الدبابات السورية في معركة الكرامة
الدبابات السورية في معركة الكرامة
د. بشير زين العابدين
أكاديمي سوري
في شهر أكتوبر من عام 1973، حرك الجيش السوري ثلاثة ألوية مدعومة بألف وأربعمائة دبابة، ومائتي بطارية باتجاه الجولان المحتل، وأظهر الجنود السوريون شجاعة فائقة في محاولة جريئة لاستعادة الأرض والكرامة.
ففي معركة فاصلة أطلق عليها اسم: "معركة الدبابات"؛ كبدت القوات السورية العدو الإسرائيلي 2656 قتيلاً، ودمرت أكثر من ألف دبابة من دبابات اللواء الإسرائيلي السابع الذي عثر على قائده: "شوحام"، ونائبه وعدد كبير من الضباط محترقين داخل هذه الدبابات.
وفي غضون تلك المواجهة؛ قامت فرقة المغاوير السورية بإنزال ناجح بالمروحيات على مواقع استطلاعية متقدمة للجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ، وأظهرت هذه الفرقة شجاعة وتنسيقاً أذهل اليهود الذين اعترفوا بأنهم لم يكونوا مستعدين لمثل هذا الأداء المتفوق.
ومنذ تلك المواجهة الفاصلة ارتبطت صورة الدبابة في سوريا بالكرامة، وأصبح بينهما تلازم مثير للشجون...
رسمنا الكثير من هذه الدبابات -في مراحل الدراسة المبكرة- وهي تدك التحصينات الإسرائيلية بنيرانها في مرتفعات الجولان، وكانت الأنامل الصغيرة تضغط بشدة على اللونين: الأصفر والأحمر في تفاعل وجداني مع الأناشيد الوطنية الصاخبة، ومشهد العلم السوري يرفرف بشموخ في اللوحات التي علقناها على جدران الفصل وكأنها وسام يزين صدر أمة استردت عزتها وكرامتها.
حتى قيادة الجيش السوري أدركت قيمة الدبابات؛ فعملت على اقتناء المزيد منها، ليصل عددها في الوقت الحالي إلى: 4700 دبابة، منها ألفا دبابة من طراز (T55) التي يعود تاريخ تصنيعها إلى منتصف الستينيات من القرن الماضي، ونحو ألف دبابة من طراز (T62)، التي يعود تاريخ تصنيعها إلى مطلع السبعينيات، ونظراً لقدم هذه الآليات فإنها مودعة في مخازن ضخمة، حيث يتعذر استخدامها في الحروب المعاصرة.
أما الدبابات الأحدث، فيبلغ عددها 1700؛ وهي من طراز (T72)؛ ويعود تاريخ تصنيعها إلى مرحلة الثمانينيات من القرن المنصرم، وتعتبر هذه الآليات القوة الضاربة للفرق المدرعة بالفيلقين: الأول والثاني، وهي نفسها الدبابات التي تجوب المدن السورية اليوم، وتتمترس على مداخلها لتضييق الخناق على المدنيين، في معركة جديدة من معارك "الكرامة"!
لقد وقع النظام السوري في خطأ كبير عندما سعى إلى ترسيخ الحكم الشمولي وقمع المعارضة عبر إقحام آليات ثقيلة لا يجوز استخدامها إلا في ساحات القتال، وهي بدعة أمنية ابتكرها الأخوان: حافظ ورفعت أسد، وورثها عنهما ماهر وبشار بكفاءة واقتدار؛ ففي تكرار لتجربة الثمانينيات؛ زج النظام في مواجهاته الأخيرة مع الشعب بأكثر من 1500 دبابة في كل من: حوران، واللاذقية، وإدلب، وتل كلخ، وجسر الشغور، وحمص، وحماة، ودير الزور، والبوكمال، وكناكر، والزبداني، وبرزة، وحرستا في ريف دمشق.
وتؤكد تسريبات أمنية أن القواعد والثكنات العسكرية قد أخليت من جميع الدبابات، التي أوكلت إليها مهام قتالية تتمثل في: قصف المنازل والمباني، وحماية نقاط التفتيش، وتشكيل متاريس لإغلاق الطرق العامة، وإحكام الحصار على مختلف المدن والقرى.
