فصل عابر من فصول التاريخ

أ.د. حلمي محمد القاعود
drhelmyalqaud@yahoo.com
هذا
العنوان جزء من عنوان مقال للكاتب الصهيوني ( زئيف شترنهال ) نشره في جريدة هاآرتس
بتاريخ 10- 7-2008 يعالج فيه فكرة التمييز العنصري التي يمارسها العدو النازي
اليهودي في فلسطين ، مع الشعب الفلسطيني ؛ داخل الخط الأخضر وخارجه ، والعنوان
كاملا هو " الاحتلال يحول الصهيونية إلى فصل عابر من فصول التاريخ : نحن علي طريق
الابارتهيد ". العنوان طويل كما نري ولكن نشر المقال توافق مع تصريح للسفاح "أولمرت"
يعترف فيه لأول مرة بالتمييز العنصري بين اليهود والفلسطينيين . وجاء التصريح بعد
نشر مقال آخر لكاتب صهيوني آخر اسمه "عاموس شوكان" قال فيه : إن الكيان الصهيوني
يسير علي طريق التفرقة العنصرية الأبارتهايد . هناك إقرار من الكتاب الصهاينة أن
الحفاظ علي كيانهم الاحتلالي أو الدولة القومية كما يسمونها في ظل الاحتلال يزداد
صعوبة يوما بعد يوم .
ولست هنا في مقام استعراض ما قاله هذا الكاتب الصهيوني أو ذاك أو رصدهم للتحولات
العنصرية وتجلياتها في الوطن السليب .. ولكني أريد تسجيل القلق الذي يعتري النازيين
اليهود نتيجة سياساتهم الاستيطانية العنصرية ؛ حيث يرون أن حكومتهم تقودهم إلي
الهاوية والنهاية أو كما يقول زئيف شترنهال " إن لم يتم إجلاء المستوطنات عن
المناطق ( يقصد الضفة الغربية المحتلة ) فستصبح هذه الدولة إطارا سياسيا مشتركا لكل
من يعيشون بين النهر والبحر ( يقصد فلسطين كلها ) وهو تنوع عرقي قومي وثقافي .
وتحوّل الصهاينة إلى فصل عابر من فصول التاريخ ".
الصحفي الصهيوني يريد أن يكون الكيان الغاصب خاليا من العرب ونقيا من غير اليهود ,
ولذا يدعو حكومته إلى الجلاء عن المستوطنات حتى لا يختلط اليهود بالشعب الفلسطيني ،
لان الوجود الفلسطيني بقيمه وثقافته وتكاثره سيعكر صفو الصهاينة ويفسد عليهم الطبخة
الاستعمارية .
وإذا كان عبد الوهاب المسيري ، تنبأ بزوال الكيان الصهيوني لأسباب تعود إلى اليهود
الغزاة أنفسهم وعلي رأسها العنصرية فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر التضحيات التي
بذلها ويبذلها الفلسطينيون والعرب والمسلمون في جعل الصهيونية فصلا عابرا من فصول
التاريخ .
إن
هذا الأسبوع( منتصف يوليو) يحمل الذكري الثانية للعدوان النازي اليهودي علي لبنان
، وقد استخدم الغزاة مدعومين بالآلة العسكرية الأمريكية وتأييدها السياسي في الأمم
المتحدة وتواطؤ بعض الأنظمة العربية الغبية ؛ كل الإمكانات الحربية واللوجستية
وعناصر التجسس الخائنة لتركيع لبنان الصغير والمقاومة اللبنانية الإسلامية المحدودة
، واستمر التدمير والقتل لمدة أربعة وثلاثين يوما في أطول حرب جرت بين العدو والعرب
المقاومين . وكان قادة العدو يظنون أن الحرب مجرد نزهة ستنتهي بعد ساعات أو أيام
علي أكثر تقدير ؛ ولكن الحرب استمرت وانتهت أسطورة الدبابات المركافاة علي أرض
الجنوب ، وتم تدمير أكبر مدمرات العدو البحرية علي شواطئ صيدا ، وسقط العشرات من
الغزاة قتلى ..وكان علي الغزاة أن ينسحبوا مكللين بالإخفاق الذر يع وتمت إقالة أو
استقالة وزير الحرب ورئيس الأركان ( قائد الجيش ).
