الإبادة الجماعية في العراق

وصف حقيقي للمشهد الدموي التركماني

أحمد جويد

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

كانت الحكومة العراقية قد أوفدت لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الحكومة لشؤون الطاقة للوقوف على أسباب تكرار الهجمات ضد أبناء قضاء (طوزخرماتو) ذوي الأغلبية التركمانية، وأعلنت اللجنة من هناك أن المدينة منكوبة! وأوصت بتشكيل فوج طوارئ من أهالي المدينة حصرا، وكذلك تشكيل قوة شعبية مسلحة قوامها بين 500 إلى 700 شخص من التركمان لحماية القضاء، كما طالب بعض النواب التركمان بتحويل القضاء إلى محافظة تدير شؤون أبنائها بنفسها، وذلك على خلفية الاعتداءات المسلحة المتكررة والتي أودت بأرواح العشرات من المدنيين، إضافة إلى إحداث خسائر كبيرة بالممتلكات.

 وبغض النظر عما يجب أن تقوم به الحكومة العراقية إزاء المكون التركماني من إجراءات أمنية وسياسية تضمن حماية السكان الاخرين وتمنع الجماعات الارهابية من تكرار مسلسل القتل والتدمير المتعمد، علينا أن نسأل هنا، هل ينطبق وصف جريمة الإبادة الجماعية على ما يحدث من جرائم عنف ضد المدنيين في العراق وبخاصة ضد أبناء المكون التركماني؟ وما مدى تطابق هذا الوصف مع الأحكام الصادر في قضايا مماثلة؟

 عُرفت الابادة الجماعية بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 96 المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946 في المــادة الثانية بانها (أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة.(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.(ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

 أما في القضاء الجنائي الدولي؛ فإن جريمة "الإبادة الجماعية" Le Crime de genocide توصف بأنها أشد الجرائم الدولية جسامة وبأنها "جريمة الجرائم". وقد تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) في مادته السادسة نصا يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية. ولم يأت هذا النظام شاذا عن سابقيه: النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، اللذان تضمنا نصا مشابها لنص المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يتعلق بتعريف جريمة الإبادة الجماعية.

 كما أقرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بإمكانية قيام جريمة الإبادة الجماعية عند إرتكابها في منطقة جغرافية محدودة أو ضيقة، ما دام الفعل الجرمي والقصد الجرمي يتجهان إلى التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة، وما دامت أركان الجريمة متحققة.

 لقد إستندت المحكمة الجنائية الدولي لرواندا في قضية Akayesu إلى أنه بالنظر للعدد الكبير من المذابح المرتكبة ضد جماعة التوتسي وبالنظر للطبيعة الواسعة لهذه الجرائم، حيث إرتكبت في مناطق عديدة في رواندا، ولأن الضحايا جرى اختيارهم وتحديدهم بصورة عمدية ومنظمة وعلى أساس انتمائهم إلى جماعات أخرى تم إقصاؤها واستبعادها من حياة المجتمع ووجوده، فإن المحكمة تستطيع الإستدلال على وجود قصد خاص لإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية.

 فالقصد الخاص في جريمة الإبادة الجماعية يستخلص في العادة من وجود دليل كاف على وجود نمط سلوكي، أو على وجود سلوك مؤثر جدا يكفي لتدمير الجماعة كليا أو جزئيا، ويضاف إلى ذلك أن القصد الخاص في هذه الجريمة يمكن إستنباطه من التحقق بوجود العلم بالنمط الأوسع أو بالسياق القائم على إحداث التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة، ومن المعلوم أنه لا يشترط لقيام جريمة الإبادة الجماعية هلاك الجماعة التي تتعرض لهذه الجريمة كليا، وهذا واضح تماما من الألفاظ المستخدمة في النص الخاص بتعريف جريمة الإبادة، وبمعنى آخر، فإنه لا يشترط لإثبات "نية الإبادة" أن يكون السلوك الجرمي موجها نحو الجماعة المستهدفة بأكملها، وهي مسألة متروكة لتقدير المحكمة في كل حالة على حدة.

 يتضح من العرض المتقدم لتعريف جريمة الابادة الجماعية والقصد الجنائي فيها، ومن خلال أحكام المحاكم الجنائية أن الجرائم الجنائية التي ترتكب في العراق بالخصوص ضد الشيعة والمكون التركماني هي جرائم إبادة جماعية بمعنى الكلمة، حيث إن وصف جريمة ابادة جماعية ينطبق تماماً على ظاهرة استهداف الجماعات الارهابية المكون التركماني في جغرافية الحدث (مدينة طوزخرماتو).

