونها فلا وجود هنالك لأي شيء . فعلى هذا المبدأ إعتمد الإنسان القديم واستطاع أن يجعل من نفسه مخلوقا فريدا من نوعه يختلف نهائيا عن جميع المخلوقات على سطح الكرة الأرضية فقط لأنه شعر بوجود مخطط إلهي يسيطر على كل شيء من حوله . 

 في المقالات الماضية من سلسلة (النبي يوسف وعلاقته بعصر الأهرامات ) شرحت ما حصل في تاريخ الإنسانية ما قبل ولادة يوسف وسبب وجوده في مصر ، وحتى تتوضح الأمور بشكل أفضل في فهم دور يوسف في مصر ، سأحاول في هذه المقالة شرح ما حدث بعد فترة زمن يوسف والذي كان سببا في أن يُرسل الله نبيه موسى عليه السلام لينقذ أتباع موسى من ظلم الفراعنة الذين حاولوا طمس آثار يوسف .

قبل أن أتكلم عن سبب ظهور موسى في مصر ، لا بد من شرح معلومة هامة جدا في سفر التكوين . في بداية هذا السفر سنجد أنه يذكر أسماء نسل آدم ، من آدم وحتى إبراهيم ثم بعدها يذكر ولادة إسحاق ، ومن بعده يعقوب ومن بعده يوسف ، ونجد أن قصة حياة يوسف الذي استطاع أن يرفع أبويه على العرش هي خاتمة سفر التكوين . فختام سفر التكوين بقصة يوسف ليست صدفة ولكن حكمة إلهية تحمل معنى روحيا ، فعدد الأجيال من آدم إلى يوسف هو (٢٣) جيلا . وهذا الرقم ليس صدفة أيضا فعنوان السفر هو (التكوين) وفي اللغة اليونانية (ΓΕΝΕΣΙΣ) وتعني الولادة، فعنوان السفر يعني تكوين الإنسان الجسدي والروحي ، لهذا كان عدد الأجيال من آدم حتى يوسف هو الرقم (٢٣) . فهو يمثل عدد الصبغيات الوراثية (كروموسومات) التي تحدد تكوين الإنسان كمخلوق بشري ، فهذا العدد يمثل عدد الآباء ، فإذا أضفنا له عدد الأمهات سنحصل على الرقم (٤٦) وهو عدد الصبغيات الوراثية في الإنسان . لهذا ينتهي سفر التكوين بقصة يوسف لأن هذا السفر يشرح لنا مراحل تطور تكوين الإنسان منذ طرد الإنسان من الجنة وحتى ظهور الإنسان كمخلوق يحمل في داخله ذلك الجزء الذي نفخه الله في جسد آدم ليتحول إلى مخلوق حي يختلف تماما عن جميع مخلوقات الكون بأكملها. فيوسف هو المثال النموذجي لذلك المخلوق الذي يحمل عدد صبغيات (٤٦) في تكوينه وسلوكه أيضا ، لهذا كانت ولادة يوسف - كما شرحنا في مقالات ماضية نهاية -  هو نهاية مرحلة التطور المادي (التين) في تطور الإنسانية وبداية مرحلة التطور الروحي (الزيتون) . 

