شمس الهدى

عبد الباقي عبد الباقي

عبد الباقي عبد الباقي
[email protected]

في ذكرى المولد النبوي الشريف

هَزَّ القَرِيضُ مَشَاعِري فَشَجَاني

فَغَدَا يُزَغْرِدُ بِالفَخَارِ لِسَانِي

وَسَرَتْ بِجِسْميَ نَفْحَةٌ قُدْسِيَّةٌ

وَسَمَا الفُؤَادُ بِرَوْضَةِ الرَّحمنِ

فَاليومَ ميلادُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ

خَيْرِ الأَنَامِ وَسَيِّدِ الأكْوَانِ

***

كَانَتْ بلادُ العُرْبِ أُخْتَ جَهَالةٍ

تَطَغَى عَليها نَزْعَةُ الشَّيْطان

فَشَرِيعَةُ الغَابَاتِ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ

بِسيَادَةِ الأَقْوى وَظُلْمِ الجَانِي

سَلْبٌ ونَهْبٌ وَاقْتِرَافُ رَذِيلَةٍ

وَعِبَادَةُ الأَصْنَامِ والأَوْثَانِ

وَأْدُ البَنَاتِ عَزِيمَةٌ في عُرْفِهِمْ

مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ قد جَنتهُ يَدَانِ

لَمْ يَعْرِفُوا لَلْمَجدِ مَعْنَىً سَامِياً

غَيْرَ الوَغَى وَالخَمْر ِوالنسِّوانِ

***

حَتَّى أَتى مِنْ بَيْنهِمْ عَلَمُ الهُدى

فَأَقَامَ مَجْداً عَاليَ البُنْيَانِ

فاجْتَثَّ أَصْلَ الشِّركِ منْ دَيْجورِه

وَمَحَا ظَلامَ عِبَادةِ الأوثانِ

وَدَعَا جَمِيعَ النَاسِ في أمْصَارِهِمْ

مِنْ سَائِرِ الأَجْناسِ والألوان

لِرِسَألةِ الإسْلامِ في تَوْحِيدِهَا

رَبَّ الأَنَامِ وَخَالِقَ الأَكْوانِ

فَاللهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ وَمُنَزَّهٌ

عَنْ أَيِّ نِدٍّ أَوْ نَظِيرٍ ثَانِ

والأَمرُ بِالمعْروفِ أصْلُ دُعَائِهِ

بِالوَعْظِ وَالإِرْشَادِ وَالوُجْدَانِ

وَمَكَارِمُ الأَخْلاقِ عَظَّمَ شَأنَهَا

بِالعدْلِ وَالإِقْسَاطِ في المِيزَانِ

وَقَضَى بِخَيْرِ الوَالدَيْنِ كِلَيْهِمَا

بِالبِرِّ وَالإِجْلالِ والإِحْسَانِ

خَفْضُ الجَنَاحِ أَمَامَهُمْ فِي ذِلَّةٍ

خَيْرُ الدُّعَاءِ وَطَاعَةُ الرَّحمنِ

وَكَفَالَةُ الأَيْتَامِ مِنْ أَخْلاقِهِ

فَكَفِيلُهُمْ وَمُحَمَّدٌ سيَّانِ

فَكِلاهُمَا في رُتْبَةٍ عُلْوِيَّةٍ

في جنَّةِ الفِرْدَوسِ وَالرّضْوانِ

سَاوَى جَمِيعَ الخَلقِ تَحتَ لِوَائِهِ

في كُلِّ حَقٍّ، دُونَمْا إِذْعَانِ

لا فَضْلَ لِلْعَرَبيِّ عَنْ إِخْوَانِهِ

فَالفَضْل بِالتَّقْوى وَبالإِيمَانِ

وَرَعَى عُهُودَ اللهِ في أدْيَانِهِ

