دمعة وفاء وذكرى ورثاء على شيخنا العلامة عبد الرحمن بكور ريحاوي

سيد أحمد بن محمد السيد

دمعة وفاء وذكرى ورثاء

على شيخنا العلامة الرباني الأستاذ:

عبد الرحمن بكور ريحاوي يرحمه الله

لتلميذه: سيد أحمد بن محمد السيد

مدرس اللغة العربية في:

مركز الدراسات العلمية والفكرية صامسون تركية

hgjghkfh914.jpg

*قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يُبقِ عالمًا, اتخذ الناس رؤوسا جهالا, فسئلوا فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا". خ عن عبد الله بن عمرو. *صحيح البخاري 23 برقم 100.

*وعن هلال بن خباب قال: قلت لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله, ما علامة هلاك الناس؟ قال: "إذا هلك فقهاؤهم هلكوا". *الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/154.

*وقيل للإسكندر: -"وتُنسَب أيضا للوزير الفارسي بُزرجمهر؛ أنه سُئل عن معلمه وأبيه"-: ما بال تعظيمك لمؤدبك أكثر من تعظيمك لأبيك؟! قال: لأن أبي سبب حياتي الفانية, ومؤدبي سبب حياتي الباقية.

- وفي رواية: أبي حطني من السماء إلى الأرض, ومُؤدبي رفعني من الأرض إلى السماء. *روح البيان لإسماعيل حقي البروسوي 7/80, وزهر الآداب وثمر الألباب للقيرواني 201.

نبأ النَّعِيِّ أطارَ كُلَّ صَوابِي              مُذْ جاءَ يَنْعَى جَامَعَ الأحْبابِ

مُذ جاء ينعَى شيخنا وحبيبنا              عَلَمَ الشريعة , مُلتقى الطلابِ

                                   *********

أ أبو محمد   قد تُوُفِّيْ ؟ بَهْرَةً !              هَلْ عبدُ رحمنٍ قضى بِكِتَابِ؟!

أفنجلُ بَكُّورٍ   مَضَى   لِسَبِيلِه؟            هل شَمْسُه قد آذَنَت بِغِيَابِ؟

آمنْتُ أن الموتَ أكبَرُ عِبْرَةً              لِلمَرْءِ ؛ إنْ في جَيْئَةٍ و ذَهَابِ

وبأن موت الشيخ أكبرُ مَرْزَءًا              مِن مَوتِ كُلِّ أقارِبِ الأنْسَابِ

*********

خِرِّيْجُ "شَعْبَانِيَّةٍ , مَعْ أزْهَرٍ"             بـِ"أصُولِ دِينٍ" قَدْ وَعَى لِلُبَابِ

حبر العلوم عقيدة و شريعة             مُتَضَلِّعٌ مِن سُنةٍ و كِتابِ

هو حافظُ القرآنِ مع تجويده              و مفسر الآيات     بِالتَّرْغابِ

                                  *********

تَبْكِيكَ"أعزازٌ, و مَنْبِجُ , دابِقٌ"           و"البابُ"تَرْثِي مِنْ جَليلِ مُصَابِ

ثَكِلَتْكَ ذي البلدانُ مع أريافِها              مَعَ"كِلِّسٍ" و الأهْلِ و الأصحابِ

ضَجَّتْ عليكَ مدارسٌ بِصُفوفِها            و بَكَتْ عليكَ مَسَاجدٌ  بِقِبَابِ

و"طريقُ منبج- دابق"يبكي أسًى

                                             لِفِراقِ حِبٍّ ؛ صالِحٍ   أوَّابِ

سَلْ"جامِعَ المِقدادِ"عن شيخ لَهُ            وكذا"العَلَائِي"جانِبُ المِحرابِ

سل"دارَ الَارْقَمِ"رَثَّهَا وجَدِيدَها              عن شيخِهَا   المُتَألِّهِ التَّوَّابِ

يبكيك طلاب   كثار ؛ حسرةً               وَلَهًا عليكَ ؛ بِعَبْرَةٍ تَسْكَابِ

فَشُؤونُهم مِن لَهْفَةٍ و تَأسُّفٍ             حَرَّى تَسَاقَطُ مِثْلَ وَبْلِ سَحَابِ

تغلي القلوب لفقدكم ترثي أسًى              و دُموعُها كالآنِ أو كالصَّابِ

تبكي العلومُ لشيخها و لثكله             إذْ قد تَوَارَى نَجْمُهَا بِحِجَابِ

                                   *********

هاجَرْتَ في ذاتِ الإلَهِ ودِينِه               مِن عُصبَةِ الإجْرامِ والإرْهابِ

مُذْ جاءَ "داعِشُ"منبِجًا فارِقْتَهَا

    وسَكَنْتَ"كِلِّسَ"مَعْ عَزيزِ صِحَابِ

لم تخشَ في دينِ الحَنيفةِ لائمًا           أو عائبًا ؛ مِن فاجرٍ كَذَّابِ

عَظَّمْتَ   أمْرَ اللهِ  جَلَّ جَلَالُهُ              فَكَسَاكَ حُلَّةَ هَيْبةٍ   بِثَوابِ

في أرضِ"كلسَ"جاء حَيْنُكَ صابِرًا

بِوَبَاءِ هذا العَصْرِ ذِي الإغْرَابِ

نِلْتَ الشَّهادَةَ مرَّتَيْنِ؛ بِغُرْبَةٍ             وبِطَعْنَةٍ؛ طُوبَى وحُسْنُ مَآبِ!

