أبى الله إلا الفتح يقبلُ ريقا= ويفسحُ بابا كان بالأمس ضيقا
ويولي قلوب المؤمنين من الرضا= طمأنينة تذرو الثقيلَ المؤرقا
تشنِّعُ ما جاءت به الأنفسُ التي= بها العبث المسجور داء ممشقا
وما الجاهليُّون العتاةُ به أتوا= ليرموا به الإسلام حقدًا تفتقا
وشدوا مطاياهم إلى الحرب تارة= وأخرى تراهم للعداوة رزدقا
وكم شحذوا للعنف كل مهند= وكم سيَّروا أهلَ السوابغ فيلقا
طغاة جناة لم يروا غير بهرج= عليه انتضوا بيض الصفائح موثقا
وغرهم الشيطان يا بئس ما اهتدوا= إليه وردوا إذ بدا الغيُّ ديسقا
رجيم يمنِّيهم وليس بقادر= وما ساق إلا واهمَ الفكر أخرقا
يريدون أن يطغى الظلام ويطفئوا= ببهتانهم نورا علا متألقا
وباتوا له بالكفر يورون نارهم= ليلووا بها الهدى المبين المرفَّقَا
وما كيدهم إلا التباب تتايها= أضروا به الرأي السديد الموفَّقَا
وما ضرَّه أن سفَّه القوم دعوةً= بها ذكرُهم في العالمين تحققا
رمى الله منهم كل عادٍ وظالمٍ= وأهلك ذا سوءٍ وأركس أحمقا
رويدك يفنى كل خبٍّ وحاقدٍ= أتيح له أن يطعن الحق حانقا
فكم من صفيق عاث يمكرُ بالهدى= تولاه في أضلاعه النَّهكُ محدقا
وقد بدأ الإسلامُ فيهم كعصرنا= ولما يروا أحلى وأسمى وأليقا
وفيه علاهم لو دروا وفخارهُم= غريبا عليه الظلم والبغيُ أطبقا
فيا عجباً كيف ارتضوا حرب شرعة= لها الخيرُ بالفتح القريب تدفَّقا
فآذوا رسول الله مُذ ْقام صادعا= بآيات حق يصطفيها مَن اتقى
أتاهم ضياءً يُستنارُ بوجهه= تراه على مَن ضلَّ أو زاغَ مشفقا
حريص عليهم بل رؤوفٌ بحالهم=رحيم بهم ما رام ملكا و جوسقا
أتى كي يروا في الأرض عزّا لشأنهم= وبالله ربِّ العرش عونا موفِّقا
ولكنهم ضلُّوا الطريق وما ارعووا=غرورا ولجوا بالعنادِ تعلُّقا
وضاق رحيبُ الأرض والكرب محدقٌ= بأجنادِ خيرِ الخلقِ جاهاً ورونقا
وما من كريم صادق القلب طاهرٍ= وآمن إلا للجهاد تحرَّقا
وهذا رسول الله يتلومن الهدى= مثاني تسمو بالنفوس تألُّقا
يُريهم جميلَ الصبرِ نهجاً وسيرةً= وبالصبرِ يأتينا الفلاح منسَّقا
وواعدهم بالفتح حيث أعدَّهم= وكم كان ذا الوعد الموثق شيِّقا
بمكة لاقى من أذى الكفر ما به= يزلزلُ قلبا أو يمور تمزُّقا
وماتت بها أُمُّ البنين خديجةٌ= فأوسدَها عند الحجونِ تَرَفّقا
وكانت له عونا وكهفَ عنايةٍ= تسابقُ بالإيمان مَن كان أسبقا
عليها بدارِ الخلدِ رضوانُ راحمٍ= وظلٌ ظليل لن يزول ويُمحقا
ومات العم الحاني أبو طالب الذي= على ابن أخيه البرِّ قد عاش مشفقا
وبعدهما اشتدَّ الأذى وتجهَّمتْ= مشارقُ أيامٍ بكربٍ تفتقا
وفي ليلةٍ جلَّت عن الوصف بدرُها= أبو القاسم الهادي البشير إذِ ارتقى
فمن مكة التوحيد أسرى به الذي= إذا شاء أفنى المشركين وفرَّقا
إلى المسجد الأقصى وفي القدس بوركت= خطاه نبيًّا صادقا ومصدقا
رأى إذ رأى آيات ربٍّ له عنت= وجوه ولاذت حماه تشوُّقا
وحسبي إذا ما قمت أذكرُ فضله= كفيتُ بقرآنٍ أبان ونمَّقا