الرقم (٤٦) الذي يمثل عدد الصبغيات الوراثية في الإنسان ، مذكور أيضا بطريقة رمزية غير مباشرة في الإنجيل . فاللغة الأصلية للإنجيل هي اللغة اليونانية،  وكلمة (آدم) في نظام الكابلا اليونانية (ΑΔΑΜ) لها قيمة رقمية تعادل (٤٦) . ولكن أيضا هذا الرقم هو القيمة الرقمية لكلمة إله (ΘΕΟΣ) في النظام البسيط للغة اليونانية ، فالمقصود بكلمة (إله) عند المسيحية أو في الحضارة الإغريقية ، لا تعني كما يفهمها المسلمون ، فهي تعني ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم ، فكلمة إله في اللغة اليونانية والإنجيل تعني روح آدم وليس (الله) الذي خلق آدم ، فروح آدم التي إنقسمت إلى قسمين بعد خلق حواء ، عندما خرجت من الجنة هي التي منها تم خلق كل شيء داخل الكون الذي نعيش به ، فعندما يقول المسيحي بأن عيسى عليه الصلاة والسلام هو إبن (الإله) يعني أنه إبن روح (آدم) الكونية ، فآدم هذا يختلف نهائيا عن الطبيعة البشرية الموجودة على سطح الأرض ، فالطبيعة البشرية التي نعرفها اليوم فيها شوائب كثيرة أتت من الخطيئة التي سببت في طرد الإنسان من الجنة . ولهذا يقول الحديث الشريف (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان، غير مريم وابنها) . فكلمة (إله) التي كانت تستخدمها الشعوب القديمة لم يكن قصدها الشرك بالله ، ولكن كانت تعبر عن صفة من تلك الصفات التي يحملها كل صبغي وراثي من الصبغيات ال(٤٦) في أنقى أشكالها ،  . هكذا أيضا كانت آلهة مصر القديمة ، فكل إله كان يعبر عن صفة معينة من صفات آدم الأول والذي تم تسميته بأسم (أوزريس) في معتقدات مصر القديمة ، أما إله (ست) الذي يمثل الشيطان فقد استطاع أن يخدع أوزريس وأن يأخذ العرش منه ، بمعنى أن يطرده من الجنة ، ولكن يوسف (الإله حورس) ابن أوزريس ، استطاع بمساعدة أمه الإلهة إسيس (حواء) أن ينتصر على الشيطان ويأخذ العرش منه ليحكم هو شعب مصر القديم . فعصر الأهرامات هو في الحقيقة رمز سيطرة حورس على العرش، وشعب مصر القديمة في عصر الأهرامات هو رمز لجميع شعوب العالم . فقوم يوسف هو ذلك الشعب الذي عاش في مصر والذي آمن بأن يوسف هو شخص مرسل من السماء فأتبعوا تعاليمه وساعدوه في بناء أول حضارة إنسانية روحية في تاريخ البشرية . لهذا فإن إتهام كل شخص يحاول أن يُثبت بأن مؤسس عصر الاهرامات هو النبي يوسف ، بأنه من أتباع الماسونية وأنه يحاول أن يجعل من اليهود بأنهم هم بناة الأهرامات ، فهذا الإتهام لا يُعبر  إلا عن عمى البصيرة في هؤلاء ، لأن بين النبي يوسف وظهور موسى أكثر من (١٥٠٠) عام ، وهذا يعني أن أبناء وأحفاد يعقوب قد إنصهروا بالشعب المصري وأصبحوا منهم . أما الشعب اليهودي الذي نعرفه اليوم فلم يكن لهم - أصلا - أي وجود في مصر في ذلك الزمان ، فاليهود كشعب قائم بذاته ظهر حوالي ثلاثة قرون بعد ظهور موسى عليه الصلاة والسلام فهم كانوا جزء من قوم موسى ، لهذا تم تسميتهم بأسم (يهود) نسبة إلى (يهوذا) أحد أبناء يعقوب ، فكلمة (إسرائيل) هي كلمة رمزية تحمل في مضمونها أسم آدم ، فبني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى من مصر هم في الحقيقة شعب عالمي ، كان يتألف من العديد من القوميات ونسبة كبيرة منهم كان من الشعب المصري . فما يهمنا هنا هو أن يفهم الشعب المصري اليوم أن مؤسس عصر الأهرامات هو النبي يوسف،  وهو لم يكن مصريا ولكن أتى من الشرق ، لأن بلاد مصر تقع في أفريقيا وهذه القارة تُعتبر قارة غربية وأن دور القسم الغربي في تطور الإنسانية هو دور مادي وليس روحي . النبي يوسف يُعبر عن إنتصار حورس ابن الإله أوزريس على ست الذي يُمثل الشيطان ، وعصر الأهرامات ليس إلا رمزا يعبر عن مقدرة الإنسان على إلغاء القوانين المادية التي تمتلكها جميع مخلوقات الأرض . 