                                   *********

سُقْيًا   لِأيَّامٍ   حِسَانٍ   عِشْتُهَا               قد رُصِّعَتْ بالعلمِ و الآدابِ

إذْ نَجْتَنِي   ثَمرَ العُلومِ   يَنِيعَةً              شَهْدًا مُصَفًّى , مُتْرَعَ الأكوَابِ

إن ننسَ لا نَنْسَى دُروسًا ثَرَّةً              ألقَى علينا ؛ مَعْشَرَ الطُّلَّابِ

في رحب"أرقمنا" نهلنا نُسْغَها              مع شيخنا البكور في تَرْغابِ

"سبل السلام"و"صفوة لتفاسر"           وكذلك "النسفي" ذو الإعراب

"قَطْرُ النَّدَى"شَرْوَى اسْمِه قطرِ الندى

هُوَ تُحْفَةٌ فِي النَّحْوِ و الإعْرَابِ

فكأننا     في جنةٍ     مُزدانةٍ                بِزُهُورها , والنخلِ والأعنابِ

و مِيَاهِها و ظِلالها و طُيورها              ورِيَاضِها, وبِسُنْدُسِ الأعشابِ

                                  *********

للهِ   دَرُّكَ   عالِمًا , و مُعلِّمًا               و مُوضِّحًا - بِالشَّرحِ- لِلطُّلَّابِ

معَ حكمةٍ , في بسمةٍ سِحرِيَّةٍ              و تواضُعٍ للناسِ , لِلأصحابِ

ودماثة في الخلق, بله شجاعة            في قول حق, دُونَ أيِّ مَهابِ

مَخْمُومُ قَلْبٍ ذو نَقًا في فِطْرَةٍ              وهو الصدوق بمنطق وجواب

                                   *********

ماذا أعدد من كريم خلالكم             و صفاتكم يا تُحْفةَ الأحْبابِ!

عن جُودِكم وحيَائكم وتَواضُعٍ              عن صِدقِكم , عن رِفعةِ الآدابِ

و وفائكم مع صَحبكم, عن حِلمكم

                                               عن صَبركم في مِحنةٍ و عذابِ

عن طيب معشركم وحسن لقائكم

     عن حلو منطقكم , و طيب جوابِ

كانَ الكريمَ لضيفه في بيته                وبعلمه , تُلْفِيه صِنْوَ سحابِ

يا صاحبَ العزمِ العجيبِ قِراءةً                و مُطالَعاتٍ في نَفيسِ كتابِ

كُنْتَ الضَّنِينَ بوقته عن هدره               في غير شيء   نافع بمآبِ

                                   *********

"وَحْيُ المُحِبِّينَ"الذي أعْدَدْتَهُ                و نَسَخْتُهُ   في دفترٍ   كَكِتابِ

ما زالَ عِندي شاهِدًا لِجَنابِكم                 بالعلمِ, مَعْ حُبِّ النبيّْ الأوَّابِ

                                   *********

يا صاحِبَ الصَّوْتِ الشجيّْ؛ بِثنائِه

      و بِالِابْتِهالِ , لِربِّنا  الوَهَّابِ

في مدحه للمصطفى  بقصائدٍ               وأنَاشِدٍ حُسْنَى, وجِدِّ عِذَابِ

تَحيا بها أرواحُنا و نُفوسُنا              وتُجَدِّدُ الإيمانَ في الأصْحَابِ

لله درك ! مُنشدا مترنما             بِنَدِيِّ صوتٍ ساحرٍ زِرْيَابِ

تَشْدُو خَشُوعًا بـ"العُذَيْبِ ورامةٍ"

         و بـ "طيبة الغراء" للأحبابِ

"قلبي يُحَدِّثُنِي, سَمِعْتُ سُوَيْجِعًا"