لم
يحقق العدو ما وعد بانجازه ؛ وهو تحرير بعض الأسري الذين وقعوا في قبضة حزب الله
قبيل الحرب ، ولم ينجح في سحق هذا الحزب أو نزع سلاحه كما وعدت بياناته .. وها هو
بعد عامين يجد نفسه يوقع اتفاقا في الأمم المتحدة مع حزب الله لتبادل الأسري
والمعلومات حول المفقودين من خلال التفاوض غير المباشر ودون مصافحات أو أحضان أو
قبلات .. ويسجل الحزب ما وعد به وعدا صادقا بأن العدو لن يستطيع تحرير أسراه بالقوة
العسكرية وأن الحزب سيحرر الأسري اللبنانيين وعلي رأسهم سمير القنطار المحكوم عليه
بأكثر من خمسمائة عام سجنا !
وفي
السياق ذاته فإن الحصار الإجرامي الذي فرضه العدو النازي اليهودي علي قطاع غزة بعد
نجاح حماس في الانتخابات التشريعية وقضائها علي الأمن الوقائي الخائن الفاسد ؛ لم
ينجح في زحزحة الشعب الفلسطيني عن عقيدته أو اختياراته مع انه منع عن القطاع الطعام
والدواء والمواد الأساسية وأوقف التصدير والاستيراد والدخول والخروج في وحشية لا
يمارسها إلا الغزاة النازيون اليهود !
لقد
استمر الحصار لمدة عام كامل أو يزيد ولكن الإرادة الفلسطينية والتضحيات الباهظة
التي دفعها أهل القطاع ومواجهتهم للعدو بإمكاناتهم المحدودة أرغمت الغزاة علي
التسليم بأول اتفاق للتهدئة والقبول بالشروط التي فرضتها حماس والتخلي عن العنجهية
والغطرسة والخيلاء .. صحيح أن التهدئة تتأرجح بين الانتهاء والاستمرار ؛ لكنها
أثبتت قوة المقاومة ووجودها المؤثر .
حزب
الله وحماس يسهمان في تحويل الصهيونية إلى فصل عابر من فصول التاريخ .. وحين ينضم
العرب والمسلمون بإمكاناتهم السياسية والمادية إلى جانب المقاومة ومحاصرة العدو
حصارا شاملا ؛ فان الموقف سيتغير بالتأكيد وسيتم التعجيل بتفكيك الكيان الصهيوني
واضمحلاله من الداخل حيث تظل تناقضاته ومفاسده التي تقضى عليه إن شاء الله .
كان
من المعيب أن يثير البعض في أثناء العدوان النازي اليهودي علي لبنان ( يوليو 2006 )
الحزازات الطائفية والمذهبية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الاتحاد والتعاون
والتعاضد ضد العدو وإجرامه . هناك ما يمكن تأجيله ولكن مواجهة العدو لا يمكن
تأجيلها .. بيد أن المخلفين من الأعراب لهم تجليات تثير غضب الحليم !
ثم
إن من المعيب جدا ؛ أن تتواطأ دول وأنظمة عربية مع العدو والأب الروحي له ( أميركا
) ضد شعب شقيق، كل جريمته انه تصدي للعدوان وقاومه ومنعه من تحقيق أهدافه .
إن
النظام العربي الذي يقدم خدمات مجانية للعدو بالعلاقات السرية والتبادل التجاري
والتعاون الأمني وفتح المجال لانتقال الوفود بينه وبين الكيان الصهيوني ؛ يؤخر
كتابة الكلمات الأخيرة في ختام الفصل العابر للصهيونية في التاريخ .
أما
المعيب والخطير فهو إصرار مليونيرات أوسلو علي شق الصف الفلسطيني وتأخير المصالحة
الوطنية انتظارا لأوامر واشنطن وتل أبيب .. لقد أعلن إسماعيل هنية استعداده
للتنازل عن الحكم في سبيل المصالحة الوطنية ، ولكن الأشاوس والنشامي مصرون علي أن
يكون نزع سلاح المقاومة - يا للعار – في مقدمة شروطهم للصلح المستحيل !
ومهما يكن من أمر فإن الفصل العابر من فصول التاريخ ستكتب الحروف الأخيرة فيه قريبا
- بإذن الله – من خلال تضحيات الأمة ؛ وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الأسير .
![]()