ولهذا كان ولا يزال عصر الاهرامات بمثابة معجزة عجزت العقول البشرية في فهم ألغازها . وسبب عدم تفسير هذه الألغاز حتى الآن هو بسبب عدم فهم دور يوسف في مصر . لهذا سنحاول هنا أن نستعين بقصة موسى عليه السلام لتساعدنا في فهم حقيقة ما حصل من تشويه في تعاليم يوسف والذي سمح لأتباع الإله ست المصري (رمز الشيطان) في السيطرة على الحكم في مصر والذي أدى إلى تحويل أسم هؤلاء الحكام من ملوك إلى فراعنة . إذا حسبنا عدد السنوات من خلق آدم إلى خروج موسى مع قومه من مصر كما هو مذكور في سفر التكوين وسفر الخروج ، سنجد أن مجموع السنوات يعادل الرقم (٢٦٦٦) ، هذا الرقم هو رقم رمزي ، وهو يُقسم إلى قسمين : الأول هو الرقم (٢) والذي يمثل رمز العين  في الإنسان ، والثاني هو الرقم (٦٦٦) ويمثل رمز أتباع روح السوء (الأعور الدجال) ، بهذه الطريقة الحكمة الإلهية من خلال الأرقام المذكورة في سفر التكوين وسفر الخروج تخبرنا بأن ظهور موسى في مصر كرسول من الله كان  بسبب تحول حكام مصر في تلك الفترة إلى أتباع أعور الدجال وليس أتباع النبي يوسف .

أيضا هذا المعنى الرمزي يفسر لنا سبب حدوث التدخل الإلهي في مصر لإنقاذ أتباع يوسف ، حيث نجد أن الرموز في الآثار التاريخية التي تركها لنا الشعب المصري القديم توافق تماما هذا المعنى . ففي تاريخ مصر القديمة نجد أنه هناك فقط وزيران إثنان فقط من جميع وزراء مصر القديمة تم رفعهما إلى مرتبة الإله .الأول هو الوزير أمحوتب الذي بنى أول هرم وهو النبي يوسف ، أما الوزير الثاني فقد ظهر في فترة اﻷسرة الثامنة عشر وهو الوزير أمنحتب والمعروف أيضا بإسم ( إبن حابو ) . إن ظهور هذا الوزير الذي جعل المصريين القدماء أن ينظروا إليه وكأنه بنفس مستوى أمحوتب (يوسف) من حيث المكانة والمعارف في الأسرة التي تحمل الرقم (١٨) ، ليس صدفة ولكن علامة إلهية ، فالرقم (١٨) هو رمز ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم،  والذي عليه تم اعتماد الرموز الروحية في الأبنية المصرية القديمة (الهرم والمسلة) حيث شكل الهرم يمثل الرمز (٨) ، والمسلة تمثل الرمز (١) . فمثلما كان يوسف من طبقة العبيد ولكن تعدد مواهبه ومعارفه جعلته يرتقي إلى منصب وزير الدولة ، هكذا أيضا كان الوزير ( إبن حابو ) فهو كان من عائلة فقيرة ولكن بسبب تعدد مواهبه ومعارفه استطاع أن يصل إلى منصب وزير الدولة ، فهو الذي صمم التمثالين الضخمين المعروفين بإسم ( تمثالا ممنون) وهما مشابهان تماما لتمثال الملك سوزير  الذي تم نحته في عهد يوسف ، ولكن بأحجام ضخمة جدا (بإرتفاع حوالي 20 متر ). فالشعب المصري إنبهر من طريقة صنع هذه التماثيل الضخمة ونظر إليها وكأنها  معجزة، ولكن روحيا اﻷمر مختلف تماما ، فتمثال سوزير هو رمز لآدم الذي تاب عليه الله وأعاده إلى الجنة ، لذلك نجده جالسا في غرفة مغلقة ينظر من خلال ثقب في الحائط وكأنه ينظر إلى البشرية من هناك وينتظر قدوم أبنائه إليه ، أما تمثالا ممنون فيعبران عن الشيطان وإبنه الأعور الدجال والذي أخذ دوره هنا هو نفسه الوزير إبن حابو الذي أصبح ( يوسف الدجال ).  

والله عز وجل ترك لنا علامة إلهية تؤكد على صحة معنى هذه الفكرة فقد حدثت ظاهرة غريبة في القرن اﻷول قبل الميلاد حيث  حدث زلزال أدى إلى تصدع  التمثالين فحدثت شقوق بالتمثال اﻷيسر فكان مرور  الهواء في هذه الشقوق في  الصباح الباكر عندما تكون مشبعة بالندى ، يجعلها تصدر صوت وكأنه بكاء إنسان ، فذهب البعض وزعموا  بأنه بكاء ملك اليونان اﻷسطوري أغاممنون الذي تزعم الجيوش اليونانية في حرب طروادة .ولكن الحقيقة هي أن هذا الصوت هو رمز لبكاء الشيطان لما أصاب ( إبنه ) فرعون وجنوده بسبب خسارتهم في مواجهة موسى لمنعه من الخروج مع قومه من أفريقيا رمز ( بلاد الشيطان). 

