باحثة إسرائيلية تؤكد الشبه بين كفر قاسم وجرائم النازيين والأمريكيين في فيتنام

الناصرة- “القدس العربي”: دعت صحيفة “هآرتس” العبرية إسرائيل للكفّ عن سياسة التسّتر على جرائمها في الماضي ومنع نشر مستندات أرشيفية حولها. وقالت “هآرتس”، في افتتاحيتها صباح الإثنين، بعنوان “كفى التستّر”، إن مراسلتها هجار شيزاف قد كشفت، في تحقيق صحفي قبل ثلاث سنوات، أن طواقم من وزارة الأمن الإسرائيلية تعمل بشكل منهجي منذ العام 2000 على زيارة الأرشيفات التاريخية في طول البلاد وعرضها، وتصادر مستندات تاريخية تتعلق بجرائم ارتكبها الاحتلال منذ 1948، وإيداعها داخل صناديق خاصة بعيدا عن عيون الباحثين والمهتمين. من جملة هذه المستندات التي يتم التستّر عليها وثائق تتعلق بـالمفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، وأخرى خاصة ما يرتبط بالجرائم التي ارتكبت خلال النكبة الفلسطينية عام 1948 يحتوي بعضها شهادات جنرالات إسرائيليين على ارتكاب مذابح اقترفت بحق الفلسطينيين وتدمير قرى فلسطينية، وطرد الفلسطينيين البدو من النقب، كجزء من عمليات منهجية لطمس وثائق خاصة بالنكبة والصهيونية.

وتدعو “هآرتس” إسرائيل لتطهير ذاتها بإخراج الوثائق التاريخية إلى النور والتعامل معها بشجاعة، معتبرة ذلك مساهمة في تقليص الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في طريقهم لتسوية ممكنة للصراع. وتشير “هآرتس” إلى أن إسرائيل تعترف اليوم بأنها قامت بالتستّر على مستندات تاريخية بشكل غير قانوني، وأنها تعاين الموضوع مجدداً نحو وقف التستّر والكشف عنها.

إسرائيل عالقة في مأزق من الكذب على ذاتها

وتوضح المؤرخة الباحثة الإسرائيلية عيديت زرطال في هذا المضمار أن إسرائيل عالقة في مأزق من الكذب على ذاتها، وأن جهات إسرائيلية تعتقد أن إسرائيل ارتكبت بحق الفلسطينيين ما يشبه ارتكاب النازيين بحق اليهود قبل النكبة بسنوات. وتشير زرطال، في مقال مطوّل نشرته “هآرتس”، إنه في مسألة التشابه أو الاختلاف بين أحداث النازيين وبين جرائم ارتكبها يهود بحق الفلسطينيين لما قاله شالوم عوفر للصحفية الإسرائيلية داليا كاربل: “لقد كنا مثل الألمان. هم (الألمان) أوقفوا الشاحنات وأنزلوا اليهود وأطلقوا النار عليهم. هكذا نحن. لا يوجد فرق”. قال شالوم عوفر (ضابط إسرائيلي) للصحافية داليا كاربل، وهو أحد المتهمين الرئيسيين في قضية مذبحة كفر قاسم، حيث ضبطته المحكمة مذنباً بقتل 41 مواطنا عربيا: “نحن نفذنا الأمر مثلما نفذ الجندي الألماني الأمر أثناء الحرب عندما أمروه بذبح اليهود”.

وتستذكر زرطال أن عوفر لم يظهر الندم، لا في المحكمة ولا في أي مناسبة أخرى، بل قال: “كان هناك أمر، ولم يكن أي مجال لتفكير آخر”. كما تستذكر قول جندي إسرائيلي يدعى مخلوف هارش شارك في مذبحة كفر قاسم: “أنا جندي أُنفذ الأوامر، ولو أن أي واحد منا رفض الأمر لقتلوه”.

محاكم نورنبيرغ

 وتنوه أن هارش ضُبط مذنبا بقتل 22 مدنياً، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وتقول إن الصحفية كاربل وثقت هذه الأقوال، ونوقشت بتوسع في الصحف، وفي أدبيات البحث العبرية. وتتابع: “الجنود الأمريكيون، الذين قَتَلوا في آذار 1968 في قرية ميلاي في فيتنام مدنيين، معظمهم من الشيوخ والنساء والأولاد، (الشباب غابوا عن القرية بسبب العمل)، ذكروا هم أيضا “أفعال النازيين” في حديثهم عما فعلوه، ووصفوا بعد ذلك وادي القتل وأكوام الجثث التي تركوها خلفهم، بمصطلحات وأوصاف تم أخذها من أحداث الحرب العالمية الثانية”. لكن زرطال تذكّر بقول أحد المسؤولين الأمريكيين في التلفاز الرسمي الأمريكي أنه بعد محاكمة نورنبيرغ لم يعد بالإمكان استخدام ادّعاء الامتثال للأمر كدفاع عن أعمالك”. وتضيف: “كانت هذه الأوصاف نقاط الاهتمام لأبناء الجيل، وصندوق الأدوات الذي بمساعدته يمكنهم على الأقل محاولة فهم العالم وفهم أنفسهم. في نهاية المطاف ردد هؤلاء الشباب، حتى لو لم يعرفوا ذلك، أقوال حنه أرندت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأن الواقع أثبت أن “النازيين بشر مثلنا، وأوضحوا دون أدنى شك ما الذي يمكن للإنسان أن يفعله”.