ففي حوران على سبيل المثال، وردت تقارير عن تمركز: 200 دبابة وناقلة جنود في نوى، و80 دبابة وآلية في جاسم، و40 آلية في قرية الحارّة التي يتم ترويع سكانها بتوجيه 8 راجمات صواريخ على مناطقهم السكنية، و20 دبابة بالإضافة إلى 6 راجمات صواريخ موجهة نحو المنازل في قرية نمر، إضافة إلى قرية إنخل التي تتواجد فيها 50 آلية وتتمركز بها قيادة اللواء 16 وأفراده.
لقد حرف النظام فوهات مدافع هذه الدبابات من الجبهة مع "العدو الإسرائيلي"، وصوبها نحو صدور الشعب، في حين تركت فرق المغاوير جبل الشيخ، وشرعت في عمليات إنزال وقصف جوي على رؤوس المتظاهرين العزل.
وعلى الرغم من ذلك فإن أهل حوران –كإخوانهم في سائر أنحاء القطر السوري- لا يزالون يتحدون نيران المدافع والبنادق الآلية، ويخرجون بأعداد غفيرة، لأنهم يدركون أنهم يخوضون معركة: "كرامة" بامتياز.
ونظراً لخطورة التظاهرات السلمية على نظام أسس بنيانه على ترسيخ "الخوف"، فإن زواله من صدور المواطنين يؤذن بانهيار أركانه، ولذلك فقد حافظت القيادة على الآليات المتبقية لديها للمعركة الفاصلة في دمشق؛ حيث تتمركز ثلاثة ألوية مدرعة وفوج من الحرس الجمهوري، بحوالي 350 ناقلة مشاة، ونحو 300 دبابة من طراز (T72)، إضافة إلى: مروحيات، ومدفعية ثقيلة، ومدفعية مضادة للطائرات، ومنصات صواريخ.
لكن أقطاب النظام اليوم لم يستفيدوا من التجربة الأمنية السابقة، التي أثبتت بأن الهاجس الأمني المتمثل في تكديس الآليات والمدرعات داخل العاصمة وفي محيطها، قد يتسبب بنتائج عكسية؛ فعندما ظن حافظ أسد أنه نجح في سحق المعارضة في مختلف المدن عام 1982؛ فوجئ بانتشار 50 ألف مقاتل من سرايا الدفاع بآلياتهم في عصيان تزعمه شقيقه رفعت.
وكان للدبابات دور رئيس في القضاء على ذلك التمرد؛ حيث اجتمع حافظ مع زعامات "المرشديين" سراً، واتفق معهم على الإيعاز لأتباعهم بعدم تشغيل آليات هذه الفرق، ونجحت هذه المناورة في إفشال المحاولة الانقلابية بعد أن أدرك رفعت أن دباباته ومدفعيته أصبحت عديمة الجدوى لأن معظم العاملين قد خرجوا عن سلطته.
وتتكرر هذه الصورة اليوم، حيث تنتشر المدرعات السورية في مختلف المدن، ويشاهد العالم بأسره المواطنين وهم يعتلون الدبابات ويهتفون بالوحدة الوطنية ويطلبون من جيشهم أن ينحاز إلى الشعب؛ مما يدفع بقيادة الجيش للتفاوض مع المواطنين لاستعادة آلياتها في كل من: حوران، والبوكمال، والرستن وكناكر.
لكن الدبابات الروسية لا يمكنها أن تقف في وجه الحرية...
ولا تملك قذائفها إلا أن تؤجج نيران الإرادة الشعبية في تحقيق الكرامة...
فقد كتب أحد أبطال الثورة في قرية جاسم بحوران يقول:
"حوصرنا بالدبابات ولم نهرب، هوجمنا بالشبيحة ولم ننـزح، لن نترك بيوتنا إلا لقبورنا، نحن نخوض معركة الكرامة ".
وفي هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ السوري؛ سيوثق الأطفال عهد بشار بطريقتهم الخاصة؛ فسيرسمون رتل دبابات سورية حرفت مدافعها عن الجبهة، وأخذت تصب لهيب قاذفاتها على صدور المواطنين العزل...
ولن ينسوا تنكيس العلم السوري حداداً على أرواح الشهداء!