 أيضا هناك شيء مشترك بين فترة عصر الأهرامات واﻷسرة الثامنة عشر ، ففي بداية عصر الأهرامات نجد  أن ظهور الوزير إمحوتب ( النبي يوسف ) قد اعطى وجها حضاريا جديدا للبلاد ، وأيضا في نهاية اﻷسرة الثامنة عشر نجد وبشكل فجائي ظهور ديانة توحيدية جديدة حاولت أن تلغي جميع اﻵلهة لتضع بدلا منها إلها واحدا وهو إله أتون ( إله النور ) ، وإذا تمعنا جيدا في تعاليم هذه الديانة نجدها مشابهة كثيرا لتعاليم الديانات السماوية وخاصة اليهودية ، فقبل ظهور هذه الديانة الجديدة في فترة الأسرة الثامنة عشر نجد أن بعض الكهنة كانوا قد دمجو الإله (أمون) مع الإله (مين) ، والإله (مين) يعتبر رمز الشهوة الجنسية ، ولهذا شكله في النقوش والرسومات الجدارية يظهر بقضيب ذكري منتصب ، فهذا الدمج بين الإله آمون والإله مين جعل وكأن جميع الآلهة المصرية تحت قيادة الإله مين رمز الشهوة الجنسية ،بينما كان العكس تماما في عصر الأهرامات حيث نجد أن أهم صفة من صفات يوسف كانت العفة ، ولهذا نجد أن معظم الأميرات في عصر الأهرامات كن يحملن أسم (نيث) ، حيث كلمة (نيث) هو أسم إلهة تحمل لقب (الأم العذراء العظيمة) ، وإذا تمعنا جيدا في صفاتها ودورها سنجد أنها مطابقة لصفات ودور الإلهة اليونانية (أثينا) إلهة الحكمة . فهذه الإلهة كانت من أهم آلهة عصر الأهرامات ، حيث تقوم بالمساعدة في تجديد الخلق  ، أي بمعنى تجديد وتطوير التكوين الروحي للإنسانية ، وهو نفس الدور الذي لعبه يوسف في تلك الفترة الزمنية ليحول التطور من تطور جسدي (مرحلة التين) إلى تطور روحي (مرحلة الزيتون) . والحكمة الإلهية أشارت إلى دور الإلهة (نيث) في سفر التكوين ، حيث نجد أن زوجة يوسف اسمها (اسنات) ، وأصل هذا الأسم هو (اثنات) لأن اللغة العبرية لا تحوي على الحرف (ث) لذلك تحول حرف (ث) إلى (س) فأصبح (اسنات) ، فأكبر معبد للإلهة (نيث) في مصر يقع في مدينة أسمها (اسنا) والذي يشابه كثيرا أسم (اسنات) وهذا الأسم مصدره الحقيقي هو (نيث) لأن لفظ الكثير من الكلمات في اللغة المصرية القديمة تم قراءتها بشكل عكسي  بدلا من أن يكون من اليمين إلى اليسار تم قراءتها من اليسار إلى اليمين أي يمكن قراء أسم (نيث) ايضا بالشكل (ثين) ومنها تحول إلى أسم (أثينا) حيث حرف الألف هنا حرف إضافي للتأنيث . فإسم (اسنات) زوجة يوسف هو في الحقيقة حكمة إلهية ، فهذا الأسم يجمع بين أسم (نيث) المصري مع أسم (أثينا) اليوناني ، وإذا تمعنا جيدا في إسطورة ولادة الإلهة (أثينا) سنجد أن ولادتها قد حدثت بطريقة غريبة جدا عن الولادة الطبيعية ، حيث خرجت من رأس(ذيوس) كبير الآلهة في الديانة الإغريقية ، وهي مرتدية ثياب الحرب ، والحرب هنا لا يعني القتال بالسلاح ، ولكن القتال بالفكر والحكمة . فزوجة يوسف هي في الحقيقة إمرأة رمزية تعبر عن الشق الإنثوي في يوسف لأن يوسف أصلا لم يتزوج ، مثله مثل عيسى عليه الصلاة والسلام ، بمعنى أن الإلهة (نيث) وكأنها ولدت من رأس يوسف كما حدث مع آدم عندما ولدت حواء من ضلعه . 

