عِطْرِيَّةُ المَطَر!

أ. د. عبد الله الفَيْفي

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيْفي

[email protected]

كَبَصْمَةِ عَيْنِ (ارْمُسْتُرُنْغَ) على القَمَرْ

أَصُوْغُ اندهاشاتِي بِعِطْرِيَّةِ المَطَرْ

تقولُ : لقد أَزَرَيْتَ ؛ إذْ زُرْتَ غَيْمَتِي،

فَشَيَّأْتنِيْ في الكَوْنِ وَجْهًا مِنَ الغَبَرْ؟

أَرَى الحُبَّ يَحْسُوْ مِنْ لَماهُ سُلافَهُ

ويَفْنَى بما في كَأْسِهِ فارَ وانْهَمَرْ

ولَوْلا لواءُ الطَّبْعِ في الطَّبْعِ، قائدًا،

تَساوتْ سِبَاعُ الطَّيْرِ والنَّاسُ في النَّظَرْ

لِكُلٍّ جَنَى رُؤْيَاهُ، والذَّوْقِ، والنُّهَى؛

فذا راقَ في عَيْنٍ، وذا راقَ في أُخَرْ!

T T T

فقلتُ : مَعاذَ الحُبِّ ، و الحُبُّ كَوْكَبٌ

يُعَرِّى بِنا بَوْنَ الهُيُوْلى عنَ الصُّوَرْ

ودَهْشَةِ مَنْ رادَ الفَضاءَ بِصَوْتهِ،

وحَطَّ أمِيْرًا بَيْنَ تَيَّاهَةِ الغُرَرْ!

بعَيْنَيْكِ أنتِ ، يا صديقةَ رِحْلَتِيْ،

طَلَعْتِ وغَيْمًا فَاهَ مِنْ آخِرِ القَدَرْ

وقَدْ أَمْحَلَ الأَرْضُوْنَ والنَّاسُ واللُّغَى

فما تَنْقُشُ الأَنواءُ فينا سِوَى الضَّجَرْ

هَطَلْتِ بِقَلْبِيْ ، مِثْلَما طاحَ نَيْزَكٌ

مِنَ اللَّيْلَةِ الأَفْعَى ، فأَجريْتِني نهرْ

ويَمْضِيْ على دَرَّاجَةِ الرِّيْحِ لَيْلُنا

لِيَنْبُتَ طِفلًا لا يَنامُ على سَفَرْ!

T T T

أعَشْتَارُ ، منكِ ، مِن ثَراكِ تَثاءَبَتْ

كِتاباتُ عَصْرِ الرُّوْحِ مِنْ راحَةِ الحَجَرْ

هناكَ رياحيْ في غَلائلِ غَيْمِها

تَجُوسُ حُقُوْلَ النَّارِ والنُّورِ والخَطرْ

ومنْ رِئَتَيْها للأَجِنَّةِ يَقْظَةٌ

سَرَتْ في شُعَيْراتِ الدِّماءِ وفي الشَّجَرْ

إليها المنَى تَهْفُو ، ومنها النُّهَى هَوَى،

وهذي الدُّنَى تدْنُوْ، وتَنْأَى، وتُنْتَظَرْ!

فأنتِ بها أَمْنٌ ، وأنتِ لها رَدًى،

تنامُ على جَفْنَيْكِ حُلْمًا مِنَ الحَذَرْ!

T T T

إذا هَبَّ لِيْ رِئْماكِ دِفئًا ، تخاصَرَتْ

رَبابٌ ، ومادتْ بيْ رِحابٌ مِنْ الخَدَرْ!

«وَصِرنا إِلى الحُسْنَى وَرَقَّ كَلامُنا»

وما كُنْتَ تدري، يا امرأَ القَيْسِ، ما الدُّرَرْ

فليلايَ لا مِثْلٌ ، وسُعدايَ لا أبٌ،

ولُبْنايَ لا أُمٌّ ، وما هذهِ بَشَرْ

وهل سَمِعَ الغَاوُوْنَ مِنْ قَبْلِ دانَتِيْ

بِمَنْ دَمُها عِطْرٌ ، ومَنْ فَمُها زَهَرْ؟

فَغَنِّ، وبُحْ ما شِئتَ ، ما ذُقْتَ شَهْدَها!

ولا حَلُمَتْ «قِفْ نَبْكِ» يَوْمًا بِذا الحَوَرْ!

ولا اشتَعَلَتْ في حَرْفِكَ الشَّمْسِ جَذْوَةً،

ولا شَرِبَتْ تَيْماءُ غَيْثًا كذا المَطَرْ!

T T T

ولو عَرَفَ الألحانُ كُنْهَ مَقامِها،

لَمَا دار في صَوْتٍ صَداها ولا وَتَرْ

فإنيْ عَشِقْتُ الفَنَّ فيها تَغَطْرُسًا

فلَمْ يُبْقِ لِلْباغِيْهِ نَجْمًا ولم يَذَرْ

كَفانِيْ بِها عَنْقاءَ ، والشَّرْقُ مغَرْبِي،

فلا الفَرْعُ ما قالُوا ، ولا الأَصْلُ كالثَّمَرْ

حَضاريَّةٌ ، لا مُوْدَعُ السِّرِّ ضائعٌ

لديها ، وما يدْرِيْ ثَراها لها أَثَرْ

«كَبَيضَةِ أُدْحِيٍّ ، شَمُوْسٌ نِجارُها،

نَبِيَّةُ شَالٍ ، لا تُزَنُّ ، ولا تهرْ»

كذا رَسَمُوها قَبْلَ يُولَدُ رَسْمُها

وما جالَ في بَالٍ شَذاها ولا خَطَرْ!

T T T

تحِبُّ من الشَّدْوِ الأَصِيْلِ صَهِيْلَهُ

وتَعْشَقُ مِنْ كأسِ الحداثَةِ ما انْكَسَرْ

خُرافِيَّةَ الوَصْلَيْنِ ، ذو الكِفْلِ جَدُّها،

تُذِيْبُ الضُّحَى باللَّيلِ ، واللَّيلَ بالبُكَرْ!

T T T

فيا موطِنَ الآياتِ ، للحُبِّ آيةٌ

تَحِنُّ إلى كَفَّيْكِ .. والثَّغرِ.. والسَّكَرْ

تَعالَيْ ، صِبا أُسطورتيْ، مِنْكِ أَبْتَدِيْ،

وقُوْمِيْ مَقامَ السَّيْفِ في القَلْبِ إذْ عَبَرْ

فأنتِ النَّدَى والوَرْدُ والعِطْرُ والرُّؤَى،

وشِعْرُ الشَّذَى إذْ غَامَ ، والغَيْبُ إذْ حَضَرْ!