شتاء ثقيل، وجهود لوقف نزيف الدم في سوريا
شتاء ثقيل،
وجهود لوقف نزيف الدم في سوريا
مع دخول الشتاء والبرد تبرز العديد من المآسي الإنسانية في سورية، فمع التضييق والخناق المستمر على المدن والأحياء التي تشهد مظاهرات مستمرة برز نقص حاد في مصادر التدفئة والوقود، إضافة إلى أزمات في العديد من المناطق في توفر الغاز مع استمرار لانقطاع الكهرباء وهو ما يشكل كارثة لسكان تلك المناطق والأحياء، فكما يقول شهود العيان والمواطنين أنه منذ قرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا في الجامعة الأسبوع المنصرم والتصعيد بحق المتظاهرين العزل في ازدياد وشراسة ومظاهر التضييق والحصار تزداد.
ميدانياً، تعرضت بعض سفارات الدول التي وقعت على القرار للاقتحام والتدمير من قبل الشبيحة ومؤيدي النظام، فقد تم اقتحام السفارة الأردنية وإنزال العلم الأردني ورفع العلم السوري وعلم حزب الله اللبناني على مبنى السفارة، كما وردت أنباء عن اقتحام سفارات قطر والإمارات والمغرب. كما أبلغت تنسيقيات الثورة عن وصول تعزيزات أمنية من مليشيات عراقية أتت لتقاتل إلى جانب قوات الأسد من الأمن والشبيحة، في الوقت الذي يغير فيه بعض كتائب الجيش لباسهم و يرتدون زياً مدنياً مخفين أسلحتهم وتطلى الدبابات باللون الأزرق في محاولة للتمويه عن العدد الحقيقي للعسكر في المدن والقرى وفي مواجهه المدنيين في حال زيارة المراقبين لسوريا.
من جانبه استمرت الانشقاقات في الجيش بمجموعات كبيرة في حماة ومعرة النعمان، وتم تشكيل كتيبة جديدة للجيش الحر سميت صقور الشام في دمشق، كما أكد العقيد رياض الأسعد – قائد الجيش السوري الحر – في لقاء سابق معه، أنهم لا يتلقون أي أسلحة من الخارج، وأن مصادر الأسلحة هي من الجنود المنشقين ومن بعض ما يغنمونه في هجماتهم، إضافةً إلى شرائهم للأسلحة من الجيش السوري نفسه. ونفى أن تكون هناك أي قطعة سلاح قد دخلت عن طريق لبنان أو تركيا، كما أكد أن عدد المنتسبين للجيش أصبح يفوق الخمسة عشر ألف رجل وأن الأعداد في تزايد، والجنود يتحينون الفرص المناسبة لإعلان انشقاقهم، وأضاف الأسعد أن المشكلة الأساسية التي يواجهونها هي الطيران، وطالب مجددا بحضر جوي لحماية المنشقين والمدنيين.
في سياق متصل تبنت كتيبة "أبو عبيدة الجراح" التابعة للجيش الحر هجوما من ثلاثة محاور على حاجز مسرابا الرئيسي بريف دمشق واستهدافه ونزع عتاده بالكامل، ومهاجمة وحرق باص كامل ينقل عناصر من الأمن والشبيحة مما أسفر عن مقتل أكثر من عشرين شخصا، بحسب البيان، بدورها أعلنت "كتيبة عمر بن الخطاب" في بيان لها أنها دمرت ثلاث عربات مدرعة وهاجمت حواجز عسكرية وأمنية في القصير قرب حمص، مما أدى إلى مقتل وإصابة عسكريين نظاميين، كما تعرض أحد مقرات حزب البعث الرئيسية في دمشق للقصف الصاروخي وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تتعرض لها مصالح النظام إلى القصف الصاروخي، وكان الجيش الحر قام بالعديد من العمليات النوعية هذا الأسبوع منها ضرب فرع المخابرات الجوية في حرستا، واشتباكات مع عناصر من الأمن السوري في القابون ودوما وبرزة ومعرة النعمان وغيرها من المدن والقرى أدت إلى خسائر مرتفعة في صفوف الأمن و الشبيحة.
وفي الجامعات السورية بدأت حركة تظاهر قوية واجهتها قوى أمنية تقمعها بشدة، ففي جامعة القلمون الخاصة والمملوكة لأحد المقربين من النظام السوري خرجت مظاهرة حاشدة يوم الثلاثاء المنصرم، وقام الشبيحة والأمن بإخمادها على الفور واعتقال العشرات من الطلبة المشاركين فيها واقتحام سكن الطالبات واستخدام العصيّ الكهربائية والأسلحة لتفريق الطلبة، وخرجت أيضاً مظاهرات من جامعات العلوم والتكنولوجيا والأوروبية والدولية وجامعة درعا، قوبلت كلها بالعنف من قبل الشبيحة والأمن.
كما لوحظ الأسبوع الماضي التعزيزات الأمنية تتوالى للمناطق المشتعلة كحمص وحماة وإدلب، ووصول كميات من الأسلحة الثقيلة تصل إلى المدن على ظهور السيارات والشاحنات، وهناك حالة من الترقب والتوجس من قصفٍ جويٍ للمناطق السكانية، ولم تهدأ هذه المدن من سماع دوي الانفجارات والقصف المستمر، ففي أحياء بابا عمرو من بعد وباب الدريب والبياضة في حمص تتحدث التنسيقيات المحلية أن انتشار القناصة على أسطح المنازل ومن شرفاتها قد ازداد بشكل ملحوظ مؤخراً.