 القرآن الكريم باستخدام تلك الطريقة التي ظهر بها الرقم (٢٧٤٣) والذي يعني (عين الحكمة) ، يتعاون مع أرقام سفر التكوين وسفر الخروج في توضيح سبب ظهور موسى في مصر ، حيث القرآن يعطينا الرقم (٢٧٤٣) والذي يعني (عين إلهة الحكمة) ، بينما سفر التكوين وسفر الخروج يعطينا الرقم (٢٦٦٦) ويعني (عين الأعور الدجال) الذي استطاع أن يحل محل النبي يوسف في نفوس السلطة الحاكمة في مصر . فالثورة الدينية التي حدثت في الاسرة الثامنة عشر في عهد الملك أخناتون ، والتي قامت  بإلغاء جميع الآلهة القديمة لتضع بدلا منها إله واحد وهو الإله آتون ، كانت بمثابة إعادة العقيدة الدينية على ما كانت عليه في عهد النبي يوسف (العفة والسلام) .  إذا تمعنا في جميع قوائم ملوك مصر القديمة التي تركها لنا المصريون القدماء ، سنجد أن جميعها لا تذكر أسم الملك أخناتون ولا أسم من اتى بعده في الإسرة الثامنة عشر ، وكأن هذه الحقبة كانت بالنسبة لهم أكبر عار في تاريخ بلادهم . حتى الآثار التي خلفها أخناتون وما بعده ، دمروها نهائيا فلم يبقى منها أي أثر يجعل الشعب المصري يعلم بوجودهم  بعد نهاية الاسرة الثامنة عشر . ولكن كما تقول الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) الحجر} . ففي القرن الأول قبل الميلاد عندما حدث ذلك الزلزال الشديد والذي أحدث شقوقا في تمثالا ممنون ، فقد أدى أيضا إلى إنهيار بعض جدران المعابد المصرية القديمة في طيبة ، وفي القرن التاسع عشر لاحظ بعض علماء المصريات أن القسم الأسفل لكثير من حجارة جدران هذه المعابد التي إنهارت تحمل نقوش لملك مجهول يُدعى أخناتون ولملكة مجهولة تُدعى نفرتيتي . 

علماء الآثار في نهاية القرن تاسع عشر ، استغربوا عدم وجود ذكر أي قائمة للملك اخناتون وزوجته نفرتيتي ، فوجود تلك النقوش على تلك الحجارة الضخمة التي تذكر أسمائهم كانت دليل على أن فترة حكمهما كانت فترة إزدهار كبير . والغريب في الأمر أيضا أن عدد النقوش التي تذكر أسم نفرتيتي كانت أكثر من تلك التي تذكر أسم زوجها اخناتون ، حتى جعلتهم يظنون أن الحاكم الفعلي لتلك الفترة كانت نفرتيتي وليس أخناتون . وزادت حيرتهم في عام ١٩١٢ عندما تم إكتشاف تمثالها الرأسي الذي يظهرها بعين واحدة وهي العين اليمنى (الصورة) ، فظنوا في البداية بأن هذه الملكة كانت عوراء ، ولكن بعد إكتشاف آثار أخرى عنها علموا تماما بأنها لم تكن عوراء ، فإسمها نفرتيتي يعني (الجميلة قادمة إلينا) ولكن تمثالها الذي تم تصميمه بشكل مقصود بعين واحدة ، جعل هذا التمثال من أغرب ألغاز آثار مصر القديمة . فهذا اللغز لا يمكن تفسيره إلا بفهم الرقمين : (٢٦٦٦) المذكور في سفر التكوين وسفر الخروج ، والرقم (٢٧٤٣) المذكور في القرآن الكريم . فهذا التمثال الرأسي لنفرتيتي هو من وحي إلهي وهو رمز روحي له معنى أن نفرتيتي هي التي اختارها الله  لتأخذ دور الإلهة (نيث - أثينا) لتواجه فراعنة مصر الذين جعلوا الإله مين رمز الشهوة الجنسية الرب الأعلى لهم . نفرتيتي هي التي إلتقطت موسى الرضيع من النهر فأخذته في حمايتها لتربيه وترعاه لُيقوم بإخراج أتباع النبي يوسف من مصر .

