صَوْلَةُ الْبَرَاءِ
1
د. محمد جمال صقر
"لَا تُؤَمِّرُوا الْبَرَاءَ عَلَى جَيْشٍ؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُهْلِكَ الْمُسْلِمِينَ بِتَقَدُّمِهِ"[2]!
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ!
أَيُّهَا الْجُنْدُ أَشِيرُوا دُونَهُمْ بَابٌ وَسُورُ
وَالْحِصَارُ الْآنَ لَا يَنْفَعُ وَالْخَطْبُ خَطِيرُ
لَا تَعُدُّونِي أَمِيرًا إِنَّمَا الرَّأْيُ الْأَمِيرُ
صَمَتَ الْجُنْدُ وَفِي الْأَنْفُسِ حَزَّازٌ أَثِيرُ
لَفَّهَا طَائِفُ عِفْرِيتٍ مِنَ الْإِنْسِ جَسُورُ
قَزَمٌ تَغْلِبُهُ الْعَيْنُ وَتَخْشَاهُ الصُّدُورُ
وَإِذَا يُذْكَرُ لَا يُؤْمَنُ إِقْدَامٌ مُبِيرُ
وَإِذَا دَارَ فَعَيْنُ الْقَدْرِ فِي حَيْثُ يَدُورُ
وَهْوَ لَا يَعْبَأُ أَنْ صَاحَ بَشِيرٌ أَوْ نَذِيرُ
أَيُّهَا الْجُنْدُ أَشِيرُوا أَيُّهَا الْجُنْدُ أَشِيرُوا
مَا لَهُمْ ضَلُّوا وَفِيهِمْ ذَلِكَ الْوَرْدُ الْهَصُورُ
أَنَسُوا مَا كَانَ أَمْ صَمُّوا أَمِ السُّورُ غَرُورُ
سَوْفَ أَرْمِيهِ بِصِلٍّ دَمُهُ نَارٌ سَعِيرُ
يَا فَتَى الْأَنْصَارِ يَا صَاحِبُ يَا أَيْنَ الْمَصِيرُ
كُرَّ يَا ثَائِرُ يَا فَاتِكُ يَا كَيْفَ نُغِيرُ
نَبَتَ النَّصْرُ فَقَدْ أَشْرَقَ لِلْجُنْدِ ثَبِيرُ
وَيْكِ يَا نَفْسَ بَراءٍ هَلَكَ الْعَيْشُ الْوَثِيرُ
أَفَمَا تَنْفَكُّ مِنْ هَوْلٍ إِلَى هَوْلٍ تَثُورُ
هَوِّنُوا لَا يُفْزِعَنْكُمْ دُونَهُمْ وَهْمٌ وَزُورُ
حَسْبُهُمْ مِنْكُمْ عَلَى أَرْمَاحِكُمْ تُرْسٌ كَبِيرُ
وَعَلَى التُّرْسِ احْمِلُونِي فَإِلَى السُّورِ أَطِيرُ
هَبَطَ الْعِفْرِيتُ كَالسَّهْمِ إِلَى الْقَوْمِ يَخُورُ
لَعِبَ السَّيْفُ كَمَا يَلْعَبُ بِالنَّارِ هَدِيرُ
وَإِلَيْهِ غَدَتِ الْأَرْمَاحُ وَالنَّبْلُ تَمُورُ
بِأَبِي أَنْتَ أَمَا تَشْعُرُ بِالْجُرْحِ يَفُورُ
أَفَمَا تَتْرُكُ ذِكْرَ اللَّهِ وَالْحَرْبُ كَفُورُ
مَا لَهُ يَبْكِي وَقَتْلَاهُمْ لَدَى الْبَابِ كَثِيرُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَبْلَى الصَّحَابِيُّ الصَّغِيرُ
أَتُرَى أَحْسَنَ لِلصُّحْبَةِ وَالدِّينُ كَسِيرُ
اِنْفَتِحْ يَا بَابُ إِنَّ الْقَوْمَ كُفَّارٌ فُجُورُ
اِنْفَتِحْ خَلْفَكَ جُنْدُ الْحَقِّ لِلَّهِ تَثُورُ
اِنْفَتِحْ وَاخْشَ بَرَاءً فَهْوَ مِقْدَامٌ ضَجُورُ
دَخَلَ الْجُنْدُ فَرَاجَ الْمَوْتُ وَانْقَادَ النَّفُورُ
فَرِحُوا إِلَّا بَرَاءً جَازَهُ الْمَوْتُ الْفَخُورُ
يَعْجَلُ الْمَرْءُ وَمَا يَدْرِي إِلَى أَيٍّ يَصِيرُ
لَيْتَهُ يَرْجِعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ سُورُ
[1] فِي فَضْلِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ.
[2] ذاك ما كان في حفظي آنئذ، ثم وجدته: "لاَ تَسْتَعْمِلُوا البَرَاءَ عَلَى جَيْشٍ، فَإِنَّهُ مَهْلَكَةٌ مِنَ المَهَالِكِ يَقْدَمُ بِهِم".