"جمعة طرد السفراء" كما أسمتها تنسيقيات ولجان الثورة شهدت خروج المظاهرات بكثافة عالية في أكثر من ٢٠٠ نقطة تظاهر على مستوى سوريا، وكانت نقاط التظاهر الأبرز في كل من دمشق وريفها وحمص وحماة وحلب واللاذقية والحسكة وحوران وعامودا وإدلب والرقة ودير الزور. وقوبلت هذه المظاهرات بإطلاق كثيف للنيران وقنابل غازات مسيلة للدموع وقنابل مسمارية سقط العديد من الجرحى بسببها في حماة،كما حوصرت بعض المساجد لمنع المصلين من الخروج للتظاهر، إلا أن المواطنين خرجوا منادين بالحرية وإسقاط النظام وإعدام الرئيس وطرد السفراء السوريين من دول العالم المختلفة.وقد بلغ عدد الشهداء في يومي الجمعة والسبت ما يقارب من خمسين شهيداً وعشرات الجرحى، كما ارتفعت أعداد المعتقلين لتصل إلى المئات.
على صعيد المعارضة التقى المجلس الوطني الأسبوع المنصرم بوزير الخارجية التركي داوود أوغلو في أنقرة، وقال أوغلو في لقائه مع وفد المجلس الوطني السوري إن "تركيا تعترف بالمجلس بوصفه إطارا سياسياً معبرا عن إرادة الشعب السوري وحراك الشباب في الداخل". وقالت مصادر تركية إن المجلس الذي يمثل أغلب أطياف المعارضة السورية طلب فتح ممثلية له في تركيا، كما التقى وفد من المجلس الوطني السوري الاثنين وزير الخارجية الألماني الذي أكد تضامنه مع مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية. وفي ذات السياق زار وفد من المجلس موسكو حيث التقوا وزير الخارجية الروسي ونائب وزير الخارجية ونائب رئيس مجلس الشيوخ، وقد فشلت المحادثات الرسمية الأولية بين روسيا ووفد المعارضة السورية في إحداث خرق في العلاقات بين روسيا والنظام السوري، وأكدت روسيا استمرارها في موقفها المؤيد للنظام.
عربياً، وبعد سريان قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، عقد إن وزراء الخارجية العرب استثنائي في الرباط، واتفقوا على تشكيل بعثة من الخبراء المدنيين والعسكريين العرب لتوفير الحماية للمدنيين في سوريا، وكان الوزراء فوضوا الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الاستعانة بالخبرات والمراقبين من الدول العربية والإسلامية والصديقة لتنفيذ المهام الموكلة للبعثة، من جهتها ردت دمشق بالعديد من التحفظات على زيارة المراقبين وأرسلت تعديلاتها، ولكن الجامعة رفضت تعديلات دمشق، كما دعا ملك الأردن في خطوة غير مسبوقة على المستوى العربي بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة وذلك في مقابلة مع شبكة البي بي سي قال فيها جلالة الملك "لو كنت في نفس الظروف لآثرت الانسحاب"، كما قال الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي إن رفض الرئيس السوري بشار الأسد وقف العنف الذي تمارسه حكومته ضد شعبه جعل رحيله عن السلطة أمرا لا مفر منه. وقد طالب 33 نائباً كويتياً من أصل 49 حكومة في وقت سابق بلادهم بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، كما طالب النواب بطرد السفير السوري في الكويت.
وعلى الصعيد الدولي وصف الأمين العام للأمم المتحدة قرار الجامعة بأنه قوي وشجاع، هذا وقد ذكر بيان للأمم المتحدة إنها ترحب باعتزام الجامعة توفير حماية للمدنيين وتبدى استعدادها لتوفير الدعم المتصل عند طلب ذلك. وصرحت الممثلة العليا للأمن والسياسة في الاتحاد الأوروبي بان الاتحاد مصمم للعمل مع الجامعة العربية والشركاء الدوليين لحماية المدنيين في سوريا، كما أشاد وزير الخارجية البريطانية بحزم الجامعة العربية، وقال إن القرار يظهر الإحباط الذي يشعر به أعضاء الجامعة من النظام السوري وإننا نشاطرهم نفس الإحباط، هذا وقد رحب وزير الخارجية الفرنسي بالقرار ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك في إشارة ضمنية إلى مجلس الأمن إثر قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا. من جانبه استدعت باريس السفير السوري بعد الهجوم على مصالح فرنسية في دمشق وقال وزير الخارجية الفرنسي "وقعت أعمال عنف جديدة في سوريا حملتني على إغلاق قنصليتينا في حلب واللاذقية ومؤسساتنا الثقافية واستدعاء سفيرنا إلى باريس"، هذا و قد طلبت السفارة الإماراتية في دمشق من رعاياها مغادرة سوريا فوراً حتى لو اضطروا عن طريق البر إلى لبنان أو الأردن أو تركيا،وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد أعلن في مؤتمر صحفي أن الرئيس بشار الأسد "تجاوز نقطة اللا عودة"، وإنه سيواجه المصير نفسه للزعيمين السابقين الليبي معمر القذافي، والعراقي صدام حسين.
وعلى الصعيد الاقتصادي أفادت صحيفة فايننشال تايمز بان سوريا أوقفت الدفع لشركة رويال داتش شل الهولندية وتوتال الفرنسية عن عمليات استخراجهما للنفط من أراضيها الإيقاف الذي عزاه مصدر داخل الحكومة السورية إلى عدم امتلاك الحكومة السورية المال المطلوب، ويذكر أن الشركتين كانتا قد خفضتا إنتاجهما النفطي في سوريا لان العقوبات الدولية تجعل الصادرات أمرا مستحيلاً. كما جددت الولايات المتحدة الدعوة للمجتمع الدولي إلى إغلاق النوافذ التجارية مع نظام بشار الأسد، خاصة الدول التي لا تزال تتاجر بالسلاح مع سوريا.