الشعب السوري بين التسول والتشرد والسجن والذل والقتل

الشعب السوري

بين التسول والتشرد والسجن والذل والقتل

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

لم يكتف النظام السوري منذ نصف قرن في الانتقام من شعبه , ولم يكتف في توريث بشار وتحويل الجمهورية لملكية في  سحق الدستور تحت قدميه , ولم يكتف بمذبحة تدمر ليقتل 1200سجين من طليعة مثقفي وعلماء سورية في ساعة واحدة , ولا في المذابح المختلفة في جسر الشغور وسرمدا والرقة والمحاكم الميدانية وذبح الشباب أمام أمهاتهم والطلب من الأم أن تصب الماء على  يدي الجزار ليغسل يديه من دم ابنها, ولا بخمسين ألف من حماه وستين ألف في سجن تدمر وعشرات الآلاف في مختلف المدن والمعتقلات , وغياب أكثر من عشرين ألف في السجون وتشريد مئات الآلاف , فهذا لا يهم أبدا الكثير من المثقفين والمفكرين العرب في مقابل شعارات زائفة لا وجود لها على الواقع , وتسليم سورية هدية للفرس , ومع هذا فالقوميون العرب يقولون النظام العربي الصامد

كل هذا بجانب والجانب الأهم من كل هذا هو الحالة النفسية والتي وصل لها الشعب السوري من كثرة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري والذي ما يزال يصر عليها حتى الآن وإلى الأبد في سورية الأسد بعد أن كانت الجمهورية العربية السورية

ومواصلة جرائمه الاقتصادية هو وأعوانه وسرقة كل شيء في البلد لتوضع الثروة بيد الرئيس وإخوانه والمقربين منهم , ليصبح الشعب السوري الشعب المتسول الوحيد في العالم

أكتب هذه الكلمات والقهر والغيظ والذي بداخلي يكاد يخنقني من هول ما حدث اليوم في دمشق

نقل عن شهود عيان عن تجمع آلاف النساء السوريات منذ الساعة السابعة صباحا أمام مركز البريد في دمشق , والتجمع نتج عن خبر أن زوجة الرئيس سوف تتصدق على كل امرأة بمبلغ من المال بشرط أن يكون زوجها غير موظف عند الدولة , المبلغ 5 آلاف ليرة سورية لكل امرأة   تعطى لها في مركز البريد في دمشق , وتفاجأ ت الآلاف من النساء بأن هذا الخبر غير صحيح فضجت النساء من خيبة الأمل , وطوق الأمن المكان وأجبروهم على تفريق المظاهرة مع التهديد والوعيد

فالخبر على افتراض أنه غير صحيح

 فهل يلام على ذلك ناشر الخبر؟

في هذه الحالة لا تقع الملامة على ناشر الخبر بقدر ما تقع الملامة على الذي أوصل الناس لهذه الدرجة من الفقر والحاجة والتسول حتى يصدق مثل هذا الخبر , فكما يقال في المثل الغريق يتعلق بقشة , والفقر والجوع والحاجة هو الغرق بدون ماء , هذه الحالة التي وصل لها الشعب السوري من الخروج عن إطار العائلات  المتعففة وشدة آلام الفقر والجوع جعلت هؤلاء النسوة يخرجن عن حيائهن المعهود ليتجمعوا في الساحات العامة منتظرين صدقة من زوجة الرئيس فسورية كلها لها ولزوجها طبعا

أما في الحالة التي يكون فيها الخبر صحيحاً

فعلى من تقع مسؤولية الأمر ؟

صحة الصدقة التي قدمتها زوجة النظام , تدل دلالة قطعية عن احتقارها لهذا الشعب , وأن الشعب السوري ما هو إلا :

خدم وعبيد عند النظام , ولكي يؤكد النظام ذلك , جعل هذه العملية تتم عمليا لكي يظهر للشعب السوري أنني بقطعة من الخبر أجركم تحت قدمي هذه , وعزتكم التي تتغنون فيها , هي عبارة عن سلعة بالية تبيعونها لي بهذه الوريقات النقدية

فالوطن والشعب وكل ما عليه وداخله هو ملك لنا وأنتم مجرد جيوش من العبيد مهمتكم هي خدمة النظام ومورداً لثروته وجاهاً لسلطانه  , وفي مقابل ذلك , نُميت منكم من نشاء ونحي من نشاء , ومقابل هذه الحياة الحقيرة وحياة العبيد , فدمكم لنا مباح وعرضكم ومالكم وكرامتكم , ولكي لا تموتوا جوعا لحاجتنا إليكم كعبيد وعمالة وسببا لنا لجني المال وإظهار قوتنا والسادية في نفوسنا نبقيكم أحياء

أنا لا ألوم هؤلاء النسوة فهم أهلي وناسي , والمرأة في ثقافتنا العربية هي تاج الأسرة وكرامتها وعزها وصنوانها , ولكن الحاجة صعبة والجوع والعري أصعب , ليس من الصعب في هذه الحياة أصعب من منظر طفل يبكي جوعا وأمه تنظر إليه ولا تجد ما تطعمه أو تكسيه أو تذهب فيه للطبيب إن كان مريضا , بينما رأس النظام وزوجته عندهم عشرات المليارات مخزنة في البنوك الأجنبية , وحاشيته كذلك , وآلاف النساء يقفن أمام دائرة حكومية تحلم كل امرأة منهن بطعام تأكله وتطعم منه عائلتها , أو بقطعة ثياب تكسي فيها نفسها أو أبنائها , أكيد حلمت طوال الليل في المبلغ والذي يعادل مائة دولار , وأكيد قسمت كل قرش فيه لحاجة لها ولأبنائها أو تشتري خبزاً أو قطعة من الحلوى لم تذقها منذ زمن بعيد

إن كل فلس من عشرات المليارات بيد النظام وحواشيه  الحق فيها إليك أيتها المرأة التي تقفين أمام الدائرة الحكومية لتتصدق عليك منها زوجة الرئيس

فليس كشف حسابات زين العابدين ومبارك والقذافي عنا ببعيد , وهذه زوجة حاكم سورية تتصدق من مال الشعب للشعب , تسرق مالكم وتعطيكم فتات منه لتسمع كلمات تحية وإشادة

وفي المقابل الشعب السوري باع نفسه للنظام وجعل مصيره رحمة تحت جلاديه وكانت النتيجة

الشعب السوري تطور من حالة التسول الفردي إلى حال التسول الجماعي , ليجد عطاء مجزيا من لدن عقيلة الرئيس

هذا هو الأمن وهذه هي العزة والكرامة التي يصنعها النظام ليجعل من شعبه سداً أمام العدو الصهيوني والمؤامرات الأمريكية والإمبريالية العالمية , لأن مستوى الشعب وانحداره لدرجة التسول سيبقى بعيداً جداً عن تلك المخططات والأطماع  , فلا خوف منه ولا خوف عليه.