على شفة النيل
لقاء بين محمد الفلسطيني
وفاطمة العراقية على شفة النيل المصري
يوسف أحمد أبو ريدة
وحين التقينا على شَفة النيل كنا
ذراعين للحزن والذكريات
وكانت دموعك تسبق دمعي
وتشعل كورنيشه بالحياة
وكانت تسابق حزني وبوحي
وتسبق
دفق المياه
وخفق الفلاة
---
وكنا وحيدين
كنا وحيدين
لا النيل مدّ الذراعا
ولا من قناة السويس رأينا شراعا
ولا من عروق الصعيد لمحنا شعاعا
وما جاش في النفس غير العذابْ
--
وحين استدرتِ وسرّحْتُ عينيّ في النيل
كنا
عذابين
كنا
ربيعين لا يورقانْ
وكنا شراعين
لا يقرأان
ولا يكتبان
ولا ينطقانْ
وكنّا عذابين
نشعل في أمة النيل
نهر عذاباتنا المالحاتْْ
-------
وكانت هنالك بغدادُ
تمتدّ جرحا ثخينا
ودمعا سخينا
وطيرا ذبيحا ذبيحا
تطارده الأمنيات
وكانت تحدق في النيل حيرى
وتسأل فيض المياه
أما تذكر الخيل حرّى تحمحم
في شط دجلة صبحا
أما تذكر النخل يشمخ رمحا
وترويه فتحا
مياه الفرات
00000
---
وحين استدرتِ بكيتُ
وأشرعتِ قلبي على الحزن
فتّحْتِ أبواب جرحي
فسالت أمانيّ في لجة من عذاب
وحين نظرتِ إلى النيل
غلّقتِ أبواب صوتي
فماج بعينيّ
ألف سؤال
سرحتِ ..سرحتُ..
تذكرتُ مصر التي تسرج الخيل
عند الأصيل
وتملأ آفاقنا بالصهيل
وتزرع أحلامنا في الخليل
فما فاض من عزة النيل
واحسرتاه
جوابْ
---
وحين مشينا انكسرنا شعاعا من الضوء
في صفحة النيل حزنا
وسرنا شعاعا كليلا
يحاول أن يستضيء
من الشاطئ المستظل بنور الوفاء
فيخبو
قليلا قليلا
بكينا
بكينا طويلا
لقد كانت القدس فينا
وكان "الرمادي" ينام على ساعد "الأزهر" الحرّ
كل مساء
ويشعل موج "الصعيد" فتيلا
وكنا نرى "العير" تحمل بشرى القميص
ليرتدّ طرف الفرات بصيرا
وتكبر فينا الأماني
وتغدو نخيلا
بكينا
بكينا طويلا
وما ثار في النيل حَرّ السؤال
وما أسمع النيل
واحسرتاه
جوابْ
00000
وكانت هنالك بغداد
تسأل أين الكنانة
مهد الرجالْ
وحصن الشموخ الذي ما اعتراه
كلالْ
وأين الكنانة في حمأة الموت...أينَ
فإنّ بها ألف " عمرو"
يلملم جرح "الخليلِ"
ويدفع عن موصل العزّ سيف " الصليب"
ويمسح بالنيل دمع "الهلال"
--
وحين صرختِ وأسندتِ ظهرك للحزن
طافت بنا ألف ذكرى
رأينا الطريق إلى كربلاء جفافا
رأينا الأسى
يبسط الظل في صدر يافا
رأينا الزلازل تجتاح كابول
تزرع في الخافقين الخلافا
رأينا على البعد كشمير تستصرخ النيل ولهى
عروسك قد زفّها الموت للهند ويحك يا نيل
كيف تبارك هذا الزفافا
وويحك يا نيل
كيف توانيت دهرا ؟
تذكر تذكر
لقد كانت القدس تبكي
وتسند أحلامها الجامحات على صدر طنطا
وتستلّ منها
رغيف الحياة
فما آدها الوهن يوما
وما طاف في مقلتيها
ارتياب
--
- وحين التفتِّ وغمغمتِ: قلتَ:
بأنّ الكنانة حصن الهلال الأخيرْ
وأغنية النصر ينشدها الطيبونْ
وفوّهة البندقية حين يلوح المصيرْ
وقلتَ بأن السيوف بفسطاط عمرو
تحنّ لفرسانها الكامنينْ
- أجل قلتُ، لكنكم تعجلونْ
- رأيتَ النخيل ببغداد يبكي؟
رأيتَ بعينيك فلوجة العزّ تسبح في دمها الثرّ والأمنياتْ ؟
رأيتُ، ولكنْ:
رأيت "الرشيد" يخط لـ"نِقْفور" بالبندقية فصل الخطابْ