صَادرَني البحْرُ
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]
قـد صادرَ البحرُ أقدامي وصوتَ أبي
وعـبّـأتـنـي ببطنِ الحوتِ رحلتنا
وصـادرَ الـلـونَ مـن فرشاةِ آهتِنا
وشـدَّ رجـلـي عـلى رجلي وخلّفني
وظـلـتِ الأرضُ عـرجـاءً كقافيتي
فـلا حـروفـي تقيلُ النارَ عن رئتي
فـرحتُ أشكو انحسارَ الماءِ عن مُدني
فـأيـنـع الـقحطُ فينا رجفَ مجمرةٍ
فـلا سـيـولـي أقامتْ حدَّ غضبتِها
ولا سـدودي تـمـدُّ الـضلعَ قنطرةً
ولا أعـارَ الـقـطـا الـتوبادَ أجنحةً
فـرحـلـةُ الصيفِ ما عادتْ بمجديةٍ
فـكـل عـطـرٍ بـنـا فاحَتْ أطايبُه
والأفـقُ يـغـزلـنا في صوتِ شهقتِه
والـرَّعـدُ يـقصفُ لي أوتارَ أغنيتي
شـاختْ عيوني وقلبي غابَ في طبقٍ
وفـي فـضـائي سديمُ الوهمِ يسكنني
مـا زالَ يـجـري على مدٍّ يُراودُني
لـعـلّـهُ عن دروبِ الأمسِ يرجعني
وكـي أقـيـمَ بـكـهفِ الروحِ مقبرةً
أخـاتـلُ الـمـوجَ حتى أستعيدَ فمي
سـدَّتـهُ عـني رؤى الأكفانِ وانكفأتْ
وأسـكـرَتْ شـفةُ التابوتِ جمجمتي
فـأقـتـفـي طـرقَ الآلامِ في دجري
عـلـي أعـيد لنبضي بعض هاجسِه
يـلـقـي عـلى قلقي شبّاك أرصفتي
أصـيـحُ بـالماء ظلَّ الماءُ يحطبني
هـاك احـتـراقي وإطفيء ما يخبئني
مـتـى سـأرتـاد أنـفـاسي بظلمتها
شظيت بي عصبي في أضلعي احتدمت
افـر مـنـي إلـى دنـيـا مـموهة
لـم يـبـق مـني سوى روح مشوشة
فـأطـلـقـي غابة النسيان في مدني
أنـا الـمـؤجل عن موت يحاصرني
ومـن يـعيد صهيل الخيل لو جمحت
ومَـنْ يـعـيـدُ لـنـا سيفا لمعتصمٍ
ومَـنْ يـرد سـيـول اليأس غاضبة
فـيـا ولاتـي ردوا عـن نـقاء فمي
ومـن يـرد هـوى رأسـي إلى كتفي
بـغـداد فـانـتظري عرسا يجيء لناوفـي عـيـوني رمى أرجوحةَ التعبِ
ومـوجـتي اختصرتْ أجفانَ مغتربي
وخـضّـبَ الدمعةَ الخرساءَ في الهُدُبِ
طـفلاً أعاني انكسارَ القطرِ في السُّحُبِ
بـهـا أبـاحَ الـظـما زيتونةَ العتبِ
ولـيـس مـحبرتي تحكي إلى كُـتبي
وراحَ يـشـكـو خـريرُ النهرِ للقِرَبِ
وأجّـلـتْ مـوتَـها عن وعدِها كُثبي
ولـيـس يـعصمُني عن فيضِها أدبي
ولـيـس يـنـقذني من ميتتي هَرَبي
بـهـا يـطـيـرُ بأجواءٍ من العَجبِ
وليس يجدي ارتماءُ الروحِ في الصّخبِ
يـظـنُّ بـيتي غفى في قِمـّةِ الشُّهبِ
والـبـرْقُ يـنثرُنا جمراً على اللهَبِ
وصـوت نـايٍ تـراءى من شفاهِ نبي
مـن الـجـنـونِ يعاني لوثةَ النُّصُبِ
يـديـرُ مـوتاً وحيناً يمتطي عَصبي
ويـقـتـفـي أثري في ساحةِ الرِّيبِ
ويـسـتـردّ رقـيمَ الصمتِ من تُرَبي
لـلـسـنـدبـادِ فيا روحي له فـثبي
مِـنْ مـبـضعِ الحزنِ مجلوٌّ به أرَبي
دِلالُ حـزنـي وَخـبّـا لونـَه طرَبي
بـمـا تـخمّرَ من حزني ومن سَغبي
وغـيـبُ مـوتي بأكفانٍ من الحُجُبِ
وكـي أردَّ لـزيـفِ السَّخطِ والعطبِ
وتـلـتـظي طرُقي من شوكةِ الكذبِ
ولا يـفـيـق فـمي من غمرة الحببِ
عـن الـجحيم وبثَّ النارَ في الخشبِ
لـيـحملَ الوهمُ في صحرائه رِيبي ؟
مـشـاعر الرعب عرّى رعبها رهبي
مـن الـلجاجات محرابي بها صخبي
وغـيـر صوت تناهى من فم القصَبِ
وحـطـمـي لو وعت سخرية الحِقبِ
فـمـن يلم الصدا المزعوم عن قضبي
ومَـنْ يجذُّ ارتعاشَ الخوفِ في الرُّكبِ
قـد غـادرت حَـدَّه تـرنيمةُ الطربِ
عـلـى دفـاتـر سكري دونما سببِ
مـعـارك النار لاحت في عيون غبي
ومـن يـعـيـد دمَ الـتاريخ للعربِ
فـي رفّـة الشمس تيّاها على السُّحُبِ