"الشنب" المقدس
"الشنب" المقدس
أ.د/
جابر قميحةكتب " بودلي " : إن قيمة الأمم والشعوب تقاس بما تنشغل به من فكر وأيديولوجيات ، ووقائع حاضرة وغائبة بحيث لا يشغلها المهم عن الأهم ، ولا التافه الساقط عن المهم . وضرب مثلا برجل سأل آخر : ما آخر أنبائها الآن ؟ فأجاب على البديهة : هي راقدة على البيض الآن .
فضحك السائل ؛ لأنه يسأل عن الحرب العالمية الثانية ، أما المسئول فلم يكن يشغله إلا دجاجة يقتنيها .
تذكرت هذه الكلمات وأنا أنظر إلى الأوضاع العربية فتأخذني حسرة بل حسرات : فالصهاينة يقتحمون القدس ، ويهوِّدون المسجد الأقصى ، ويحرَّمون هذه الأرض على الفسلسطينيين والعرب ، ويصرعون كل يوم بالطائرات عشرات من كتائب القدس .
و بشار - ( أو نشار ) - الأسد يذبح في الشعب السوري كما يشاء ، ويهدم البيوت ويحرق الأحياء ، ووصلت دانات مدافعه إلى المساجد ، وكل يوم يعيش الشعب السوري مذبحة جديدة ، دون أن يصغي هذا " النشار " لصوت العرب والمسلمين والعالم والمنظمات الدولية ، وكأنه لم يقرأ قول الشابي :
سيجرفك السيل سيل الدماء = ويأكلك العاصف المشتعل
ومصر تعاني ما تعاني من مشكلات متزاحمة متراكمة متراكبة ، وخصوصا الأزمة الاقتصادية ، ومؤامرات المخلوع .
ولبنان تمزقها الطائفية والاختلال السياسي .
وليبيا تثور فيها الفتن ، وبدأ تفتيتها إلى مناطق مستقلة : برقة ، وطرابلس ، وفزان .
واليمن مازالت تعاني ما تعاني من مشكلات . والبلاد الإسلامية ، وخصوصا افغانستان وباكستان تعيش في محن واضطرابات متتالية .
هذا بعض من الكل المأساوي ، ولكن الصحافة تحمل لنا خبرا غريبا ــ أغرب مما قرأناه عن صاحب الدجاجة ــ وخلاصته :
" أن المحكمة في بلد عربي مرموق تنظر قضية بطلاها حلاق مصري ومواطن من هذا البلد العربي ، جلس بين يدي الحلاق وهو يُعمِل فمه في قطعة من اللبان ، لذا زلقت يد الحلاق المصري وقصت جزءا من شاربه ، وقامت الحرب العالمية الثالثة ، وقدم الحلاق المصري المسكين عشرة آلاف من عملة هذا البلد كتعويض للضحية ، ولكنه رفضها ، ومازال يصر على حكم شرعي من المحكمة ، وقد أمرت هيئة التحقيق والادعاء العام بالقبض على الحلاق حيث أودعته السجن طوال ثمانية أيام على ذمة التحقيق ، ثم أطلقوا سراحه بكفالة كبيرة ، لتتم إحالة القضية إلى المحكمة الجزئية للبحث في ملابساتها " .
**********
إن المسلم الحق يجب أن يجعل هموم أمته في بؤرة شعوره ، لا يشغله عنها شاغل خاص ــ مهما كان له تأثيره ــ لمصلحته الشخصية ، ومسيرة حياته .
ومما يروى في هذا السياق : أن أحد المسلمين انطلق إلى بيت أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ في ساعة متأخرة من الليل وطرق بابه بشدة فنهض أبو بكر مفزوعا وسأل الطارق :
ــ ماذا هناك ، أجاءت غطفان ؟
( غطفان كانت قبيلة معادية تهدد بالهجوم على المدينة ) .
ــ بل اشد وأنكى ... لقد طلق النبي نساءه .
وهذا الخبر له دلالتان :
الأولى : أن المسلمين جميعا كانوا يعيشون هموم نبيهم ــ صلى الله عليه وسلم ــ .
والثانية : أن كبارهم كانوا لا يشغلهم إلا الأخطار التي تهدد الأمة الإسلامية .
أقول هذا ، وأقول لصاحب الشنب : " شيئا من الدين والسماحة والوعي واعتبار الذات ... يا صاحب الشنب المحلوق " .