الحكومة تنهج سياسة تسوّر أقصر جدار باتخاذها قرار الاقتطاع من معاشات المتقاعدين

خلافا لما درج عليه بعض منتقدي  الحكومة فيما يصدر عنها من قرارات مثيرة لسخط الرأي العام ، لا بد من التنبيه إلى أن كل حزب يوجد وزير ينتمي إليه ضمن التشكيلة الحكومية له نصيبه من المسؤولية عن صدور تلك القرارات ، وليس من الموضوعية تحميل هذه المسؤولية لحزب واحد  فقط .

ومن القرارات الجائرة ما راج عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أن الحكومة التي اعتادت نهج سياسة تسّور أقصر جدار لأن أطول جدار منيع بعفاريته وتماسيحه   قرار الاقتطاع من المعاشات بذريعة أن استثناءها من الاقتطاع سيكلف خزينة الدولة مبلغا كبيرا .

 ومعلوم أن الاقتطاع من المعاشات سبقه الاقتطاع من الأجور ، فالأمر إذن يتعلق باقتطاعين الأول أثناء الخدمة، والثاني بعد إنهائها ،وحكمه حكم السحت وهو ما قبح وخبث من المكاسب، ولحق العار والشنار من يقدم عليه من أكلة السحت .

ولقد أقدمت الحكومة بهذا القرار الجائر الذي مست به شريحة  المتقاعدين وأغلبهم ترك الخدمة بعلة أو أكثر ،وهم يصرفون من معاشاتهم على العلاج فضلا عما ينفقونه لعلاج أهلهم وذويهم  وقد سكنت العلل المزمنة أجسادهم .

ولقد كان من المفروض أن تستثنى هذه الشريحة من سريان قرار الحكومة عليها إكراما لها ، واعترافا بما قدمته من خدمة لهذا الوطن ، وهي خدمة لا يمكن الجزم بأن ما كانت تتقاضاه عليها من أجر هو أجر في مستواها  أو هو الأجر العدل لها  .

وإذا كان كل من قلّد  مهمة من المهام أوظيفة من الوظائف في حياته ، سيسأل عنها يوم القيامة  أمام الله عز وجل ، فيجازى خيرا على تفانيه فيها ، وشرا على تقصيره ، فإن نواب الشعب الذين انتدبهم  لتمثيله وللدفاع عنه بإصدار قوانين لصالحه  ، وزراء هذه الحكومة سيسألون عن مهامهم ومسؤولياتهم ، وعما اتخذوه من قرارات، فيجزون خيرا عن أحسنها ،وشرا عن أسوئها أمام محكمة إلهية  شعارها " لا ظلم اليوم وقد خاب من حمل ظلما" .

واستهداف شريحة المتقاعدين بالاقتطاع من معاشاتهم منقصة ووصمة عار على جبين من أقدموا على ذلك ، وسبة لأحزابهم بسبب شناعة القرار ، وهو أيضا مساس بسمعة الوطن، وهي أغلى وأقدس إذ ماذا سيقول الأغيار عن بلد لا يوقر كباره ، ولا تصان كرامتهم ، ولا تراعى تضحياتهم ؟

وتصدق على قرار حكومتا  حكاية تحكى عن زمن من أزمنة السيبة حيث عمد أصحاب القرار فيه إلى فرض ضرائب على الناس بدعوى تجهيز جيش للجهاد ، فمر جامعو هذه الضرائب بإحدى العجائز من بقايا الرقيق تسكن كوخا أو خيمة ، ففتش كوخها أو خيمتها فلم يجد الجباة ما يصادرونه ، فعمدوا إلى مصادرة  قطعة سكر معلقة بخيط على جدار الكوخ  أو بعمود الخيمة والعجوز تتوسل إليهم ألا يفعلوا لأن عيشها اليومي كان كأس شاي وكسرة خبز ، ولكنهم لم يعبئوا بتوسلها ،فلما انصرفوا قال العجوز بالعامية " كيّت الجيش اللي تعاونو مبيركة "  ومبيركة اسم العجوز وهو تصغير لمباركة، والتصغير هنا يعبر عن الضعف والقهر ، ومعنى كلامها هو " أ ي جيش هذا الذي تساعده عجوز مثلي بقطعة سكر " .

نفس الكلام يقال لحكومتها بالعامية " كيّت الحكومة اللي تقتطع من معاشات المتقاعدين " أي أية حكومة هذه ؟ 

وفي الأخير نشير إلى أن هذه الحكومة سبق لها في وقت سابق  أن تمنت الموت للمتقاعدين للسطو على معاشاتهم التي هي في الحقيقة عرق الجبين الذي أمر شرعنا أن يدفع لأصحابه كاملا غير منقوصا قبل أن يجف ، فما باله إذا أخرّ ، أواقتطع منه، أو تمنى من يريدون السطو عليه هلاك أصحابه ؟  ولقد قلت يومئذ في مقال " الموت لمن أراد موت المتقاعدين".

وسوم: العدد 885