هي الكويت كما عرفتها وكعهدي بها

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

ليس غريباً على الكويت مواقفها الوطنية والإنسانية والعروبية وقد كسرت بشجاعة ونبل الصمت العربي المريب والمعيب والمخجل لعرب الجامعة العربية على ما يجري في الساحة السورية من أنهار دماء.. وإزهاق أرواح.. وقمع للمتظاهرين المطالبين بالحرية والكرامة بوسائل وحشية.. أقلها نزع أظافر الأطفال.. وإطلاق الرصاص الحي المصوب إلى الرأس والعنق والصدر بهدف القتل.. ومحاصرة المدن وترويع السكان.. ومنع الحليب عن الأطفال.. والدواء عن المرضى.. والإجهاز على من يقع بأيديهم من الجرحى أو يقوده حظه العاثر إلى مستشفيات الدولة لإسعافه حيث رجل الأمن بانتظاره ليفرغ طلقة في رأسه تنهي حياته، ومنع الغذاء والماء والاتصالات عن هذه المدن المحاصرة.. وسط تعتيم إعلامي كامل لم تسلم منه حتى وسائل الإعلام الرسمية المختطفة من النظام منذ ما يقرب من خمسين سنة.. فهم لا يريدون أي شاهد على ما تقترف أيديهم من جرائم وموبقات.

النواب الكويتيون خرقوا هذا الصمت العربي المريب، وطالبوا حكومتهم (بقطع العلاقات مع النظام السوري وطرد سفير النظام السوري احتجاجاً – كما جاء في بيانهم – على العنف الذي مارسته القوات السورية لسحق المحتجين).

وقال 25 عضوا بمجلس الأمة الكويتي في بيان نشرته وكالة رويترز: (إننا في مجلس الأمة الكويتي نطالب العالم بالتحرك السريع لإيقاف هذه المجزرة... كما نطالب الحكومة الكويتية بقطع العلاقات مع هذا النظام القمعي وطرد السفير من أرض الكويت).

وندد النواب الموقعين على البيان بـ(المجازر في سورية حيث يواصل النظام قمع المتظاهرين سلمياً من الشعب السوري دفاعا عن حقوقهم المشروعة في الحرية والعدالة).  
وراح النائب وليد الطبطبائي أبعد من ذلك في مقابلة له مع فرانس برس بقوله: (سنتخذ خطوات أخرى لدعم الشعب المقاوم في سورية كما سنعمل على الصعيد الدولي لعزل هذا النظام).

كما انتقد النواب في بيانهم السلطات السورية بسبب رفضها دخول قافلة مساعدات كويتية مدينة درعا التي كانت مسرحاً لعملية عسكرية فظيعة كشفت بعد الانتهاء منها عن مقابر جماعية حوت ما يزيد على خمسين جثة لأطفال ونساء ورجال، من بينها أسرة كاملة (أب وأربعة أبناء).

لم أستغرب – كما قلت – هذه المواقف الشجاعة والنبيلة من النواب الكويتيين الذين أعرف بعضهم، وكان لي شرف الرفقة معهم على مقاعد الدراسة في خمسينات القرن الماضي، حيث أمضيت سنوات طفولتي وبواكير فتوتي (1955-1960) في مدارسها، وكم تنقلنا معاً بين ربوعها، تجمعنا ليالي السمر في معسكرات الكشافة ورحلات البر والبحر، وكم تناقشنا في القضايا العربية وشؤون الأمة على صغر سننا.

لم تكن الكويت عبر تاريخها وهي أمارة وحتى بعد نيلها الاستقلال إلا واحة تنبض بالعروبة وتخفق بالإسلام، فمنها انطلقت أول خلية فلسطينية جمعت الشباب الفلسطيني المتوثب لتحرير فلسطين، الذين كان لهم شرف تشكيل فصيل العاصفة لتحرير فلسطين، الذي كان نواة لحركة فتح، واستمرت الكويت في عطائها غير المحدود دعماً لقضية فلسطين وقضايا العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فلا توجد أرض إسلامية أو عربية إلا وفيها منارة إنسانية أو خيرية كويتية.

تحية إكبار وإجلال إلى أعضاء مجلس الأمة الكويتي لمواقفهم الشجاعة والنبيلة والعروبية الأصيلة.. التي كفكفت الدموع عن عيون الثكالى الذين فقدوا أبناءهم، والأرامل الذين فقدوا أزواجهم، واليتامى الذين فقدوا آباءهم، والمفجوعين الذين فقدوا أحباءهم.. وقد خُذلوا من أعضاء مجلس الشعب السوري الذين استقبلوا بشار الأسد بالتصفيق والتهليل وهو يلوح لهم بيديه اللتين لم تكونا قد جفتا بعد من دماء شباب درعا والمدن السورية الأخرى.

أخيراً نتمنى على العرب الصامتين على ما يجري في سورية أن تكون مواقف أعضاء مجلس الأمة الكويتي ملهماً لتحرك شبيه يكسرون فيه حاجز الصمت واللامبالاة للقمع الذي يواجهه الشعب السوري على يد نظامه القمعي الاستبدادي الديكتاتوري، الذي فجر الدم أنهاراً في كل الساحات والميادين والشوارع والمساجد والأزقة والزنكات في كل المدن والقرى السورية، وأن يقفوا موقفاً يستحقه منهم الشعب السوري، الذي لم يبخل في يوم من الأيام بدمه وماله وشباب أبنائه لنصرة القضايا العربية على مر تاريخه، من تطوان حتى بغداد مروراً ببيروت والقدس وطرابلس وتونس والجزائر.