الليبراليون.. وأبواق "الإعلام الفاسد"!!
الليبراليون.. وأبواق "الإعلام الفاسد"!!
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
من يتابع تداعيات المشهد العام ، وأداء أطياف المجتمع السياسى بعد الربيع العربي يلمس بوضوح أن موازين الثقل السياسى قد تبدلت، وخيارات الشعوب قد تميزت بشكل واضح نحو خيارات محددة وبالنظر إلى التيار الليبرالى و العلماني نجد أنه قد انكشف عنهم الغطاء ، وسقطت عنهم ورقة التوت ، واكتشفوا أنهم في معزل كبير عن قضايا وهموم الشارع العربي الذي فشلوا فشلا ذريعاً في تحقيق أحلامه وطموحاته بعد تهاوي زيف الشعارات التي صدعوا بها الرؤوس ، وحشوا بها مئات الزوايا عبر عشرات الآلاف من المقالات والحوارات في وسائل الإعلام في الأنظمة الديكتاتورية سواء البائدة أو التي مازالت قائمة !!
والحقيقة التي يجب أن يعترفوا بها إذا أردوا أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أن يعترفوا أنهم قد كبر سنهم وازدادت عزلتهم وتضاءل عددهـــم، ولـم يعد لهــم إلا تأثيـر محدود في مجتمعاتهم والقليل من الشرعية ؛ فهم بالنسبة لشعوب المنطقة وبخاصـة الشبــاب العربي لا يمثــلون أمل المستقبل، بـل يمثلــون الأفكـار الغابـرة التـي لـم تنجـح في الماضي، ولـم يعـد لديهـم القـدرة على استمالة قلوب وعقول أبناء الأمة.
إن الناظر إلى حال الليبراليين القدامى أو حتى الجدد منهم والذين يتصدرون المشهد الإعلامي تحت مسمى ما يحلو لهم أن يطلقوا عليه المثقفين والنخبة السياسية يجد أن السواد الأعظم منهم ينتظر أن تأتي الولايات المتحدة لتسلمهم مفاتيح البلاد العربية ، ليقفزوا على خيار الشعوب بعد الإطاحة بأسوأ الأنظمة العربية في تونس ومصر وليبيا ؛ في الوقت الذي التف فيه الشارع العربي حول التيار الإسلامي ، وهذا ما أكدته وشهدت به نتائج الانتخابات البرلمانية وخيارات الشعبين في كل من تونس ومصر .
وثمة ملاحظات نلمسها بوضوح من خلال هذا المشهد الذي لفظت فيه الشعوب التيار الليبرالي مع ما لفظته من حكام وأنظمة بائدة وأفكار دخيلة على مجتمعاتنا العربية .
أولا : أن أمريكا ضخت أموالا طائلة لدعم هؤلاء الليبراليين عبر منظمات المجتمع المدني ومراكز بحثية بحجة دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي في محاولة استباقية للرهان عليهم في تولى زمام الأمور بعد تصاعد الثورات العربية لقطع الطريق على التيار الإسلامي مع علمهم أنهم مجموعات منعـزلة لا تتمتع بأي تفويض شعبي.
ثانيا : فزع الليبراليون إزاء هذا المشهد إلى شن حملات تشويه مخططة ومستمرة ضد التيار الإسلامي ووصمه بالعديد من التهم وتصديره كفزاعة مرعبة للبسطاء في ملهاة إعلامية سخيفة يقودها إعلام فاسد من خلال إثارة قضايا عفا عليها الزمن ، وليست في أولوية ولا ذهن المواطن العربي ولا في قائمة مطالبة الثورية التي قدم دمائه من أجل تحقيقها ، مثل قضية منع الخمور ، ومصادرة ما يسمونه الإبداع عن طريق حذف مشاهد الإثارة والعري والابتذال من الأفلام والمسلسلات ، ومنع السياحة الشاطئية القائمة على العري والدعارة ، وإجبار النساء على ارتداء الحجاب ، وغيرها من القضايا المتكررة والتي مجها الشارع ، ونفاها التيار الإسلامي جملة وتفصيلا.