علماء المصريات اليوم يظنون أن الثورة الدينية الفجائية التي حصلت في عهد الملك  أخناتون بأنها من صنع هذا الملك ، ولكن الحقيقة أن هذه الثورة كانت من صنع الملكة نفرتيتي ، فزوجها أخناتون في الحقيقة كان رجلا بسيطا في شخصيته ومعارفه ، ولكن بسبب حبه الشديد لزوجته نفرتيتي وإعجابه بجمالها وفكرها ، ترك لها مسؤولية إدارة أمور الدولة كما حصل تماما مع يوسف عندما سلمه ملك مصر إدارة جميع أمور البلاد  ، فكان أول ما فعلته نفرتيتي هو تلك الثورة الدينية التوحيدية . 

 إسم نفرتيتي - كما ذكرنا - يعني ( الجميلة قادمة إلينا  ) وإذا تمعنا في معنى هذا اﻹسم نجده مشابه نوعا ما لمعنى إسم إمحوتب ( الذي جاء بالسلام ) ، فكلا اﻹسمين فيهما صفة المجيء ( جاء - قادمة ) ، هذا التشابه في المعنى ، ليس صدفة ولكن علامة إلهية تشير إلى أن  كلاهما  قد جاءا من مكان آخر من خارج بلاد مصر .لذلك الحديث  الشريف يذكر إسمها آسية (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية إمرأة فرعون ومريم ... إلخ الحديث ) فإسم (آسية) المذكور في الحديث الشريف ليس إسمها الحقيقي ولكنه إسم رمزي يُعبر عن مكان ولادتها أي قارة آسيا المسؤولة عن تطوير العلوم الروحية . لذلك  نجد أيضا أن نفرتيتي عند استلامها للحكم تختار منطقة جديدة لتبني فيها مدينة (أختاتون) لتكون كعاصمة جديدة لبلاد مصر، وهذه المدينة معروفة اليوم بإسم تل عمارنة ، ﻷن القبيلة التي سكنت بقربها بعد خربها ، كان إسمها العمارنة من إسم زعيمها (عمران) ، وهذا اﻹسم ليس صدفة ، فهو أسم والد مريم العذراء عند المسلمين ، ومصدر هذا الأسم من كلمة (عمارة) وهو أيضا رمز ﻹبراهيم الذي بنى اول مصطبة في مصر وأيضا رمز ليوسف الذي بنى أول هرم في التاريخ . 

هناك صفة مشتركة أخرى بين يوسف ونفرتيتي وهي الجمال ، فكما هو معروف عن النبي يوسف بأنه كان آية في الجمال ، وكذلك نفرتيتي كانت تعتبر هي اﻷخرى آية في الجمال لذلك كان معنى إسم نفرتيتي يعني ( الجميلة قادمة إلينا ) . فالتمثال الرأسي لنفرتيتي يُعتبر من أجمل تماثيل مصر القديمة والذي جعل نفرتيتي من أشهر نساء العالم القديم ، فحتى أن قصة اكتشافه وخروجه من مصر إلى ألمانيا حدثت بطريقة غير مألوفة ، فالعالم الألماني لودفينج بورشاردت عندما عثر على هذا التمثال ، شعر نحوه بشعور غريب جعله لا يأبه لجميع القوانين التي فرضتها الحكومة المصرية على علماء الآثار الأجانب ، فنجده يخفي التمثال ويحمله معه ويخرج من مصر دون علم أحد من المسؤولين المصريين ، رغم أنه كان يعلم تماما بأن فعلته هذه ستمنع أي عالم ألماني من المشاركة في البحث عن الآثار في مصر لمدا طويلة الأمد ، وكأن هذا التمثال بالنسبة للعالم الألماني كان أعظم إكتشاف تاريخي في تاريخ مصر بأكمله . إن وجود تمثال نفرتيتي في ألمانيا حتى الآن رغم جميع محاولات الحكومة المصرية في استرداده ، ليس صدفة ولكن علامة إلهية تؤكد لنا بأن علماء الآثار المصريين اليوم بنوعية كتابتهم لتاريخ بلادهم هم من أتباع الفراعنة وليسوا من أتباع النبي يوسف ، ولهذا فهم لا يستحقون أن يتواجد تمثال نفرتيتي في متاحفهم . فإذا تمعنا في جميع الكتب التاريخية المصرية في مصر التي تتكلم عن الملكة نفرتيتي سنجد أن معظمها يؤكد على أن نفرتيتي أصلها مصري . بينما إذا بحثنا في المصادر الأجنبية سنجد أن معظمها  يؤكد على أنها أجنبية أتت من شمال سوريا . فللأسف التعصب القومي في علماء مصر رغم أنهم مسلمين أو مسيحيين ، جعلهم يقومون بتحريف تاريخ مصر القديمة ليجعلوا قصص الأنبياء (إبراهيم ، يوسف ، موسى) عليهم الصلاة والسلام ، وكأنها قصص خرافية .

