الثورة..... و"ليس لها من دون الله كاشفة"
الثورة.. و"ليس لها من دون الله كاشفة" (1)
عبد المعز الحصري
مقدمة : يقول سيد قطب رحمه الله :إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟
إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة..
إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!..
إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء!
وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة! ،إنتهى قوله
قلت: إقتبس سيد قطب رحمه الله قوله-أعلاه-من قول الله تعالى" .فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ " الآية (54) من سورة الزخرف .
وأمثال تلك الجماهير الهائمة على وجهها والتي تَسبَحُ في فلك شهواتها وتُسبِّحُ بحمد الطاغوت وقوّته كمثل الثيران الثلاث والاسد وسبب ذلك ضعف إيمانهاأو ضياعه بالكلية فتتخذ من دون الله آلهة تعبد فتعساً لمن عبد- الدرهم والدينار والخميصة والهوى والطاغوت- من دون الله إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
ـ الثورة :عندما تشتد ظلمة الدنيا على الأحرار ويبزغ لهم بعض بصيص من أنوارٍ بعيدة فيطيروا لها فيعشقونها و يقدمون لها الغالي و النفيس .
إنها الثورة التي تعيد للإنسان كرامته فينتزعها من أعدائه نزع الروح من الجسد لأنه يراها – ثورته – روحاً لحياته و عزاً لكرامته .فهي الحياة التي تعيد لحياته معنى الحياة ، فكم وكم من أناس عاشوا في الحياة وهم أموات ، وكم من أموات وهم بين الناس أحياء " بسيرتهم وإقتفاء أثرهم "
إن الإرادة القوية والإصرار على إنتزاع النصر من اسباب النصر، فقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا عم! والله؛ لووضعواالشمس في يميني،والقمرفي يساري، على أن أترك هذا الأمر، حتى يظهره الله، أو أهلك فيه؛ ماتركته )). اذاً لابد من التنبيه إلى وحدة واتحاد تنسيقيات ثورة الربيع العربي-من المحيط الى الخليج - مع بعضها بعضا بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة حتى يعرف القاصي والداني حقيقة الطاغوت الذي لايرقب في مؤمن ضعفاً ولاعهداً وبذلك يسقط القناع عن وجهه وتنكشف حقيقة ديكتاتوريته،والذي أحبه هو أن يتسع اتحادتنسيقيات ثورة الربيع العربيةليشمل الأحرار في الأرض حتى تشعر الإنسانية أنً هناك من يطلب الحرية والكرامة – لا رغيف الخبز – ويذبح ويهجّرتحت شعار وحدة حرية إشتراكية ،أوأي شعار مزيف،ولتخرج ثورات سلمية في عواصم العالم لتفضح القاتل بصور لانتهاكات الطاغوت لحقوق وكرامة الانسان،فعندما تحارب الثورة السلميةمن أبناءالعمومةوالوطن ومن أهل المشرق والمغرب- والشمال والجنوب-من أكلة لحوم الكلاب ومتبنيهم الذين يفضلونها على اخوة الانسانية والبشرية ويتبجحون في الدفاع عن حقوق الإنسانية زوراً وبهتانا ويكيلون بمكيالين ،ولنضرب مثلاً لما حصل منهم تجاه تيمور الشرقية وشامنا المبارك.
وصدق القائل:
قتل إمرىء في غابة جريمة لاتغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
قلت:هذا البيت من الشعر يرمز الى حقيقة عدونا-من اليهود والذين أشركوا- ومايكيلوا به إلينا، والكثير الكثير يأمل منهم لنا النصرة والدفاع عن حقوقنا،وحقيقة أمرهم أنهم لايرضون عنا حتى نتبع ملتهم،فهم يريدون قتلنا بأجر ثم يدّعون عمارة بلادنا بأجرمضاعف ، قال الله تعالى : ".... وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " جزء من الآية (217) من سورة البقرة
ـ قال الله تعالى " ليس لها من دون الله كاشفة" الآية 58 من سورة النجم
قلت:كان إذا إشتدت الأزمات والهموم على سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري –أيًام الاحداث في سورية بالثمانينيات من القرن العشرين -، وقال الناس للشيخ ماهو الحل ، يجيبهم (( ليس لها من دون الله كاشفة ))قلت: النصرلمن نصر الله ،ولا بد لمن اراد النصر من الله تعالى، من الاعتصام بحبل الله، ثم الرجوع الى الله بالكلية، والتوبة والصلح مع الله وعباده، وصلة الارحام وأداء الحقوق إلى أصحابها ورضى الوالدين، والتركيز على الدعاء لأنه سلاح المؤمن،ولايكفي شعار طلب النصرة بل لابد من إعداد أسباب النصر ولتكن جميع شعاراتنا بما ترضي الله – أفعالاً قبلأننعلنها أقوالاً ظاهرا وباطنا- فاذا توفرت الشروط السابقة،كان النصر قاب قوسين أو أدنى، وما النصر إلا من عند الله، ويكون النصر بصبر ساعة،ولايخلف الله وعده بنصره لرسله والذين آمنوا يقول الله تعالى " إنًا لننصر رسلنا والذين آمنوا .." ويقول تعالى
" وإنً جندنا لهم الغالبون .." فعلينا أن نتق الله حتى نكون من جند الله فتكون لنا الغلبة بنصره لنا بمعيته
وصدق القائل : "أقم الشريعة على نفسك وتحقق على أبناء جنسك إن أردت سلامة رأسك" قال عليه الصلاة والسلام:"ليس شيء أحب الى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله،وقطرةدم تهرق في سبيل الله،وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعالى ، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى " يقول العقيد الشيخ سامي الصالح: ( مفسراًًفريضة من فرائض الله : شامللكل الفرائض ومنها العلم .. ويقول : إننا مدعوون للأخذ بكل سبب من أسباب القوة،قوة العبادة،وقوةالعلم،وقوةالجهاد ) المرجع:مجلة التذكرة العدد216 ،إصدار1413هجري.
