يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) 118 / آل عمران
منها استعذْ وتجنَّبْ سوءَ مرماها=ومن شرورِ أذاها فاسأل اللهَ
بطانةُ السوءِ داءٌ لادواء له=سوى اجتثاثِ جذورٍ في حناياها
وقطعِ أوداجِها كي لايقومَ لها=عرقٌ يجدِّدُ نبضًا من خفاياها
دنيئةٌ ليس تُرجَى في سُمُوِّ يدٍ=فشأنُها الغشُّ يرغي في محيَّاها
وما ادعاءاتُها إلا مخاتلةً=تصطادُ مَن لهوانٍ فيه ناداها
لمَن يواصلُها أكدارُه التهبتْ=فالويلُ محرقةٌ في ظلِّ سكناها
نهجُ التملُّقِ والإفسادِ ديدنُها=فليس يهدأُ خبثٌ في زواياها
سلوكُها غيرُ محمودٍ ، وإن ظهرتْ=بزخرفِ القولِ يخفي جمرَ بلواها
بطانةُ السُّوءِ كم هدَّ معولُها=أركانَ رفعةِ أقوامٍ وأوهاها
خيانةٌ لعهودٍ حين تقطعُها=وخسَّةٌ حفظتْها ليس تنساها
بغدرِها ابتُليتْ في العيشِ أمَّتُنا=وذاقت المرَّ ويلًا من رزاياها
وبالعواقبِ لم تعبأْ ، فغايتُها=هذا الوباءُ ، وطالت فيه يُمناها
كم شوَّهتْ قيمًا تُرجى لعزتنا=وهمَّشتْ أَلَقًا للمجدِ تيَّاها
وجرَّت الأمةَ الثكلى إلى فتنٍ=عمياءَ أحيتْ بها آلامَ ثكلاها
وضيَّعتْ سُبُلَ الإرشادِ ظالمةً=لنفسِها ، ولمَن في القومِ والاها
يلقى الذي قد أتتْهُ في مشورتِه=شرَّ السَّبيلِ فبعضٌ من هداياها
فليس يحظى برأيٍ من حصيفِ حِجَىً=وليس يلقى نصوصًا في زواياها
ولم يجدْ موئلا يُرجَى لذي عِظةٍ=من أهلِها أو جميلا في مزاياها
فذاك يركضُ ملهوفًا لغايتِه=دنيءَ نفسٍ لأدناها وأقصاها
وهمُّه أن يراهُ الناسُ ذا صفةٍ=مكانُها فوقَ كلِّ الناسِ يلقاها
يهزُّ كَتْفَيْهِ مزهُوًّا بخسَّتِه=وعاشَ عبدَ أمانيها ومولاها!
=
إنْ سارَ حدَّقَ في رِدنيْهِ مبتهجًا=برونقِ الزيفِ آهًا للفتى آها
كالفأرِ يجثو على أعتابِ سيِّدِه=مراوغًا زائغَ الأحداقِ إن فاها
يظنُّ أنَّ ثيابَ المكرِ تُكسبُه=جاهًا يقدمُه في زهوِه جاها
لكنْ به قد بدا كالطفلِ أضحكه=في ساعةِ اللهوِ غُنجًا في صباياها
فهل يفيقُ وقد غرَّتْهُ لعبتُه=وأشغلتْهُ فما يُلهيه إياها
بطانةُ السُّوءِ : هذا من جنايتِها=ربَّتْهُ فاستعذبَ الحلوى بدنياها
وجرَّه الوهمُ ما أجدتْهُ فطنتُه=فعاشَ مرتبكًا في الناسِ ، بل تاها
فتلك نفسٌ هواها لم يجدْ سندًا=من العلاءِ ، وإنَّ الَّلهَ أخزاها
طعامُها السُّحتُ من وادي بطانتِها=فليس فيه سوى آلامِ بلواها
فَلْيجرع السوءَ والأوجاعَ في غدِه=فتلك أقربُها كأسًا وأرجاها
مَن عاشَ في الناسِ محتالا يراوغُهم=فقد أساءَ لنفسٍ في سجاياها
ففي غدٍ قَدَرُ الخلاَّقِ يفضحُه=وتلك سُنَّةُ ربِّي قد عرفناها
غدًا ترى مرَّها في حلقِك اشتعلتْ=نيرانُه مثلما قد ذقْتَ أحلاها
هيهات تبقى ثيابُ الزيفِ زاهيةً=في العيشِ أو يدركُ الدَّجَّالُ أبهاها
بطانةُ السُّوءِ ساءت في تخرُّصِها=واللهُ فاضحُها في سوء عقباها