في صفقة القرن شركاء، خبثاء .. جبناء .. ضعفاء

رسالة المنبر ٣١-١-٢٠٢٠م

المحاور

???? بكل وقاحة وصفاقة وجه، وفي مشهد من مشاهد العربدة والعنجهية يعلن رأس الكفر والعهر والاستبداد العالمي ما يسمى بصفقة القرن، تلك التي تحكي تصفية القضية الفلسطينية بشكل يرضي الكيان الصهيوني الغاصب، ودون أدنى مراعاة لشعور قرابة الملياري مسلم تتعلق أفئدتهم بمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

???? لم تكن تلك الصفقة وليدة يوم وليلة، بل هي نتيجة مكر وكيد طويل، تولى كبره الصهاينة، مستمدين قوتهم بحبال من الناس باعت نفسها لهم، وأصبحت مطية لمخططاتهم، وأداة قذرة من أدواتهم، وقد سبق تلك الصفقة صفقات، ومواثيق ومعاهدات واتفاقيات؛ باع فيها بعض الأعراب ما تبقى من كرامتهم ونخوتهم بعد أن جحدوا نعمة الله عليهم، وانسلخوا من دينهم وعقيدتهم.

ومن يَهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

???? لا يمكننا أن نلوم رأس الكفر والعهر العالمي لأنه يعتبر نفسه يقوم بواجبه تجاه أسياده الصهاينة، ولا يمكننا لوم الصهاينة لأنهم يعتقدون أنهم ينالون حقهم في استعادة هيكلهم وبناء دولتهم .. ولاشك أنهم يعلمون بأنهم أدعياء كاذبون، فهم أدرى الناس بأساليب خداعهم وغشهم وتزويرهم، قال تعالى في حال كل مُدرِك مميِّز للحق، جاحد له "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (النمل: 14).

???? إن عقيدة المسلم لا يزلزلها استبداد مستبد ولا ظلم ظالم، فوعد الله أثبت وأقرب وأصدق من وعود المجرمين لبعضهم، ووعيد الله تعالى أثبت وأقرب وأصدق من وعيد المجرمين بالبقية الباقية من المصلحين والمجاهدين، ونحن على ثقة ويقين بأن صفعة ربانية قوية ستسبق تحقق صفقة خبيثة تستهدف مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وتستقوي على سلاح المجاهدين، وتنوي تعكير دماء الشهداء الأبرار، قال تعالى: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).

???? إن نجاح صفقة القهر والعهر مرهون بتعاون أثيم بين تحالف قبيح يجتمع له:

???? الخبثاء؛ (رأس الكفر العالمي وأسياده الصهاينة).

????والجبناء؛ (من بعض زعمائنا وأمرائنا ومرضى القلوب فينا الذين قال الله فيهم: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة: 52)).

????والضعفاء؛ (منا ومن أهلنا وإخواننا الذين يتذرعون بالضعف ويحتجون بقلة الحيلة، فيسكتون على الخيانات .. والضعف المتوهَّم المغشوش لا يعفي أصحابه من المسؤولية، وصدق الله:" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" (النساء: 97).

???? إننا نعيش اليوم في مشهد أقرب ما يكون إلى غزوة الأحزاب، وقد تحالف الخبثاء من اليهود، مع الجبناء من قريش وغطفان، مع الضعفاء من منافقي المدينة؛ بقصد استئصال وجود الإسلام والمسلمين من المدينة، ولكن (وللأسف) يغيب عن هذا المشهد الصعب المهيب؛

????قيادة شجاعة غيورة على البلاد والعباد.

????وبطانة كريمة تشير على تلك القيادة بفكرة تشبه فكرة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق.

????وعين مفتوحة تحرس الأبناء وتأتي بخبر الأعداء (وليس العكس؛ تحرس الأعداء وتأتي بخبر الأبناء).

