مرة أخرى: فعلاً حكومة دفن موتى
مرة أخرى: فعلاً حكومة دفن موتى!
أُبيّ حسن
كلنا شركاء
سبق أن كتبتُ بتاريخ 30/12/2009 إثر فقد القبطان السوري سامر صالح[1] مقالاً بعنوان "فعلاً حكومة دفن موتى", تطرقتُ فيه إلى الإهمال والتقصير الحكوميين إزاء "المواطنين" السوريين وقت النكبات, خاصة اللامبالاة الإعلامية في عهد وزير الإعلام الحالي[2]؛ وقد ختمتُ مقالي بالقول إن حكومتنا هي "حكومة دفن موتى, وكلنا في عهدها موتى مع وقف التنفيذ, وللحديث عن هذا الجانب مقال آخر", ونعتقد أنه آن الأوان للحديث عن الجانب الذي لم تسعفنا الظروف حينها بغية الكتابة عنه, آملين أن تتسع الصدور لما سنذكره.
قبل أن نذهب إلى الإيضاح والاستشهاد بكون حكومتنا هي حكومة دفن موتى كما نعتقد لا كما نرغب, ينبغي أن نشير إلى أنها تتفاعل(أحياناً) مع بعض ما يكتب عنها وحولها, بدليل أنها تحركت(على غير العادة) بغية السؤال عن الرعايا السوريين في هاييتي عقب الزلزال الشهير الذي ضرب هاتيك الجزيرة منذ بضعة أشهر؛ وسبق أن بادر رئيس الحكومة للاتصال بالمعنيين الرسميين(لا الفعليين) في الصومال عندما احتجز قراصنته بعض البحارة السوريين منذ فترة قصيرة نسبياً, تم إطلاق سراحهم في وقت لاحق.
نعم أيها السادة, إن حكومتنا هي حكومة دفن موتى ولا حسد, فقد تكون هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تنظر إلى موت مواطنيها(وربما الأصح القول: رعاياها) في الطرقات[3] من دون أن تعمل على توسيع شبكة طرقاتها الضيقة[4] كسياساتها الاقتصادية التي تكاد بدورها تخنقنا, وبمقدور أي مهتم أن يستعين بأرشيف الصحف الرسمية ليجد أن وفيات حوادث السير في الطرق تكاد تكون يومية وتحصد عشرات الأرواح بشكل شبه يومي, مثال «وفاة 5وجرح 31 حالة بحادث سير»(19/8/2010, صحيفة تشرين نقلاً عن موقع الجمل). وحتى الآن لا نعلم أيهما يكلّف الحكومة أكثر: هل وقوع الحوادث في الطرقات بما يترتب عليها من خسائر فادحة في الأرواح والماديّات أم إصلاح هذه الطرق من خلال توسيعها والتقليل من المنعطفات فيها قدر الإمكان, وتخصيص أماكن للشاحنات والقاطرات.. الخ؟
وقد ينفرد السوريون عن سواهم من بني البشر بطريقة الموت –في عهد حكومة العطري- في مجاري وحفر الصرف الصحي أعاذنا الله وإياكم ونجانا من هكذا ميتة, مع الأسف لم نسمع أنهم في السودان أو الصومال وبنغلاديش يموتون هكذا ميتات, وهذه الملاحظة نضعها في عهدة السيد عبد الله الدردري الذي مابرح يتحدث عن "إنجازاته" في إفقار السوريين وتجويعهم[5]! (راجع صحيفة تشرين بتاريخ 22/6/2010, "مياه الصرف الصحي تقتل أباً وابنه" في ريف إدلب), وكذلك «وفاة طفل في الخامسة من العمر إثر سقوطه في حفرة صرف صحي "مكشوفة" في حلب»(26/6/2010موقع عكس السير). وقبل قرابة العامين التفتت سيدة كانت بانتظار السرفيس في منطقة كفرسوسة إلى طفلتها/طفلها التي/الذي كانت/كان في جانبها, فلم تجدها/تجده, إذ سقطت/سقط في إحدى فتحات الصرف الصحي ووجدت/ووجد ثاني يوم جثة هامدة في إحدى مصبات الصرف الصحي في الغوطة الشرقية كما تناقلت إحدى الصحف السورية يومذاك.
طبعاً, ما يُجعلنا نشعر بوميض من التفاؤل وبصيص من الأمل أن ليس بالضرورة أن نموت جميعاً في حفر الصرف الصحي ومصارفه, في عهد حكومة السيد العطري, كمن سبق ذكرهم(مثالاً لا حصراً) هو تمكّن فوج إطفاء دمشق من إنقاذ الطفلة شهد كيال من «بئر ماء سقطت فيها على عمق 20 متراً وبقطر 27 سم في حي الزهور بدمشق» بعد محاولات مضنية استمرت أكثر من سبع ساعات (4/8/2010, "تشرين" نقلاً عن موقع الجمل).