لا جَوْرَ، لا إكْراهَ في الأَدْيَانِ

إِذْ قَالَ فِينَا مُنْذِراً مُتَوَعِّداً

مَنْ آذَى ذِمِّياً فَقَدْ آذاني

وَدَعَا لِمَنْعِ الظُّلْمِ في أشْكَالِهِ

وَنَهى عَنْ الأَحْقَادِ والأَضْغَانِ

إِنَّ الفَوَاحِشَ كَلَّهَا رِجْسِيَّةٌ

فهيَ السَّبِيلُ لِمَذْهَبِ الشَيْطَانِ

والعِلْمُ في الإِسْلامِ فَرْضٌ وَاجِبٌ

مُنْذُ الرَّضَاعِ إلى لِقَا الدَّيَّانِ

فالمُسْلمونَ جَميعُهُمْ طُلاَّبُهُ

مَا بَيْنَ تِلمِيذٍ وَشَيْخٍ حَانٍ

إنَّ التَّوَاضُعَ وَالشَّهَامَةَ وَالقِرَى

وَالرِّفْقَ بالإنْسَانِ وَالحَيوَانِ

والعَهْدَ، في إِخلاصِهِ وَوَفَائِهِ،

هوَ مَنهجُ الإسْلامِ وَالقُرآنِ

أمَّا الشّهادةُ والجِهَادُ فَإِنَّهَا

بَابُ السَّمَاءِ لِجَنّةِ الرّضوانِ

***

سَطَعَتْ عَلى الأَكْوانِ شَمْسُ مُحَمَّدٍ

فازْدَانَتِ الدُّنيَا بِثَوبٍ قَانِ

واخْضَرَّتْ الأَشْجَارُ في أوْرَاقِهَا

وَزَهَتْ بِزَهْرٍ وَارِفِ الأَفْنَانِ

فتَعَانَقَتْ أَغْصَانُها وَتَمايَلَتْ

طَرَباً كَمَيْسِ الهَائِمِ الوَلْهَانِ

وَعَلَتْ فروعُ النَّخْلِ نَحْوَ سَمائِهَا

وَلَهاً يُحَاكِي نَشْوةَ اللَّهْفَانِ

رَقَصَتْ طُيُورُ الرَّوْضِ في أَجْوَائِهَا

وَشَدَتْ بِفَخْرٍ أعْذَبَ الأَلْحَانِ

وَتَنَاوَحَتْ وُرْقُ الحَمَامِ وَأنْشدَتْ

أَحْلَى القَصَائِدِ فَوْقَ غُصْنِ البَانِ

حُورُ السَّمَاءِ تَبَاشَرَتْ وَتَهَلَّلَتْ

شَوْقاً كَشَوْقِ الصَّادِيَ الظَّمْآنِ

وَمَلائِكُ الرَّحمنِ في عَلْيَائِهَا

غَنَّتْ بِفَخْرٍ نَغْمَةَ الآذانِ

أَصْقَاعُ مَكَّةَ والبِقَاعِ وَطيبةٍ

أضْحَتْ مَنَاراً شَامخَ البُنْيَانِ

فَسَنَا ضِيَاءُ الله في كُلِّ الدُّنَى

فَرحاً بِمَولِدِ أَحْمَدَ العَدْنَانِ

***

جَاءَ النَّبِيُّ فَلَمْ يَعُدْ لِضَلاَلَةٍ

ذِكْرٌ، وَلاَ شَأْوٌ عَلى الإنْسَانِ

كِسْرَى تَزَعْزَعَ مُلْكُهُ وَبَهَاؤُهُ

وَاهْتَزَّ صَرْحُ العَرْشِ والإيَوانِ

وَتَهَاوَتِ الأَصْنَامُ مُؤْذِنَةً بِمَا

آلَتْ إليْهِ شَرِيعَةُ الكُهَّانِ

إِبْلِيسُ نَادى بِالثُّبورِ لِنَفْسِهِ

وَبِخَيْبَةِ الآمَالِِ و الخُسْرانِ

فَبَكى وَناحَ عَلى الدَّنِيَّةِ قَائِلاً

اَلْيَوْمَ زَالَتْ دَوْلَةُ الشَّيْطَانِ

***

إِنَّ الفَضِيلَةَ نَبْعُهَا وَمَعِينُهَا

حَرَمُ المَسَاجِدِ مَعْهَدُ الفُرسَانِ

