قلبي لها..

قلبي لها..

صالح أحمد

[email protected]

رشّي النّعاسَ على السّرايا زفرةَ النّهرينِ؛ فالموتَ الزّؤام.

رشّي الصّدى من غيمةٍ عبَرَت ولم ترشُفْ نَداها البيدُ...

لم تسهدْ لها الكُثبانُ...

لم توقِد لليلِ الموتِ فيها شُعلتين...

رشّي المواجِعَ دجلةَ الخيراتِ، لن تَبقَي وحيدَةْ..

واللّيلُ يستلقي على بوابةِ الخِذلانِ... والشّفقِ المُعَتَّقْ.

والرّملُ يحبَلُ باستِعارِ الأمنياتِ...

عسى تصيرُ لنا حِكايَة..

ونَرى الزّمانَ على مفارِقِ صمتِنا إغفاءَتين

فنهبُّ للحرّيةِ العجفاءِ بالخبزِ المهمّشِ في موائِدِ من يعاني تُخمَتين

ونصُدُّ من يغدو ليرسمَ قلبَهُ فجرًا..

ونَرجُمُ حُلمَهُ: ماذا؟ وكيف؟

ونُعِدُّ بالأوهامِ أقبيةً تغصّ بكلّ أمنيةٍ وقلب.

رشّي الموانِئَ دجلةَ الخيراتِ بالوعدِ المُغَرَّبِ سَكرَتين

لستِ الوحيدة..

كلّ الموانِئِ باكياتٌ...

حينَ يغدو الموتُ أمنيةَ المُهَجّرِ... والحكايَةُ رَعشَتينْ.

هذا الخيالُ العبقريُّ يزجُّ كلَّ المُبعَدينَ بغربَتينْ

رشّي المواجِعَ دجلَةَ الميعادِ... لم تبدأ حكايتُنا معا...

فتأجّجَت في النّفسِ عاصفةٌ...

وأعلَنَ حبّيَ العِصيانَ ..

والتَحَقت بجرحي غيمتان.

يا دجلةَ الخيراتِ... ما لونُ الزّمان؟

صمتٌ! وفي بيروتَ ينتحِرُ الصّدى...

صمتٌ! وفي صنعاءَ ينتحِبُ المدى...

صمتٌ! وفي قِرطاجَ تاريخٌ يُحاسِبُ نفسَهُ...

ويَضِجُّ في بردى رحيقُ الكبرياءْ...

وعلى شطوطِ النّيلِ تكتَحلُ الظّباء.

يا دجلةَ الخيراتِ... ما شكلُ الرّجاء؟

أعدو؛ يحاصرُني الرّصيفُ على مجامِرِ الاشتِهاء!

والنّارُ تلهَثُ في دَمي،

ودمي تطارِدُهُ الجِهاتْ.

النّزفُ حينَ يُفارِقُ الشّريانَ لا لغةً يرَوّعها صَداهُ، ولا جهةْ.

جُبِلَ الرّصيفُ بصوتِنا؛

فتباعَدَت عنّا أساطينُ الوعودْ.

صُبّي على وجعي –دمشقُ- حريرَك المشتاقَ لي قلبًا وعينْ

كنّا عرايا؛

كانَ مَنفذُنا الوحيدُ ظلالَنا؛

الخوفُ يَسكُننا، وتحرُسُنا المرايا!

أعمارُنا كم صادَفَتنا حينَ كنّا نمنحُ المرآةَ رعشَتَنا ومعنى الالتجاء.

والقلبُ يسرِقُ من عيونِ اللّيلِ لونًا للرّحيلِ، وللغِناء.

مثلي وجدتُكِ يا دمشقُ...

ترينَ في ليلِ المَرايا خيمَةَ تؤويكِ إن عطِشَ السّحاب!

ملأوا عيونَ اللّيلِ بالأستارِ؛ فارتَسمَت قَبيلة.

آخوا جُنونَ الرّيحِ، وامتَشقوا سهامَ اللّذةِ السّوداءَ،

شقّوا خَيمَةَ الأركانِ، دَسّوا زئبَقَ التّرحالِ في ليلِ المدينة...

سكَنَ الحنينُ –دمشقُ- طُهرَ مساجِدي؛

فتسابَقي عَبَقَ البراعِمِ من جُذورٍ مُترَعاتٍ بالنّماءْ.

سَكَنَ الحنينُ خُطاكِ فالتحفيهِ جسرًا للنّهار

سكَنَ الحنينُ –دمشقُ- جُرحَكِ،

فامنحي بَرَدى براءاتٍ ليَحضِنَ لهفَتي، ويُذيبَ ألوانَ الرّحيل..

عطِشَ الفُراتُ لنَزفِ شِرياني دِمشقُ،

فهيّئي وطَنًا يَصُدُّ مواجِعَ الإبعادِ، والسّفُنَ الغَريبةْ.

سكنَ الحنينُ –دمشقُ- عُذرَكِ،

لن تظَلَّ هويّتي رقمَ الحقيبَة،

أو ملامِحَ سُطّرَت فوقَ الجَبين!

هذا الخيالُ العبقريّ مهيّأٌ ليزجَّ خَطوَ الخائفينَ بغربّةٍ قسريّةٍ حدّ البكاءْ.

سُفُنُ الرّحيلِ أعَدَّها،

وكذا المَواني القاتِمة.

فتيمّمي يا دجلةَ الخيراتِ طُهرًا من رمالِكِ كي أؤمَّكِ ساجدا

ما زالَ في صدرِ المكانِ بقيّةٌ من رعشَةٍ؛

واللهفَةُ العذراءُ تنحَبُ في دمي:

يا نيلُ خانتكَ القلوبُ المُفرَغَةْ!

فاصعَد على وجعي بعيدًا عن مرايا اللّيلِ؛ عن فخِّ القضايا العابِرَةْ.

واصعَد إلى نبضي لنطرُدَ عن مَواجِعِنا المَنافي، والرّكونَ إلى مساحات البُكاءْ.

عادَ المناخُ الشاعِريْ...

يمتَدُّ من وجَعِ الحدود.

والشّعرُ بادِيَةٌ تمَطّت في عُرِيِّ كِيانِنا..

الشّعرُ بادِيَةٌ تُؤَرّقُها الخُطى..

قلبي لها..

ما زالَ في صدرِ الزّمانِ بقيّةٌ من دَفقِ نورٍ قد تفجَّرَ فوقَها..

أصلُ المودّةِ آيَةٌ قدسيَّةٌ؛

عَبَقت لينتَصِرَ اليقينُ على اللّغة.

أصلُ الموَدَّةِ من جنينِ رِسالَةٍ؛

شَمَخَت لينتَصِرَ البَيانُ على القبيلة.

صحراءُ فالتَحفي دَمي!

ولتَزرَعيني في شِعابِكِ صرخَةً:

قلبي لها..

يا دجلة الخيراتِ!

يا نيلَ المَحَبَّةِ!

يا فُراتْ!

قلبي لها..

عطِشَ الزّمانُ لطُهرِها؛

انكسَرَت مرايا الوهمِ؛

ثَمَّ تبَعثَرَت أحلامُ قافلةٍ مَضَت...

والظّهرُ يُخفي طَعنَتين!

قلبي لها..

أتُرى شَبِعنا يا رمالُ تَغرّبا؟

فتريّثي..

إني رأيتُ بما يَرى الصّاحي بأرضِكِ زَحفتينْ:

نوراً، وشمسًا تَستظلُّ بغيثِكِ القُدسِيْ.

ربيعًا زاحِفًا...

خيرًا يعمُّ القبلَتين.