هذا جانب من مآسي هذه الحكومة التي لا يخجل السيد عبد الله الدردري صاحب نظرية اقتصاد السوء الاجتماعي[6] بالقول لنا إن "فرنسا وإنكلترا تحسدان سوريا على وضعها الاقتصادي"!(24/5/2010, قاسيون).
صحيح أننا نشهد للحكومة المعنية دورها الكبير وجهدها البارز في محاربة التهريب, خاصة تهريب الحشيشة والمخدرات والحبوب المهدئة[7], وكذلك الدور "الريادي" لها في مكافحة اللحوم الفاسدة بالأطنان وبشكل شبه يومي, كأن تقرأ في صحيفة تشرين(نقلاً عن موقع الجمل), 19/8/2010 العنوان التالي: "8 أطنان لحوم ولبنة مغشوشة و920 ضبطاً منذ بداية رمضان في دمشق وريفها", أو"اكتشاف فساد بقيمة 104 ملايين دولار خلال 19شهراً"(يو بي آي, 17/8/2010).. إلى آخر ما يمكن أن يقال في هذا المقام ومن ضمنها الأوساخ التي اكتُشفتْ مؤخراً في مستودع "العربي" لصناعة الشيبس(الثورة 22/9/2010), لكن هذا كله لم يمنع من صدور تقرير دولي(عن منظمة النزاهة العالمية) يقول «إن سورية من أسوأ دول العالم في مكافحة الفساد»(راجع "كلنا شركاء", 6/7/2010), يحدث ذلك بالرغم من بعض الموظفين "الفاسدين" الذين يقوم السيد العطري بطردهم من وظائفهم بين فينة وأخرى, وإن كنا نشدّ على أياديه في هذا الجانب إلا أنه يحق لنا أن نسأله: ترى لِمَ لمْ يخطر على بال حكومته مساءلة السيدة ديالا الحاج عارف عن الفساد في وزارتها, وعلى أكثر من مستوى, وإحدى هذي المستويات تقودها كريمة السيدة الحاج عارف وفقاً لبعض المواقع الالكترونية, أو المتاجرة بالأطفال اليتامى وبيعهم للخارج[8]. أو السؤال عما جرى بخصوص الفساد في وزارة الصحة؟ هل تراه –رئيس الحكومة- تصفّح(هو أو أحد أعضاء مكتبه الصحفي) صحيفة قاسيون بتاريخ 6/7/2010 كي نعرف لِمَ لمْ يثر اهتمامه واهتمام حكومته العنوان التالي: " وزارة الصحة.. فساد مبرمج، تلاعب بالأدوية، سرقات بمئات الملايين(ا-2)"؟ طبعاً, ولاندّعي أننا نعرف ماذا في خطط الحكومة إزاء "4- 5 آلاف عائلة مقيمة على خط الانهدام في سفح قاسيون"(تشرين, 14/3/2010), لكننا نخشى أن يكون مصيرهم كمصير بعض أهالي الكلاسة في حلب منذ سنوات قليلة مضت. ونأمل أن يكون بوسعنا تصديق "بُشرى" السيد محمد الحسين وزير المالية بخصوص حل أزمة السكن وضبط أسعار العقارات(موقع الجمل, 1/8/2010), لكن هيهات.
نسوق ما سقناه ونحن نمتنع بحذر وحرص شديدين عن سؤال العطري عن مآل «أكبر قضية فساد وسرقة الدولة وأحدهم يتهم "عم سوريا" أبو سليم دعبول» وفقاً لما ذكره موقع كلنا شركاء بتاريخ 31/5/2010, وامتناعنا عن إثارة السؤال خشية مما لا تحمد عقباه حتماً.
ومآسي حكومة دفن الموتى وفشلها, نجده في ارتفاع نسبة البطالة في البلاد, إذ ما معنى أن يكون عدد العاطلين عن العمل 1,7مليون لم يشتغل منهم سوى 81 ألفاً طوال سنوات؟!("الوطن", 12/8/2010, نقلاً عن موقع الجمل). واللافت أن "حلت محافظتا اللاذقية وطرطوس, في المرتبة الأولى في عدد العاطلين من العمل في سورية بمعدل 13,4 و13,3 في المئة, وسجل عدد المتعطلين لدى الشرائح العمرية الأكثر شباباً النسبة الأعلى"(صحيفة الحياة, 11/9/2010). وأخشى ما نخشاه هو جهلنا بـ"الهاوية" التي تقودنا إليها الحكومة, خاصة إذا ما علمنا أن عدد سكان سوريا –وفق آخر الأخبار- يزداد 600 ألف نسمة سنوياً!(26/8/2010, وكالات, وراجع محطة أخبار سورية بتاريخ: 26/6/2010).
