أنا الغيب في الحسّ

محمد حسين فضل الله

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

كمثل الحكايا التي تولد الطفولة فيها

ويهفو الشباب

كقصة فجرٍ أطلَّت رؤاه على الأفق

في عتمات الضباب

كما الحلم في همسات الجفون

يهمهم للشمس

عند الغياب

كما الليل يغفو على ساعد الشواطئ

في همهمات الضباب

كما الزمن الحائر المنحني

على الكون في أمنيات السراب

كما الروح تسمو، مع الغيب حتى

تحلق في روعة وانجذاب

* * * *

أنا ها هنا

أستحثّ الشروق

ليشرق قلبي بسر الشهاب

وأمضي وأمضي، بعيداً بعيداً

إلى أين يا غيب هل من جواب؟

هو السر، مهما دنت الخطى

إليه فلن تلتقيه الرغاب

هو الحبُّ

روحٌ ووحيٌ وعمقٌ وومضة نورٍ

ونجوى عذاب

ويشمخ أفقٌ وتركض أرض

ويهتزّ كونٌ ويضرى الخراب

ويبقى لعينيّ لمح الضياء

يداعب في الحلم سرَّ السحاب

وأهوي مع العمق في الذات، حسّاً

وأمتد وحياً، بكلِّ الرحاب

وأحيا مع الموت، غيبوبةً

تهدهدني في بالأماني العذاب

* * * *

أنا السر تبكي أحاسيسه

وتضحك أحلامه في العذاب

غموضي وضوحٌ

وليلي فجرٌ

ونجواي تفتح لي ألف باب

* * * *

كمثل الحكايا التي تلتقي

الرؤى الخضر فيها بوحي الترابِ

وينطلق الوعد في كلِّ حلم

كما الحب في كلِّ قلب مذاب

حضنتك كلمة سر تغيب

تطوف بروحي عند الإياب

ولكنني هائمٌ في الشروق

أناجي الجمال وأحسو الشراب

وأحياك في السحر يملأ قلبي

كما العشب يبدع خضر الحباب

ويبقى لذاتي عمق الحكايا

فتهوي القشور ويبقى اللّباب

* * * *

أنا الكون

لا يجمد الحس فيه

ولا ينطوي في مداه الكتاب

وأنت صنعت لي الكون روحاً

تمزق ـ بالوحي ـ كل الثياب

* * * *

أنا الغيب في الحس، إن المدى

بعيدٌ.. ولكنني في اقتراب

هو الليل يطغى وتبقى الدياجي

تشير إلى الفجر عند الغياب

* * * *

شعوري نار وروحي نسيم

وقلبي ربيع وعمري يباب

ويهمس لي العشب أن اخضرار الولادة

سر الذهاب

* * * *

إلى أين، يا عمر، هل من طريق

إلى النور، في تلعات الهضاب

هو النهر يحمل سر الذُرى

إلى العمق في همسات الصعاب

وتجري الينابيع نحو البحار

في لهفة من وراء الشعاب

ويعدو بنا الموت

في لفتة الحياة إلى الخلد

في خطوات المآب

ويبقى الجمال على دربنا

مع العشق في غمرة الالتهاب

وأنت.. وتهمس كل الشموس

هو النور في عتمات الغياب

هو العطر في أمنيات الورود

هو النبع في خطرات السراب

هو الحقُّ أنْ يعبث الوهم فينا

هو الحس في الغيب في كل باب

* * * *

وأنت... ولا شيء إلا هُداك

فمنك الثواب ومنك العقاب

ونمضي وتهفو هموم النجاوى

وتهمس ـ يا رب ـ هل من جواب

وأنت الحقيقة في كل أفق

نحدّق فيها أمام الحساب