قلت :هذه الجماهير التي خرجت في وجه الطاغوت متحدية الموت واضعة روحها على كفها مطالبة بالحرية ،علينا أن نقوي إيمانها بالله ونربط قلبها بالله وحده فتلهج حناجرها مدوية بقول الله أكبر ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ،
إن أبطأت غارة الأرحام وإبتعدت فأقرب الشيء منا غارة الله
يا غارة الله جدي السير مسرعة في حـــل عقدتنا ياغــــــارة الله
وهذا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي وهواني على الناس أنت أرحم الراحمين و رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدوملكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهكالذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحلعليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك" (أخرجه ابن إسحاق).
قلت :
إنّ أعداء الامة يحسدون أئمة المساجد على جلوس الناس بين أيديهم والاستماع لهم في خطبة الجمعة ، وهانحن نرى الجماهير تتحرك – بإشارة من منسقي الثورة-ثائرة على الطاغوت وأعوانه طالبة الحرية والكرامة. إنّ الثورة السلمية تستمد قوتها من مرجعيتها فإذا إستمدت قوتها من الله القوي العزيز فهي قويةعزيزة بربها ولابد أن ينصرها الله ولو بعد حين ليتخذ الله ويصطفي من خلقه شهداء ينقلهم من حياة دنيوية متكدرة الى حياة أبدية ليس فيها تعب ولانصب.
ـ إجهاض الثورة
سيستمر العالم - ( القريب منهم – إلا من رحم ربي – و الغريب "المدعي الحضارة و كرمال عيون أبناء صهيون " ) – بالمهل و القرارات الباردة و الاقتراحات المتقرحة و المناظرات العمياء و الدراسات العقيمة ليبقي على وجهه مذقة لحم حتى لا يسقط القناع عن وجهه و ينكشف الران المغطي قلبه وتبدو حقيقة سوءته و عنصريته وحقده المتجذر في القدم المتجدد في أساليب سياسية شيطانية .
إن العالَم الحاقد على العرب و الإسلام إنقض علينا في حالة ضعفنا – التتار و الحروب الصليبية – وهو الآن أشد خشية من صحوة المارد فهو يعمد على إجهاض ثورات الربيع العربي برسائل سرية أو من تحت الطاولة أو عن بعد بالإيحاء إلى أخطبوطه بفعل الأفاعيل ليقطف ثمرة ربيعنا المزهر البراق .
ـ حتى يتحقق هدف الثورة
إن هدف أي ثورة تغيير الواقع المرير و الأليم إلى واقع كله إصلاح و صلاح ، يقول الاستاذ الدكتور محمد أمحزون ( 2 ) : إن تغيير الواقع يأتي من داخل المجتمعات و الأقوام بتغيير ما بأنفسهم ، فالله تعالى لا يغير واقع مجتمع أو أمة حتى يبدأوا هم فيغيروا ما بداخل أنفسهم من مفاهيم و أفكار .... ويصلحوا أحوالهم و يلملموا جمعهم ويتعاطوا الحقوق فيما بينهم فيغير الله تعالى –آنذاك – ما بهم ، فيبدلهم بعد ذل وضعف قوة ، وبعد شدة رخاء ، وبعد فقر غنى وسعة .
قلت:إنّ الثورات الضعيفة تموت في مهدها ، والثورة الهزيلة هي التي تولد ضعيفة وليس لها مرجعية من قوة الشعب أو ترسانة من سلاح تكسر شوكة الطاغوت،وكان سيدي الوالد رحمه الله يقول : (البارودة لا تقابل الدبابة )، وصدق القائل لايفل الحديد إلا الحديد، ولا بد للثورة أن تكون قريبة في موقعها من الطاغوت تصبح وتمسي فوق رأسه وتقض مضجعه وتقص بعض أجنحته حتى يصبح كالطير مقصوص الجناحينويستسلم للأمرالواقع،ولابد من الصلح مع الله أولا، ثم فهم وتطبيق حقيقة " إنّا لله وأنّا إليه راجعون " على أنفسنا أفراداً ومجتمعات ، والأخذ بأسباب القوة والنصر والتوكل على الله حق التوكل .
ـ المطلوب من الثورات الناجحة
1. بيان خطتها ومنهجها في القيادة للأمة .
2. دعم قوتها وتحصينها .
3. إبعاد وتهميش أعدائها .
4. اغتنام عامل الوقت لصالح استمراريتها .
5. العدالة بين أفراد المجتمع .
6. الإصلاح بتمامه و كماله في جميع المجالات .
7. تأمين حاجات المجتمع بأمثل الطرق و أسهلها .
8. الحذر كل الحذر من الانقضاض عليها .
أذكر نفسي و إخواني و الأمة العربية و الإسلامية بكلمة الختام
إنّ أجمل وأكمل سيرة هي سيرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في تكوين نواة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة . " ولكم في رسول الله أسوة حسنة " فهي النبراس الوحيد لحياة الامم وفيها من الدروس والعبر ما يصلح لكل زمان ومكان .
( 1 ) الآية 58 من سورة النجم ،ورد في مختصر تفسير الطبري ( ليس لها من دون الله كاشفة ) : ليس تنكشف فتقوم إلا بإقامة الله إياها و كشفها دون غيره .
قال عبد المعز الحصري : كل أمر ذي بال ليس لنا به حول و لا قوة إلا بحول من الله وقوته .
( 2 ) كلية الآداب و العلوم الإنسانية ـ مكناس المغرب – في مقالته سنة التغيير ، الفرقان العدد 120 ، 2012 ميلادي