همومنا تطول, بيد أني وإن كنت غير متفائل في شيء على الإطلاق, وهذا لا يعني أنني أعمل على "وهن نفسية الأمة" و"إضعاف الشعور القومي" و"تغيير طبيعة النظام الاشتراكي" كما تفعل الحكومة عامة والسيد عبد الله الدردري خاصة من دون أن يحال أحد منهم إلى محاكم أمن الدولة, لكني أسأل الله صادقاً بأسمائه الحسنى وصفاته وعظيم قدرته أن لايجعل نهايتي في إحدى حفر الصرف الصحي التي لا تحظى باهتمام حكومة دفن الموتى هذه, تماماً كما لا تحظى طرق محافظتي –طرطوس- لاسيّما قريتي باهتمام السيد عاطف نداف الذي حولّها إهماله لها إلى مقبرة.. اللهم إنّا لا نسألك رد القضاء إنما اللطف فيه.


[1] -تناقلت بعض المواقع الالكترونية مؤخراً انه وجد مدفوناً في أضنة وأن بعض السلطات المعنية تسعى لإعادة جثته إلى مسقط رأسه في محافظة اللاذقية.
[2] -على سبيل المثال لا الحصر, جميع المتابعين يذكرون تغافل الإعلام السوري وجود بحارة سوريين على متن السفينة البنمية التي غرقت قبالة شواطئ طرابلس أواخر العام الماضي, وقد انتقدنا –وسوانا- ذلك التجاهل في حينه. لكن بدأنا نلمس تغييراً طفيفاً وخجولاً نحو الأحسن في ذلك الإعلام.
[3] -قرأتُ في وقت سابق خلال هذا العام تصريحاً منسوباً إلى السيد عبد الله الدردري, مفاده إن الحكومة تنوي الاهتمام بـ800 كلم من طرق البلاد, في خطتها الخمسية القادمة. والـ800 كلم هي المسافة الكائنة بين مدينتي اللاذقية ودمشق ذهاباً وإياباً! فتصوروا يارعاكم الله, ترى كم خطة خمسية ستحتاج سوريا إذا ما أرادت الحكومة إصلاح أربعة آلاف كلم من شبكة الطرق؟!
من جانب آخر, يمكن أن نشير إلى الإهمال في حالة الطرق في محافظة صغيرة مثل طرطوس, خاصة في عهد المحافظ الحالي السيد عاطف نداف الذي نخشى فعلاً ألاّ يكون مبالياً في وفرة الحوادث التي تحدث فيها بسبب سوء الطرقات ونزعه للمطبّات عن بعضها كما فعل في قرية ضهر مطر, على سبيل المثال لا الحصر. حبذا لو يستفيد السيد نداف من خبرة وإنجازات السيد إياد غزال محافظ حمص الذي قام بتحسينات عدة فيها, ليس دونها توسيع وتحسين شبكة طرقها.
[4] -التوسيع الذي تمّ مؤخراً في بلدة حصين البحر, لم يُنجز بالشكل المرضي, وفيه الكثير من الأخطاء التي لا يقع فيها خريجو الهندسة المبتدئين, وإن كانت تلك الأخطاء دون الفضائح التي تعتري بعض الجسور التي تمّ إنشاؤها في مدينة طرطوس منذ بضع سنوات, لكن مع ذلك رضينا به على علاّته –توسيع طريق حصين البحر- وفقاً للقول المأثور: "الكحل أحسن من العمى".
[5] - يذكر الزميل معن عاقل, بخصوص الدردري, وفي معرض رده على أشباه الرجال: " سورية والسنغال، هذان البلدان الأثيران بالمقارنة لدى الدردري الذي بدأ معنا مشواره بدراسة التجربة الصينية، ثم نقلنا إلى محاكاة التجربة الماليزية، وبعدها تقليد التجربة الإيرانية، والتشبه بالتجربة المصرية، وانتهى به المطاف إلى المقارنة بالسنغال والدول الأفريقية ليثبت حالة الرخاء التي يعيشها المواطن السوري، في حين أنني صادفت ثلاثة موقوفين لدى أمن الدولة بتهمة بيع كلاهم في مصر بمبلغ 175 ألف ليرة سورية للكلية الواحدة من أجل بناء مسكن يأوي أبنائهم" (28/7/2010 نشره"كلنا شركاء").
