قراءة في بياني مجلس الشورى الأخير

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وبعد

أثمن للإخوة سرعة لقائهم في الأسبوع الثاني من شهر أيلول اعام 2011 في مجلس الشورى ، وأسأل الله تعالى لهم السداد والتأييد،  وبعد.

في البيان الذي قدم للشعب تأكيدٌ على التحام الأمة بكل أطيافها وتبنٍّ للاستمرار في الثورة السلمية .

مطالبة العالم أن يضغطوا على النظام وأن يحموا الشعب السوري .

تثمين بعض مواقف البلاد العربية والصديقة .

تحريض الجيش على الثورة والانشقاق ، وعتاب للعلماء وتربيت لطيف على أكتاف  المهجرين من بعيد ، وتأبين للشهداء

وكان هذا كله بطريقة إنشائية ،واعتمدت الكلمات الفخمة الجزلة المصطنعة التي تمتاز بالسرد من بُعد .

أما البيان الموجه للصف فقد كان مختصراً تكرّرَ فيه ما جاء في البيان الموجه للشعب من رفض للطائفية وتبني السلمية  ومطالبة المجتمع الدولي والعربي بالضغط على النظام " سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً وإعلامياً وحقوقياً " فحدد البيان السبل للضغط على النظام ثم أردف بجملة مبهمة في " ب " من الفقرة الخامسة يطالب فيها المجتمع العربي والإسلامي والدولي بتحمل المسؤولية لحماية الشعب السوري . وكيف يتحمل هؤلاء حماية الشعب السوري وقد كبله البيان بخمسة حالات فقط ( السياسية و... ) وكان أولى بالبيان أن يكتفي بألف أو باء من الفقرة الخامسة ليعلم القارئ مطالب الجماعة بشكل صريح ، أهو تدخل محدد أو غير ذلك .

كثيراً ما نبهْنا القيادة شفوياً وكتابياً إلى ضرورة فهم الواقع والعمل على تحمل مسؤولية الثورة فصيلاً رئيسياً يحركها ، فقد كانت التنسيقيات التي تقود الثورة وتسمي الجمع وتوصل الأخبار والفيديوهات إلى الفضائيات والنت غالبيتها المطلقة إسلامية الفكرة والتوجه. وكانت الجماعة تصر على أن تظهر عن بُعد متعللة بأعذار سمعناها من قيادتها كثيراً مؤداها أن المجتمع لا يقبل الحركة الإسلامية ولا يدعم الثورة إن ظهرت إسلاميتها ، وكنا نؤكد أنهم يشابهون النعامة في دفن رأسها بالرمال وهي مكشوفة للعيان . ونحمد الله أنهم رأوا الحق فتبعوه.

وحذرنا في في مجالسنا وعلى النت أنه ينبغي أن تسرع الجماعة إلى تشكيل المجلس الوطني في الشهرين الثاني أو الثالث من عمر الثورة لتقطع على الوصوليين والمنتفعين الطريق ، فكان الرد الحاسم أنهم لا يريدون الظهور ، إلى أن سبقنا الكثير إلى ما كان ينبغي أن نفعله وأرادوا سرقة الثورة وكادوا أن يصلوا إلى أهدافهم ، ونحن منشغلون بأنفسنا وفئوياتنا القاتلة التي نسأل الله أن ينجينا منها وأن يهدي المساكين ممن لا يزالون يعيشون عليها إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، وإلا فهم يقودون الجماعة إلى الهاوية – حمانا الله من ذلك المصير وأخذ بأيدينا إلى السبيل القويم .

أما في سلمية الثورة أو الاعتماد على تدخل أجنبي وحماية دولية فأقول :

هل تتشابه ثورتنا بثورة مصر وتونس اللتين انحاز جيشهما في أسابيع إلى الشعب ؟ وجيشنا يعلن كل يوم بجرائمه أنه طائفي . وأنوّه أن النظام الأسدي  يتشابه إلى حد واضح بنظام العقيد الليبي .

هل كانت مصر وتونس تعتمد على شبيحة الأمن وميليشيات مستوردة من إيران ولبنان وغيرهما وتقتل كل يوم العشرات من المتظاهرين ؟

إن النظام يعتمد على الزمن البطيء في اعتقال عشرات الآلاف من الناشطين وقتلهم وتشريدهم وسينتج عن ذلك – وقد بدأت البوادر تظهر – فراغ الساحة من المتظاهرين الناشطين القياديين ثم يأسِ الثائرين المتظاهرين والتلاشي المتتابع لهم ، ولا ننسَ الحالة الاقتصادية للثائرين الذين فقدوا أعمالهم ولوحقوا ، ولا ننسَ دخول الشتاء وقد كان الثائرون يبيتون في العراء صيفاً .

إن الجنود والضباط الذين أعلنوا انشقاقهم وهروبهم من قطعاتهم العسكرية ولا يجدون ملاذاً آمناً وأسلحة وعتاداً وقدرة على المناورة والمداورة يصبحون عبئاً على الثورة كذلك . وسيمتنع الآخرون أن يسيروا سيرتهم كي لا يقعوا في المأزق الذي وقع فيه سلفهم. وهذا أمر خطير

لا بد – حسب قناعتي – من التفكير السليم بكل هذه الأمور تفكيراً واقعياً ومنطقياً واتخاذ القرار الصائب المناسب في تفعيل الثورة ،وأن لايتخذ إخواني في القيادة قراراً يندمون عليه ، ولات حين مندم ، فالناس – الشعب - ينظرون إليهم منقذين وقادة وعلى عاتقهم حمل ثقيل هم مسؤولون عنه أمام الله ثم الأمة والتاريخ ،

إن القادة الحقيقيين هم الذين يتصرفون بما يجب لا بما يريد الآخرون ويتخذون القرار الناصح ولو كان صعباً ، ولا يدغدغون آمال العوام . إنهم كالطبيب الجراح الذي يرى بثاقب رأيه ما يجب أن يفعل فيتحمل المسؤولية على عاتقه لينقذ المريض ......

اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد .