غريب سقيم للحياة أجاملُ

أوهام في عيد ميلادي التاسع والثلاثين

(30/7/2012)

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

لعلي لا أرى في الحياة إلا وجهها الذي أشقى وأردى من لدن مطلع يومها الأول وحتى ترد النفس في حفرة؛ هي أوسع من كل رحب في هذه الفانية التي يذكرني كل بزوغ يوم جديد فيها أن الأمل ميت فيها لا يبدل ولا يغير من عاداته شيئا، فمنذ تسع وثلاثين سنة هي تسعة وثلاثون جرحا ناغرا، ينز آلاما كاويا.

يَجِنُّ عَلَيَّ الليْلُ، والليْلُ خاذِلُ

       بِمُنْعَرِجٍ فيه الهُمومُ نَوازلُ

ليَ الويلُ من ضِيق الصدور ونَفْثِها

       تعاند روحا، والبلاء مُخاتلُ

وهذي خطوب الحادثات عَرَكْنَنَي

       بسهم الرزايا والشقاءُ سلاسلُ

عَلَيَّ بها تَهْذي بكل مجونها

       بريحٍ تحرق الفجر الذي هو راحلُ

على القلب تجثو تَسْتَكِنُّ بحرِّها

       فتصعد للعينين منها القلاقلُ

تظلُّ بِثِقْلِ الوقتِ تنظر عَلَّها

       تُزَجَّى بشر الحِمْل منها الحواملُ

فإن يكُ في القلب العليل تولهت

       هموم تُغِلُّ النفسَ منها الغوائلُ

فيا أيُّها الموتُ الجليلُ تجلّيَنْ

       ويا قبريَ المَوْصودُ، أين المعاولُ؟

فما عاد في شَوْقِ الحياة تشوّقٌ

       وما عاد للأفراح تحدو الزواجلُ

وهلت بروق تحرق النفسَ نارُها

       فصارت رمادا شارحا يتخايلُ

وغاب الذي كان الوعود تُجِنُّهُ

       ومات الذي في الفكر يرجوه خاملُ

وصد صدودَ الذاهلين أحبةٌ

       وغامت بلا أمن، تُشَدُّ الرواحلُ

تهدّ رياح اليأس أحلامنا التي

       بكل حروف الموت تتلى وتمثُلُ

وشتَّتْ كتشتيت الغواية صحبةٌ

       وزاد بهجْر في الضلالة عاجلُ

ومات بعيني كلُّ أبيضَ فاتنٍ

       وصارت بأكفان تموج وتُعقَلُ

وتذبُل في الدرب الغراسُ خجولةً

       وتُضحي كأن الفأسَ فيها يُداولُ

أداوي جروحا قرّح اليأسُ حدّها

       فتخسأ آمالي، ويردى المُحاولُ

وإنيَ قد عشت الثمانيَ بعدها

       ثلاثون عاما بالجراح أُباهلُ

وإنيَ ما عشتُ العُمَيْرَ حقيقة

       ويمضي شقاء شاحبا يتآكلُ

ففي كل عام تشرق الشمس أرتجي

       خلاصا لهمي، بالسعادة آملُ

ولكنْ أرى دهري يعيد سلاحه

       سيوفا بحد الشفرتين يقاتلُ

فيقتل آمالي وأمضي كما أنا

       غريب سقيم للحياة أجاملُ

وإنيَ لا أشكو لفقر وحاجة

       وعاهة أجساد بها أتمايلُ

ولكنْ لراحة بال قد سلبت سلامها

       فأغدو صريعا بالهداية جاهلُ

فكيف لروحي أن تنام بليلها

       وسهم الليالي نحو قلبي يناضلُ

تنام عيون الساهرين وأمتطي

       نجوما بليلي بالخواء أقابلُ

فيا ليلُ إن الهمَّ بعض أحبتي

       فهلا تُهَرَّبُ بعضَ وقتٍ، تماطلُ

وأصحو وفي أذني رعود وجلبةٌ

       أخامر أصواتا، تزنُّ المراجلُ

وإني أخاف الليل والليل مزعجٌ

       يحيط بركبٍ للسآمة ناهلُ

أحاول أن أبكي أفرّج كربتي

       فتأبى دموع العين، فيّ بواخلُ

ويُشقي فؤادي صِبية وصبيةٌ

       ضعاف يدانون الحياة غوافلُ

فلم أتركِ الأحلام تجري بفكرهمْ

       فأشقيتهم بالبؤس، والفرح غائلُ

فهل يا ترى كانوا ضحية عيشتي

       أجرهم إلهي، والشر بالجد بازلُ

وجنبْ إلهي صبيتي وصبيّتي

       لئاما لهم في الناجذَيْن مقاتلُ

ووسع إلهي صدرهم بمعيشةٍ

       وراحة بال لا شقاءٌ يثاقلُ

ومتّعْ إلهي بالسعادة جمعهمْ

       ينامون جذلى، في الهدوء أوائلُ

فإني دعوت الله أطلب عونه

       بتفريج كرب النفس، والنفس تأملُ

أغثني إلهي يا عليم بحالتي

       فغوثك رحمات، وحكمك كافلُ

أسلّمُ روحي للرحيم لعلني

       أشفى وأرضى، والحتوف نواهلُ