فمن قدسِنا الغالي سما بحفاوةٍ= إلى حيث علمي بالمعارج أملقا
وحسبك بالإسراء قدرا ورفعةً= لخير النبيين الهداةِ وأعلقا
دنا مكرماً من ربه فأناله= من الفضل أسناه تدفَّقَ غبدقا
وجاء لنا – روحي فداه – بمنحةٍ= من الله نعماها لأكرم مُنتقى
هي الصلوات الخمس أعظمْ بأجرها= فطوبى لمن أدَّى الصلاة موفقا
أيا ليلة الإسراء ما ذبلَ الجنى= ولا ضاع منا الرشدُ أو باتَ مملقا
ففي سورة ( الإسراءِ ) و ( النجم ) بهجةٌ= لأرواحنا الظمأى سناها تدفَّقا
كوهجِ شموخِ الحقِّ في وجه من بغى= وقد جدَّد التمكينُ فينا وحققا
ولسنا نريمُ اليوم عنها فقليٌنا= بأجلى قصيد الفخر والحبِّ شقشقا
تغيضُ ركاياهم لشؤمٍ يردُّهم= عن المكرمات البيضِ لن تتعنَّقا
أَبَتْ أن تمدَّ المجدَ إلا لأهله = ولم يخش إذ غذُّوا المكايد موبقا
فباؤوا به ذُلاً وعارا وخسةَ= فسؤددُ باب الفتح ألفوه مغلقا
فدعهم على ماهاج من بهرجٍ طغى= يفنِّدْ مساويهم ضياعٌ تذلَّقا
ويا قدسنا المأسور لا هنت إننا=على صادق الميثاق لن نتفرقا
فلم يزل الإسلام يشحذ همَّةً= ويضرمُ ما بين القلوب تشوُّقا
على كفِّ أطفال الحجارة رايةٌ= تعيدُ يدُ الإسلام بدرا وخندقا
وأمتنا من حولهم قد توثبتْ= لملحمة كبرى لكي تتدعَّقا
تتبِّرُ ما أعلى اليهود بأرضنا= وتطمسُ عارا قد عراها مؤرِّقا
لنا القدس مع حيفا ويافا وكرملٍ= وإن عربد الوغد الزنيم وأولقا
ويا قدسُ دنياك التي قد تجهمت= وربواتك الخضراء تهفو تألقا
نُحيِّي محيَّاها ويشهد ربُنا= على حبِّنا للموت إن حان ملتقى
فللمعضلاتِ المدلهماتِ صبرُنا= إذا اسودَّ أفقَ المكتوين وأغسقا
ونرنو إلى أكنافك الخُضر تشتكي=هوانا ,فنشكو من أساكِ تحرُّقا
زكا الغرسُ فاستبشرْ ستُجلى همومُنا= وتسقي أيادينا خزامى وزنبقا
أسافلُ في الأرض الطهور تطاولوا= وهم شرُّ خلقِ الله وجها ومنطقا
وجرُّوا هوى الأوغاد من كلِّ مركب= علينا وسامونا الهوان مُمشَّقا
كأنَّ يد الأحزاب عادت لبغيها= مع التقنيات الفاتكات تنسُّقا
يريدون إرهابا لجندِ محمدٍ= وهيهات أن نخشى غرابا وعقعقا
لهم جبروت بالخمور و بالزنى= وأهلهما من عزة النفس أملقا
يظنون لكن خيَّب الله ظنهم= وما راعنا فعل الخمور وأقلقا
فَعزْماتنا بالله تعنق للفدا= وفارسهم بالكبر و الغي أولقا
ويا ربَّ هذا الكون أنت إلهه= وكل عدوٍ للهدى لن يوفقا
أحِنْهم إذ ثار العجاج وعربدت= نفوسهم الثكلى أو الشرُّ أحدقا
وأبدل جفاف الأرض باليُمن والمنى= وهيئ لنا للحق منا نواطقا
فأيامنا باتت على نار حقدهم= تضرَّمُ فالآفاق أضحت ودائقا
وهذا بليل التيه راح مغرِّبا= وذاك تمارى في الضياع وشرَّقا
وعصبةُ هذا الدين – ربِّ – توجهت= إليك وعافت في الدروب الخرائقا
فهَبْها رضا وانصرْ مطالعَ ركبها= وجنِّبْهُمُ كيدَ العدا و البوائقا
فأعوامُ حزنٍ قد تلاشى ظلامُها = فنورُ هدى الإسلام في الأرضِ أشرقا