شركاءَنا في الوطن تعالَوْا نُفكِّر معًا

شركاءَنا في الوطن تعالَوْا نُفكِّر معًا؛

من أجل سورية المستقبل

محمد عبد الرازق

 تحدثنا الأيام أن سورية لا تُطيق أن يحكمها مكوِّنٌ من مكوِّنات الشعب السوري من دون الآخرين. و من لا يرى ذلك عليه أن يثبت لنا خطأ ما نقول؛ ليَعُدْ إن شاء إلى أية حقبة تاريخية مرَّت على هذه البلاد فسيجد صدقَ ما نقول، و إذا ما حاججنا بدولة بني حمدان ذات الميول الشيعية التي قامت في حلب وامتد نفوذها إلى بلدان وقرى الفرات والشام خلال الفترة من ( 890م إلى 1004م)؛ فإننا نقول له: إن هذه الأسرة العربية التغلبية قد نالت شرعية حكمها من انضواء القبائل العربية الضاربة في وادي الفرات، والجزيرة السورية، وأطراف بادية الشام تحت لواء دولتهم؛ فأصبحت تتمتع بقوة ونفوذ كبيرين، و قد عزز سيف الدولة شرعيته بكثرة حروبه ضد البيزنطيين؛ حتى قيل: إنه غزاهم أربعين غزوة، انتصر في بعضها، وحلت به الهزيمة في بعضها الآخر، و لمَّا حاول الإمبراطور (حنا شميشق) الاستيلاء على بيت المقدس؛ قاموا بدور بطولي في الدفاع عن المناطق الإسلامية وحمايتها من غارات البيزنطيين.

 ولما وصل الأسد ( الأب)إلى السلطة، و من بعده ( الابن ) تقبل السوريون ذلك بعيدًا عن النظر في انتمائهما ( العلوي). على الرغم من الطريقة المهينة التي وصل بموجبها ( الابن ) الوريث.

 و إنَّ ما كان من الحراك الشعبي ضد ( الأب ) لم يكن بدوافع طائفية، ففي السبعينات ضد فرض دستور لم ترضه شرائح كبيرة من المجتمع، و في الثمانينات لرفع الظلم، و المطالبة بالحقوق الأساسية المنتقصة للمواطن.

 و حينما اندلعت شرارة الثورة فيما أطلق عليه ( الربيع العربي) لم تتعدَّ المطالب حينها جملة من الاصلاحات، غير أن النظام بإصراره على تجاهلها، و من ثمَّ على معالجتها عن طريق الحل الأمني، الذي تطور فيما بعد إلى العسكري أغلق قنوات التواصل مع الحراك الشعبي السلمي، و كان أن أوغل فيه قتلاً، و اعتقالاً، و تهجيرًا، و من ثمَّ تدميرًا و حرقًا لمنازل الناشطين، و حرق المحاصيل الزراعية، و هو أمر تفتقت عنه ذهنية النظام في سابقة لم يعهدها السوريون من قبل، هذا فضلاً على المجازر الجماعية التي نفذت بدم بارد عن طريق الذبح، و تقطيع الأوصال، و تبع ذلك الاستخدام المفرط للأسلحة الثقيلة في دكّ المدن و القرى، و ليت الأمر وقف عند هذا. بل أعقبه الزج بسلاح الطيران ( المروحي، و الحربي ) في حرب مع الشعب الأعزل، ما عدا ما كان من مقاومة عناصر الجيش الحر الذين انشقوا عندما رأوا انحراف المؤسسة العسكرية عن المهمة الأساسية الموكلة لها أصلاً في حماية الوطن و مواطنيه من العدوان الخارجي، و ليس لفرض نظام الأسد بالغصب، و الإكراه.

 و بعد كل هذا العسف، و البطش للننظُرْ كيف هي الصورة الآن:

 بلدٌ مدمر، و شعب تنتابه المآسي بين ( معتقل، و مقتول، و مهجر، و نازح )، و اقتصاد منهار، و مؤسسة عسكرية منقسمة على نفسها، و سوق للمقاتلين على أساس طائفي، و الأخطر من ذلك كله الدفع بمكونات المجتمع السوري للانقسام على أسس: طائفية، و عرقية، و دينية؛ ممَّا يعني انهيارًا لمقومات الدولة في حال تحققت للنظام بُغيته، و استطاع أن يرسم حدود الدويلة التي يسعى إليها جاهدًا من خلال عمليات التطهير المذهبي في: حمص، و ريف حماة، و بعض من ريف إدلب المحاذية لسهل الغاب، هذا فضلاً على تخليص المناطق الساحلية من الفسيفساء البشرية التي تلونها منذ مئات السنين.

 إنّ الأمر يا سادة قد بلغ من الخطورة مبلغًا ما عاد يجدي معه السكوت، و دفن الرؤوس بالرمال، و البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، و الانسياق وراء ما يروجه ( آل الأسد ) من التصفيات على أساس طائفي حينما ينهار نظامه، ممَّا جعل شركاءَنا في الوطن من (العلويين) رهينة خوف لا مبرر له من شركائهم من مكونات المجتمع السوري الأخرى، و لا سيما من الأكثرية ( السُّنية ).

 يا سادة: إنَّ الوطن أهمّ من الأنظمة، و الشعب أبقى من حاكمه؛ و المستقبل هو ما ينتظر أبناءنا و أبناءكم، و ما ينبغي أن نفكر فيه من أجل سورية ( الغد )، سورية ( الحُلُم)، سورية(المؤسسات) و ليس سورية ( المُشخصنة)، سورية ( الديمقراطية)، و ليس سورية (الغصب و الإكراه)، سورية ( القانون)، و ليس سورية( الأشباح، و رجل الأمن)، سورية (المدنية)، و ليس سورية ( العسكر)، سورية ( المنتجة)، و ليس سورية ( المستهلكة)، سورية (السيدة ) ، و ليس سورية ( التحالفات)، سورية ( المتقدمة)، وليست سورية ( المنهارة حيثما جئتها)، سورية ( المتفاخرة بفسيفسائها البشرية)، و ليس سورية ( المفككة )، سورية ( الآمنة المطمئنة)، و ليس سورية ( المتوجسة خوفًا).

 تعالَوا يا شركاءَنا في الوطن نُفكِّر معًا ؛ من أجل سورية المستقبل، ليسعدَ أبناؤنا، وفِلذَّات أكبادنا تحت سماء الأرض، التي أحبها الله، فاختارها لتكون أرض المحشر، و عندها توضع موازيين العدل الإلهية، و قد خاب من حمل ظُلمًا.