ما الفائدة من تصريح الوزارة الوصية على قطاع التربية بنسبة الغش في امتحان الباكلوريا لهذا العام ؟

نشرت بعض وسائل الإعلام مقالا تحت عنوان : " امتحانات الباكلوريا 2020 تسجيل تراجع الغش بنسبة 30 في المائة "، وفي صلب موضوعه إشارة إلى عدد حالات الغش وهو :736 حالة أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية . ولا شك أن الاحتياطات الوقائية لمنع عدوى الجائحة  في قاعات الامتحانات  كانت وراء هذه النسبة من حالات الغش وإلا لكانت أكثر من ذلك  بكثير كما كانت في سنوات سابقة .

والمفروض في التصريح بالنسب المائوية  غالبا ما يكون في  حساب الأمور الإيجابية التي تنسجم  الإشارة إليها مع ما تختم به التقارير أو البلاغات أو التصريحات من قبيل : " لقد مرت الامتحانات في ظروف أو أجواء جيدة وإيجابية "، وهي عبارة انتهى بها هذا المقال وكأن الوزارة تعتبر عدد حالات الغش، ونسبة تراجعه خلال هذا الموسم من الأمور الإيجابية الجديرة بالإشادة .

736 غاش عدد لا يستهان به ، كما أنه لا يستهان بأعداد الغاشين في امتحانات  سابقة ،لأن الغش آفة خطيرة لها عواقب وخيمة على المدى البعيد حين تسند المسؤوليات والماهم إلى الذين مارسوا الغش في الامتحانات بعد إنهاء مسارهم التعليمي ، وتنتقل معهم هذه الآفة إلى مراكز مسؤولياتهم ومهامهم ،وتصير حينئذ مزمنة ومدمرة للوطن .

ولقد كان من المفروض في وطن يدين أهله بدين الإسلام ألا يكون الغش فيه  أصلا ،وقد تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم  ممن يمارسه بقوله : " من غشّ فليس مني " ،ولكن مع شديد الأسف صار سلوكا مألوفا  إلى درجة الإشادة بتراجع نسبته كما فعلت وزارة التربية الوطنية ، وكان الأجدر بها ألا تفعل لأن ذلك لا يتماشى مع هويتنا الإسلامية ، وقيمنا الأخلاقية .

ولا غرابة في اعتبار آفة الغش ظاهرة طبيعية في زماننا هذا  ما دامت آفات أخرى تمس بالقيم الدينية والأخلاقية  قد صار لها من يدافع عنها ، ويطالب برفع التجريم عنها، ويعتبرها من الحقوق والحريات كما هو الشأن بالنسبة لآفات الزنا ،والشذوذ الجنسي، والإجهاض التي وقع تحوير في أسمائها، فصارت رضائية ،ومثلية ،وحرية جسدية من أجل التطبيع معها تمهيدا لانتشارها . وإذا جاز تحوير أسماء هذه الآفات  الخطيرة ، فلماذا لا يحوّر اسم  آفة الغش، فتصير هي الأخرى  شطارة وذكاء ،ويطالب برفع التجريم عنها أيضا ؟

من المؤكد أن العديد من الغشاشين الذين لم يضبطوا لشطارتهم وذكائهم سيحصولون على شواهد علمية مغشوشة ،وستمكنهم  مستقبلا  من مزاولة مهام  وتقلد مسؤوليات ، فيستعملون نفس الشطارة ونفس الذكاء للتراقي في المهام والمسؤوليات حتى توكل إليهم أخطر المهام والمسؤوليات، فيكونون شرا ووبالا على وطنهم وعلى أمتهم .

ولا شك أن التخلف الذي تمر به العديد من المجتمعات، يعود كثير منه إلى إسناد المهام والمسؤوليات الخطيرة لغير المستحقين وغير المؤهلين للاضطلاع بها بسبب تشربهم الغش في نفوسهم ، وقد يكون سبب وصولهم إليها آفة الغش ، وهؤلاء عمليا  ممن تبرأ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا يربطهم بوطنهم المسلم ولا بأبنائه رابط ولا آصرة ،وكأنهم أعداء انتدبوا لتكريس التخلف فيه .

إن عدد حالات الغش في امتحانات الباكلوريا هذا العام كبير باعتبار الإجراءات المتخذة بسبب الجائحة عكس ما صرحت به الوزارة الوصية إذا ما صحت نسبة هذا التصريح لها . وإذا ما عدّ الغش جرما في الظروف العادية ، فإنه في ظرف هذه الجائحة الاستثنائي  يعتبر جرما مضاعفا وخيانة ،وذلك باعتبار تكاليف توفير الظروف المناسبة لاجتياز الامتحانات زمن الجائحة ، وباعتبار مخاطرهذه الأخيرة  المهددة لحياة الجميع ممتحنين ومشرفين على الامتحانات .

وأخيرا نقول  إننا لن نضع أقدامنا أبدا على طريق المواطنة الصالحة ، والتنمية الحقيقية  طالما ظلت آفة الغش  سائدة في ناشئتنا المتعلمة التي يراهن عليها مستقبلا لتخطو بهذا الوطن الغالي نحو التقدم والرقي ، ولا تقدم ولا رقي دون تقدم ورقي على مستوى القيم الأخلاقية.

وسوم: العدد 885