 فقد أكدت احصائيات 2012 والتي تعد أقل السنوات عنفاً ضد التركمان أن العدد الإجمالي للمواطنين التركمان الذين تم اغتيالهم: 46 شخص، الذين تم اختطافهم: 12 شخص، الذين استشهدوا من جراء التفجيرات: 61 شخص، الذين أصيبوا بجروح من جراء التفجيرات: 329 شخص، الذين أصيبوا بجروح من جراء إطلاق النار 4 أشخاص، الذين أصيبوا بجروح من جراء استخدام آلة حادة: 4 أشخاص، الذين أصيبوا بجروح من جراء استخدام مواد كيماوية: شخص واحد، الذين هُدمت منازلهم كليا من جراء التفجيرات 41 شخص، الذين تضررت منازلهم جزئيا من جراء التفجيرات وإطلاق النار: 45 شخص، الذين تضررت سياراتهم كليا من جراء التفجيرات: 5 أشخاص، الذين تضررت سياراتهم جزئيا من جراء التفجيرات: 32 شخص، المؤسسات التركمانية التي تضررت من جراء التفجيرات والحرق المتعمد: 2 مؤسسة تركمانية.

 أما بالنسبة للعام 2013 فهو العام الأكثر دموية واستهدافا لأبناء المكون التركماني (الشيعي) على وجه الخصوص، فقد زادت أعداد الضحايا أضعاف مجموع الأرقام السنوات السابقة مجتمعة منذ العام 2003م وبشكل ملفت للنظر، بحيث أصبحت الهجمات الإرهابية شبه يومية، وقد صرح القائم بأعمال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جورجي بوستن في بيان صحفي: "لا تزال أعمال العنف تخلّف آثاراً كبيرة على المدنيين وتشكل مصدر قلق كبير في ظل مقتل مالا يقل عن 4,137 مدنياً وإصابة 9,865 آخرين منذ بداية سنة 2013". وكانت النسبة الأكبر من بين أعداد هؤلاء الضحايا هم من المكون التركماني والتي تقدر بحوالي 35% من مجموع الضحايا، علما إننا إلى الآن في الربع الأخير من العام ولا تزال أعمال الإبادة والقتل مستمرة في قضاء الطوز التركماني.

 بناء عليه، يأتي السؤال الآتي: ماهي الالتزامات القانونية والانسانية التي تقع على عاتق الدولة، وماهي الالتزامات القانونية والانسانية التي تقع على عاتق الامم المتحدة لضمان حماية الاقليات ومنع الابادة الجماعية ضد الاقليات ومنها الاقلية التركمانية في العراق؟

أولا: التزامات الدولة العراقية: وفقا لمستشار الأمم المتحدة المستقل المعني بقضايا الأقليات، هناك أربعة التزامات عامة يجب أن تأخذها الدولة بالحسبان من أجل احترام حقوق الأقليات وضمانها:

1. حماية وجود الأقليات، بما في ذلك من خلال حماية سلامتهم البدنية ومنع الإبادة الجماعية؛

2. حماية وتعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية، بما في ذلك حق الأفراد في اختيار أي من الجماعات العرقية أو اللغوية أو الدينية يرغبون أن يعرّفون بها، وحق هذه الجماعات في تأكيد هويتهم الجماعية وحمايتها ورفض الاستيعاب القسري؛

3. ضمان فعالية عدم التمييز والمساواة، بما في ذلك وضع حدٍ للتمييز المنهجي أو الهيكلي؛

4. ضمان مشاركة أفراد الأقليات الفعّالة في الحياة العامة، ولا سيما فيما يخص القرارات التي تؤثر عليهم.

ثانيا: التزامات الامم المتحدة: أعلن الأمين العام عن خطة تتكون من خمس نقاط لمنع وقوع جرائم الإبادة الجماعية وتشمل:

1- منع النزاعات المسلحة ومواجهة مسبباتها مثل عدم التسامح والكراهية والعنصرية التي تؤدي إلى الإبادة الجماعية.

2- حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة بمن في ذلك النساء والأطفال.

3- إنهاء الحصانة بالنسبة للذين يرتكبون هذه الجرائم وضرورة تقديمهم إلى العدالة.

4- تعيين مستشار خاص لمنع جرائم الإبادة الجماعية يقوم برفع تقارير عن وقوع أية مؤشرات يمكن أن تؤدي إلى تلك الجرائم ويعمل جنبا إلى جنب مع المفوض السامي لحقوق الإنسان.

5- اما الخطوة الخامسة والأخيرة فهي الرد سريعا واتخاذ قرار حاسم استجابة لأية مؤشرات تدل على وقوع جرائم إبادة ويجب أن يتم ذلك الرد من خلال الأمم المتحدة وتحديدا من خلال مجلس الأمن.

 وعليه ندعو الامم المتحدة لتتحمل مسؤولياتها القانونية والانسانية في جرائم الابادة الجماعية التي ترتكب في العراق ضد التركمان في كل من مدينتي طوزخرماتو وقضاء تلعفر، وندعوها إلى تشكيل لجان تحقيقية تأخذ على عاتقها إحالة الملف المتعلق بهاتين المدينتين إلى المحاكم الجنائية الدولية وتوجيه الإدانة ضد الجناة والجهات التي تقف خلفها كي يتم تطبيق العدالة الدولية، ويتم الحفاظ على حق الإنسان في الحياة.

.............................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...