إرْجِعْ إلى التَّارِيخِ في أمجَادِهِ

تَجدِ الدَّلِيلَ وَأصْدَقَ البُرهَانِ

***

في القَادِسِيَّةِ عِزُّنَا وَفَخَارُنَا

فِيها دَحَرْنَا جَيْش نُوشَروَانِ

إِسْأَلْ مَلِيكَ الفرْسِ عَنْ أَبْطَالِنَا

واسْأَلْ عَظِيمَ الرَّتْلِ والدِّهْقَانِ

يُنْبوكَ كَيْفَ تَحَطَّمَتْ وَتَنَاثَرَتْ

تَحتَ السَّنَابِكِ دَوْلَةُ النِّيرَانِ

فَعَلا كِتَابُ اللهِ في جَنَبَاتِهَا

وَسَمَتْ تُرَفْرِفُ رَايةُ القرآنِ

***

واسْأَلْ هِرَقلَ الرُّومِ عَنْ فُرسَانِنَا

في حَوْمَة اليَرْمُوكِ وَالوديَانِ

كَرُّوا عَلى الرُّومَانِ في أصْفَادِهِمْ

جَزُّوا جُذُورَ الظّلمِ وَالطُّغيَانِ

فَعَلَتْ بِلادَ الشَّامِ رَايَاتُ الهُدَى

حَظِيَتْ دِمَشْقُ بِنِعَمَةِ الإِيمَانِ

***

واسْأَلْ عَن الأَبطالِ في حِطِّينِنَا

إسْألْ فُلُولَ الكُفْرِ وَالصُّلْبَانِ

كَيْفَ اصْطَلَى بِجَحِيمِهَا وَسَعِيرِهَا

جَيْشُ الصَّليبِ وَعَسْكَرُ الرُّهْبْانِ

كَيْفَ انْحَنَتْ هَامَاتُهُمْ وَتَعَفَّرَتْ

بِتُرَابِهَا، يَومَ التَقَى الجَمْعَانِ

لَبِسُوا ثِيابَ الخِزْيِ في جَبَرُوتِهِمْ

جَرُّوا ذُيُولَ العَارِ وَالخِذْلانِ

عَادَتْ إلى القُدْسِ الشَّرِيفِ سِمَاتُهُ

 في مَوْكِبِ الإِسْلامِ وَالرُّكْبَانِ

دَوَّى نِدَاءُ الحقِّ في أرْجَائِهَا

الله أكْبَرُ، دَعْوَةَ الإيمَانِ

واسْأَلْ أُسُودَ الفَتْحِ في قَسْطِينَةٍ

 يُنْبِيكَ عَنْهُمْ قَيْصَرُ الرُّومَانِ

دَكُّوا حُصُونَ الكُفْرِ في أوْكَارِهَا

عَمَّ السَّلامُ سَوَاحِلَ البَلْقَانِ

***

واسْأَلْ عَن الشُّجْعَانِ في تَارِيخِنَا

في سَائِرِ الأمْصَارِ وَالبُلْدَانِ

عُمَرٌ، عَلِيٌّ، وَالزّبَيْرُ، وَحَمْزَةٌ

وَأَبُو عُبَيْدَةَ قَاهِرُ الرُّومَانِ

سيفُ الإِلهِ، أَبُو المكَارِمِ خَالِدٌ

مَاحِي ظَلاَمَ الشِّرْكِ وَالطُّغْيَانِ

مَنْ خَلَّدَ التَّارِيخُ عِزَّةَ قَوْلِهِ

ذَهَبَ الكَرَى مِنْ عَيْنِ كُلِّ جَبَانِ

سَعْدٌ، وَزَيْدٌ، رَافِعٌ، وَأُسَامَةٌ

وَأَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الفُرسَانِ

وَالأَشْعَرِيُّ، وَطَلْحَةٌ، وَسُرَاقَةٌ

 دَحَرُوا المجُوسَ وَجَيْشَ نُوَشَرْوانِ

مُوسَى، وَعُقْبَةُ، وَالهُمَامُ، وَطَارِقٌ

هَادِي بلادِ السِّنْدِ والقِيقانِ(1)