         "يا رَبَّنا صَلِّ "كَطَعْمِ رُضَابِ

"لله قوم" أسْكَرَتْ   أرواحَنا              و سَمَتْ بِها لِلعالَمِ المِطْيَابِ

وبـ"ذكر من أهوى أدر"كَمْ أطْرَبَتْ؟

"أُخْفِي الهَوَى ومَدَامِعي"كَشَرَابِ

"أحبابُنا جِسمي بهم" كم أنعَشت؟

          "أرَجُ النَّسِيم" تُذِيبُ لِلألبابِ

و "قُلوبُنا  تَحْيا   بذكرِ محمد"              وتطيرُ مِن وَلَهٍ إلى الأعتابِ

                                   *********

يا رَبِّ فارحَمْ شَيخَنا و تَوَلَّهُ              بِمَراحِمٍ تَتْرَى, و جِلِّ ثَوَابِ

أسْكِنهُ ربِّي في الفَرَادِيسِ العُلَى           مَعْ الَانْبِيَاءِ وصالِحي الأحْبَابِ

و أثِبْ مُفِيدِي عِلمِهِ ؛ طُلَّابَهُ                بِسَعادَةِ الدارَينِ؛ حُسنِ مَآبِ

                                *********

نبذة مختصرة عن حياة الشيخ عبد الرحمن ريحاوي البكور

*هو عبد الرحمن بن ريحاوي بكور, الدابقي المنبجي الكِلِّسِيّ.

*ولد في قرية "دابق" التابعة لمدينة ومنطقة "أعزاز" التابعة لمحافظة حلب, والواقعة في ريف حلب الشمالي. *درس الابتدائية في قريته.

*في عام 1967م سجل في "المدرسة الشعبانية" بحلب, وهي مدرسة محدث حلب الكبير الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني, فدرس فيها العلوم الإسلامية والعربية, ست سنوات, على إثرها تخرج فيها يحمل شهادتها "الثانوية الشرعية".

*شيوخه وأساتذته في الشعبانية:

1- محدث حلب العلامة المفسر والمربي الرباني الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني ت 2002م.

2- شيخ قراء حلب الفرضي العلامة الشيخ محمد نجيب خياطة ت 1387هـ - 1967م.

3- العلامة اللغوي والنحوي الحلبي الشيخ أحمد القلاش دفين البقيع.

4- العالم الشاعر العروضي المصنف الشيخ بكري عبده رجب البابي الحلبي ت 1399هـ - 1979م.

5- المحدث والشيخ الجليل المحقق العلامة الشيخ محمد عوامة تلميذ المحدث العلامة المحقق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله.

6- العالم الرباني والطبيب الشيخ عمر خياطة, شقيق شيخ القراء السابق.

7- الشيخ محمد زهير الناصر. 8- الشيخ سامي بصمجي.

9- الشيخ عبد الله حماد. 10- الشيخ عبد الله خير الله.

11- الشيخ مصطفى مزراب.   12- الشيخ محمد الغشيم.

*دراسته الجامعية: عقب تخرجه في الشعبانية التحق بـ"كلية أصول الدين, قسم التفسير والحديث - جامعة الأزهر"بمصر, فنال إجازتها عام 1973م.

*كما حاز "شهادة الثانوية الأزهرية" المصرية.

*عمل مدرسا للقرآن الكريم, واللغة العربية, والحديث, وأحاديث الأحكام, والفقه الحنفي, لنحو ثلاثين سنة في مدرسة"دار الأرقم بن أبي الأرقم" الشرعية الثانوية القديمة والجديدة بمنبج.

*عمل مدرسا للتربية الإسلامية في مدينة "دير الزور" لسنتين 1977- 1978م, ثم مدرسا لها في"ثانوية منبج"زهاء ثلاثين سنة؛ بدءا بـ 1980م.

*كما عمل في مساجد منبج ودابق وكلس, إماما وخطيبا ومدرسا.

*هجرته من سورية: في سنة 2014م احتلت"داعش"منبج فاضطر الشيخ إلى الرحيل عن منبج فغادرها إلى قريته دابق التي قضى فيها شهورا عدة, ثم هاجر منها إلى تركية وبعد شهرين ألقى عصا الترحال واستقر به المقام في ولاية "كلس" التركية؛ المتاخمة للحدود السورية والقريبة من منطقة أعزاز و"معبر باب السلامة", والتي استوطنها حتى وافته منيته فيها.

*رحيله عن الدنيا:

وجهز وصلي عليه في "جامع مقبرة كلس" عقب صلاة الجمعة 12/4/1442هـ ؛ حيث صلى عليه بالناس هناك تلميذه النجيب فضيلة الشيخ محمد عبد الله رجو "شيخ الطريقة الشاذلية", وشهد جنازته الجم الغفير من السوريين والأتراك, من طلاب العلم وعامة الناس من كلس وعينتاب ومرعش, ووُري الثرى في "مقبرة كلس"؛ في القبر ذي الرقم (31119).

*رحمه الله رحمة واسعة, وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان, "اللهم لا تحرمنا أجره, ولا تفتنا بعده, واغفر لنا وله", آمين آمين, آمين.

gdjfhgkhjjh914.jpg

وسوم: العدد 914