وظلم ذوي القربى يا رجال الأمن

ما فعلته القوى الأمنية التابعة لحركة حماس في قطاع غزة من هدم منزل وإطلاق النار على المحتجين على هدم المنزل، جريمة بكل ما في الكلمة من معنى.. صحيح أنها حصلت قبل نحو أسبوعين، لكن الحديث عنها والتذكير بها ضروري حتى لا تتكرر مرة ثانية.

وكأن الدمار والقتل الذي خلفته الحروب العدوانية الإسرائيلية المتتالية، والاعتداءات اليومية على أرزاق أهل غزة، لا تكفي حتى تكونوا أنتم وإسرائيل والزمن عليهم، بينما المحتجون لا يشكلون خطرا على أفراد الأمن، الذي تسارعوا إلى المنطقة وكأن هناك حربا قد وقعت أو على وشك الوقوع.. جريمة أن تطلق النيران على العزل والأبرياء بشكل عام وفي أي مكان.. وجريمة أكبر إذا كانت النيران موجهة نحو أبناء شعبنا المضحين دوما، وجريمة مضاعفة إذا كان هؤلاء يحاولون الدفاع عن مصالحهم ومصالح جيرانهم.

تألمت وتوجعت وأنا أقرأ الخبر، ولم أصدق ما كان يحمله من تفاصيل، لأنه لا يليق بنا كشعب فلسطيني يضحي ويعاني يوميا من هذه الأفعال على أيدي سلطات الاحتلال. وما كنت أتوقع أن يفعله أي طرف فلسطيني، أيا كان، وحتى لو كان هذا المنزل مبنيا على أرض حكومية.. لم تقدم إسرائيل على مثل هذه الأعمال.. تهدم المنازل والبنايات بحجة عدم الترخيص، نعم ولكنها لم تطلق يوما النار على المحتجين. نعم قد تقدم جهة فلسطينية ما، على خطأ أو حتى عمدا، على قتل معارض لها، وهذا طبعا مرفوض رفضا قاطعا، وغير مقبول، أيا كانت أسبابه ومبرراته، كما حصل على سبيل المثال مع عصام السعافين، الذي توفي داخل الزنازين في غزة، وكما حصل مع نزار بنات المعارض للسلطة، الذي جُرّ من مضجعه في منزله في مدينة الخليل جنوب الضفة، وهو في ثياب النوم والاعتداء عليه من قبل رجال الأمن الوقائي بطريقة بشعة، ليصل إلى مركز التحقيق وهو جثة هامدة، ومحاكمة المشاركين الـ14 من رجال الأمن في عملية القتل ربما غير المتعمد. وقامت الدنيا ولم تقعد احتجاجا على مقتل بنات، من دون أي مبرر، وبالأسلوب الوحشي، الغريب علينا كشعب يعاني تحت الاحتلال وغريب على عاداتنا وتقاليدنا. ولا تزال محاكمة من يشك في تورطهم أمام محكمة عسكرية جارية في رام الله، وجرى تأجيلها قبل أيام، حتى20 من شهر يونيو الحالي. وقالت مجموعة «محامون من أجل العدالة» إن: «تأجيل المحكمة جاء بناء على طلب سابق لوكيل المتهمين بسبب مرضه». وأوضحت أن السلطة رفضت إحالة القضية لمحكمة مدنية وأصرت على أن تكون محكمة عسكرية. حقا لم أصدق وأنا أقرأ خبر غزة أن هذا يمكن أن يحصل على أرض فلسطينية، وعلى أيدي أجهزة أمن فلسطينية، وضد مواطنين فلسطينيين يواجهون مثل هذه الأفعال يوميا على أيدي الاحتلال في القدس وجميع مدن وقرى الضفة الغربية. والحادثة التي أفضل وصفها بالجريمة لأنها لا تختلف، بل هي أبشع من جرائم الاحتلال وقعت في شمال غزة.