المقارنات

وتوضح زرطال أنه في نظرة عليا على المنظور التاريخي الأكبر، وعلى الأيديولوجيا المنظمة للأحداث وعلى خلفيتها وسياقها السياسي، وبشكل خاص على حجم القتل، فإنه لا يوجد أي تشابه بين الأحداث الثلاثة في يوزفوغ وكفر قاسم وميلاي، وتقول: “أيضاً نحن نعرف هذا فقط عن طريق عملية المقارنة. ولكن بدقة أعلى، وبفحص مقرب للأحداث، وهي بعيدة عن بعضها سنوات وتفصلها مسافات بعيدة، فإن التشابه أكبر من الاختلاف بكثير، بالأساس لأنه في هامش الأحداث عملوا ليس كشياطين أو وحوش، ولا كمجانين بالضرورة، بل كأشخاص عقلانيين وعاديين، وكان مثل هؤلاء الضحايا والقتلة أيضاً. ومثلما قال بريمو ليفي: “جميعهم إنسانيون بدرجة مخيفة”.

مذبحة كفر قاسم

وعن مذبحة كفر قاسم تشير إلى أنه في منطقة المثلث في إسرائيل، في إطار مشروع ترهيب السكان العرب ونقلهم إلى ما وراء حدود “الدولة”، أُعطي أمر بقتل كل من لم يكن في البيت في بداية حظر التجول، الذي تم تبكير سريانه دون أن يتم الإبلاغ عن ذلك. وبرأيها فقد كان واضحاً لمن أعطوا الأمر بأن العمال العرب في الحقول لا يعرفون عن تبكير موعد حظر التجول، وأنه لم يكن بإمكانهم العودة إلى القرية في الموعد. وتتابع: “كانت التعليمات الإسرائيلية المرافقة عدم إجراء اعتقالات وعدم ترك “مصابين” والتأكد من القتل. ورداً على سؤال سأله أحد الحضور في “مجموعة الأوامر”، وهو ماذا بالنسبة للنساء والأطفال، كان الجواب “بدون رحمة”. كانت بؤرة الرعب على مدخل قرية كفر قاسم. من بين القتلى، جميعهم من أبناء القرية، كان 11 طفلاً وفتى و13 امرأة، بينهن عجائز، ونساء حوامل، واحدة منهن في الشهر الثامن، وطفلات في عمر 12 – 14. استمرت عملية القتل ساعة، موجة وراء موجة عندما عاد القرويون إلى القرية. لقد تم بهدوء وموضوعية، في الوقت الذي تراكمت فيه الجثث على جانبي الشارع”.

مقاتلو الفيتكونغ

وتقول في المقابل إنه في ميلاي كانت المهمة التي أعطيت للجنود الأمريكيين تدمير كل القرية، التي اعتبرت وكراً خطيراً لمقاتلي الفيتكونغ، بكل ما فيها من بشر وحيوانات ومبان سكنية وأدوات عمل ومنتجات غذائية. منوهة بأنه تم التخطيط للهجوم على القرية كعملية بطولية وعملية علاقات عامة، وقد رافقها طاقم صحافي ومصور فكانت صور العار لهذا الحادث، التي انتشرت مثل النار في الهشيم، بداية النهاية لحرب فيتنام.

 وتخلص الباحثة الإسرائيلية زرطال للقول إنه في الأحداث الثلاثة نفذت الأغلبية الساحقة من الجنود مهمة القتل كما هو مطلوب، ولكن كان هناك أيضاً من لم يفعلوا ذلك. حاول هربارت كالمان، وهو بروفيسور في الأخلاق الاجتماعية في جامعة هارفارد، في مقالاته وفي كتابه “جرائم الامتثال” الصادر في 1989، وصف مذابح جماعية. وتحدث عن عملية مزدوجة من نزع الإنسانية، سواء عن الضحايا أو عن القتلة. وقد رسم صورة اجتماعية– اقتصادية وتعليمية متدنية نسبياً للقتلة في معظم الحالات، يعطيها الجيش والعسكرية مكانة وقيادة اجتماعية، ويعطيها الحدث نفسه الشعور بالهوية والتفاخر الشخصي والجماعي. العدو، الضحية، في المقابل، يمر في عملية تجريد من صورة الإنسان، الذي حياته غير مهمة، من خلال تضخيم القوة الظلامية والشيطانية التي يمثلها، والخطر الوجودي الذي يجسده، كما يبدو، تجاه قتلته بالقوة”.

شيطنة الضحية

وترى أنه في ظل رياح من العدوان الحربي أو الحرب الحقيقية، فإن العملية ذات الرأسين من الإعداد للقتل تتم بمساعدة تلقين منهجي للقتلة، فرض رعب، تحريض وشيطنة للضحية الموعودة. وتقول زرطال إنه في موازاة ذلك تتم تنقية المهمة من أي اعتبار إنساني وأخلاقي، فبنو البشر هم مخلوقات غير متوقعة وغريبة، وغسل الأدمغة وعملية إزالة المشاعر الأخلاقية التي يمرون بها ليست دائما تفعل فعلها، على الأقل ليس على الجميع. هناك وجه شبه كبير بين الأحداث الثلاثة التي تمت مناقشتها، ولكن كان من بين الجنود والقادة أشخاص رفضوا بتصميم تنفيذ الأوامر وقتل المدنيين العاجزين من مسافة صفر، مهما كانوا. هم يضيئون مثل النجوم في السماء ويعيدون لنا ولو قليلا الثقة بالعالم وبمن يمشون على أرجل.

وسوم: العدد 994