وَكَذَا صَلاَحُ الدِّينِ مَنْ خَضَعَتْ لَهُ

هَامُ العُلوجِ وَسَادِةِ الصُّلْبَانِ

هَذِي رِجَالُ اللهِ آسَادُ الحِمَى

صِيدُ الوَغَى في حَلْبَة المَيْدَانِ

نَشَرُوا عَلَى الدُّنْيَا رِسَالَةَ أَحْمَدٍ

بالشَّرقِ، حَتَّى الصِّينِ والأَفَغَانِ

وَمِنَ الجَنُوبِ إلى الشَّمَالِ بِأَسْرِهِ

حَتَّى بِلادِ الغَربِ وَالبَلْقَانِ

مَلَؤُوا دِيَارَ اللهِ عَدْلاً خَالِصاً

حَمَلُوا لِوَاءَ كَتَائِبِ القُرآنِ

لَمْ يَشْهَدِ التَّاريخُ أَبْسَلَ مِنْهُمُ

في الذَّوْدِ عَنْ قُدْسيَّةِ الأوطَانِ

فَهْمُ الكُمَاةُ لُيُوثُنَا وَنُسُورُنَا

وَهُمُ التُّقَاةُ مَشَاعِلُ الإِيمَانِ

وَهُمُ أُسُودُ الحَقِّ أَبْطَالُ الحِمَى

جُنْدُ الرَّسُولِ وَعَسْكَرُ الرَّحمنِ

***

يَا سَيِّدَ السَّادَاتِ يَا شَمْسَ الهُدَى

أَنْتَ الرَّسُولُ وَسَيِّدُ الأكْوَانِ

جِئْتَ الوَرَى بِرِسَالَةٍ أَرْكَانُها

عَدْلُ السَّمَاءِ وَصَالحُ الإِنْسَانِ

فَزَهَتْ عَلَى البَطْحَاءِ أَشْرَفُ دَعْوَةٍ

بَتَرَتْ جّذُورَ الرِّجْسِ والأَدْرَانِ

إنِّي لأَحْنِي هَامَتِي لِمَقَامِكُمْ

فَمَقَامُكُمْ عَالٍ عَظِيمُ الشَّانِ

وَأمَرِّغُ الوَجَنَاتِ في أَعْتَابِكُمْ

كَالطِّفْلِ، قَامَ أمَامَهُ الأَبَوَانِ

أَرْجُو الشَّفَاعَةَ مِنْ ذُنُوبِيَ كُلِّهَا

يَوْمَ الحِسَابِ بِسَاحَةِ الدَّيَّانِ

صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الهُدَى

مَا غَنَّتِ الأَطْيَارُ في الأَكْوَانِ

صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ مَا قَرَأَ الوَرَى

آيَ الكِتَابِ وَسُورَةَ الفُرقَانِ

مِنِّي السَّلامُ عَلَيْكَ مَا هَبَّ الصَّبَا

فَوقَ الرُّبَا وَشَقَائِقِ النُّعْمَانِ

إِنِّي لأَفْخَرُ بِالرَّبِيعِ، فَشَهْرُه

خَيْرُ الشُّهُورِ وَأَفْضَلُ الأَزْمَانِ

يَكْفِيهِ فَضْلاً أَنَّهُ شَهِدَ العُلاَ

بِوِلاَدَةِ الأخْلاقِ والإِيمَانِ

بِوِلاَدَةِ المُخْتَارِ طَهَ المُصْطَفى

وَحَضَارَةِ الإسْلامِ ذِي القُرآنِ

فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّيَ مُسْلِمٌ

مَجْدِي وَعِيدِي مَوْلِدُ العَدَنَانِ

               

    (1) بلاد القيقان: خراسان.