عفو عام في سورية.... هل نصدقه؟
عفو عام في سورية.... هل نصدقه؟
محمد حسن ديناوي
أعلن التلفزيون السوري يوم الثلاثاء الموافق (31 / 5 /2011 ) نقلا عن النظام السوري عن عفو عام يشمل الإفراج عن جميع المعارضين السياسيين في الداخل والخارج بما فيهم المنتسبين إلى جماعة الأخوان المسلمين .
بداية نود الإشارة إلى أن هذا القرار قد تم اتخاذه يوم الثلاثاء قبيل انعقاد تجمع المعارضة السورية من الداخل والخارج بيوم واحد ، كما كان الحال تماما في رفع قانون حالة الطوارئ قبيل يوم واحد من مظاهرات الجمعة العظيمة .
هذا التوقيت لا يعطي انطباعا بحسن النية عن مصداقية هذا القرار ويلقي بالشكوك حول أهداف مشبوهة لإفشال مؤتمر المعارضة في انطاليا ، وخلط الأوراق وخلق المشاكل وشق الصف بين الداخل والخارج ، وإثارة الخلاف بين مؤيدين ومعارضين ومتريثين ، أوبين واثقين ومطمئنين لمصداقية هذا القرار وبين المشككين .
يظهر هذا القرار بعد تجاهلات كثيرة متعددة واستخفاف ، لرسائل ونداءات للنظام القائم والرئيس بشار، صدرت من شتى الأطياف والألوان من معارضين ومثقفين وناشطين ومفكرين وسياسيين وإعلاميين ، ومن شخصيات اعتبارية ومستقلة وأكاديميين ، يمثلون جميع الأديان والأعراق والطوائف والمذاهب ، مسلمين ومسيحيين وعرب وأكراد وسنة وعلويين ودروز وإسماعيليين .... من الداخل والخارج ، وبعد أن سالت الدماء وسفحت بشكل وحشي وهمجي مقيت ضد أبناء الشعب السوري البطل وأحراره من نساء وشيوخ وأطفال وأشبال وشباب بعمر الورود .
يأتي هذا العفو بعد فضيحة المقابر الجماعية في درعا ، وبعد فضيحة العارالمروّعة مع الطفل حمزة الخطيب ، واستنكار عام داخلي وخارجي لهذه الجريمة البشعة النكراء من جميع منظمات حقوق الانسان ومنظمات العفو الدولية والناشطين والأحرار والمثقفين ... ومن جميع بني الإنسان .
يأتي بعد اتساع رقعة الاحتجاجات داخل سورية وانتشارها على كامل محافظاته ومدنه وقراه بجميع أطياف الشعب السوري ومكوناته الدينية والعرقية والإثنية والمذهبية .
يأتي بعد أن ملأت المدارس والساحات والمخازن التجارية بالألاف من أحرار الشعب ومثقفيه الذين زجوا داخلها ، عقابا لهم بعد أن خرجوا في التظاهرات للمطالبة بالحرية .
يأتي بعد فرض حصار مخز ومهين على كثير من القرى والمدن داخل الوطن ، وقطع وسائل الإتصال والكهرباء والماء ... على حمص وبانياس والرستن ودوما وتلبيسة وخاصة درعا ومحيطها فاق حصار غزة عارا وقساوة .
يأتي بعد محاولة حرف البوصلة وتحويل مهمة الجيش الوطنية ، من حماية الوطن وتحرير الأجزاء المغتصبة إلى توجيه السلاح إلى صدور وأبناء الوطن لحماية المستبدين والفاسدين .
يأتي بعد فصام مقيت وهوة سحيقة بين النظام والشعب ، حفرتها مخالب الشبيحة وأنياب العصابات الطائفية المرتزقة المستوردة ومعاول أجهزة الأمن القمعية ، وما تمحض عن هذا الفصام من إذلال وإهانة للمواطن ودوس على رأسه بحقد ولؤم وطائفية ، واعتقال لا يوفر شيخا ولا طفلا ولا يفرق بين ناشط شريف أو مثقف حر أو معارض أبي ، أو شاب طاهر متظاهر، أو شبل محتج بريء ، يسلم كثير من هؤلاء بعد اعتقالهم إلى أهاليهم جثثا هامدة وعليها أثار تعذيب وحشي مريع .
يأتي هذا العفو بعد اعتداء وقتل مباشربهدف القتل والترويع ، يستهدف الرؤوس والصدورلشباب الثورة الذين يطالبون بالحرية ، ويرددون شعارات وطنية ويدعون إلى وحدة كامل الشعب السوري وتماسكه بعيدا عن أي شعارات إقليمية أو طائفية ، رغم محاولات النظام الإعلامية المتهالكة ، وممارساته الأمنية المستمرة ، واستعانته بقوى إقليمية وميليشيات طائفية داخلية وخارجية لتحويل المشهد السوري إلى صراع طائفي على أرض الوطن ، لم ينجرّ إليها ويسقط في فخها المعارضون والمثقفون والناشطون والأحرار من أبناء هذا الشعب الأبي .