ثالثاً:حرص الليبراليون على توظيف الإعلام الفاسد بشكل شبه يومي في الفضائيات عبر برامج "التوك شو" للتعليق على شوارد التصريحات والمواقف من هنا وهناك والتصيد للتيار الإسلامي وتضخيمها وتأويلها ، ولم يعد لهم حرفة سوي الكلام وبث التخوفات وإظهار الهلع والصراخ في ملهاة إعلامية عبر الفضائيات في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى توحيد الجهود وجمع الكلمة وتقويه نسيج المجتمع بدلا من العزف على وتر تصنيف المجتمع الى مدنى وديني وإلقاء التهم وتصدير الفزاعات كما كان يفعل النظام البائد ، بتخويف المجتمع من التيار الإسلامي والتي باءت كلها بالفشل حينما استيقظ الشعب وأطاح بالنظام !!
رابعاً: يحاول الليبراليون والذين يخرجون بالعشرات من حين لآخر في شكل تظاهرات باسم التيارات العلماني وتارة أخرى بأسماء ائتلافات مجهولة الهوية للمطالبة بحرية الإبداع في الوقت الذي يطالب المواطن البسيط برغيف العيش وكوب ماء نظيف ويصر على أهداف الثورة التى خرج من أجلها وهى ( عيش – حرية – عدالة اجتماعية )، ويطالبون بإسقاط مؤسسات الدولة وبنائها من جديد على مبادئ ثورية لإحداث الفوضى الخلاقة فلا تُبنى الدولة ولا تتحقق مبادئ الثورة !!
خامساً: يصر الليبراليون دون سواهم على احتكار الدعوة للحرية والديمقراطية والمساواة والحداثة والمدنية ، رغم أنها شعارات براقة لطالما استخدمتها الأنظمة الدكتاتورية ، ولم تر منها الشعوب سوى السراب والقهر والقمع والإقصاء، ومع هلامية المصطلحات تندثر الحقائق ، ويوصف الآخرين بالظلامية والدعوة للدولة الدينية والرجعية والعودة إلى القرون الوسطي في اسطوانة مشروخة مستنسخة من دعاوى الأنظمة الدكتاتورية ضد الإسلاميين.
سادسا: لم يحترم الليبراليون قواعد اللعبة الديمقراطية ولا التنافس الشريف في الانتخابات التي جرت في كل من تونس ومصر ، فكما يقول المثل العربي " رمتنى بدائها وانسلت "!! فرحوا يتهمون المنافسين لهم من التيار الإسلامي بالتمويل من الخارج ، واستعمال الشعارات الدينية ، ومن العجيب أنه تم رصد إعلانات على سيبل المثال للكتلة المصرية وهى تمثل شريحة من التيار الليبرالي المصري تستخدم الشعارات الدينية ، ليس هذا فحسب بل مارسوا شراء الأصوات بشكل علني وطعنوا في خصومهم بشكل هستيري وبعد فوز التيار الإسلامي بالأغلبية راحوا يتحدثون عن قهر الأغلبية وسطوتها ووصفها الحزب الوطني المنحل قبل أن يجبوا الأداء ، أو تنعقد جلسات البرلمان.
سابعاً: يبدو أن فوبيا الهلع والخوف من اندثار أفكار التيار الليبرالى و العلماني برموزه وشخوصه ليست فى دول الربيع العربى فقط بل تشهدها دول عربية أخرى عند كل انتخابات برلمانية فنيتهجون نفس أساليب نظرائهم فى مصر وتونس كما يحدث الان فى الكويت ، حيث يشن التيار اليبرالى الكويتى حملة عاصفة ضد مرشحى التيار الاسلامي خوفا من أن يلفظهم الشارع كما لفظ أقرانهم ، فى محاولة استباقية لتدارك الامور .
فى السياق: الرهان على الحصان الخاسر!!
كتب جون بي آلترمان (Jon B. Alterman) مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية الأمريكي (Center for Strategic and International Studies) مقالاً تحت هذا العنوان تحدث فيه عن تنامي الدعم الغربي لليبراليين العرب محذراً من أن تعاظم هذا الدعم سيضر الليبراليين العرب ولن يفيدهم، ومحذراً الغربيين من الرهان عليهم.