 الملكة نفرتيتي مثلها مثل الوزير أمحوتب (يوسف) فهي أيضا تعتبر أكبر لغز محير في تاريخ البشرية ، ففي بداية حكمها كانت تلقب بأجمل اﻷلقاب ، ولكن فجأة نرى اﻷمور تنقلب رأسا على عقب  حيث تم محي إسمها من السجلات التاريخية وتم تشويه صورها في كل مكان ونجد لقبها يتحول إلى ( الكافرة ) ، والسبب ﻷنها هي التي  ألغت جميع اﻵلهة المصرية  القديمة وأتت بدلا منها ديانة أتون الجديدة وكذلك لكونها قد خدعت الأسرة الحاكمة بجلب الطفل موسى لتجعله وكأنه فرد من أفراد الأسرة الحاكمة .

 الكثير من علماء اﻵثار اليوم يبحثون عن قبر ومومياء الوزير أمحوتب وقبر ومومياء نفرتيتي ولكن  حتى اﻵن لم يجدوا أي أحد منهما ولن يجدوهما ﻷن نفرتيتي خرجت مع قوم موسى الذين حملوا جسد يوسف معهم . نفرتيتي ماتت خارج مصر ولم يحنط جسدها ﻷن ديانة موسى الجديدة كانت تحرم التحنيط. من اﻷشياء الهامة أيضا  التي أصبحت رموزا روحية تربط اﻷسرة الثامنة عشر مع يوسف هي العفة ، فكما تذكر الكتب المقدسة عن يوسف بأنه فَّضل السجن  على مجامعة امرأة سيده  كدليل يؤكد على صفة العفة في تعاليم يوسف، ولكن في مومياء توت عنخ أمون الفرعون الذي أخذ العرش من نفرتيتي ، نجد أن أثناء تحنيطه قد تم حشو العضو الذكري ليبدو في حالة إنتصاب ، فما حصل في تحنيط توت عنخ آمون  ليس صدفة  ، فمهما كانت اﻷسباب التي جعلت عمال التحنيط يقومون بهذا العمل ، يبقى اﻷمر حكمة إلهية هدفها توضيح التناقض بين عقيدة يوسف ونفرتيتي التي تعتمد على العفة ، وبين عقيدة توت عنخ أمون والفراعنة والتي تعتمد على الشهوة  الجنسية ، حيث في تلك الفترة  أعطوا الإله مين رمز الشهوة الجنسية أهمية كبيرة في عقيدتهم . ربما البعض يعتقد أن ما ذكرته هنا عن نفرتيتي وعلاقتها بالنبي يوسف هو مجرد تشابه في بعض الأمور التي حصلت بالصدفة ، ولكن الحقيقة غير ذلك فهذا التشابه في العلاقة  هو حكمة إلهية ، فقصة حياة نفرتيتي تم ذكرها بشكل رمزي في أحد أسفار التناخ وهو سفر (أستير) . ورغم أن جميع علماء الديانتين اليهودية والمسيحية قد بحثوا في هذا السفر بشكل تفصيلي ولكنهم لم يشعروا بوجود أي علاقة بين أستير ونفرتيتي ، والسبب هو انهم استخدموا في بحثهم زاوية واحدة تتعلق بتاريخ الشعب اليهودي في القرن الخامس قبل الميلاد ، بينما الحقيقة فإن قصة أستيرهي رواية تاريخية رمزية من وحي إلهي لا علاقة لها بيهود القرن الخامس قبل الميلاد ، ولكنها تشرح لنا بشكل رمزي عن دور يوسف في مصر ودور نفرتيتي في خروج قوم موسى من مصر . ولهذا نجد أن بعض علماء الكتب المقدسة يعتبرون أن سفر (أستير) بمثابة سفر الخروج الثاني ، حيث سفر الخروج الأول يتحدث عن خروج قوم موسى من مصر .

 في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن سفر أستير ونشرحه بشكل مفصل ، فسفر أستير يوضح لنا دور نفرتيتي في مصر القديمة كما حدده الله عز وجل.

وسوم: العدد 914