نحن معتادون على رؤية صور وفيديوهات جنود الاحتلال وهم يواجهون الفلسطينيين الغاضبين المحتجين على هدم منازلهم، بحجة البناء من دون تصريح، بالضرب.. وهذه هي الحجج الواهية نفسها التي تسوقها سلطات الاحتلال في كل مرة تهدم منزلا يضاف إلى آلاف المنازل، لاسيما في القدس في سياق تهويد عاصمة الدولة الفلسطينية. لكن جنود الاحتلال لا يستخدمون السلاح الرشاش ضد المحتجين في مثل هذه الحالة، وإن كانوا يتمنون لو أن القوانين تسمح لهم بذلك. ماذا حصل في قطاع غزة في ذلك اليوم الأسود.. إنه مشهد يومي مألوف ومتكرر في الضفة الغربية والقدس.. قوة شرطية تتبع أجهزة الأمن في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس، تقوم بمحاصرة منزل مقام على قطعة أرض حكومية وهدمه، ما أثار موجة غضب عارمة، كون الحادثة تضمنت صداما بين أهالي تلك المنطقة والقوة الشرطية، أسفرت عن إصابة عدد من المواطنين واعتقال الكثير منهم. وشرحت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، ما جرى في منطقة قرية «أم النصر» وهي إحدى القرى الواقعة شمال قطاع غزة التي شهدت الجريمة. وذكرت في بيان أصدرته أنه عند حوالي الساعة 11:00 من يوم الخميس الموافق التاسع من يونيو/ حزيران الحالي حضرت قوة من الشرطة ترافقها جرافة لإزالة منزل أحد المواطنين في القرية، وعليه احتشد المواطنون للاعتراض على الإزالة وقاموا بالهتافات، ما دفع الشرطة لإطلاق النار والانسحاب من المكان. وأوضحت المؤسسة الحقوقية أنه بعد ساعة تقريباً عادت الشرطة إلى القرية بقوة أكبر من الأجهزة الأمنية ترافقهم جرافة فتجمهر المواطنون مجددا ورشقوا رجال الشرطة بالحجارة، فردوا بإطلاق النار ما أدى إلى إصابة خمسة مواطنين، واعتقال عدد أكبر من أهالي القرية بالإضافة لعمليات اقتحام للبيوت والعبث بمحتوياتها. وقالت الهيئة المستقلة إنه من خلال متابعتها وتوثيقاتها، حصلت على إفادات، تشير إلى أن القوة الشرطية استخدمت القوة المفرطة، وعدم التدرج في استخدامها، واللجوء لاستخدام الأعيرة النارية، علاوة على تدمير محتويات عدد من منازل المواطنين. وقالت إنه من غير المقبول تدخل جهات غير مكلفة بإنفاذ القانون، وأفراد بالزي المدني في الاعتداء، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على الأمن المجتمعي. وأكدت على ضرورة احترام القانون وحقوق المواطنين، خاصة الفئات الفقيرة والمهمشة في التمتع بالحق في السكن اللائق، وطالبت في الوقت ذاته وزارة الأشغال العامة والإسكان بدورها المُناط في تمكين المواطنين من حقهم في سكن ملائم وتوفير البدائل الممكنة قبل تنفيذ إجراء الإخلاء لسكان الأراضي الحكومية.

كما طالبت ونحن معها بطلبها بإعادة النظر في الإجراءات الخاصة بعمليات إزالة «التعديات» على الأراضي الحكومية، وفقًا للاعتبارات الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، نتيجة الحصار المفروض عليه منذ قرابة 15 عاما، وشددت ونحن معها أيضا، على ضرورة التزام أجهزة الشرطة باتباع الأصول الخاصة بدخول المنازل وتفتيشها، وفق قانون الإجراءات الجزائية، كما دعت لفتح تحقيق جدّي في سلوك أفراد الشرطة حول اعتدائهم على المواطنين أثناء عملية إخلاء منازل.

إن ما حصل»جريمة بحق المواطن الفلسطيني نرجو ألا يتكرر، ويشكل منافسة مع منظومة الاحتلال في عملية تدمير عوامل صمود المواطنين على أرضهم، تحت ذرائع واهية، وأن هذا البيت الذي أقدمت القوة الشرطية على إزالته، صحيح أنه مقام على أرض حكومية، ومن دون أي ترخيص، لكن يبرر المواطنون، الذين أقاموا منازلهم على أراضٍ حكومية، أو أراضٍ عليها خلافات مع الجهات الحكومية، بأن ما دفعهم لذلك هو الفقر، وعدم امتلاكهم أي منازل أو أراض تمكنهم من بناء جدران تستر عوائلهم.

ونكرر القول إن ما فعله جهاز الأمن في غزة لا يختلف عما يفعله جنود الاحتلال يوميا في الضفة الغربية والقدس، بل من قراءة التفاصيل نرى أن ما حصل في غزة أبشع بكثير ما يحصل من أعمال في القدس والضفة.. فالمواطن في أراضي السلطة وحماس، يتوقع الرحمة والرأفة من أبناء جلدته، ولا يحتاج لمزيد من الظلم والمعاناة. لكن ما حصل في قرية أم النصر في وسط غزة ينطبق عليه قول الشاعر

«وظلم ذوي القربى اشد مضاضة *** عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ».

وسوم: العدد 985