هل يصدق الشعب السوري وأطياف المعارضة هذا القرار ويثق بالنظام ، وهو لم ينس بعد الجمعة العظيمة والتي قدم فيها الشعب السوري البطل مائة وعشرين شهيدا من خيرة شباب هذا الوطن بعد يوم واحد من قانون رفع حالة الطوارئ ! .
وحتى بعض الناشطين الذين صدقوا النظام في مزاعمه برفع حالة الطوارئ ، وذهبوا لمراكز الأمن لطلب موافقة على التظاهر السلمي ، اعتقلوا في تلك المراكز مباشرة ولم يخرجوا منها !
كيف يصدق الناس هذه القرارات ولم يلمسوا شيئا من نتائجها على أرض الواقع ؟ بل العكس من ذلك تماما بدلا من الإفراج عن المعتقلين ، يقوم النظام برفع وتيرته القمعية وسياسته الهمجية من البطش والقتل وسفك الدماء واعتقال الكبار والصغار والنساء والأطفال .
هل يمكن أن نصدق النظام ومازال يمارس التضليل الإعلامي والتعتيم ، فيقلب الحقائق ويمنع وسائل الإعلام العالمية من دخول سورية وتغطية الأحداث ... كما يمنع منظمات العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان من دخول سورية ، خوفا من كشف الجرائم المروعة والمقابر الجماعية والخراب والدمار الذي ألحقه بالبلد ، والتزييف الإعلامي الذي يمارسه ، وأساليب البطش والترويع الهمجية التي يعامل بها العزل من أبناء شعبه ووطنه .
هل يمكن أن نصدق مثل هذا النظام ونطمئن له حين يصدر عفوا ويتكلم عن الحوار للداخل والخارج تحت مظلة الوطن ، وفي اليوم التالي يحاصر مدينة الرستن وتلبيسة وحماه ، يمنع عن أهلها الماء والكهرباء والغذاء ويقطع وسائل الاتصالات ، ثم يقصفها بالدبابات ويدكها بالمدفعية فوق رؤوس المواطنين فيقتل العشرات ويجرح المئات .
هل يصدق المواطن هذا القرار ويثق بالنظام أو إعلامه السيء السمعة ، دون أن يسمع أو يشاهد رئيسه يخرج على جماهيره من أسابيع طويلة كأنه غائب أو مغيّب ! رغم ما يحدث فيها من دمار وقتل وخراب ومجازر مروعة ترقى إلى حد جرائم ضد الإنسانية ، انتشرت على كامل رقعة أرض سورية الحبيبة .
إن هذا القرارالذي اتخذ – لو طبق مباشرة ودخل حيز التنفيذ - يعتبر خطوة إيجابية ومتقدمة والأولى من نوعها من عقود مضت ، طالبت بها المعارضة بكافة أطيافها مرارا وتكرارا من سنين طويلة ، ولو أصغى النظام لعين العقل لهذه المطالب ةتحاوب مع الوسطاء لجنب العباد والبلاد هذه الفتنة ، لكن هذه الوساطات كان يتعامل معها بفوقية وغطرسة ، فتقابل من جهة النظام بالتجاهل حينا والإلتفاف تارة ، والاستخفاف تارة أخرى .
أما الآن ... وبعد تقديم قوافل من مئات الشهداء الأطهار ، وآلاف المعتقلين الأحرار، ودموع مئات آلاف الثكالى واليتامى ، وأنات ملايين المواطنين من الظلم والقمع والقهر ... لا تعتبر كافية البتة ، إذا كان يراد للبلاد استقرارها والخروج من أزمتها ، ولا بد من حزمة إصلاحات حقيقية جريئة تطبق مباشرة وبدون التفاف عليها ولا مراوغة ( علاج بالصدمة ) ، مع إثبات المصداقية ومد الجسور فوق الحفر والهوات ، لإعادة بناء الثقة المفقودة مع مقدمات حسن النية مسبقا .
نعم ليعلم النظام جيدا إن الإصلاحات التي كانت مطلوبة بالأمس لم تعد كافية اليوم ، وإن المطلوب اليوم من المعالجات والإصلاحات بالصدمة لن يكون كافيا غدا .
إن الإصلاح الحقيقي اليوم يحتاج إلى مبادرة جريئة من النظام ، وقيامه بعملية جراحية تشريحية أليمة ، تستأصل الأورام السرطانية الخبيثة والزائدة من جسد الوطن ، التي جلبت له الخراب والدماروالخزي والعار، مترافقا مع القمع والقتل والذل والهوان ، بسبب سياسة الفساد والاستبداد والفوقية والتمييز .
لا بد من بتر الأعضاء الفاسدة وإزالتها عن جسد هذا الوطن الطاهر، على يد طبيب جراح ماهر ، حتى يتعافى هذا الوطن ، وينعم هذا الشعب بحياة حرة ، يرفرف فوق ربوعها الحبيبة الأمن والأمان ، والعزة والكرامة ، والحب والسلام .