( إلى الأخ الدكتور الفاضل ابن العراق / أحمد الكناني ... حفظه الله )
على طريق السفر الطويل تبدأ الغربة بكل مافيها من مفاجآت ، وعند وصول بلد الاغتراب ، ونزول الغريب من الطائرة أو السيارة أو أي وسيلة أخرى ، قد يجد مَن يساعده في حمل حقيبة ، وربما يأتي آخر يرغب بمساعدته ، وربما ... وربما ... وهؤلاء أصدقاء مؤقتون ، وربما يجد الغريب بعد استراحة تطول ساعاتُها أو تقصر الأخَ الذي لم تلده أمه . لتتجلى قدسية الآية الكريمة : ( إنَّما المؤمنون إخوةٌ ) .
بلد الأطبَّاءِ الذين تمرَّسوا=(كابنِ الكناني) ذي الفؤادِ العامرِ
سلِمَتْ يَدَاكَ وفازَ وَعْيُ الماهِرِ=وَ نَفَتْ رُؤَاهُ سرابَ وَهْمِ الحائِرِ
والطِّبُّ خبرةُ حاذِقٍ و مُوَفَّقٍ=في سَبْرِ أسبابِ الأَذى للنَّاظِرِ
فَاسْلَمْ طبيبَ السِّنِّ جئتَ بحكمةٍ=دَفَعَتْ هواجِسَ عن فؤادِ الحاذِرِ
ما كلُّ مَنْ بيديْهِ مبضعُ طِبِّه=أضحَى يُباري في اكْتسابِ مآثِرِ
إذْ أنَّ صِيْتَ الفوزِ يبقَى للفتى=عرفَ الصَّوابَ وردَّ رأيَ العاثرِ
وأزالَ أوهامَ المريضِ مُزَوِّدًا=لعلاجِه بصحيحِ نُصْحٍ وافرِ
وسعى بمهنَتِهِ الكريمةِ واثقًا=ورأيْتَهُ في الوصْفِ خيرَ مُبادرِ
ونأى بمعنى الطِّبِّ عن خَطَلِ طغى=ورنا بعينِ أخي الوفاءِ الطاهرِ
فالطِّبُّ عندَ اللهِ عقْدُ أَمانةٍ=يُؤْتِي مُؤدِّيها ثوابَ الذَّاكرِ
طوباكَ (أحمدُ) حيثُ نلْتَ مكانةً=لَمَّا أَتيْتَ بها بوجهٍ زاهِرِ
ورعاك ربُّ العرشِ في عليائِه=من كلِّ شرٍّ أو طريقٍ عاثرِ
وحباكَ بالخيرِ العميمِ ولم تَزَلْ=في ظلِّ عافيةٍ و روضِ أزاهرِ
بلد العراق حضارة فيَّاضةٌ=منذ القديمِ بفخرِ مجدٍ آسرِ
بغداد ياروضَ المآثرِ والحجى=تأتي إلى مَن حولَها بمفاخرِ
بلد الأفاضلِ والرجالِ أُولي النُّهى=من عالِمٍ ، ومُفكِّرٍ ، أو شاعرِ
بلدُ المودة والإخاءِ ففيه مِنْ= أهل الهدى وأولي الوفاءِ الفاخرِ
بوركْتَ في زمنٍ تنوءُ به النُّهى=إنْ أُثقِلَتْ بفسادِه المُتَقَاطرِ
طوبى لِمَن سارتْ خُطاهُ لرفعةٍ=ومكانةٍ تحلو بعينِ النَّاظرِ
وَجَدَ احترامَ النَّاسِ في غدواتِه=في أوَّلِ العملِ الكريمِ و آخِرِ
وتَحِيَّةٌ منِّي إِليكَ جميلةٌ=فيها وثيقُ محبَّةٍ وأواصرِ
أرضُ العراقِ ربوعُ مجدٍ زاهرٍ=ملأ الدُّنى من نفحِ طيبٍ عاطرِ
وسقى الظماءَ من القراحِ هناءةً=ومن المودةِ من إخاءٍ آسرِ
ومن البطولةِ ما أهابَ عدوَّها=بجهادِ فَذٍّ لم يكنْ بمغامرِ
وبعهدِها الميمونِ بالقيم التي=دانت لها أُممٌ هفتْ لبشائرِ
نادت فلبَّتْها لرفعةِ شأنِها=ورنتْ إلى إيثارِها بمحاجرِ
فاسأل إذا مارمتَ عزًّا سامقًا=تاريخَها من ذاكرٍ أو حاضرِ
فرفيفُ أسمى مايكون من العلى=عنوانُه الفوَّاحُ ليس بغائرِ
وتراثها أغنى الذين تقاطروا=للنيلِ من علمٍ نفيسٍ زاخرِ
الطبُّ والعمرانُ والعلمُ الذي=أغنى الحِجى وسموُّه لبصائرِ
وتفاخرتْ فيها الحدائق عذْبةً=أفياؤُها لمسافرٍ ولسامرِ
ونظامُ إطفاءِ الحرائق لم يزل=يروي نبوغَ مفكِّرٍ ومُحَاضرِ
وبنو العراقِ على الطريقِ تواثبوا=من عالمٍ ومعلمٍ ومؤازرِ
ومن الأطباءِ الذين تمرَّسُوا=في الطبِّ من فذٍّ به ومثابرِ
ومع المزايا حلوة أخلاقُهم=تُلفَي بشاشتُها بطيبِ الخاطرِ
نعم الطبيبُ إذا حَدَتْهٌ مشاعرٌ=أخويَّة نحو المريضِ الحائرِ
فحباهُ بالأملِ الوريف لفرحةٍ=وبها يُؤَمِّلُ في الشفاءِ الآسرِ