???? إن ما نلمسه من حماسة لدى بعض زعامات دول الخليج نحو صفقة القرن، وشهود بعض سفرائها حفل إشهارها؛ ليذكرنا بقرن الشيطان الذي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من نجد، فقد روي ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري ومسلم، ولا نجزم بأن القصد بصفقة القرن؛ قرن الشيطان، وإن كنا ندرك بأن تلك الصفقة من عمل الشيطان.

???? إن عملية إدارة العالم اليوم تقودها مجموعة من التجار تبيع وتشتري في مصائر الناس، دون رقيب ولا حسيب، وذلك ظاهر للعيان، وما استخدام عبارة (صفقة) إلا دليل على أن الحكاية حكاية بيع وشراء في المقدسات والأعراض والتاريخ والجغرافيا والدماء، ولا يفلح تاجر الدماء والأشلاء حيث أتى، وصدق الله: "فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" (يونس: 81).

???? إن رب العزة سيهين ولن يكرم، وإن التاريخ سيفضح ولن يرحم؛ تلك الزعامات التي رضيت بتلك الصفقة المشؤومة في السر أو في العلانية، خوفاً على كراسيها، وطمعاً في كسب ود من يعلفها ويعطيها .." وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" (الحج: 18).

???? إن من الضعف والعجز والخور أن ننتظر فرج الله بنا، وانتقامه من أعدائنا؛ دون أن نأخذ بالمتاح من أسباب دفع البلاء والنصر على الأعداء، في حين يدعونا الله تعالى لأن نأخذ بالأسباب الموجودة حتى يمنحنا الأسباب المفقودة، قال تعالى:" إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا" (الكهف: 85)، ولعل من أسباب الخروج من تلك السلبية في التعامل مع تلك الصفقات والمعاهدات القبيحة ما يأتي:

١. تمكين توحيدنا وثقتنا بربنا، واعتزازنا بديننا، والتفافنا حول سنة وسيرة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

٢. تمكين صلتنا ببعضنا، والتقائنا على الجوامع الكثيرة بيننا، وتغاضينا عن أسباب فُرقننا وشتاتنا.

٣. تكثيف أسباب القوة بصورها وأنواعها (قوة الإيمان، والفكر، والعلم، والمال، والعلاقات، والأمن، والسلاح، والصناعة، والزراعة، وغيرها ..).

٤. تعرية وكشف المنافقين، والمدسوسين، والمذبذبين، والأدعياء، والمغسوشين، والحذر منهم، قال تعالى: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (التوبة: 47).

٥. تقوية مواقف الأمراء والعلماء والنخب والجماعات والتكتلات المنحازة لقضايا الأمة، واحتمال شيء من الضعف أو الخطأ في اجتهاداتهم، طالما أن خيرهم يغلب شرهم، وصلاحهم يزيد على فسادهم، فالكمال لله، واستثمار الموجود أولى من التنقيب على المفقود، لاسيما في ظروف دقيقة وتسارع في الأحداث.

????وختاماً????

لقد تعددت وتعاظمت وتشعبت قضايا أمتنا، ولكن الجميل في المشهد على الرغم من مرارته وقسوته، ذاك الوضوح الذي لم يُبقِ ورقة توت على سوأة مخفية إلا وأسقطها "لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 42).

ومن الجميل في المشهد كذلك أن أسباب الداء وعناوين الدواء في كل قضايانا واحدة، فرأس الكفر والعهر العالمي، وربيبته المدللة الصهيونية العالمية، هي التي تعبث وتسرح وتمرح وترسم السيناريوهات، في العراق والشام واليمن وليبيا ومصر، فضلاً عن فلسطين الجريحة، بدعم مادي ومعنوي من أموال الحرام التي تُضخ لهم من بعض زعامات دول الخليج، وباستغلال أثيم من المشروع الفارسي الرافضي القادم من إيران .. وهذا يعني أن الكل يعمل فينا، ويكيد بنا فليس لنا بعد اعتصاما بالله تعالى إلا تفعيل إرادتنا وتقوية إدارتنا، والله يتولانا، كما تولى غيرنا .. نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.

وسوم: العدد 862