وبخصوص الفقر في سوريا نشير إلى مقال للزميل زين الشامي بعنوان"معضلة الفقر وأسئلة الناس في سوريا", أتى فيه"تكفي جلسة حوار لمدة دقائق قليلة مع أي شاب، أو خريج جامعي عاطل عن العمل، أو حتى موظف أو عامل، أو صاحب مهنة خاصة، حتى ندرك حجم الإحباط الذي يلقي بظلاله الثقيلة على الجميع جراء الأوضاع المعيشية المتردية وغلاء الأسعار، وبقية الهموم المتعلقة بتأمين القوت اليومي، أو الحصول على فرصة عمل" ("الرأي العام", 14/6/2010).
[6] - ليس من قبيل المصادفة أن يطالب العمال بعد مضي أكثر من خمس سنوات على اقتصاد السوء/السوق الاجتماعي أن يطالبوا بتعريفه نظراً لغموضه بالنسبة لهم حتى اللحظة! فقد قال: "التقرير الاقتصادي الأخير للاتحاد العام لنقابات العمال في سورية إن المطلوب من الخطة الخمسية الحادية عشرة العمل على صياغة نموذج خاص للاقتصاد والمجتمع السوري يبنى على تعريف محدد لاقتصاد السوق الاجتماعي، ووفق التقرير فإن من أهم ملامح هذا النموذج الاقتصاد السوري هو تحقيق نسبة نمو عالية لا تقل عن 10% مصدرها الأساسي القطاع الحقيقي وليس الخدمي الريعي.. الخ"(3/7/2010, دي برس).
[7] -أحد المهربين مسؤول في ما يسمى "حركة الاشتراكيين العرب", وعضو مجلس شعب سابق, وممثل حزبه في فرع قيادة الجبهة في حمص, واسمه: مهذب رجوب, لا ندري ماخصّه بالتهذيب! (25/7/2010, نشرة "كلنا شركاء"). في السياق ذاته نشير إلى رجل الأعمال الجشع الذي أُلقي القبض عليه في تركيا, وهو من ريف اللاذقية وقريب أحد الوزراء الحاليين, وفيه كتب الزميل نضال نعيسة مقالاً بعنوان"ألله لا يشبعكم". طبعاً, لا نستبعّد أن يبرّئ القضاء السوري أمثال هؤلاء المجرمين, تحديداً إذا ماكان قضاتهم على شاكلة القضاة الذين برأوا من اتهمني وعدد من الصحفيين بالعمالة لإسرائيل, وما على ضمير بعض القضاة السوريين شيء بحرام, ولهم في سعيد ميرزا أسوة.
[8] - لمزيد من المعلومات في هذا الجانب اقرأ هذا المقطع للزميل معن عاقل, وحقيقة لا ندري ما هو موقف حكومة العطري من هذه المعلومات الخطيرة!: "... ووئد أولئك الذين صدقوا مقولات الشأن العام والواجب الوطني والرؤية والمشروع، فتحول أمثال د. عصام الزعيم ود. حسين العماش إلى مرتكبين في حين كان بإمكانهم جمع ثروات على غرار نظرائهم، وليس أدل على ذلك من أن جهات دولية مانحة قدمت للعماش سيارات حديثة واقترحوا عليه تسجيل بعضها باسمه فرفض وسجلها كلها باسم هيئة مكافحة البطالة، ليفاجأ بعد ذلك بتغريمه بملايين الليرات هو الذي تنازل عن ملايين ما كان يحق لأحد مساءلته فيها، بينما وزراء تلفهم الفضائح على المواقع الالكترونية مع أبنائهم، فضائح معلنة وأخرى خفية، ولا أحد يحاسبهم عليها، حتى مجلس الشعب لم يستطع مساءلتهم، وليس أدل على ذلك ما جرى مع ابنة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وما نشرته المواقع الالكترونية عنها، بل وأخطر من ذلك، ما روته مفتشة في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عما يجري في دار اللقطاء وكيف سمحت الوزيرة لأحد الأثرياء القاطنين في المزة تبني طفلتين، رغم أن الثري لديه أبناء، ومنعت موظفي الوزارة من متابعتهما، وتبين فيما بعد أنه جرى إخراجهما خارج القطر كما روت المفتشة، وبالتأكيد هناك أمثلة لا حصر لها تبدأ من التلاعب بمؤشرات الخطة الخمسية العاشرة وإنجازاتها مروراً بقروض المصرف الصناعي وفضائح الاستثمارات ولا تنتهي عند الخفير الجمركي الذي استدعاه الآمر العام لمحاسبته على تسريبه معلومات لإحدى الصحفيات حول فضيحة مخزن في عقربا أدى إلى خلاف بين مدير عام الجمارك وآمر ضابطة المكتب السري" ("معن عاقل يرد على أشباه الرجال" مصدر سابق ذكره).